المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (النقض لمقالات المعترض الإرجائية التي طعن بها في شيخ الإسلام ابن تيمية)باشميل


كيف حالك ؟

عامي
04-21-2011, 07:23 PM
رد على مقال أحمد الزهراني


(النقض لمقالات المعترض الإرجائية التي طعن بها في شيخ الإسلام ابن تيمية)






المقدمة


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد :
فإن من المعلوم أن المخالفين لأهل السنة لا يفترون من محاولاتهم المستمرة والمتكررة في التشكيك في أئمة أهل السنة والتنقص منهم ومن علمهم ، تارة بالتلبيس والتدليس ، وتارة بالتصريح والتعيين ؛ وهم في أساليبهم وطرائقهم في ذلك يرمون إلى نشر معتقداتهم الفاسدة ، والتي يرون وجوب نشرها والتمكين لها بين أهل السنة .
ومن ذلك مقالٌ نشره مؤخراً أحد دعاة عقيدة الإرجاء ، سبق أن استتابه الشيخ العلامة عبد العزيز بنُ عبدالله بن باز - رحمه الله – من الدعوة إلى الإرجاء ، وحذر المسلمين من كتابٍ كتبه ونشره معنوناً له ب : (ضبط الضوابط في الإيمان ونواقضه) ، دعا به إلى مذهب الإرجاء الفاسد .
ومما قاله الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله – ومن معه من العلماء الموقعين على الفتوى الصادرة في استتابة هذا الرجل وتحذير المسلمين من كتابه : (يجب على مؤلفه وناشره التوبة إلى الله عز وجل ، ونحذر المسلمين مما احتواه هذا الكتاب من المذهب الباطل حمايةً لعقيدتهم واستبراءً لدينهم .) أ.ه (من فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز في التحذير من كتاب : ضبط الضوابط .)
وقد سُئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – عن كتاب (ضبط الضوابط) هذا قبل صدور الفتوى فيه ، فأجاب بقوله : (نعم ، وهذا أيضاً أظهر فيه صاحبه مذهب الإرجاء ، ينتصر لمذهب الإرجاء ، وأنه هو الحق ، والآن هو عند اللجنة وسيصدر فيه إن شاء الله بيان ، وبيان ما فيه من الخلط والخبط والجهل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ... سابق له كتب من شاكلته ، وهذه الظاهر إنه مؤسسة تشتغل .. لإفساد عقيدة السلف في هذه البلاد .. الظاهر وراءها ناس يشتغلون في الخفاء ، نعم .. هو كما ذكرنا .. ، نعم .. ما هم هؤلاء منتسبين للسلفية ، خداع ومكر وما هم من السلفية ، وهم يريدون إفساد عقيدة هذه البلاد .. لإنه ما بقي تقريباً في العالم الإسلامي مثل هذه البلاد ، تمسك بالعقيدة ومنهج السلف ، فهم يريدون يموعون هذه العقيدة هنا ، علشان تساوى الدنيا كلها ، لكن لن يصلوا إلى مقصودهم بحول الله .) أ.ه (باختصار من تسجيل شرح القصيدة النونية – الدرس التاسع والعشرون - عام 1418ه)
وقبل بضعة أيام أطلعني بعض طلبة العلم على المقال المُشار إليه آنفاً ، والذي كتبه نفس مؤلف الكتاب المذكور ، نُشر هذا المقال في بعض منتديات شبكة المعلومات الدولية ، وعنون له كاتبه بقوله : (ألا تقوم حجة الله على العباد إلا بشيخ الإسلام رحمه الله ؟ دعوة للتأمل) ، واصفاً إياه بأنه (فقرة من كتاب له ينوي نشره قريباً) ، حاول التشكيك به في شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وفي علمه وفي تقريره لمسائل الإيمان ، معترضاً على تقريرات شيخ الإسلام في ذلك ، ومحاولاً فصله – رحمه الله - عن السلف في تقريرهم لهذه المسائل .
وبعد قراءتي للمقال ، اتضح لي أن المعترض قد حشاه بالشبه والمغالطات ، وبالتلبيس والتدليس ، وبالافتراء على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ؛ فعلقت على ماورد في المقال من مغالطات وشبه ، مختصراً قدر المستطاع .
والمعترض سلك بمقاله هذا طرق دعاة عقيدة الإرجاء الجدد ، التي يستخدمونها في التمويه والتضليل لنشر عقيدتهم الفاسدة .
وإن من أشهر طرقهم في التضليل والتمويه ، زعمهم : أنهم يحاربون عقيدة التكفير ، وأنهم يغارون على أهل السنة في ذلك !
وواقع الأمر خلاف ذلك تماماً ، فالمرجئة الجدد لا يختلفون عن غيرهم من المخالفين لأهل السنة في الحط عليهم وعلى دعوتهم النقية الصافية ؛ بل إن المرجئة الجدد أشد أثراً من غيرهم في أذى أهل السنة في هذا الباب ، لأسباب ، من أهمها :
(1) شدة تلبيس وتدليس مشايخ المرجئة الجدد في مصنفاتهم التي يكثرون من إخراجها بتوقيت منظم ، منذ مطلع القرن الحالي ، بقصد التدرج في محاولة تضليل أهل السنة في مسائل الإيمان .
(2) تلبيسهم بزعمهم أنهم على طريقة الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد ابن عبدالوهاب رحمه الله ، حتى يصلوا بذلك إلى أهل السنة ، مع أنَّ هؤلاء المشايخ - في واقع الأمر - يعتقدون أنَّ دعوة الإمام ناقصة السلفية في منهج التفقه في الدين ، وأنَّ فيها غلواً في التكفير .
(3) تلبيس بعض مشايخ المرجئة الجدد بهذا الزعم ، وحصولهم بذلك على بعض الثناء القديم من بعض أهل العلم ، وجعلُ هؤلاءِ المشايخِ ذلك في مقدمات بعض مصنفاتهم ، التي أظهروا فيها موافقة أهل السنة ، حتى إذا ما كسبوا شيئاً من الثقة ووقع الوهم أنهم على مذهب أهل السنة ، راحوا يجعلون ذلك ستاراً لهم لنشر عقيدتهم الإرجائية الفاسدة .
(4) شراستهم في السنوات الماضية في التغلغل بين أهل السنة ، بقصد نشر عقيدة الإرجاء ، وذلك بالكتابة والتسجيل ، واستخدام كل طريقة تتيسر لهم لنشر نتاجهم في الدعوة إلى الإرجاء .
(5) استغلال مشايخ المرجئة الجدد لبعض الحوادث الأليمة التي مرت على أهل السنة ، والتي تسَبَّبَ فيها أقوامٌ اعتنقوا عقيدةَ الخوارج ، حيث ينشط عندها مشايخ المرجئة الجدد في نشر عقيدة الإرجاء ، وذلك من خلال تظاهرهم بالرد على الخوارج .
وأهل السنة ولله الحمد وكما هو مقرر في كتبهم : عقيدتهم وسط بين الخوارج والمرجئة ؛ وهم أهل دراية وحنكة في التعامل مع الفرق المخالفة ؛ وقد يشتد نكيرهم على المرجئةِ ، بل قد يعتبرونهم أشد انحرافاً وخروجاً عن السبيل من الخوارج والمعتزلة الذين يتظاهر المرجئةُ أنهم يردون عليهم ، وما ذلك إلا لدراية أهل السنة ومعرفتهم بحقيقة عقيدة الإرجاء ، وبخطورة مفاسد دعاتها على الإسلام وأهله .
يقول الإمام السجزي – رحمه الله - في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت : (اعلموا – أرشدنا الله وإياكم – أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم ، الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة ، وهم معهم ! بل أخس حالاً منهم في الباطن ...)(ص80-81).
وقال الإمام إبراهيم النخعي – رحمه الله تعالى – في بيان خطر دعوة الإرجاء وشدة فتنتها على أهل السنة : (لفتنة المرجئة على هذه الأمة أخوف عندي من فتنة الأزارقة .) (الخلال 3/562) ، ومن المعلوم أنَّ الأزارقة من أشد فرق الخوارج خبثاً وغلواً في التكفير واستباحة دماء المسلمين .
وقال الإمام عبدالله ابن الإمام أحمد رحمهما الله : (ثنا عبدالله بن عمر أبو عبد الرحمن ، ثنا أبو أسامة عن أبي إسحاق الفزاري قال : سمعت سفيان والأوزاعي يقولان : إن قول المرجئة يُخرج إلى السيف !) (السنة لعبدالله 1/217)
وقال رحمه الله : (حدثني أبي ، حدثنا حجاج سمعت شريكاً وذكر المرجئة فقال : هم أخبث قوم وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله تعالى .) (السنة لعبدالله 1/311)
ويقول الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – في التحذير من كتاب مراد شكري (إحكام التقرير لأحكام مسألة التكفير) الذي تضمن الدعوة إلى عقيدة الإرجاء ، والذي عمل على إخراجِهِ ونشرهِ بين أهلِ السنة الشيخُ علي حسن عبدالحميد : (بعد الإطلاع على الكتاب المذكور وُجد أنه متضمن لما ذُكر من تقرير مذهب المرجئة ونشره ، من أنه لا كفر إلا كفر الجحود والتكذيب ، وإظهار هذا المذهب المُردي باسم السنة والدليل وأنه قول علماء السلف ؛ وكل هذا جهل بالحق ، وتلبيس وتضليل لعقول الناشئة بأنه قول سلف الأمة والمحققين من علمائها ، وإنما هو مذهب المرجئة الذين يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب . والإيمان عندهم : هو التصديق بالقلب ، والكفر : هو التكذيب فقط ، وهذا غلو في التفريط ، ويُقابله مذهب الخوارج الباطل الذي هو غلو في الإفراط في التكفير ، وكلاهما مذهبان باطلان مُرديان من مذاهب الضلال ، وترتب عليهما من اللوازم الباطلة ما هو معلوم .) أ.ه
قلت : وبالجملة ، فإن موقف أهل السنة من دعاة البدعة – ومن ذلك بدعة الإرجاء - الذين لا ينتهون عن الدعوة إلى بدعهم هو الحزم معهم ، صيانة للدين ، ونصحاً للعباد ، ودفعاً للشرور والمفاسد التي تترتب على انتشار بدعهم .
وقد وصف شيخ الإسلام - رحمه الله – ذلك بقوله : (وهذا مذهب فقهاء أهل الحديث كأحمد وغيره : أنَّ من كان داعية إلى بدعة ، فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس ، وإن كان في الباطن مجتهداً ، وأقل عقوبته أن يُهجر ، فلا يكون له مرتبة في الدين ، لا يُؤخذ عنه العلم ولا يُستقضى ، ولا تقُبل شهادته ونحو ذلك .) أ.ه (ف7/385-386)
وبين يديك أخي القارئ ما اجتمع لي من تعليقات وملاحظات على مقال المعترضِ داعيةِ الإرجاء ، كتبتها منبهاً على الأساليب التي ينتهجها هذا الرجل وأمثاله في نشر عقيدة الإرجاء الفاسدة ، ومُحذراً من محاولاتهم المستمرة في بثها بين أهل السنة .
وقد جعلتها في عشرة فصول وخاتمة ، سميتها : (النقض لمقالات المعترض الإرجائية التي طعن بها في شيخ الإسلام ابن تيمية) .
أسأل الله العلي القدير رب العرش العظيم أن يكفي المسلمين في هذه البلاد وفي كل بلاد المسلمين شرور البدع وفتن أهلها ، وأن ينصر جل وعلا السنة وأنصارها ، وأن يخذل البدعة ودعاتها ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .


كتبه :
عبداللطيف بن محمد بن أحمد باشميل
27/4/1427ه


) فصل
محاولة المعترض التلبيس في عنوان مقاله ونقض ذلك


قال المعترض في عنوان مقاله : (ألا تقوم حجة الله على العباد إلا بشيخ الإسلام رحمه الله ؟ دعوة للتأمل) أ.ه
قلت : إن من المعلوم أن أهل الأهواء لا يفترون من محاولاتهم المستمرة في التشكيك في أئمة أهل السنة والتنقص منهم ومن علمهم ، ومن ذلك هذا العنوان الذي وضعه المعترض على طريقة المخالفين لأهل السنة من رافضة وصوفية وخوارج ومرجئة .. إلخ ، من الذين يثيرون الشبه بمثل هذه الأسئلة والإيرادات ، يرمون من وراءها إلى التشكيك في الأئمة والتنقص من علمهم ؛ ومن المعلوم أن من هؤلاء الأئمة شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ، الذي يشكك المعترضُ بمثل هذه الأسئلة فيه وفي عقيدته رحمه الله ، وفي تقريراته وكتاباته التي هدمت ونسفت أصول ومناهج أهل البدع .
ومن تدبر كتب أهل البدع قاطبة ، يجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية له النصيب الأكبر والحظ الأوفر من محاولات أصحابها الطعن فيه ، بإلقاء الشبه على كلامه ، وإيراد مثل هذه التساؤلات عن تقريراته وكتاباته رحمه الله .
ولم يقل أحدٌ من أهل السنة أنه لا تقوم الحجة على عباد الله إلا بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى !
وما هذا العنوان الذي خطه هذا المعترض ، ثم دعا الناس إلى التأمل فيه وفي ما يتضمنه إلا وسيلة من وسائل خصوم أهل السنة في التدرج في التشكيك في الأئمة والتنقص من علمهم كما سبق الإشارة إليه .
وما أشبه عنوان المعترض هذا بالعنوان الذي وضعه حسن بن فرحان المالكي على غلاف كتابه عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : (داعية وليس نبياً) ! والذي تدرج به في الطعن والتشكيك في الإمام رحمه الله تعالى .
ووجه الشبه بين العنوانين أنه كما لم يقل أحدٌ بأنه : لا تقوم حجة الله على العباد إلا بابن تيمية ! فكذلك لم يقل أحدٌ : إن محمد بن عبدالوهاب كان نبياً !
ولكن التشكيك في الأئمة والتدرج في الطعن فيهم ، يدفع أمثال هذين الرجلين إلى وضع مثل هذه العناوين لمقالاتهم وكتاباتهم ، لجعلها مدخلاً لهم إلى ذلك .
والمالكي من الدجاجلة المبطلين الذين خرجوا عن الطريق الصحيح ، وأُبتلي المسلمون به وبأضرابه ، وهو صاحب كتابات متكررة في الحط على عقيدة أهل السنة ، ومن ذلك كتاب سيء له سماه : (قراءة في كتب العقائد ، المذهب الحنبلي نموذجاً) ، نسفَ شبهاتِه ونقض تلبيساتِه أخونا الفاضل الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي في كتابٍ قيمٍ سماه : (قمع الدجاجلة الطاعنين في معتقد أئمة الإسلام الحنابلة) .
وقد قرظ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله – كتاب (قمع الدجاجلة) قائلاً : (وفي وقتنا هذا ظهر كثيرٌ من هؤلاء الذين يُبتلى بهم المسلمون ، ومن هؤلاء : شخصٌ يُدعى "حسن بن فرحان المالكي" من جنوب المملكة ، صار ينتقد أهل السنة، ويؤيد أهل البدعة . وظهرت له في ذلك كتاباتٌ جمعها في كتابٍ له سماه "قراءة في كتب العقائد ، المذهب الحنبلي نموذجاً" ، شحنه بالافتراءات على أهل السنة وكتبهم . فقيض الله من المشايخ من أبطل شبهاته ، وكشف زيفه ، وفضح كذبه . ومن هؤلاء : فضيلة الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي في كتابه "قمع الدجاجلة ، الطاعنين في معتقد أئمة الإسلام الحنابلة" .) أ.ه (من مقدمة كتاب : قمع الدجاجلة)
قلت : والمعترض في مقاله هذا من السائرين على طريقة الطاعنين في أئمة الإسلام ، وهو من أتباع دعاة عقيدة الإرجاء المخالفة لعقيدة أهل السنة ، من الذين خرجوا عن الطريق ؛ وهو واحد من مشاهير أتباعهم الملبسين المعاندين للحق ، من الذين يسلكون مسالك خصوم أهل السنة في عرض المسائل والتمويه بها عليهم ، وإلقاء الشبه بينهم ، ومحاولة التشكيك في أئمتهم .
فالمعترض يقتفي أثرهم في ذلك ، ويسلك مسالكهم ، ويعنون لمقالاته وشذوذاته على طريقتهم ، وإنه لحقيق على من عرف حاله وحالهم أن يُحذِّر منهم ومن مسالكهم السيئة ، حتى يحذرها من يُخشى عليه أن يُخدع بهم .
قال الإمام الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى : ( واعلم أن الخروج عن الطريق على وجهين . أما أحدهما : فرجل قد زلَّ عن الطريق ، وهو لا يريد إلا الخير ، فهو لا يُقتدى بزلله فإنه هالك . ورجل عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين ، فهو ضال مضل شيطان مريد في هذه الأمة ، حقيق على من عرفه أن يحذر الناس منه ، ويبين لهم قصته ، لئلا يقع في بدعته أحدٌ فيهلك .) أ.ه (طبقات الحنابلة 2/19)
قلت : والمعترض رجل عنيد في باب تقرير الإرجاء والدعوة إليه ، فرغم تحذير علماء عصره منه ومن فساد معتقده الإرجائي ، وتحذيرهم عباد الله من مذهبه الباطل حماية لعقيدتهم واستبراءً لدينهم ، فإن المعترض ما زال يواصل بث سموم معتقده الإرجائي ، كلما سنحت له الفرصة بكتابٍ أو مقال ، ناشطاً في نشره وبثه ، والله المستعان .

-----------------------------------------------------------------------


(2) فصل
زعم المعترض استنصاح القراء في
كتابه الذي ينوي نشره وبيان كذبه في ذلك


قال المعترض في مقدمة كلامه : (هذه الفقرة جزء من كتابي الذي أنوي نشره قريباً ، أحببت أن أبصر ما فيه من ضعف و قوة من خلال آراء الإخوة هنا، خصوصاً بوجود بعض المخالفين في المسألة ممن أحسب أنه لن يوفر طعناً في صحة ما سأذكره وغرضي والله إن ثبت أن أبقيه وإن بان لي ضعفه أن أحذفه والله المستعان) أ.ه

قلت : اشتملت مقدمة المعترض على تلبيس وتدليس ! ومن ذلك زعمه أنه أراد بمقاله هذا أن (يبصر ما في كتابه من ضعف وقوة .. إلخ) .
ويُقال له كذبت ! فمثلك أصلاً معروف عنه الاعتداد بالنفس والتعالم وعدم الأخذ بآراء وتوجهيات علماء عصره ، بل وبالضرب بكلامهم وأقوالهم عرض الحائط ، لمخالفتك إياهم بعقيدتك الإرجائية الفاسدة .
ولا أدل على ذلك من استمرارك في غيك رغم نصح العلماء لك وتحذيرهم إياك من مغبة استمرارك على ما أنت فيه من هوى وبدعة ، بل تماديت في غيك وأخرجتَ كتاباً جديداً تزعم أنك تشرح به (ألفاظ السلف) وتنقض به (ألفاظ الخلف) في حقيقة الإيمان !
تطعن في مقدمة الكتاب في العلماء الذين قدموا لك النصح بترك عقيدتك الإرجائية الفاسدة ، واصفاً إياهم ظلماً وزوراً وتعالياً عليهم (بالظلم والفتنة والجهل والعصبية) ، قائلاً في ذلك : (فهذا كتاب رقمت أول حروفه قبل سنوات خمس ، بعد أن حدثت الفتنة المعروفة في مسائل الإيمان ، وهي الفتنة التي ظُلم فيها دعاةٌ سلفيون ، بل وعلماء كذلك ، وكان من أكبر أسبابها الجهل والعصبية ، المنافية للعلم والعدل ..) أ.ه (ص5 من كتاب المعترض : شرح ألفاظ السلف ونقض ألفاظ الخلف في حقيقة الإيمان) .
قلت : وهذا من إصرار المعترض على ما هو عليه ، مع رميه لغيره بدائه ، ولكن كما قيل :

رأيت الفتى يرمي سواه بدائه ... ويشكو إليك الظلم وهو ظلوم

وقد قيل :

لكلٍ داءٍ دواءٌ يُستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها

ويُقال لهذا المعترض أيضاً : لقد رقمتَ عباراتِك هذه بحمقٍ إصراراً منك على تجهيل العلماء الناصحين لك ، واستمراراً منك على عدم أخذك بنصائحهم وعدم التوبة من مسالكك في نشر الإرجاء ، وعلى رأس هؤلاء العلماء شيخهم - شيخ الجميع - العلامة ابن باز رحمه الله تعالى ، الذي كان أول الموقعين على الفتوى الصادرة في نصحك وتحذيرك من مغبة دعوتك إلى (مذهب الإرجاء المذموم) ، وأن عليك (التوبة إلى الله) من ذلك . والله جل وعلا يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) ، فلو كنت فعلاً صادقاً في أخذ رأي غيرك فيما تكتب وتُخرج لكان أولى الناس بالأخذ برأيهم في ذلك هم العلماء ! والله جل وعلا يقول : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الانبياء:7) ، ولكن الذي يظهر من سلوكك هذا الطريق ، ومن إصرارك على ما أنت عليه ، أنك – أصلاً - لا ترى هؤلاء العلماء الناصحين لك علماءَ في مستوى من أخذت عنهم عقيدتك الإرجائية الباطلة ، الذين حذرك العلماء الناصحون – في فتواهم - من الأخذ عنهم . وبذلك فأنت غير صادق في دعواك هذه (بأخذ آراء كُتِّاب) منتديات شبكة المعلومات الدولية ، الذين لا تُعرف أصلاً حقيقة أكثرهم ، حيث يكتب أكثرهم بأسماء مستعارة . ولو كنتَ صادقاً في زعمك في أن (تثبت كلامك أو تحذفه أخذاً بآراء من قلت عنهم "الإخوة" ، فإنه من باب أولى أن تأخذ بآراء وأقوال أهل التحقيق والعلم بعقيدة أهل السنة ، وعلى رأسهم سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ، الذي نصح لك وحذرك من مسالكك ، والذي نصحك معه – أيضاً - كبار طلبته من علماء أهل السنة ممن وقَّعوا على الفتوى المُشار إليها ، المشهورة المتداولة ، والتي صدرت في حقك بعد صدور كتابك السيئ (ضبط الضوابط) ! ولكنه الهوى ، وعدم الصدق ، الأمر الذي تصر عليه ، والله المستعان . وهذا كله مما يُظهر بجلاء ووضوح أن غرضك من نشر هذا المقال ليس هو الاستنصاح كما تزعم وتتلون فيه ، بل الإفساد والتشويش على طلبة العلم ومن يصله مقالك هذا ، إصراراً واستمراراً منك على دعوتك إلى عقيدتك الإرجائية . وهذا من جهلك وتماديك في الهوى وأمانيك الفارغة في بث عقيدة الإرجاء الفاسدة . قال ابن القيم - رحمه الله - في الميمية : فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى ... صريع الأماني عن قريب ستندم وبالسنة الغراء كن متمسكاً ... هي العروة الوثقى التي ليس تُفصم تمسك بها تمسك البخيل بماله ... وعُض عليها بالنواجذ تسلم ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها ... فمرتع هاتيك الحوادث أوخم 3) فصل نقض زعمُ المعترض توقير شيخ الإسلام ابن تيمية وتعرضه للإمام محمد بن عبدالوهاب وبيان تلبيسه في ذلك قال المعترض : (لِشَيخِ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ صَدرُ المجلِسِ إذَا كانَ الكلامُ فيِ الإيمانِ ومسَائلِهِ ، فإنّهُ قَد بذَلَ لَه ولِغَيرِه مِن أبوابِ المعتقَدِ مِن الوَقتِ والجُهدِ والتّصنيفِ ما يجعلُه فَيصَلاً عِندَما يختلِفُ الناسُ .) أ.ه قلت : ولكن المعترض نقض كلامه هذا في طيات مقاله ، الذي رمى من وراءه – أصلاً - التشكيك في اعتقاد شيخ الإسلام في مسألة (تارك العمل بالكلية) ، وحاول أن يدلس على القراء في ذلك ، فأتى بهذه المقدمة ليوهمهم أنه من الموقرين المبجلين لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وحقيقة الأمر أنه من المناوئين لشيخ الإسلام - رحمه الله - في مسائل الإيمان ، هذه المسائل التي فضحت كتاباتُه فيها إرجاءَه وإرجاء من هم على شاكلته من مرجئة الأردن وأذنابهم في هذه البلاد . ولو كان هذا المعترض حقاً صادقاً يعتقد ما يقوله هنا من أن ما صنفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الإيمان ومسائله (فيصلٌ عندما يختلف الناس) في هذه المسائل ، لما تردد لحظة واحدة – عندما نصحه العلماء - في التوبة إلى الله من مسالكه الإرجائية وتقريراته الفاسدة ، فإن أكثر الردود التي خرجت من أهل العلم في هذا العصر ترد على المعترض وعلى من هم على شاكلته من زمرة المرجئة – المنتسبين إلى السلفية زوراً - يقوم أكثرها وينبني مجملها على ما صنفه وقرره ونقله من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة شيخُ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله ، ولكنها المراوغة ، والكذب الذي عليه هذا المعترض في كتاباته ومقالاته . قالت عائشة رضي الله عنها : (ما كان شيءٌ أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الكذب ، وما جرَّبهُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحد وإن قلَّ ، فيخرج له من نفسه حتى يجدد له توبة .) (رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح : كتاب الأحكام 4/98) ، نسأل الله السلامة والعافية . ثم قال المعترض : (وأنَا لا ألومُ مَن يتمسّكُ بكِلامِ شَيخِ الإسلامِ ، ويجعلَ مِنهُ كاشِفاً ينظُر إلىَ أقوالِ السلفِ ونُصُوصِ الشّرعِ مِن خِلالِه ، ولَيسَ مَردُّ ذلِكَ إلَى مواهِبهِ الشخصِيةِ فقَط ، بَل مردُّه أنّ أقوالَ هذَا الشّيخِ الإمامِ تعَرَّضَت لِلتّمحِيصِ والرّدّ والدّفعِ بِشَكلٍ لاَ أعلَمُ لَهُ مَثيلاً علَى مَرِّ التّارِيخِ ، إلاّ أن يكونَ ما حصَلَ معَ شيخِ الإسلامِ محمّدِ بنِ عبدِالوهّابِ رَحِمَهُ اللهُ ، لكنّ الإمامَ محمّد بنِ عبدِالوهّابِ لَم يقِف فيِ وجهِهِ أشخاصٌ في عِلمِ ومَكانةِ مَن وَقفُوا فيِ وَجهِ ابنِ تيميّةَ ، لذلِكَ كانَت عِنايتُه رَحِمَهُ اللهُ بِشَرحِ مَذاهِبِ السّلَفِ وبَيانِ عَوارِ مذَاهِبِ المخَالِفينَ لَهم ، مِمّا جعلَ كُتُبَه ومُصَنّفاتَه وآراءَه تَكتَسِبُ قُوّةً علَى قُوّةٍ، كالذّهَبِ المُصَفّى مِن كُلّ شائبة بعدَ أن يتعرَضَ لِلنّارِ ولِلطّرقِ .) أ.ه قلت : هذا من مكر المعترض في القول ولحنه فيه ! فكلامه هذا مع ما فيه من زعم أنه يوقر شيخ الإسلام ابن تيمية ويعظمه ، فهو من الكاذبين في ذلك حيث يشهد مقاله من أوله إلى آخره على كذبه في هذا الزعم ، وبما في ذلك عنوان مقاله الذي سبق الكلام عليه ، ومع ذلك فإنه لم يفته - وهو الخصم المناوئ لأهل العلم في مسألة الإيمان - أن يطعن أيضاً في شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، شيخِ مشايخ من فضحوا إرجاء هذا المعترض وبينوا مغالطاته ، وذلك في الفتوى المشهورة الصادرة في حقه ! والله جل وعلا يقول : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ . وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ .) (محمد:29-30) قال أبو المظفر السمعاني – رحمه الله - في تفسير هذه الآية : (ولتعرفنهم في لحن القول : أي في فحوى القول ومقصده ومغزاه . وعن بعضهم : قول الإنسان وفعله دليل على نيته .) أ.ه (تفسير القرآن للسمعاني 5/182) . وقال الإمام ابن كثير رحمه الله : (ولتعرفنهم في لحن القول : أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه ، وهو المراد من لحن القول ، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه .) أ.ه (4/180) وأقول مبيناً مكر هذا المعترض في هذه الفقرة من مقاله : لقد عقد هذا الرجل في كلامه مقارنة – وبطريقة ملتوية – بين من وقفوا في وجه الإمام ابن تيمية ومن وقفوا في وجه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى ، موهماً القراء أن ابن عبدالوهاب - رحمه الله - لم يرد عليه ولم يقاوم دعوته ولم يقف في وجهه أناسٌ أهل علم وحجة كالذين وقفوا في وجه ابن تيمية ، وهذا باطل من القول ومن التلبيس المظلم ، الذي من وراءه التشكيك – أيضاً - في دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله . وبيان ذلك أن هذا الكلام الباطل يتضمن محاولة التوهين من دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ، والتدرج في النيل منها أيضاً ، بأنهالم تمحص بَعْدُ بالردود والحجج القوية كما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . وهذا – أيضاً - من الغمز لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، والتمويه برميها بأنها ما زالت بحاجة إلى مزيد تمحيص وردود حتى يعرف هذا المعترض - وأضرابه من المخلطين في باب الاعتقاد - مدى ثباتها وقوتها وصحتها، كما هو معلوم عن دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ! والواقع أنه منذ ظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ، كتُبت عشرات المؤلفات في محاولة الرد عليها والتصدي لها ؛ كتب تلك المؤلفات الخرافيون والدجالون والمبتدعة من شتى أصقاع الأرض ، وكانت المقاومة منهم – ولا زالت - شديدة لهذه الدعوة السلفية المباركة ، حتى إنه قد صُنفت المصنفات في رصد وسرد المناوئين لها ، ولكن ذلك كله – ولله الحمد - لم يزدها إلا ثباتاً وتألقاً ونصاعة وانتشاراً بين الخلق ولله الحمد . ثم إن من أوجه الرد على مكر هذا الرجل أن يُقال له : إن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله - من أشد الناس تأثراً وتمسكاً بدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله ، وأصلاً هو من السائرين على دعوة شيخ الإسلام ابن تيمة ، لأنها تسير على عقيدة أهل السنة في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والتمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أبواب الدين ، شأنه في ذلك شأن أئمة أهل السنة الذين جاءوا من بعد ابن تيمية كابن القيم وابن عبدالهادي وأئمة الدعوة في الديار النجدية وغيرهم من أئمة أهل السنة ممن هم كالشوك في حلوق أهل البدع ، الذين منهم هؤلاء المرجئة الجدد الذين ضلوا في غياهب بدعة الإرجاء الفاسدة ، التي تلقوها مع الأسف عن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى وعفا عنه ، فراحوا يقلدونه رحمه الله ، ويناضلون في الدعوة إلى ذلك، بل وتسفيه من يخالفهم أو ينقدهم ، ظناً منهم أن من يبين غلط الشيخ الألباني – رحمه الله - في ذلك هو من باب التنقص به . قال الإمام ابن رجب - رحمه الله تعالى – محذراً من ذلك ومن عواقبه الوخيمة : (وظنهم أن الرد على مُعَظَّمٍ من عالمٍ وصالحٍ تنقصٌ به ، وليس كذلك ، وبسبب الغفلة عن ذلك تبدل دين أهل الكتاب ، فإنهم اتبعوا زلات علمائهم ، وأعرضوا عما جاءت بهم أنبياؤهم ، حتى تبدل دينهم ؛ واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله . فأحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم إياهم .) (الحِكَمُ الجديرة بالإذاعة ، ضمن مجموع رسائل ابن رجب 1/246) . وإنَّ من المقرر في مذهب السلف أن من زل وغلط في رأي ، أو قال بقول وقع بسببه في قولٍ مخالف لأهل السنة في الاعتقاد ، وإن كان في نفسه يظن إنه خير أو هدى ، فإنَّ السكوت على مثل ذلك خطر على الدين ، وأقلُّ الأحوال أن يُبين حاله ، نصحاً للمسلمين وتنبيهاً لهم للحذر من المخالفة التي وقع فيها ، وبذلك يُصان الدين من الفساد . قال شيخ الإسلام رحمه الله : (وإذا كان أقوام ليسوا منافقين ، لكنهم سماعون للمنافقين : قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً ، وهو مخالف للكتاب ، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين ، كما قال تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (التوبة:47)، فلا بد أيضاً من بيان حال هؤلاء ؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم ، فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم ، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين ، فلابد من التحذير من تلك البدع ، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ، لكن قالوها ظانين أنها هدى ، وإنها خير، وإنها دين ، ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها . ولهذا وجب بيان حال من يغلط في الحديث والرواية ، ومن يغلط في الرأي والفتيا ، ومن يغلط في الزهد والعبادة ، وإن كان المخطيء المجتهد مغفوراً له خطؤه، وهو مأجور على اجتهاده ، فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب ، وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله .) أ.ه (الفتاوى 28/232) . وغمزُ المعترض هذا لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب يشبه ما حاول بعضهم نشره عن هذه الدعوة ، بأنها : (ليست تامة السلفية كدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية) ! وأن الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله : (ليس كشيخ الإسلام ابن تيمية في منهج التفقه في الدين) ! وأن الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله : (كان عنده شدة وغلوٌ في التكفير) ! إلى آخر ما كان يسجله ويكتبه وينشره بعضهم ، ومن ثمَّ يتلقفه الأتباع وينشرونه هم أيضاً ، مما يتبين به وجه الشبه القوي بين كلام القوم ، ويتبين به - أيضاً - اتفاقهم في المصدر والمشرب ، مع تلونهم وأخذهم وردهم في ذلك ، واتهامهم لغيرهم بما هو أصلاً فيهم ؛ يعاونهم في ذلك أعوانهم المتلبسون بدعوتهم ، المستخفون من الناس كلما تبين شيء من حقيقة وتأريخ دعوتهم الملوثة بمذهب الإرجاء . والله جل وعلا يقول : (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً . يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً . هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً . ) (النساء: 107-109) قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ : فقد أخبر أنه لا يرضى بما يبيتونه من القول ، المتضمن البُهْتَ ، ورمي البريء ، وشهادة الزور ، وبراءة الجاني.) أ.ه (المدارج 1/253) وقال الإمام ابن كثير رحمه الله : ( وقوله تعالى : يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ . الآية : هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها لأنه مطلعٌ على سرائرهم وعالمٌ بما في ضمائرهم ، ولهذا قال : وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ، تهديدٌ لهم ووعيد ؛ ثم قال تعالى : هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا . الآية : أي هب أنَّ هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدى لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر وهم متعبدون بذلك ، فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ؟ ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذٍ يوم القيامة في ترويج دعواهم ؟ أي لا أحد يومئذٍ يكون لهم وكيلاً ، ولهذا قال : أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً .) أ.ه (1/552) . ثم إن كلام هذا المعترض هو عين ما يهمس به هذه الأيام المرجئة أدعياء السلفية الجدد ، ومن على شاكلتهم ممن يحمل معتقدهم الإرجائي الفاسد ، محاولةً منهم للتوهين من دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب والحط من قدرها ، حيث يعتبرونها – كغيرهم من المناوئين لها – العقبةَ الكؤود التي لا حيلة لهم فيها إلا بمثل هذه الأساليب والألاعيب ، وهيهات أن يكون لهم ذلك بمشيئة الله ، فإن الحق أبلج والباطل لجلج . والله جل وعلا يقول : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120) ، فبتوفيق الله جل وعلا لن يضر أهلَ السنة كيدُ هؤلاء القوم ، بل إن كيدهم ومكرهم ينقلب عليهم بإذن الله ، وهذه سنة الله في خلقه ، والله غالب على أمره .


) فصل
نقض مقدمات المعترض في
طعنه في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله


قال المعترض : (لَكِن معَ هذَا يَجِبُ أنْ يَعِي الجمِيعُ أنّ شيخَ الإسلامِ لَم يرفَعْهُ اللهُ ويكتُبَ لَه النّصرة إلاّ بأقوالِ السّلَفِ ، ونشرِه لَها ، وعَدَمِ التزامِه إماماً واحداً لتثبِيتِ الحقِّ ، بَل كانَ يستدِلُّ بأَقوالِ الأَئِمّةِ مِن كلِّ مذهَب ، حتّى إنّه يستعِينُ بأقوالِ المبتدعَةِ علَى بعضِهم البَعض ، وهذَا يُزيلُ عَن المتلَقّي أيّ شُبهَةٍ لِلتّعصّبِ لِلحنَابِلَةِ ، ويُقَرّبُ لَه الحقّ إذَا عَلِمَ أنّ إمَامَه يعتَقِدُ نفسَ هَذَا المعتَقَد .) أ.ه
قلت : كيف يريد هذا المعترض من القراء أن يصدقوا تقريره الكاذب هذا، وعنوان المقال أصلاً في التشكيك في شيخ الإسلام ابن تيمية وعلمه رحمه الله ؟! حيث قال هذا المعترضُ الدعيُ في عنوان مقاله : (ألا تقوم حجة الله على العباد إلا بشيخ الإسلام رحمه الله ؟ دعوة للتأمل) ، والذي يتأمل عنوان هذا الدعي ، ثم يقرأ تقريره هذا يجزم أن هذا التقرير منتقض بأصل العنوان ! وهذا من تناقض أهل الأهواء وكشفهم لأنفسهم بأنفسهم .
قال الإمام السجزي – رحمه الله في رسالته إلى أهل زبيد (ص195) : (ولكل مخالف للسنة وطريقة أهل الأثر ما يفتضح به عند التأمل .) أ.ه
ثم إذا كان هذا المعترض يعتقد – حقاً وصدقاً - أن سبب رفعة شيخ الإسلام ابن تيمية ونصرته ماذكره عنه فقط ، حيث حصر السبب فيما ذكره ، فهذا جهل منه بشيخ الإسلام ابن تيمية وحقيقة دعوته رحمه الله ، فإن أهم أسباب رفعة شيخ الإسلام ابن تيمية وانتصاره على خصومه من أهل البدع ما عُرف عنه - رحمه الله - أولاً وقبل كل شيء من إخلاص وصدق في التوحيد وتمسك بإفراد الله جل وعلا بالعبادة ، مع صدق متابعته - رحمه الله - للنبي صلى الله عليه وسلم ، وتمسكه الشديد – الذي أصبح يُقتدى به فيه رحمه الله - بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات ، وبما رواه السلف رحمهم الله تعالى وما بينوه بأقوالهم من سنته صلى الله عليه وسلم ، هذا هو – بتوفيق الله - الذي جعل لشيخ الإسلام ابن تيمية ودعوته الرفعة والنصرة والانتشار بين عباد الله .
ومقام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في العلم والدعوة ليس بحاجة إلى مزيد بيان من أمثال هذا الدعي المتناقض المتهم في عقيدته .
وما أجمل ما قاله الحافظ ابن سيد الناس – رحمه الله - في شيخ الإسلام ابن تيمية ، بعد رؤيته وإدراك علمه وفضله ، وأنقل ذلك حتى يتضح الفرق بين كلام أهل العلم الذين عرفوا لشيخ الإسلام علمه وفضله ، وبين كلام هذا الدعي المتناقض .
قال الإمام ناصر الدين الدمشقي الشافعي – رحمه الله - في الرد الوافر : (قال الحافظ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي : قال الحافظ فتح الدين أبو الفتح ابن سيد الناس اليعمري المصري بعد أن ذكر ترجمة شيخنا الحافظ المزي : وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية ، فألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً ، وكاد أن يستوعب السنن والآثار حفظاً . إن تكلم في التفسير ، فهو حامل رايته ، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته ، أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته ، أو حاضر بالملل والنحل لم يُرَ أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته ، برز في كل فن على بني جنسه ، ولم تر عينُ من رآهُ مثله ، ولا رأت عينه مثل نفسه ، كان يتكلم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير ، ويرِدون من بحره العذب النمير، ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير .) أ.ه (الرد الوافر ص58-59)
ومن المعلوم أن كثيراً من خصوم شيخ الإسلام – رحمه الله - الذين اجتمعوا به وناظروه ، رغم عداوتههم له ، أقروا له بفضله وعلمه الذي فاق فيه أهله والمنسوبين إليه ؛ وقد نقل ذلك كثيرٌ ممن ترجم له رحمه الله .
ومن ذلك ما نقله الإمام ابن عبدالهادي – رحمه الله - في (كتاب الانتصار في ذكر أحوال قامع المبتدعين وآخر المجتهدين تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية) عن أحد خصوم شيخ الإسلام ، وهو الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني الشافعي رحمه الله (انظر في ترجمته وخصومته لابن تيمية في البداية والنهاية 14/131-132) ، والذي قال عن شيخ الإسلام ابن تيمية : (كان إذا سُئل عن فنٍ من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله ، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك ، ولا يُعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ، ولا تكلم في علم من العلوم ، سواءً كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه . وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف ، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين .) أ.ه (الانتصار لابن عبد الهادي ص70) .
ثم يُقال لهذا المعترض : إن إقحامك للحنابلة (والتعصب لهم) ، واختيارك لهم في سياق كلامك هذا دون غيرهم ، ما هو إلا نفثة من نفثات المرجئة الجدد التي يحاولون دائماً الطعن بها في أئمة الدعوة وإمام دعوتهم السلفية الإمام محمد بن عبدالوهاب عليهم رحمة الله ، حيث يرميهم هؤلاء المرجئة بتهمة التعصب المذهبي والجمود الفقهي على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
ولأحد مشايخ المرجئة الجدد كلام قريب من الكلام الذي خطه المعترض، وضعه في كتابٍ يعتني به المرجئة الجدد كمرجعٍ لهم في طريقة التفقه في مسائل الأحكام ، والمعنون له ب : (بدعة التعصب المذهبي) ، حيث أجاز لنفسه ولمن على طريقته في ذلك الكتاب - وبأعجوبة - أن يحصروا أنفسهم في الأخذ عن الشيخ الألباني – رحمه الله - دون سواه من أهل العلم !
وتفصيل ذلك في فصلين عقدهما في كتابه (ص251و256) ، عنون للأول بقوله : (لماذا آثرنا أخذ العلم عن الشيخ ناصر دون سواه؟) ! وقال في الثاني : (لماذا نتبع الشيخ ناصر ولا نتبع إماماً من السابقين؟) !
ولشيخ الإسلام - رحمه الله - كلام نفيس في التحذير من عدم أخذِ أقوامٍ الحق وقبولهم له إذا لم يكن من طائفتهم ، قال فيه : (وهذا يُبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم ، أو الدين ، من المتفقهة ، أو المتصوفة ، أو غيرهم . أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين – غير النبي صلى الله عليه وسلم – فإنهم لا يقبلون من الدين رأياً وروايةً إلا ما جاءت به طائفتهم ، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم . مع أن دين الإسلام يوجب إتباع الحق مطلقاً : رواية ورأياً ، من غير تعيين شخص أو طائفة غير الرسول صلى الله عليه وسلم.) (الاقتضاء 1/74-75)
قلت : وما ورد في الكتاب المُشار إليه هو عين الجمود ، وعين التقليد والتعصب المذهبي ، وهو نفس الأمر الذي يفتري به هؤلاء المرجئة الجدد على غيرهم من أهل السنة من أئمة الدعوة السلفية ومن سار على طريقتهم .
وقد قدمَّ صاحبُ الكتاب لكلامه المُشارِ إليه ، وفي نفس الكتاب - (ص159و186) - برمي علماء هذه البلاد بالتعصب المذهبي ! وباتهامهم بالجمود على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله ، ثم راح أيضاً - وهذا هو الشاهد في ص186 من كتابه - يحاول التفريق بين علماء هذه البلاد وبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، مستشهداً عليهم - بزعمه - بمسألة (التورق) الذي ذهب إلى حرمته شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وأن علماء هذه البلاد يجيزون (التورق) مع أن شيخ الإسلام ابن تيمية : (الذي يدَّعون اتباعه وموالاته) - هكذا قال ! - لا يجيزه .
هذا مع ما حشا به المؤلف كتابه من اتهامات للقضاة بأنهم يستبيحون الدماء والفروج بمتون الفقه ، كما في (ص159) من ذلك الكتاب !
وهكذا تتشابه مسالك القوم ، وتتفق مشاربهم ، الأمر الذي يتضح جلياً لمن تدبر كلامهم وسبر أغوارهم ، وأنهم – في واقع الأمر وحقيقته - لا يأتون بجديد من الاتهامات الباطلة لأهل السنة ، فصغيرهم يردد ما يعتقده ويلقنه إياه كبيرهم ، وإن اختلفت العبارات والألفاظ فإن – في نهاية الأمر - مقصدهم وهدفهم جميعاً واحد ، لا يتغير .



يتبع فصل (5) إلى (10) والخاتمة إن شاء الله ، نفعنا الله وإياكم بما فيه من علم وفوائد


منقول

وليد الاثري
04-22-2011, 12:01 AM
جزى الله الشيخ عبد اللطيف باشميل على هذا الرد وحفظه
فهو ايضا كان الاوائل الذين ردوا على وقوع الشيخ الالباني رحمه الله وغفر له في الارجاء

12d8c7a34f47c2e9d3==