المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصلاة خلف كل بر وفاجر


كيف حالك ؟

البلوشي
01-23-2011, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة خلف كل بر وفاجر /الإمام السلفي الأثري العلامة بن أبي العز الدمشقي رحمه الله


( ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة ، وعلى من مات منهم ) . قال صلى الله عليه وسلم : صلوا خلف كل بر وفاجر . رواه مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وأخرجه الدارقطني ، قال : مكحول لم يلق أبا هريرة . وفي إسناده معاوية بن صالح ، متكلم فيه ، وقد احتج به مسلم في صحيحه . وخرج له الدارقطني أيضا وأبو داود ، عن مكحول ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم ، بر أو فاجر ، وإن هو عمل بالكبائر ، والجهاد واجب عليكم مع كل أمير ، بر أو فاجر ، [ وإن ] عمل الكبائر . وفي صحيح البخاري : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي ، وكذا أنس بن مالك ، وكان الحجاج فاسقا ظالما .

وفي صحيحه أيضا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا خلف من قال لا إله إلا الله ، وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله . أخرجه الدارقطني من طرق ، وضعفها .

اعلم ، رحمك الله وإيانا : أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا ، باتفاق الأئمة ، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ، ولا أن يمتحنه ، فيقول : ماذا تعتقد ؟ ! بل يصلي خلف المستور الحال الصلاة خلف مستور الحال .

ولو صلى خلف مبتدع الصلاة خلف المبتدع والفاسق يدعو إلى بدعته ، أو فاسق ظاهر الفسق ، وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه ، كإمام الجمعة والعيدين ، والإمام في صلاة الحج بعرفة ، ونحو ذلك - : فإن المأموم يصلي خلفه ، عند عامة السلف والخلف .

ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر ، فهو مبتدع عند أكثر العلماء . والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها ، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون ، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف ، وكذلك أنس رضي الله عنه ، كما تقدم ، وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وكان يشرب الخمر ، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ، ثم قال : أزيدكم ؟ ! فقال له ابن مسعود : ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ! !

وفي الصحيح : أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص ، فسأل سائل عثمان : إنك إمام عامة ، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة ؟ فقال : يا ابن أخي ، إن الصلاة من أحسن [ ص: 533 ] ما يعمل الناس ، فإذا أحسنوا فأحسن معهم ، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم .

والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة ، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته ، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب .

ومن ذلك : أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين ، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب ، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا ، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه - : فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة .

وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة ، فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم . وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ، ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية ، فهنا لا يترك الصلاة خلفه ، بل الصلاة خلفه أفضل ، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة ، وجب عليه ذلك ، لكن إذا ولاه غيره ، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة ، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر - : فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ، [ ص: 534 ] ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما ، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، بحسب الإمكان . فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر ، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا ، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة .

وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر ، فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر . وحينئذ ، فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر ، فهو موضع اجتهاد العلماء : منهم من قال . يعيد ، ومنهم من قال : لا يعيد . وموضع بسط ذلك في كتب الفروع .

وأما الإمام إذا نسي أو أخطأ ، ولم يعلم المأموم بحاله ، فلا إعادة على المأموم ، للحديث المتقدم . وقد صلى عمر رضي الله عنه وغيره وهو جنب ناسيا للجنابة . فأعاد الصلاة ، ولم يأمر المأمومين بالإعادة . ولو علم بعد فراغه أن إمامه كان على غير طهارة ، أعاد عند أبي حنيفة ، خلافا لمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه . وكذلك لو فعل الإمام ما لا يسوغ عند المأموم . وفيه تفاصيل موضعها كتب الفروع . ولو علم أن إمامه يصلي على غير وضوء فليس له أن يصلي خلفه ، لأنه لاعب ، وليس بمصل .

وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر ، وإمام الصلاة ، والحاكم ، وأمير الحرب ، وعامل الصدقة - : يطاع [ ص: 535 ] في مواضع الاجتهاد ، المطاعون في مواضع الاجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك ، وترك رأيهم لرأيه ، فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ، ومفسدة الفرقة والاختلاف ، أعظم من أمر المسائل الجزئية . ولهذا لم يجز للحكام أن ينقض بعضهم حكم بعض . والصواب المقطوع به صحة صلاة بعض هؤلاء خلف بعض . يروى عن أبي يوسف : أنه لما حج مع هارون الرشيد ، فاحتجم الخليفة ، وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ ، وصلى بالناس ، فقيل لأبي يوسف : أصليت خلفه ؟ قال : سبحان الله ! أمير المؤمنين . يريد بذلك أن ترك الصلاة خلف ولاة الأمور من فعل أهل البدع . وحديث أبي هريرة ، الذي رواه البخاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطأوا فلكم وعليهم - : نص صحيح صريح في أن الإمام إذا أخطأ فخطؤه عليه ، لا على المأموم . والمجتهد غايته أنه أخطأ بترك واجب اعتقد أنه ليس واجبا ، أو فعل محظورا اعتقد أنه ليس محظورا . ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخالف هذا الحديث الصريح الصحيح بعد أن يبلغه ، وهو حجة على من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح اقتداؤه به ! ! فإن الاجتماع والائتلاف مما يجب رعايته وترك الخلاف المفضي إلى الفساد .

وقوله : وعلى من مات منهم - أي ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار ، وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطاع [ ص: 536 ] الطريق ، وكذا قاتل نفسه ، خلافا لأبي يوسف ، لا الشهيد ، خلافا لمالك والشافعي رحمهما الله ، على ما عرف في موضعه . لكن الشيخ إنما ساق هذا الكلام لبيان أنا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور ، لا للعموم الكلي .

ولكن المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ، وإما منافق ، فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له ، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه . فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه ، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه ، وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة ، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين ، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره ، وعلل ذلك بكفرهم بالله ورسوله ، فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه ، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية أو الفجورية ما له ، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين ، فقال تعالى : فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ ص: 537 ] [ محمد : 19 ] . فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ، فالتوحيد أصل الدين ، والاستغفار له وللمؤمنين كماله . فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات ، إما واجب وإما مستحب ، وهو على نوعين : عام وخاص ، أما العام فظاهر ، كما في هذه الآية ، وأما الدعاء الخاص ، فالصلاة على الميت ، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون أن يصلوا عليه صلاة الجنازة ، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له ، كما روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء .

شرح العقيدة الطحاوية
علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي رحمه الله

12d8c7a34f47c2e9d3==