المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جواز قتل الثلث لبقاء الثلثين....نقد وبيان


كيف حالك ؟

ميرزا حسن
05-31-2011, 12:35 PM
الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على نبيه وعبده،،
اللهم إني أبرأ إليك من كل حول وقوة إلاّ بك وحدك، وبعد:
في الآونة الآخيرة –وفي وقت الفتن الذي تعيشه الأمة- صدرت عبارةٌ على لسان أحد العلماء –حفظه الله- وهي قوله: "يُرى في مذهب مالكٍ أنّه يجوز قتلُ الثُّلُثِ ليَسْعَدَ الثُّلُثان"
الأمر الذي حداني للبحث والفتش حول هذه النسبة للإمام الجبل مالك بن أنس –رحمه الله – والتي تردها العقول الصحيحة والفطر السليمة –فضلاً من أن تنسب لأهل العلم والفضل- ، لما فيها من مخالفة لمقاصد الشريعة ومصادمة للأدلة التي جاءت بحفظ النفس وصيانتها، وحددت العقوبات التي تحفظ بها النفوس ولم تترك المجال للتشهي والرأي المذموم.
فتحصل لي ما أرجو به سد باب الافتئات على الإمام مالك خاصة، وعلى المالكية عامة، بأنهم يرون جواز قتل ثلث الأمة لصلاح الثلثين..
والله الموفق وهو المستعان.

قال ابو المعالي الجويني في كتابه (البرهان في أصول الفقه) ج2 ص1113: "وأفرط الإمام، إمام دار الهجرة مالك بن أنس في القول بالاستدلال، فَرُئي يثبت مصالح بعيدة عن المصالح المألوفة والمعالي المعروفة في الشريعة، وجرّه ذلك إلى استحداث القتل،....."
وقال في نفس الجزء ص1121: "ولو ساغ ما قاله مالك رضي الله عنه –إن صح عنه- لاتخذ العقلاء أيام كسرى أنوشروان في العدل والإيالة معتبرهم، وهذا يجرّ خبالاً لا استقلال به"
وقال –أيضاً- ج2 ص1133: "حتى نقل عنه الثقات أنه قال: أنا أقتل ثلث الأمة لاستبقاء ثلثيها"

وذكر ابو حامد الغزالي –رحمه الله- في (شفاء الغليل في بيان الشبه والمُخيل ومسالك التعليل) ص247 –رسالة دكتوراة1969م- : "فإن قال قائل .......وإبقاء النفوس وتقليل الهلاك واجب وقد نُقل عن مالك –رضي الله عنه- : قتل ثلث الأمة لاستبقاء ثلثيها؛ عن طريق المصالح، فما رأيكم؟
قلنا: هذه بدعة لا يجوز القول بها؛ والوجه: التوكل على الله تعالى، وارتقاب نفوذ قضائه، فأما الإقراع، والتخصيص بالإهلاك به فمحال؛ لأن فيه قتل من ليس جانياً قصداً؛ ولا عهد في الشرع بتجريد القصد إلى قتل من ليس جانياً لمصلحة غيره، فمصلحة القتيل فاتت، ومصلحة غيره ليست أهم من مصلحته في حقه، ولا تُغَيّر مصلحة في حقه بالكثرة، ففي قتله تفويت كل أمره، وكيف لا، ولو أكره ظالم شخصين على قتل شخص واحد، لم يبح لهما القتل: لتكثير الابقاء، ولو أكره مسلم على قتل ذمي ، أو عالم تقي على قتل فاسق غبي –لم يحل له قتله: لمصلحة إحياء النفس وابقائها ؛ لا بطريق التقديم بالفضل، ولا بطريق التقديم بالكثرة؛ لأن المكره على قتله لا جناية من جهته؛ وحقه مرعي من عصمته في نفسه، فلا يجوز تفويته بالمصلحة.
فهذه مصلحة غريبة غير ملائمة لتصرف الشرع ؛ فليس في تصرفات الشرع مثل غير الجاني قصداً لمصلحة غيره، فهذا مثال المصلحة الغريبة"
قال المحقق حمد الكبيسي –في الحاشية- :أن الغزالي اعتمد في النقل على ما ذكر شيخه –أي الجويني- في البرهان (2| 336)، -قلت: ويؤيد هذا أن الغزالي –قال في خاتمة كتاب المنخول: وهو تمام المنخول من تعليق الأصول بعد حذف الفضول....والاقتصار على ما ذكره إمام الحرمين رحمه الله في تعاليقه، من غير تبديل وتزييد في المعنى وتعليل، سوى تكلف في تهذيب كل كتاب......،

وإليك –أخي الكريم- ما وقفت عليه في ذلك :
-قال القرافي في (نفائس الأصول شرح المحصول) ج9ص 4092 عند تعقبه للجويني في البرهان:"وأما ما نقله من إباحة الدماء والأموال بما قاله، فالمالكية لا يساعدونه على صحة هذا النقل عن مالك، وكذلك ما نقله عن الإمام في البرهان من أن مالكاً يجيز قتل ثلث الأمة لصلاح الثلثين، المالكيةُ ينكرون ذلك إنكاراً شديداً، ولم يوجد في كتبهم، إنما هو في كتب المخالف لهم، ينقله عنهم، وهم لم يجدوه أصلاً".
-وفي (مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل) للحطاب الرُّعيني ج7ص558: "وذكر أبو المعالي أن مالكا كثيرا ما يبني مذهبه على المصالح، وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين المازري، وهذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح انتهى. وفي بعض نسخ التوضيح ولكنه في تضمين الصناع، وانظر كلام القرافي في آخر شرح المحصول فإنه تكلم في مسألة المصالح المرسلة بكلام حسن، وأنكر ما ذكره إمام الحرمين عن مالك، وقال إنه لا يوجد في كتب المالكية فتأمله والله أعلم.
-وجاء في (شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل ومعه الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني -حاشية العلامة محمد بن الحسن البناني-) ج 7 ص 55-57: " ذكر أبو المعالي: أن مالكاً كثيراً ما يبتي مذهبه على المصالح ، وقد قال: إنه يقتل ثلث العامة لمصلحة الثلثين،
المازري وهذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك (صحيح) اهـ
ونقله (ح) وزاد بعده عن شرح المحصول أن ما ذكره إمام الحرمين عن مالك لا يوجد في كتب المالكية، فتأمله.
قال العلامة البناني –في حاشيته- "قال شيخ شيوخنا المحقق ابو عبدالله سيدي محمد عبد القادر الفاسي عقب ما تقدم نصه: هذا الكلام لا يجوز أن يُسطَّر في الكتب لئلا يغتر به ضعفة الطلبة وهو لا يوافق شيثاً من القواعد الشرعية.قال الشهاب القرافي: ما نقله إمام الحرمين عن مالك –رحمه الله تعالى- المالكيةُ ينكرونه إنكاراً شديداً، ولم يوجد ذلك في كتبهم إنما نقله المخالف، وهم لم يجدوه أصلاً. اهـ
وقال ابن الشماع ما نقله إمام الحرمين لم ينقله أحد من علماء المذهب ولا كثر نقله عند المخالفين، ولم يخبر أنه رواه نقلته، إنما الزمه ذلك، وقد اضطرب إمام الحرمين في ذكره ذلك عنه كما يتضح ذلك من كتابه البرهان ، وما حكاه في التوضيح عن المازري؛ أنه قال هذا الذي حكاه أبو المعالي عن مالك صحيح، إنما ترجع فيه الإشارة إلى أول الكلام وهو أن مالكاً –رحمه الله- كثيراً ما يبني مذهبه على المصالح، لا إلى قوله بأثره وقد قال إنه يقتل ثلث العامة لإصلاح الثلثين ، أو أنه حمله على مسألة تترس الكفار بالمسلمين، ثم إن في قوله إن مالكاً يبني مذهبه على المصالح نظراً، فإن المخالفين ينسبون ذلك لمالكٍ والمالكيةُ يأبون ذلك على وجه يختص به حسبما تقرر ذلك في علم الأصول والذي أنكره العلماء وتبرؤوا منه في هذا النقل هو حمله على الإطلاق والعموم حتى يجري في الفتن الواقعة بين المسلمين –عياذاً بالله- مما يشبه ذلك.اهـ
قلت -البناني-: وقد أشبع الكلام على هذه المسألة شيخ شيوخنا العلامة المحقق ابو عبد الله سيدي العربي الفاسي في جواب له طويل، وقد نقلت منه ما قُيد أعلاه، وهو تنبيه متعين ينبغي المحافظة عليه لئلا يُغتر بما في التوضيح. اهـ
كلام سيد محمد عبد القادر وأما ما تأوله (ز) من أن مراد إمام الحرمين قتل الثلث من المفسدين حيث تعين طريقاً لإصلاح الباقي فغير صحيح ولا يحلّ أن يُقال به، فإن الشارع إنما وضع لإصلاح المسلمين إقامة الحدود عند ثبوت موجباتها ، ومن لم تصلحه السنة فلا أصلحه الله ومثل هذا التأويل الفاسد هو الذي يوقع كثيراً من الظلمة المفسدين في سفك دماء المسلمين ، نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا. اهـ
وفي الحديث من شارك في دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جيء به يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله. ...... " -قلت: الحديث ضعفه الألباني في الضعيفة برقم 503-
وكذلك نقل محمد بن أحمد عليش كلام العلامة البناني في كتابه (منح الجليل شرح مختصر خليل)..

-وذكر ابو بكر بن العربي في (كتاب القبس) ج3 ص932: "فنسب الخراسانيون الحنفيون والشافعيون إلى مالك أن هلاك بعض الأمة في الاستصلاح واجب وهو بريء من ذلك، وإنما سمعوا من قوله اعتبار المصلحة فاعتبروها بزعمهم حتى بلغوا بها إلى هذا الحد وكان من حقهم لجلالة أقدارهم في العلم من سعة حفظهم ودقة فهمهم أن يتفطنوا لمقصده بالمصلحة وأن يجروها مجراها ويقفوا بها حيث انتهت ...."

-وجاء في (أصول فقه الإمام مالك وأدلته العقلية) تأليف فاديغا موسى ، ج2ص419 ينقل عن - شرح كتاب البرهان للإبياري-مخطوطاً- قلتُ: وطُبع قريباً في أربع مجلدات تحقيق علي بن عبد الرحمن بسام الجزائري - قوله:- "إن ما نسبه إمام الحرمين إلى مالك من جواز القتل في التهم العظيمة، لم أقف عليه في أي كتاب ، ولم يروه عن مالك من أصحابه أحد، بل أنكروا أن يكون هذا القول صادراً من مالك"

-وذكر العلامة الزركشي في (البحر المحيط) –ج6 ص76-77 ممن أنكر على الجويني ما نقله عن مالك، فقال :-
"وقال أبو العز المقترح في "حواشيه على البرهان": إن هذا القول لم يصح نقله عن مالك, هكذا قاله أصحابه, وأنكره ابن شاس أيضا في "التحرير" على الإمام وقال: أقواله تؤخذ من كتبه وكتب أصحابه, لا من نقل الناقلين. وكذلك استنكره القرطبي في كتابه فقال: ذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبي حنيفة إلى الاعتماد عليه, وهو مذهب مالك. قال: وقد اجترأ إمام الحرمين وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل. وهذا لا يوجد في كتاب مالك, ولا في شيء من كتب أصحابه".وأشار إشارة لطيفة رحمه الله فقال في ج6ص78: "إلا أن أصحابه سمعوا أنه بنى الأحكام على المصالح المطلقة فأطلقوا النقل عنه في ذلك"

-قال الدكتور إدريس الفاسي الفهري في (حاشية مفتاح الوصول إلى علم الأصول للشيخ محمد الطيب الفاسي في شرح خلاصة الأصول للشيخ عبدالقادر الفاسي) ص322 : "وحمل الجويني (البرهان:2|161 ف 1129) الإمام مالك على محامل سيئة في هذا الباب من غير أن يذكر عليها دليلاً من المرويات عن مالك ولا عن أصحابه، بل نقل قبله مباشرة عن القاضي الباقلاني المالكي ما يدل على ردها (م س ص س: ف1128) وذكر تفصيل قوله بعقبها (م س: 2\163 ف1137). وقد كتب الفقيه المحقق سيدي محمد المسناوي في رد ذلك رسالة خاصة ....."

-قال ابن قدامة المقدسي في “روضة النّاظر:150?: كما حكي أن مالكا قال يجوز قتل الثلث من الخلق لاستصلاح الثلثين ولا نعلم أن الشرع حافظ على مصلحتهم بهذا الطريق" .
جاء في شروح الروضة ما يلي:
1-ذكر الطوفي ت716هـ في (شرح مختصر الروضة) –ج3ص211:-
"كما حُكي أن مالكاً أجاز "قتل ثلث الخلق لاستصلاح الثلثين، ومحافظةُ الشرع على مصلحتهم بهذا الطريق غيرُ معلوم " .
قُلتُ –أي الطوفي- : لم أجد هذا منقولاً فيما وقفت عليه من كتب المالكية، وسألتُ عنه جماعةً من فُضلائهم، فقالوا: لا نعرفه ".
2-وذكر الشنقيطي رحمه الله في (مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر) ص304-305-دار اليقين-:-
"والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وان قرروا في أصولهم أنها غير حجة كما أوضحه القرافي في التنقيح , وما ذكره المؤلف رحمه الله من أن مالكاً رحمه الله أجاز قتل الثلث لا صلاح الثلثين ذكره الجويني وغيره عن مالك وهو غير صحيح ولم يروه عن مالك أحد من أصحابه ولم يقله مالك كما حققه العلامة محمد بن الحسن البناني في حاشيته على شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل". أما الطبعة التي أشرف عليها الشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله-، ذُكِرَ فيها حاشية ص265: ولم يقله مالكيٌّ .
3-وذكر د. عبد الكريم النملة في (اتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر) ج4 ص322-324:-
"ما حكاه ابن قدامة عن الإمام مالك: (وهو جواز قتل الثلث لاستصلاح الثلثين) لم أجده في مضانه من كتب المالكية"
ونقل نقولاً أخرى منها :"ابو العز المقترح في (حاشيته على البرهان )، قائلاً: "إن هذا القول لم يصح نقله عن مالك، هكذا قاله أصحابه"
ومنهم ابن شاش المالكي، حيث أنكر هذا الكلام من إمام الحرمين في "التحرير" وقال: "أقواله تؤخذ من كتبه وكتب أصحابه لا من نقل الناقلين"
ومنهم ابو عبدالله القرطبي، حيث قال: "وقد اجترأ إمام الحرمين وجازف فيما نسبه إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل ، وهذا لا يوجد في كتب مالك ولا في شيء من كتب أصحابه"
4-وجاء عند ابن بدران الدمشقي في كتابه (نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر) ج1ص417-418 : "فإذا ثبت حكماً لمصلحة من المصالح لم يُعلم أن الشرع حافظ على تلك المصلحة بإثبات ذلك الحكم كان وضعاً للشرع بالرأي وحكماً بالعقل المجرد كما حُكي أن مالكاً قال: (يجوز قتل الثلث من الخلق لاستصلاح الثلثين) ولا نعلم أن الشرع حافظ على مصلحتهم بهذا الطريق فلا يُشرع مثله"
5-وعند الشيخ سعد الشثري في شرحه على مختصر الروضة ج2ص757 ،قوله: "لكن هذه المقالة ينفي كثير من المالكية صحة نسبتها إلى الإمام مالك، ويقولون بأن الإمام مالكاً لم يقل هذه المقالة"

-قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- وهو من هو في معرفة مذهب الإمام مالك في -المصالح المرسلة- :
"اعلم أولا أن بعض العلماء شنع على مالك بن أنس رحمه الله في الأخذ بالمصالح المرسلة تشنيعاً شديداً، كأبي المعالي الجويني ومن وافقه فعابوا مالكاً بأنه يحكم بضرب المتهم ليقر بالسرقة مثلاً، وقالوا: لا شك أن ترك مذنب أهون من إهانة برئ، وزعموا أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يبيح قطع الأعضاء في التعزيرات، وقال بعضهم العمل بالمصالح المرسلة تشريع جديد لعدم استناد المصالح المرسلة إلى نص خاص من كتاب أو سنة وسنذكر أولا حجة مالك المتضمنة الجواب عما قيل عنه، ثم نذكر بعد ذلك ما يحتاج إليه من الكلام على المصالح المرسلة وموقف أهل المذاهب وأصحابهم منها. أما دعواهم على مالك أنه يجيز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين وأنه يجيز قطع الأعضاء في التعزيرات فهي دعوى باطلة لم يقلها مالك ولم يروها عنه أحد من أصحابه، ولا توجد في شيء من كتب مذهبه كما حققه القرافي، ومحمد بن الحسن البناني وغيرهما -قلت:وقد سبق النقل عنهما -أعلاه-، وقد درسنا مذهب مالك زمناً طويلاً وعرفنا أن تلك الدعوى باطلة".
-وعندما نقل الغزالي في كتابه (المنخول من تعليقات الأصول) ص 454 القول: فاسترسل مالك رضي الله عنه على المصالح حتى رأى قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها. علق المحقق د. محمد حسن هيتو -في الحاشية- : "هذا الذي ذكره الغزالي عن مالك، ليس له أصل فيما يُنسب إلى مالك، وليس إلا مما تناقله الناس دون أي مستند لهم فيما ينسبونه إليه"

-قال ابن حزم في (الفصل في الملل والأهواء والنحل) ج ص212-دار الجيل-: "وكمن يقول من الطغاة قتل الثلث في صلاح الثلثين صلاح"
-وقال – كذلك- في (الإحكام في أصول الأحكام) ج8 ص129:- "وعلى قول الفساق الذين يقولون: قتل الثلث في صلاح الثلثين صلاح؛ فهذه أقوال الشيطان الرجيم وأتباعه، وما جعل الله تعالى قط جميع عباده أولى بالنظر لهم من مسلم واحد يضيع من أجلهم، ولو شاء الله تعالى أن يأمرنا بقتل الأمة كلها في مصلحة واحد لكان ذلك حكمة"

-قال الشوكاني في كتابه (إرشاد الفحول) ص358:" "وقد أنكر جماعة من المالكية ما نسب إلى مالك من القول بها ومنهم القرطبي وقال: ذهب الشافعي ومعظم أصحاب أبى حنيفة إلى عدم الاعتماد عليها وهو مذهب مالك، قال: وقد اجترأ إمام الحرمين الجويني وجازف فيما نسب إلى مالك من الإفراط في هذا الأصل، وهذا لا يوجد في كتب مالك ولا في شيء من كتب أصحابه"،

أقول: تبين مما سبق أن هذه الدعوى على الإمام مالك دعوى باطلة، إذ أن الذين يحكون عن الإمام مالك هذه المقولة يحكونها عنه بصيغة التمريض، ولا يسندون كلامهم إلى الإمام مالك ولا إلى أي كتاب في المذهب المالكي ليُنظر فيه، بل إني لا أعلم أن مالكياً يصحح نسبة هذه المقولة إلى الإمام مالك، والمحققون من المالكية ينفون ذلك عنه ويردونه، ولقد بحثت في كثير من كتب المالكية -في الفقه والفتاوى وأصول الفقه- فلم أجدهم يتطرقون إلى ذكر هذه المسألة، وهذا إنما يدل على ضعفها وعدم ورودها ..
وعليه لا يجوز لأحد -أي كان- أن ينسب هذا القول إلى الإمام مالك أو المالكية، مستدلاً به –خاصة وقت الفتن- لما يتحصل به من فتحٍ لأبواب الشرِّ وسفكٍ للدماء وجرٍّ للويلات على هذه الأمة..

فائدة:
قال العلامة حماد الأنصاري –رحمه الله- كما في –المجموع في ترجمة حماد الأنصاري- ص578:
"قال لي أحد المنتسبين للإخوان المسلمين: أنا استطيع أن أقتل بورقيبة حاكم تونس . فقلتُ له: اتق الله، فإنك ستُحدث فتنةً يذهب فيها الصغير والكبير ولا تستطيع أن تنقذ أحداً"


وبعد هذا –أخي الحبيب- ننتقل إلى النصيحة وهي مأخوذة من كلام الشيخ صالح آل الشيخ -بتصرف-:
" إننا ننطلقُ من شريعَتِنَا .
فلا نزيدُ في الأمرِ ولا نُحَمِّلُهُ ما لا يَحْتَمِلُ . ولا نذهبُ إلى أمورٍ غيرِ مقبولةٍ من التكفيرِ ، ومن تحميلِ الأمورِ فوقَ ما تحتملُ ، ومن إساءةِ الظنِّ بعلماءِ المسلمين ، ووُلاةِ أمورِهم .
والحذرَ الحذرَ من اللوبي العالمي الإعلامي الذي يعتبر مصدرَ المعلوماتِ التي تنشرها القنواتُ الفضائيةُ
وعلى المسلمينَ أن يقفوا وقفةَ تأمُّل متسائلينَ :ما الذي يُرَادُ شحنُهُ في نفوسِ أهلِ الإسلامِ حتى يُوصَلَ إليه ؟ .
والحذرَ الحذرَ من وقوعِ بأسِ الأمةِ بينهم ، فَتَنْشَبُ الأمةُ في نفسها ، وتَتَحَوَّلُ الأمةُ في البلاد إلى فِرَقٍ وأحزابٍ ، ويبغي بعضُهم على بعضٍ ، ويقتلُ بعضُهم بعضًا .
وفي التأني والرفقِ تُدْرَكُ الأمورُ ، وتُنالُ المقاصدُ .
علينا أن نمضي في دعوتنا بعيدين عن أهلِ الغُلُوِّ في غُلُوِّهم ، وعن أهلِ الجفاءِ في جفائهم .
نحن أمةٌ وسطٌ ، نُرْشِدُ ونُعَلِّمُ ما ينفعُ الأمةَ ولا يضرُّها .
ونحن مع المؤمنينَ ، وضِدُّ الكافرينَ ، لكنْ على منهجِنا ، ولسنا على منهجِ غيرِنا لا نُسْتَجَرُّ ، والناسُ تَبَعٌ في ذلك لولاةِ أمورهم ، لأن من مهماتِ الإمامِ ووليِّ الأمرِ الحفاظُ على الدينِ ، والحفاظُ على بَيْضَةِ الأمةِ ؛ كيلا يعتدي عليهم معتدٍ .
فإذا تجاسرَ بعضُ الناسِ وتجاهلَ وُلاةَ الأمرِ والعلماءَ حدثتْ فتنةٌ عظيمةٌ وانحرافٌ عن منهجِ السلف . فاللهَ اللهَ بهذا الأمر ، وأن لا يُجَرَّ أحدُنا بحسنِ قَصْدٍ .
ومن المهم والضروريِّ أن يتفقهَ الداعيةُ في الدينِ ، وبذلك يحصُلُ له كلُّ خيرٍ ،
وقد قال جَمْعٌ من السلف :« إذا التبستِ الأمورُ فعليكُمْ بالأمرِ العتيقِ » .
فالأمرُ العتيقُ هو الهديُ العتيقُ .
أما أنْ يدخُلَ الناسُ في أمرٍ من أجل صنيعِ بعضِهم فهذا مرفوضٌ ولا يصِحُّ أن تَستجِرَّ فئةٌ قليلةٌ الدعاةَ ، والجماعاتِ الإسلاميةَ والدولَ إلى حربٍ وجهادٍ عامٍّ منقادِينَ دونَ علمٍ وحكمةٍ .
وهذا أصلٌ عظيمٌ لا نُسْتَجَرُّ إلى شيء لا نُريده ، ولابُدَّ أنْ يُوَضَّحَ للناسِ أن لا ينجرَّ الناسُ في زمنِ الفتنةِ .
الجميعُ يحمِّـس ، التقيُّ ، والفاجرُ ، والقنواتُ ، حتى القنواتُ غيرُ الإسلاميةِ والمشبوهةُ تزيدُ مما في النفوسِ .لماذا هذا ؟! هل هو حُبٌّ في أنْ يَتَّجِهَ الناسُ للجهادِ ؟! .
لا ، بل لهم أغراضٌ لا تَخْدُمُ الأُمَّةَ .
قال اللهُ - تعالى - : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
فمهمة دعاةِ الإسلامِ توجيه الناسِ إلى ما ينفعهم .ولكنَّ بعضَ الدعاةِ نَسِيَ المهمةَ الملقاةَ على عاتقه ،فَتَرَاهُ في أوقاتٍ يزيدُ على ما قالتْهُ القنواتُ والإعلامُ ، ويسيرُ على نفسِ الوتيرة لجعلِ النفوسِ تغلي .
تارةً باسم الولاءِ والبراءِ غيرِ المنضبطِ شرعًا .وتارةً باسم الدعوةِ للجهادِ في سبيلِ اللهِ – تعالى - .
وتارةً كذا ، وتارةً كذا .
وكلُّ هذا يشحَنُ النفوسَ دونَ توجيهٍ صحيحٍ فيما ينفَعُ الأمةَ ثم ينتِجُ عن ذلك التشاحُنُ والتفرُّقُ .
وعلى الدعاةِ الانتباهُ في كلماتهم إلى ما ينفعُ الناسَ ، والحذرُ من شَحْنِ النفوسِ ، وهم لا يعرفونَ ما ستكون الأبعادُ لهذا الشحنِ الذي قد لا يكونُ منضبِطًا بالضابطِ الشرعيِّ .
وإرشادُ الناسِ ، أو بيانُ الواقعِ يحصلُ إذا كانتِ النفوسُ خاليةً .
لكن إذا كانتِ النفوسُ مليئةً ، وهم يُتَابِعُونَ هذه القنواتِ ليلَ نهارَ ، ثم يأتي الداعيةُ أو الخطيبُ يزيدُ في اشتعالِها .
فنتساءلُ : إلى أينَ تريدُ – يا خطيبُ – أن يتّجِهَ الناسُ ؟
والجوابُ : ليس ثَمَّةَ اتجاهٌ إلاّ إلى زيادةِ ما في النفوس من اختلافاتٍ ، وإلاَّ إلى سوءِ الظن ، وإلاَّ إلى تركِ الجماعةِ .
فالحذرَ فالحذرَ من أن يدعو الداعيةُ إلى مثل ما يضرُّ الناسَ ولا ينفعُهم .
إنَّ هذه التقلباتِ التي حصلتْ ، والكلامَ الذي تسمعونَه ممن ينتسبُ إلى الإسلامِ ، من علماءَ ، ودعاةٍ ، ومتحمسينَ ، ومتعجلينَ ، ومن أصحابِ الإرجافِ في القنواتِ الفضائيةِ المختلفةِ بحاجةٍ إلى يَقَظَةٍ .
وإنه ليُخْشَى على من أَدْمَنَ النظرَ إلى القنواتِ الفضائيةِ المختلفةِ وتَابَعَها أن يَنْحَرِفَ عن المنهجِ إلاَّ إذا كان قوِّيَ الصِّلَةِ بالقرآنِ والسنةِ وبمنهجِ السلفِ الصالحِ .
ولْيَحْذَرْ طلابُ العلمِ والدعاةُ والوُعَّاظُ والمرشدونَ من إلقاء حَجَرٍ يسببُ فُرْقَةَ هذه الأمةِ ، وإيغارَ الصدورِ في بلادِ الإسلامِ .
ولْيَحْذَرُوا من الانسياقِ وراءَ القنواتِ ، والإعلامِ المسموعِ والمقروءِ والمرئيِّ .
وعلى دعاةِ الإسلامِ أن يوجِّهوا الناسَ إلى ما يَنْفَعُهُمْ .
فالحذرُ من جرِّ المعركةِ إلى داخلِ الأُمَّةِ فإنّ جَرَّ المعركةِ إلى داخلِ البلادِ الإسلاميةِ أمرٌ جَلَلٌ عظيمٌ .سوف تحصلُ في كلِّ بلدٍ مصيبةٌ ، وسيتطاحنُ الناسُ .
وذلك مثلُ ما حَصَلَ في أفغانستانَ بعدَ ما انتهتِ الحربُ مع الاتحاد السوفيتي ، وطَعَنَ بعضُهم في بعضٍ ، وبقيتِ الخلافاتُ ، ولم يجتمعِ الأفغانُ على وِلايةٍ ، فهذا لا يُقِرُّ لهذا ، وهذا لا يُقِرُّ لهذا . وهكذا ..
وإن وجدتْ عندَهم وِلايةٌ فليس هناك اتفاقٌ من الجميع ، ففيها تنازعاتٌ وقتلٌ ، كما أنه قُتِلَ الكثيرُ من زعماءِ الفِرَقِ والفصائلِ .
فتفْويتُ الفُرصةِ على الأعْداءِ نَبَاهَةٌ، والواجبُ على كلِّ داعيةٍ من دعاةِ الإسلامِ ، وكلِّ مرشدٍ ، وكلِّ واعظٍ ، وكلِّ طالبِ علمٍ أن يحافظَ على حمايةِ بَيْضَةِ المسلمينَ ، وأن يكونَ مع الجماعةِ ، ويَحْرِصَ على الاجتماع على وُلاةِ الأمورِ .لأن بهذا تحقيقَ المصالحِ ، ودرءَ المفاسدِ ، ويُفَوِّتُ الفرصةَ أو الغرضَ على أعداءِ الإسلامِ ممن يتربصونَ الدوائرَ بهذه الأمةِ .

قال الشيخُ العلامةُ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ حسنِ ابنِ محمدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ : « وخُضْتُمْ في مسائلَ من هذا البابِ – كالكلامِ في الموالاةِ والمعاداةِ والمصالحةِ والمكاتباتِ وبذلِ الأموالِ والهدايا والحُكْمِ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ عند البَوادي ونحوِهم من الجُفاةِ – لا يَتَكّلَّمُ فيها إلاَّ العلماءُ من ذوي الألبابِ ، ومَنْ رُزِقَ الفهمَ عن اللهِ ، وأُوتِيَ الحكمةَ وفصلَ الخطابِ » اهـ.(مجموع الرسائل ص11)

وأخيراً ، قال العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في كتابه –فتح المجيد- ص 453: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا أحمد بن عمر البزّار، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا أبو عبيدة الحداد عن مالك بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس منا أحد إلا يؤخذ من قوله ويُدَعْ غير النبي صلى الله عليه وسلم -قال المحقق الوليد بن عبدالرحمن آل فريان:لم أجده في شيء من كتب الإمام أحمد المطبوعة، وأخرج نحوه أبو نُعيم في (الحلية)... والخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه).. وابن عبدالبر في (الجامع) عن مجاهد- .
قال العلامة صالح آل الشيخ –في شرحه- : هذا من كمال مرتبة أهل العلم، وما من عالم إلا وله غلط ولابد، إذا فرض أن ثم عالم يصيب في كل مسألة معنى ذلك أنه بلغ مرتبة النبوة؛ لأن الأنبياء هم الذين لا يخطئون، ولا يوجد عالم إلا وله شيء خالف فيه ما نعلمه من السنة، وهذا دليل كماله، لأن دليل كمال طالب العلم كمال العالم أن تكون مخالفاته للفهم الصحيح للسنة أن تكون قليلة، فإذا كان فهمه الكثير صوابا فهذا يدل على ارتفاع مقامه.


والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

منقول

عمر الاثري
06-02-2011, 05:35 PM
يااخي كلام العلامة اللحيدان - حفظه الله- واضح
وهو ماقال انه انه يصح هذا القول للامام مالك رحمه الله وانما قال يروي بالتمريض
واكد ذلك بقوله "وقد لايصح "

وانت جزاك الله خيرا بنقلك هذا اثبت ذلك


وبعدها - حفظه الله - للتأكيد اكثر واكثر قرر منهج اهل السنة والجماعة الحق في التعامل مع الحاكم الكافر
ولله الحمد والمنة

12d8c7a34f47c2e9d3==