المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كل راسخ لا يبتدع أبدا وإنما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم - الإمام الشاطبي


كيف حالك ؟

بن حمد الأثري
09-01-2011, 05:20 AM
قال الإمام الشاطبي-رحمه الله تعالى- في "الاعتصام"(1/145):

"أن كل راسخ لا يبتدع أبدا وإنمايقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم الذي ابتدع فيه حسبما دل عليه الحديث ويأتي تقريره بحول الله فإنما يؤتى الناس من قبلجهالهم الذين يحسبون أنهم علماء وإذا كان كذلك فاجتهاد من اجتهد منهي عنه إذ لم يستكمل شروط الاجتهاد فهو على أصل العمومية ولما كان العامي حراما عليه النظر في الأدلة والاستنباط كان المخضرم الذي بقي عليه كثير من الجهلات مثله في تحريم الاستنباط والنظر المعمول به فإذا أقدم على محرم عليه كان آثما بإطلاق
وبهذه الأوجه الأخيرة ظهر وجه تأثيمه وتبين الفرق بينه وبين المجتهد المخطئ في اجتهاده وسيأتي له تقرير ابسط من هذا إن شاء الله
................................"

ثم قال رحمه الله تعالى :" (فصل)
لا يخلو المنسوب إلى البدعة أن يكون مجتهدا فيها أو مقلدا والمقلد إما مقلد مع الإقرار بالدليل الذي زعمه المجتهد دليلا والأخذ فيه بالنظر وإما مقلد له فيه من غير نظر كالعامي الصرف
فهذه ثلاثة أقسام:
فلقسم الأول على ضربين:
أحدهما: أن يصح كونه مجتهدا فالابتدع منه لا يقع إلا فلته وبالعرض لا بالذات وإنما تسمى غلطه أو زلة لأن صاحبها لم يقصد إتباع المتشابه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويل الكتاب أي لم يتبع هواه ولا جعله عمدة والدليل عليه انه إذا ظهر له الحق أذعن له وأقر به
ومثاله: ما يذكر عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود انه كان يقول بالإرجاء ثم رجع عنه وقال وأول ما أفارق غير شاك أفارق ما يقول المرجئون .
وذكر مسلم عن يزيد بن صهيب الفقير قال كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد إن نجح ثم نخرج على الناس قال فمررنا على المدينة فإذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم
قال وإذا هو قد ذكر الجهنميين قال فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون والله يقول: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} و{كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} فما هذا الذي تقولون قال فقال: أفتقرأ القرآن قلت نعم قال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم
يعني الذي يبعثه الله فيه قلت: نعم قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم
المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار قال ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه
قال: وأخاف ألا أكون أحفظ ذلك قال: غير أنه قد زعم أن قوما يخرجون من النار بعد أن يونوا فيها
قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس فرجعنا وقلنا: ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله عليه وسلم فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد أو كما قال.
ويزيد الفقير من ثقات أهل الحديث وثقة ابن معين وأبو زرعه وقال أبو حاتم :صدوق وخرج عنه البخاري.
وعبيد الله بن الحسن العنبري كان من ثقة أهل الحديث ومن كبار العلماء العارفين بالسنة إلا أن الناس رموه بالبدعة بسبب قول حكى عنه من أنه كان يقول بأن كل مجتهد من أهل الأديان مصيب حتى كفره القاضي أبو بكر وغيره
وحكى القتيبي عنه كان يقول: إن القرآن يدل على الاختلاف فالقول بالقدر صحيح وله أصل في الكتاب والقول بالإجبار صحيح وله أصل في الكتاب ومن قال بهذا فهو مصيب لان الآية الواحدة ربما دلت على وجهين مختلفين
وسئل يوما عن أهل القدر وأهل الإجبار قال كل مصيب هؤلاء قوم عظموا الله وهؤلاء قوم نزهوا الله
قال وكذلك القول في الأسماء فكل من سمى الزاني مؤمنا فقد أصاب ومن سماه كافرا فقد أصاب ومن قال هو فاسق وليس بمؤمن ولا كافر فقد أصاب ومن قال هو كافر وليس بمشرك فقد أصاب لأن القرآن يدل على كل هذه المعاني
قال وكذلك السنن المختلفة كالقول بالقرعة وخلافه والقول بالسعاية وخلافة وقتل المؤمن بالكافر ولا يقتل مؤمن بكافر وبأي ذلك أخذ الفقيه فهو مصيب
قال: ولو قال قائل إن القاتل في النار
كان مصيبا ولو قال في الجنة كان مصيبا ولو وقف وأرجأ أمره كان مصيبا إذا كان إنما يريد بقوله إن الله تعبده بذلك وليس عليه علم الغيب !
قال ابن أبي خيثمة أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال كان عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن أبي الحريقي العنبري البصري اتهم بأمر عظيم روى عنه كلام ردئ
قال بعض المتأخرين هذا الذي ذكره ابن أبي شيخ عنه قد روى انه رجع عنه لما تبين له الصواب وقال إذا ارجع وانأ من الأصاغر ولأن أكون ذنبا في الحق أحب إلى أن أكون رأسا في الباطل ا ه
فإن ثبت عنه ما قيل فيه فهو على جهة الزلة من العالم وقد رجع عنها رجوع الأفاضل إلى الحق لأنه بحسب ظاهر حاله فيما نقل عنه إنما اتبع ظواهر الأدلة الشرعية فيما ذهب إليه ولم يتبع عقله ولا صادم الشرع بنظره فهو أقرب من مخالفة الهوى
ومن ذلك الطريق والله أعلم وفق إلى الرجوع إلى الحق
وكذلك يزيد الفقير فيما ذكر عنه لا كما عارض الخوارج عبد الله بن عباس رضي الله عنه إذ طالبهم بالحجة فقال بعضهم لا تخاصموه فانه ممن قال الله فيه بل هم قوم خصمون فرجحوا المتشابه على المحكم وناصبوا بالخلاف السواد الأعظم
وإما إن لم يصح بمسبار العلم أنه من المجتهدين فهو الحرى باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم إذ قد اجتمع له مع الجهل بقواعد الشرع الهوى الباعث عليه في الأصل وهو التبعية إذ قد تحصل له مرتبة الإمامة والاقتداء والنفس فيها من اللذة مالا يزيد عليه ولذلك يعسر خروج حب الرئاسة من القلب إذا انفرد ..فكيف إذا أنضاف إليه الهوى من أصل وانضاف إلى هذين الأمرين دليل في ظنه شرعي على صحة ما ذهب إليه فيمكن الهوى من قلبه تمكنا لا يمكن في العادة الانفكاك عنه وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه كما جاء في حديث الفرق
فهذا النوع ظاهر انه آثم في ابتداعه إثم من سن سنة سيئة."

12d8c7a34f47c2e9d3==