المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخوف من الشرك


كيف حالك ؟

البلوشي
10-23-2011, 10:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد باب الخوف من الشرك وقول الله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)
وقال الخليل عليه السلام: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) (17) وفي حديث: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، فسئل عنه فقال: (الرياء) وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار) [رواه البخاري]. ولمسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار).


قال العلامة الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله

الشرك في توحيد الإلهية والعبادة ينافي التوحيد كل المنافاة وهو نوعان : شرك أكبر جلي , وشرك أصغر خفي , فأما الشرك الأكبر فهو أن يجعل لله ندا يدعوه كما يدعو الله , أو يخافه أو يرجوه أو يحبه كحب الله , أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة , فهذا الشرك لا يبقي مع صاحبه من التوحيد شيء : وهذا المشرك الذي حرم الله عليه الجنة ومأواه النار , ولا فرق في هذا بين أن يسمي تلك العبادة التي صرفها لغير الله عبادة أو يسميها توسلا أو يسميها بغير ذلك من الأسماء فكل ذلك شرك أكبر لأن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها دون ألفاظها وعباراتها .
وأما الشرك الأصغر فهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك فإذا كان الشرك ينافي التوحيد ويوجب دخول النار والخلود فيها وحرمان الجنة إذا كان أكبر وأنه لا تتحقق السعادة إلا بالسلامة منه كان حقا على العبد أن يخاف منه أعظم خوف وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه ويسأل الله العافية منه كما فعل ذلك الأنبياء والأصفياء وخيار الخلق وعلى العبد أن يجتهد في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته وذلك بكمال التعلق بالله تألها وإنابة وخوفا ورجاء وطمعا وقصدا لمرضاته وثوابه في كل ما يفعله وما يتركه من الأمور الظاهرة والباطنة فإن الإخلاص بطبيعته يدفع الشرك الأكبر والأصغر , وكل من وقع منه نوع من الشرك فلضعف إخلاصه .


قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله


المنزلة العظيمة التي نالها إبراهيم عليه السلام من ربه، ومع أنه قاوم الشرك وكسر الأصنام بيده، وتعرض لأشد الأذى في سبيل ذلك حتى ألقي في النار، مع ذلك خاف على نفسه من الوقوع في الشرك، لأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، ولهذا قال بعض السلف: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟"، فإبراهيم خاف على نفسه الوقوع في الشرك لما رأى كثرة وقوعه في الناس، وقال عن الأصنام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}.
وفي هذا أبلغ الرد على هؤلاء الذين يقولون: لا خوف على المسلمين من الوقوع في الشرك بعدما تعلموا وتثقفوا، لأن الشرك بعبادة الأصنام شرك ساذج يترفع عنه المثقف والفاهم، وإنما الخوف على الناس من الشرك في الحاكمية، ويركزون على هذا النوع خاصة، وأما الشرك في الألوهية والعبادة فلا يهتمون بإنكاره، وعلى هذا يكون الخليل عليه السلام وغيره من الرسل إنما ينكرون شركاً ساذجاً!!، ويتركون الشرك الخطير وهو شرك الحاكمية كما يقول هؤلاء.
قال: "وفي الحديث" أي الحديث الذي رواه أحمد والطبراني والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر ولسادات المهاجرين والأنصار، الذين بلغوا القمّة في التّوحيد والإيمان والجهاد في سبيل الله، ومع هذا الرسول يخاف عليهم، فمن يأمن بعد هؤلاء؟: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، فسئل عنه فقال: "الرياء" هذا دليل على اهتمام الصحابة في الأمر، والرياء معناه: أن الإنسان يتصنّع أمام الناس بالتقوى، والعمل الصالح، وإتقان الصلاة، وغير ذلك، من أجل أن يمدحوه، فالرياء من الرؤية أن يحب الإنسان أن يراه الناس وهو يعمل العمل الصالح من أجل أن
يمدحوه، والسُّمعة أن يحب الإنسان أن الناس يسمعون كلامه ويسمعون عمله ويمدحونه، فالرياء لما يُرى من الأعمال، والسُّمعة لما يسمع منها.
والرياء شرك خفي، لأن الشرك على نوعين: شرك ظاهر وشرك خفي، الشرك الظاهر: الذي يتمثل في الأعمال والأقوال، بأن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله، أو يستغيث بغير الله، هذا ظاهر يراه الناس ويسمعونه، لكن هناك شرك خفي لا يدري عنه الناس، لأنه في القلب، لا يعلمه إلاَّ الله سبحانه وتعالى، وهو الشرك في النيّة والإرادة، فالإنسان إذا سَلِم من الشرك الأكبر فإنه قد لا يسلم من الشرك الأصغر الذي يكون في القلوب، وهذا مما يُعطي المؤمن الحذر الشديد.
والرياء من صفات المنافقين، يقول الله تعالى في المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً(142)} والله تعالى توعّد المرائين، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ(6)} فوعدهم الله بالويل، وجاء في الحديث أن الله يقول للمرائين يوم القيامة: "اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم في الدنيا هل تجدون عندهم جزاءً".
فهذا الحديث فيه الخوف من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خافه على سادات المهاجرين والأنصار، وعلى أفضل هذه الأمة، فكيف بمن دونهم، وإذا كان هذا في الشرك الأصغر الذي لا يُخرج من الملّة فكيف بالشرك الأكبر- والعياذ بالله-.
وفيه دليل على وجوب إخلاص النية لله عزّ وجلّ، وان الإنسان لا يقصد مدح الناس أو ثناء الناس أو مطامع دنيا بأعماله الصالحة، وإنما يخلص النيّة لله عزّ وجلّ، يريد وجه الله، فإن عَمِل من أجل الرياء فعمله باطل.

12d8c7a34f47c2e9d3==