المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب عدم الإعتراف بالحق


كيف حالك ؟

هادي بن علي
10-05-2011, 12:14 AM
أسباب عدم الإعتراف بالحق للعلامة عبدالرحمن المعلمي رحمه الله من كتاب القائد الى تصحيح العقائد


الدين على درجات : كف عما نهي عنه ، و عمل ما أمر به ، و اعتراف بالحق ، و اعتقاد له و علم به . و مخالفة الهوى للحق في الكف واضحة ، فان عامة ما نهي عنه شهوات و مستلذات ، و قد لا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لذاته ، و لكنه يشتهيه لعارض . و مخالفة الهوى للحق في الاعتراف بالحق من وجوه :
الأول : أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل ، فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه و معلمه على أنه حق فيكون عليه مدة ، ثم إذا تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف بذلك ، و هكذا إذا كان آباؤه أو أجاده أو متبعوه على شيء ، ثم تبين له بطلانه ، و ذلك أنه يرى أن نقصهم مستلزم لنقصه ، فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه ، حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا إذا وقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف على أم المؤمنين عائشة و غيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة ، لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها ، فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت و أن من خالفها من الرجال أخطأوا ، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال ، فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقاً ، فينا لها حظ من ذلك ، و بهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، و غير ذلك . حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري ! .
الوجه الثاني : أن يكون قد صار في الباطل جاه و شهرة و معيشة ، فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد .
الوجه الثالث : الكبر ، يكون الإنسان على جهالة أو باطل ، فيجيء آخر فيبين له الحجة ، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص ، و أن ذلك الرجل هو الذي هداه ، و لهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الإعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه و نظره ، و يشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له .
الوجه الرابع : الحسد و ذلك إذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل و العلم و الإصابة ، فيعظم ذلك في عيون الناس ، و لعله يتبعه كثير منهم ، و إنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئه غيره من العلماء و لو بالباطل ، حسداً منه لهم ، و محاولة لحط منزلتهم عند الناس .
ومخالفة الهوى للحق في العلم و الإعتقاد قد تكون لمشقة تحصيلية ، فإنه يحتاج إلى البحث و النظر ، و في ذلك مشقة و يحتاج إلى سؤال العلماء و الإستفادة منهم و في ذلك ما مر في الاعتراف و يحتاج إلى لزوم التقوى طلباً للتوفيق و الهدى و في ذلك ما فيه من المشقة . و قد تكون لكراهية العلم و الإعتقاد نفسه و ذلك من جهات ، الأول ما تقدم في الاعتراف فأنه كما يشق على الإنسان أن يعترف ببعض ما قد تبين له ، فكذلك يشق عليه أن يتبين بطلان دينه ، أو اعتقاده ، أو مذهبه ، أو رأيه الذي نشأ عليه ، و اعتر به ، و دعا إليه ، و ذهب عنه ، أو بطلان ما كان عليه آباؤه و أجداده و أشياخه ، و لا سيما عندما يلاحظ أنه أن تبين له ذلك تبين أن الذين يطريهم و يعظمهم ، و يثنى عليهم بأنهم أهل الحق و الإيمان و الهدى و العلم و التحقيق ، هم على خلاف ذلك ، و إن الذين يحقرهم و يذمهم و يسخر منهم و ينسبهم إلى الجهل و الضلال و الكفر هم المحقون ، و حسبك ما قصه الله عز و جل من قول المشركين ، قال تعالى : [ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ]
( الأنفال : 32 ) فتجد ذا الهوى كلما عرض عليه دليل لمخالفيه أو ما يوهن دليلاً لأصحابه شق عليه ذلك و أضطرب و أغتاظ و سارع إلى الشغب ، فيقول في دليل مخالفيه : هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات ، و هذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ و الضلال…. ، و يؤكد ذلك بالثناء على مذهبه و أشياخه و يعدد المشاهير منهم و يطريهم بالألفاظ الفخمة ، و الألفاظ الضخمة ، و يذكر ما قيل في مناقبهم و مثالب مخالفيهم ، و إن كان يعلم أنه لا يصح ، أو أنه باطل !

12d8c7a34f47c2e9d3==