المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأحاديث النبوية في ذم العنصرية الجاهلية للبرجس تقديم للعلامة الفوزان


كيف حالك ؟

البلوشي
06-14-2010, 02:22 PM
الأحاديث النبوية في ذم العنصرية الجاهلية


تقديم

صاحب الفضيلة الشيخ العالم بقية السلف

صالح بن فوزان الفوزان . نفع الله به ومتع به .

الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وآله وصحبه وبعد :

فقد قرأت الرسالة المسماة : ( الأحاديث النبوية في ذم العنصرية الجاهلية ) انتقاء الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم ، فوجدتها – والحمد لله – رسالة جيدة مفيدة في موضوعها مبنية على أدلة قوية من الكتاب والسنة في مسألة كان الناس فيها على طرفي نقيض ، فأبان فيها صاحب هذه الرسالة وجه الحق علي ضوء الكتاب والسنة وكلام أهل العلم – أثابه الله – ونفع بعلمه وبما يقدمه من كتابات وغيرها - . وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

كتبه : صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان


المقدمة

الحمد لله وصلي الله وسلم علي رسول الله ، أما بعد : : لقد ابتلي كثير من أهل الإسلام في هذه الأزمان بخصلة مشينة ، تمتد جذورها إلى زمن الجاهليين المشركين ، وكانت حرب هذه الخصلة مقصداً من مقاصد بعثة رسول الله r إلى العالم ، تلك هي خصلة العصبية الجاهلية ، بفعله الشريف وقوله المنيف ، بل نزل القرآن الكريم بإبطالها وإحلال القاعدة الشريفة مكانها ) هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا( )إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (

)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً (. )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (



)وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(

وهذا هو المناسب لكون دين الله تعالي الإسلام عاماً لجميع الثقلين الإنس والجن ، كما أنه المناسب لدين باق إلى قيام الساعة .

لقد كان أهل الجاهلية متفرقين ) كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ( لا يحكمهم دين ولا عقل سليم ، قويهم يأكل ضعيفهم ) إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً( تفنيهم الحرب أجيالاً بعد أجيال من أجل استغاثة رجل بقبيلته ولو على باطل ، ونحو ذلك من تفاهات الأسباب وحقيرات البواعث .

فجاء الإسلام ماحياً كل هذه الظواهر المقيتة في حياتهم ، حيث ساوى بينهم في الحقوق ، وجعل شعار عصبيتهم (( الإسلام )) وفاضل بينهم بالتقوى وطاعة الله تعالى ، فلا فضل لعربي على عجمي ، ولا عجمي على عربي ، ولا لأحمر علي أسود ، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

قال الله تعالى : )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ( (الجمعة:2)

ولا سبيل إلي انتشار الإسلام كما كان أول أمره إلا إذا ألغي المسلمون جميع الشعارات إلا شعار الإسلام ، فصارت موالاتهم ومعاداتهم على هذا الدين القويم ، إذا أحبوا أحبوا لله ، وإذا أبغضوا أبغضوا لله ، وبذلك تنال ولاية الله عز وجل : ) نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( (لأنفال: من الآية40)

إن معرفة الإنسان لقبيلته وانتسابه لها والمحافظة على الانتساب لا يذم في الشرع بل جاء عنه r (( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم )) ، إنما المذموم الافتخار بالقبائل ، وذم أنساب الناس واحتقار من لم يعرف بقبيلة ، فتلك دعوى الجاهلية ، وتلك الدعوة المنتِنة .

وتذكيراً لنفسي ولإخواني المسلمين جمعت بعض الأحاديث والآثار في هذا الباب إذ هي كفيلة بنزع ما قد يعلق في بالقلوب من عنصرية بغيضةٍ وعصبيةٍ جاهلية ، فوجب التسليم والقبول لأمر الله تعالي وأمر رسوله r قال الله تعالى : ) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ( (النور 51 :52 )

) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً( (الأحزاب:36)


وقال تعالي )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( (النساء:65)



هذا وليعلم أني لا أريد بما كتبت هاهنا إبطال الأنساب أو تمزيق القبائل ، كلا فإن شرف القبيلة فضل الله يؤتيه من يشاء )وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ( (القصص:68) بل نريد أن تكون القبيلة ملتزمة شرع الله واقفة عند حدوده فلا تسلك مسلك الجاهلية في الافتخار والتعاظم بغير حق ، بل تكون عزوتها الإسلام ، وفخرها التقوى ، وشعرها الذي تجتمع عليه : دين الله تعالى .

فقد كان شعار المهاجرين في الحروب : عبد الله، وشعار الأنصار عبد الرحمن . رواه أبو داود في (( السنن )). حمّ (1) حم (1)

وفيها – أيضاً – عن المهلب بن أبي صفرة أن رسول الله r قال : إن بيتكم العدو فليكن شعاركم ( حّم) لا ينصرون )) . حديث صحيح .

وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتب : عبد السلام بن برجس العبد الكريم

الرياض 20/2/1420 هـ
الأحاديث

الحديث الأول :

عن أبي بن كعب t قال : سمعت رسول الله r يقول (( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوه )). رواه البخاري في (( الأدب المفرد )) ([1]) ،وأحمد في المسند ([2])

وفي لفظ له (( كنا نؤمر إذا الرجل تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ،ولا تكنوا )) .

قوله (( من تعزى )) أي : انتسب وانتمى ([3])

وقوله : (( بعزاء الجاهلية )) أي : الدعوى للقبائل بأن يقول : يا لتميم ، أو يا لعامرٍ ، وأشباه ذلك ([4])

وقوله : (( فأعضوه بهن أبيه )) العض : الإمساك علي الشيء بالأسنان ([5]) . و (( الهن )) ذكر الرجل .

والمعنى : قولو له : أغضض بأير أبيك ، ولا تكنوا عن الأير بلفظ الهن ، تنكيلاً وتأديباً لمن دعا دعوى الجاهلية ([6]) قال البغوي في (( شرح السنة )) ([7]) قوله (( بهن أبيه )) يعين ذكره . يريد يقول له : أغضض بأير أبيك ، يجاهره بمثل هذا اللفظ الشنيع رداً لما أتي به من الانتماء إلى قبيلته والافتخار بهم . اهـ

وقد فعل ذلك أبي بن كعب t راوي الحديث ، فإن سبب هذا الحديث أنه سمع رجلاً قال : يا لفلان ، فقال له أبي : اغضض بهن أبيك ، ولم يكن . فقال الرجل : يا أبا المنذر ، ما كنت فحاشاً ! فقال أبي : إني لا أستطيع إلا ذلك عملاً بقول النبي r (( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ))

وأمر بذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t حيث قال : (( من اعتز بالقبائل فأعضوه أو فأمصوه )) رواه ابن أبي شيبة في (( المصنف )) ([8])

بل كتب عمر بن الخطاب t إلى أمراء الأجناد : (( إذا تداعت القبائل فاضربوهم بالسيف حتى يصيروا إلى دعوة الإسلام )) . رواه ابن أبي شيبة في (( المصنف )) ([9]) أيضاً .

ومعنى : (( يصيروا إلى دعوة الإسلام )) أي : عزاء الإسلام ، أي يقول : يا للمسلمين . وقد جاء أثر عمر t هذا عند أبي عبيد بلفظ : (( سيكون للعرب دعوى قبائل ، فإذا كان ذلك فالسيف السيف ، والتل القتل حتى يقولوا : ياللمسلمين )) ([10]).

وفي لفظ نحوه لابن أبي شيبة – أيضاً - ([11]) : (( يقولون يا أهل الإسلام ، يا أهل الإسلام ))

وذكر أبو عبيد في (( غريب الحديث )) ([12]) : أن رجلاً قال بالبصرة : يا لعامر ! فجاء النابغة الجعدي بعصبة له فأخذته شرط أبي موسي ، فضربه أبو موسى خمسين سوطاً بإجابته دعوى الجاهلية . ا هـ .



الحديث الثاني :

عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال : (( .. من قاتل تحت رايةٍ عميمة يدعو إلى عصبيةٍ أو يغضب لعصبية ، فقتل ، فقتلتة جاهلية )) ([13])

وفي لفظ : ((.. ومن قتل تحت رايةٍ عميمةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي )) أخرجه مسلم في صحيحه )) ([14]) كتاب الإمارة



قوله : (( عُمية )) الدعوة العمياء ، فسرها الإمام أحمد - رحمه الله بقوله : الأمر العمى للعصبية لا يستبين ما وجهه .

والعصبة : بنو العم ، والعصبية أخذت من العصبة ([15])

وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - : إضافة الأمر إلى الجاهلية يقتضي ذمه ، والنهي عنه ، وذلك يقتضي المنع من أمور الجاهلية مطلقاً . ا هـ ([16])



الحديث الثالث :

عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله r : (( من قتل تحت راية عمية يدعوا عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية )) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([17])

كتاب الإمارة .

الحديث الرابع :

عن أبي عقبة – وكان مولى من أهل فارس – قال : شهدت مع رسول الله r أحدً فضربت رجلاً من المشركين فقلت خذها مني وأنا الغلام الفارسي .

فالتفت إلي رسول الله r فقال : (( فهلا قلت خذها مني وأنا الغلام الأنصاري )) أخرجه أبو داود في ((سننه )) ([18]) ، كتاب الأدب ، باب في العصبية .

قال شيخ الإسلام – رحمه الله – حضه رسول الله r على الانتساب إلى الأنصار وإن كان بالولاء ، وكان إظهار هذا أحب إليه من الانتساب إلى فارس بالصراحة ، وهي نسبة حق ليست محرمة .

ويشبه – والله أعلم – أن يكون من حكمة ذلك أن النفس تحامي عن الجهة التي تنتسب إليها فإذا كان ذلك لله كان خيراً للمرء . ا هـ ([19])



الحديث الخامس :

عن أبي ذر t: أنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام ، وكانت أمه أعجمية ، فعيرته بأمه ، فشكاني على النبي r فلقيت النبي r فقال : (( يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية )) . قلت يا رسول الله من سب الرجال سبوا أباه وأمه . قال : (( يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية ، هم إخوانك جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم )) . أخرجه البخاري في (( صحيحه )) ([20]) ، وكتاب الإيمان المعاصي من أمر الجاهلية . وفي (( الأدب )) باب ما ينهى عن السباب واللعن . ومسلم في (( صحيحه )) ([21]) *كتاب الإيمان واللفظ له .

قيل أن الرجل المذكور هو بلال المؤذن مولى أبي بكر وتعييره له بأمه ، حيث قال له : يا ابن السوداء ([22])

قال الحافظ : يؤخذ منه المبالغة في ذم السب واللعن لما فيه من احتقار المسلم وقد جاء الشرع بالتسوية بين المسلمين في معظم الأحكام وأن التفاضل الحقيقي بينهم إنما هو بالتقوى ، فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى كما قال تعالى : ) إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (. ا هـ ([23])



الحديث السادس :

عن أبي ذر tأن النبي r قال له : (( انظر فإنك ليس بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى )) .

أخرجه أحمد في (( المسند )) ([24]) .

قال المنذري في (( الترغيب والترهيب )) ([25]) : رواته ثقات مشهورون إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر . ا هـ .

الحديث السابع

عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قُطعة – قال : حدثني من سمع خطبة رسول الله r وسط أيام التشريق فقال : (( يا أيها الناس ، وإن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي علي أعجمي ولا لعجمي علي عربي ، ولا لأحمر علي اسود ، ولا أسود علي أحمر إلا بالتقوى ، أبلغت ؟ )) قالوا : يلغ رسول الله r . أخرجه الإمام أحمد في (( المسند )) ([26]) ، قال الهيثمي في (( المجمع )) ([27]) رجاله رجال الصحيح . ا هـ .

وقال شيخ الإسلام : إسناده صحيح ([28]) وقد رواه البيهقي في (( الشعب )) ([29]) عن أبي ندرة عن جابر بن عبد الله tلكن قال بعده البيهقي : وهذا في الإسناد بعض من يجهل . ا هـ .

فإذا كان الرب واحداً ، والأب للجميع واحداً ، لم يبقي لدعوى الفضل بغير تقوى الله عز وجل أي اعتبار .

وفي هذا الحديث : حصر الفضل في التقوى ، ونفيه عن غيرها . ([30])

أثر ابن عباس - رضي الله عنهما – قال : (( أرى أحداً يعمل بهذه الآية : ) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( فيقول الرجل للرجل : أنا أكرم منك فليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله )) . أخرجه البخاري في الأدب المفرد )) ([31])

ومعنى الآية : أن الله تعالى خلق بني آدم من أصل واحد فكلهم يرجعون إلى آدم – عليه السلام – وحواء ، وقد جعلهم الله عز وجل (( شعوباً )) وهو النسب البعيد للقوم ، مثل عدنان سمي شعباً وشعوباً ، لأن القبائل تتشعب منه ،(( قبائل )) وهي النسب القريب ([32]) . قال ابن عباس : الشعوب القبائل العظام ، والقبائل البطون ([33]) .

ثم بين تعالي الحمة من ذلك وهي : أن يتعارف الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير آبائه ولا ينتسب إلى سوى أجداده ، وعلى ذلك تترتب أحكام الورثة فيحجب بعضهم بعضاً وأحكام الأولياء في النكاح فيقدم بعضهم على بعض ، وأحكام الوقف إذا خص الواقف بعض الأقارب أو بعض الطبقات دون بعض ،وأحكام العاقلة في الدية علي بعض العصبة دون بعض ، وما يجرى مجرى ذلك فلولا معرفة الأنساب لفات إدراك هذه الأمور وتعذر الوصول إليها . ا هـ . من (( نهاية الأرب في معرفة انساب العرب )) ([34])

فهذه بعض فوائد معرفة الأنساب ، وليس فيها أن التفاخر بها وتقويم القبائل علي ضوئها من التعارف الذي يحبه الله ، بل هو من العصبية التي يبغضها الله ، ولهذا جعل تعالى معيار الفضل في التقوى بعد أمره بالتعارف ،فالتعارف شيء ، والتفاخر شيء آخر ، والفرق بينهما أن الأول محبوب إلى الله والآخر ممقوت عنده .

وتأمل فقه الإمام البخاري – رحمه الله تعالي – في ذلك ، فإنه لما عقد كتاب المناقب في (( صحيحه )) )َاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( (النساء: من الآية1)بدأه فقال :

باب قول الله تعالي:)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( (الحجرات: من الآية13)

وقوله: )َاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً( (النساء: من الآية1) وما ينهي عن دعوى الجاهلية . ا هـ .

قالا لحافظ في (( الفتح )) ([35]) : يشير غلي ما تضمنه هذه الآية من أن المناقب عند الله إنما هي بالتقوى بأن يعمل بطاعته ويكف عن معصيته .

ثم بدأ البخاري بذكر المناقب لقريش وغيرها من القبائل سائقاً الأدلة على أن فضل هذه القبائل في تزكية رسول الله r لها ومدحه r للصالح منها ، لا أن فضلها مكتسب بالشعارات أو معايير الجاهلية .

وهكذا تجد أهلا لعلم عامة يعقدون في مؤلفاتهم الكبار كتاباً للفضائل يشمل فضائل الأشخاص والقبائل والأمكنة والأزمنة ، كما هو صنيع أصحاب الأمهات الست : البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة . وغيرهم كثير .

ومن العلماء من يؤلف في ذلك مؤلفات مستقلة وكل ذلك لا يمت بصلة غلي العصبية الجاهلية ولا متعلق فيه لأحد ممن ابتلوا بها بل هو من دين الإسلام كما سيأتي شرحه عن حديث (( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة )) ([36]) وتحت عنوان في باب الفضائل ([37])

الحديث الثامن :



عن الحارث الأشعري tأن النبي r قال : (( .. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم )) .

قالوا : يا رسول الله ، وإن صام وإن صلى . قال (( وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم ، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل )) . أخرجه أحمد في (( المسند )) ([38])

وأخرج أبي شيبة في (( المصنف )) ([39]) عن أبي صالح أنه قال : (( من قال : يا آل فلان ، فإنما يدعوا إلي جثاء جهنم )).

وأخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) ([40]) عن عبد الله ابن أبي يزيد الأنصاري قال : (( تسموا بأسمائكم التي سماكم الله بها : بالحنيفية ، والإسلام ، والإيمان )).

قلت سمانا الله عز وجل بالمسلمين في الكتب السابقة وفي القرآن العزيز ، قال الله عز وجل )وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( (الحج:78)

قوله )هُوَ سَمَّاكُمُ( أي الله تعالي هو الذي سماكم بهذا الاسم ([41]) (مِنْ قَبْلُ ) أي في الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور (وَفِي هَذَا )( أي : في القرآن الكريم قد سماكم أيضاً بالمسلمين .

الحديث التاسع :

عن أبي مالك الأشعري tأن النبي r قال (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة )) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([42]) ، كتاب الجنائز .

معنى الحديث أن هذه الأربع محرمة ، ومع حرمتها فإن أكثر هذه الأمة لا يتركونها مع علمهم بحرمتها وأنها من أفعال أهل الجاهلية ، وذلك وباء وخيم وحوب كبير .

قال المناوي في (( فيض القدير )) ([43]) (( الفخر في الأحساب )) أي : الشرف بالآباء والتعاظم بعد مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم ، وذلك جهل ، فلا فخر إلا بالطاعة ، ولا عز لأحد إلا بالله والأحساب جمع حسب ، وهو ما يعده المرء من الخصال له ، أو لآبائه من نحو شجاعة وفصاحة .

(( الطعن في الأنساب )) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب .

(( الاستسقاء بالنجوم )) اعتقاد أن نزول المطر بهذا النجم أو ذاك .

(( النياحة )9 : رفع الصوت بالندب علي الميت . ا هـ مختصراً .



وقد أخرج البخاري في (( صحيحه )) ([44]) عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال : (( خلال من خلال الجاهلية : الطعن في الأنساب والنياحة )) ونسي الثالثة وقال سفيان : ويقولون أنها الاستسقاء بالأنواء .



الحديث العاشر :

عن أبي هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله r: (( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة علي الميت )) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([45]) كتاب الإيمان .

معناه كما قال القاضي عياض : أي من أعمال أهل الكفر وعادتهم وأخلاق الجاهلية ، وهما خصلتان مذمومتان محرمتان في الشرع . ا هـ . ([46])



الحديث الحادي عشر :

عن جابر بن عبد الله t قال : غزونا مع النبي r وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع انصارياً ، فغضب الأنصاري غضباً شديداً ، حتى تداعوا وقال الأنصاري : يا للأنصار وقال المهاجري : يا للمهاجرين . فخرج النبي r فقال : (( ما بال دعوى أهل الجاهلية ؟ )) ثم قال : (( شأنهم ؟ )) فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري فقال النبي r : (( دعوها فإنها خبيثة )) . أخرجه البخاري في (( صحيحه )) ([47]) كتاب المناقب ، باب من دعوى الجاهلية . ومسلم في (( صحيحه )) ([48]) كتاب البر والصلة . هذا أبلغ حديث في ذم العصبية الجاهلية إذ الانتساب عن دائرة التعبد والاعتزاز بالانتساب لدين الله تعالى ، ذم ومقت وأصبح جاهلية مرفوضة ، فكيف إذا كان الانتساب إلى ما قد يباح – كالانتساب غلي قبيلة – على وجه يشبه انتساب أهل الجاهلية ؟ لا ريب أنه أكثر ذماً وأشد مقتاً .

قوله (( رجل لعاب )) أي بطال وهو : جههاه بن قيس الغفاري .

قوله : (( فكسع )) أي ضربه علي دبره .



الحديث الثاني عشر :

عن عقبة بن عامر t أن رسول الله r قال : (( إن أنسابكم هذه ليست بسبابٍ علي أحدٍ وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملئوه ، وليس لأحد فضل علي أحد إلا بالدين أو عمل صالحٍ )) . رواه أحمد في (( المسند )) ([49])

قوله : (( طف الصاع )) أي : قريب بعضكم من بعض .



الحديث الثالث عشر :

عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : (( إن الله تعالي ذكره قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالأباء ، ومؤمن تقي ، وفاجر شقي ، أنتم بنوا آدم ، وآدم من تراب ، ليدعن رجال فخرهم بأقوامٍ إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون علي الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن )) . أخرجه أبو داود في (( سننه )) ([50]) كتاب الأدب باب في التفاخر بالأحساب ، والترمذي في آخر (( سننه )) ([51])، وصححه شيخ الإسلام في (( الاقتضاء )) ([52])

قوله : (( عبية الجاهلية )) : نخوتها .

والعُبية : الكبر والفخر والنخوة ([53])



الحديث الرابع عشر :



عن جبير بن مطعم tأن رسول الله rقال (( ليس منا من دعا إلي عصبيةٍ ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبيةٍ )) . أخرجه أبو داود في (( سننه )) ([54]) كتاب الأدب ، باب في العصبية . وإسناده ضعيف . لكن يشهد له حديث أبي هريرة t في (( صحيح مسلم )) .



الحديث الخامس عشر :

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r خطب الناس يوم فتح مكة فقال : (( يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها ، فالناس رجلان : بر تقي كريم علي الله ، وفاجر شقي هين علي الله ، والناس بنوا آدم وخلق الله آدم من ترابٍ قال الله ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( . أخرجه الترمذي في (( سننه )) كتاب تفسير القرآن . وقال غريب . ا هـ .

قلت : تقدم معناه في الحديث الثالث عشر .

آثر آخر لابن عباس – رضي الله عنهما - :

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : (( ما تعدون الكرم ؟ قد بين الكرم ، فأكرمكم عند الله أتقاكم . ما تعدون الحسب ؟ أفضلكم حسباً أحسنكم خلقاً )) . أخرجه البخاري في (( الأدب المفرد )) ([55])


الحديث السادس عشر :

عن عبد الله بن مسعود t قال : انتهيت إلى النبي r في قبة من أَدَم ، فقال : (( من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه )).

أخرجه أبو داود في (( سننه )) ([56]) كنتاب الأدب في العصبية وإسناده صحيح .

قوله (( يُنزع )) : يعالج ويحاول أن يخرج عنها .

والمعنى : أن من نصر قومه على غير الحق فقد أوقع نفسه في الهلكة بتلك لنصرة الباطلة ، حيث أراد الرفعة بنصرة قومه ، فوقع في حضيض بئر الإثم ، وهلك كالبعير ، فلا تنفعه تلك النصرة كما لا ينفع البعير نزعه عن البئر بذنبه .

وقيل : شبه النبي r القوم ببعير هالك ، لأن من كان على غير حق فهو هالك ، وشبه ناصرهم بذنب هذا البعير ، فكما أن نزعه بذنبه لا يخلصه من الهلكة ، كذلك هذا الناصر لا يخلصهم عن بئر الهلاك التي وقعوا فيها . اهـ . من (( مرقاة المفاتيح )) ([57]) للقاري



الحديث السابع عشر :

عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r (( .. ومن بطأ به علمه لم يسرع به نسبه )) . أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([58]) كتاب الذكر .

قوله : (( من بطأ به نسبه )) أي من أخره عمله وجعله بطيئاً عن بلوغ درجة السعادة ، لكون عمله سيئاً أو كونه فرط في العمل الصالح (( لم يسرع به نسبه )) أي :

لم يقدمه نسبه إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالي بالنسب بل بالأعمال الصالحة ([59]) .

ولهذا لما أنزل الله تعالى قوله ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214)

قام رسول الله r فقال : يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من الله شيئاً ، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً . أخرجه البخاري في (( الصحيح ))

فبين النبي r أنه لا ينجي من عذاب الله تعالي إلا الإيمان والعمل الصالح .

الحديث الثامن عشر :

عن جابر بن عبد الله tأن النبي r خطب في حجة الوداع يوم عرفة فقال : (( .. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ..)) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([60]) كتاب الحج .

قال شيخ الإسلام في (( الاقتضاء )) ([61]) : وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات ، مثل دعواهم يا لفلان ، ويا لفلان ، ومثل أعيادهم ، وغير ذلك من أمورهم . ا هـ .



الحديث التاسع عشر :

عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r (( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال / منسأة في الأثر

أخرجه الإمام أحمد في (( المسند )) ([62]) والترمذي في ((سننه )) ([63]) كتاب البر والصلة ، وباب : ما جاء في تعليم النسب .

قال الترمذي : غريب من هذا الوجه . ومعنى قوله (( منسأة في الأثر )) يعني زيادة في العمر . ا هـ .

قلت إسناده جيد ، وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي ([64])

وأخرج الطاليسي في (( مسنده )) ([65]) عن ابن عباس رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله r (( اعرفوا أنسابكم ، تصلوا أرحامكم )) صححه الحاكم وأقره الذهبي ([66]) وأخرجه البخاري في (( الأدب المفرد)) ([67]) موقوفاً على ابن عباس بلفظ : (( احفظوا أنسابكم ، تصلوا أرحامكم )).

وأخرج البخاري في (( الأدب المفرد )) ([68]) – أيضاً – عن عمر بن الخطاب tأنه قال على المنبر : تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم )).

دلت الأحاديث والآثار علي أن تعلم الأنساب محمود إذا كان تعلمها للقيام بطاعة الله المتعلقة بها ، من صلة رحم وقسمة ميراث ، وتحمل عاقلة ونحو ذلك .

أما إذا كان تعلمها لقصد الفخر والخيلاء ونحو ذلك مما كان عليه أهل الجاهلية ، فذلك مذموم مرفوض ، ولذلك نرى أن التعليل الوارد هاهنا : كون التعلم على صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب.

وقد علق الشارع بالأنساب أحكاماً كثيرة ولهذا قال ابن حزم في كتاب ((النسب )) ([69]) له : أن في علم النسب ما هو فرض على كل أحد وما هو فرض على الكفاية قال فمن ذلك أن يعلم أن محمد رسول الله r هو ابن عبد الله الهاشمي ، وأن يعلم أن الخليفة من قريش ، وأن يعلم أن من يلقاه في نسب محرمة ليجتنب تزويج ما يحرم عليه منهم وأن يعرف من يتصل به ممن يرثه أو يجب عليه بره من صلة أو نفقة أو معاونة ، وأن يعرف أمهات المؤمنين وأن نكاحهن حرام على المؤمنين ، وأن يعرف الصحابة وأن يعرف أن حبهم مطلوب ، وأن يعرف الأنصار ليحسن إليهم لثبوت الوصية بذلك ، لأن حبهم إيمان وبغضهم نفاق . ا هـ . وكذلك معرفة آل بيت النبي r المؤمنين منهم والمستقيمين علي الحق ليقام بحقهم إنقاذاً لوصية رسول الله r بهم ،ولئلا يعطوا من الزكاة .



الحديث المتمم للعشرين :



عن عبد الله بن عمرو t قال : قال رسول الله r (( كفر تبرؤ من نسب وإن دق ، أو ادعاء إلى نسب لا يعرف )) أخرجه أحمد في (( المسند )) ([70]) . وابن ماجة في (( سننه )) ([71]) ، كتاب الفرائض باب : من أنكر ولده ، ولفظ ابن ماجة : (( كفر بامرئ ادعاء نسب لا يعرفه ، أو جحده وإن دق )).

قال في (( الزوائد )) : إسناده صحيح . وحسنه السيوطي والألباني في (( صحيح الجامع )) ([72])

قوله : (( كفر )) أي ليس بالله العظيم ،وليس كفراً ينقل عن الملة ، وفي تسميته كفراً دليل على أنه من الكبائر .

والمعنى : لا يحل للمرء المسلم أن يتبرأ من نسبه ولو كان هذا النسب حقيراً ، ومثله من ادعى نسباً لا يعرف أي لا يتصل به فمن فعل ذلك فقد كفر بنعمة الله عز وجل عليه ، واعترض علي قضاء الله وحكمته ، بل كذب علي الله عز وجل كأنه يقول : خلقني الله من ماء فلان ولم يخلقني من ماء فلان ، والواقع خلافه ([73])

وقد تتابعت الأحاديث في الصحيحين وغيرهما في الحاق الوعيد الشديد بمن ادعى إلى غير أبيه ، ففي بعض الأحاديث : لعنه ، وفي بعضها تحريم الجنة عليه .

ففي (( الصحيح )) ([74]) عن أبي ذر t أنه سمع النبي r يقول : (( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ،ومن ادعى قوماً ليس له فيهم فليتبوأ مقعده من النار )).

قال النووي رحمه الله تعالي : في هذا الحديث تحريم ادعاء ما ليس له في كل شيء ، سواء تتعلق به حق لغير أم لا . ا هـ. ([75])

الحديث الحادي والعشرون:

عن أبي هريرة t قال : قيل : يا رسول الله ، من أكرم الناس ؟ قال (( اتقاهم )) فقالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : (( فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله )) قالوا ليس عن هذا نسألك . قال : عن معادن العرب تسألون ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )) ([76]) أخرجه البخاري في (( صحيحه )) كتاب المناقب ، ومسلم في (( صحيحه )) ([77]) كتاب الفضائل.

قال العلماء ([78]) لما سئل : أي الناس أكرم . أخبر بأكمل الكرم وأعمه . فقال : (( اتقاهم )) لله ، وأصل الكرم كثرة الخير ، ومن كان متقياً كان كثير الخير ، وكثير الفائدة في الدنيا ، وصاحب الدرجات العلى في الآخرة .

فلما قالوا ليس عن هذا نسألك . قال (( يوسف )) الذي جمع خيرات الآخرة والدنيا وشرفهما .

فلما قالوا : ليس عن هذا نسألك ، فهم النبي r عنهم أن مرادهم قبائل العرب ، فقال (( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )).

ومعناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا ، فهم خيار الناس .

قال القاضي عياض : وقد تضمن الحديث في الأجوبة الثلاثة أن الكرم كله عمومه وخصوصه ومجمله ومعينه إنما هو التقوى والنبوة والإعراق فيها والإسلام مع الفقه ، فإذا تم ذلك أو ما حصل منه مع شرف الأب المعهود عند الناس ، فقد كان شرف الشريف وكرم الكريم . ا هـ. ([79])

قلت الحديث فيه تنبيه علي أن في الجاهليين خياراً باعتبار الأمور الدنيوية ، كإكرام الضيف ونحوه . ومن هنا قال الشوكاني – رحمه الله تتعالى - : فلا شك أن هذا الحديث يدل على أن لشرافة الأنساب وكرم النجار مدخلاً في كون أهلها خياراً ، وخيار القوم أفضلهم ،وإن لم يكتن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخروي . ا هـ. ([80])

قال شيخ الإسلام في (( منهاج السنة )) ([81]) على هذا الحديث : بين لهم أولاً : أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ، وإن لم يكن ابن نبي ولا أبا نبي ، فإبراهيم r أكرم على الله من يوسف ، وإن كان أبوه آزر وهذا أبوه يعقوب ، وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل ، وإن كان هذا أولاده أنبياء وهذا أولاده ليسوا بأنبياء .

فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب ، قال لهم : فأكرم أهل الأنساب من انتسب إلى الأنبياء ، وليس في ولد أدم مثل يوسف ، فإنه نبي ابن نبي ابن نبي .

فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم . قال :

(( أ فعن معادن العرب تسألوني ؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )).

بين أن الأنساب كالمعادن ، فإن الرجل يتولد منه كما يتولد المعدن الذهب والفضة ، ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة فهكذا من عرف أنه يلد الأفاضل ، كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول . لكن هذا سبب ومظنة ، وليس هو هو لازماً ، فربما تعطلت أرض الذهب ، وربما قل نبتها ، فحينئذٍ تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة ، والفضة الكثيرة أحب إليه من ذهب قليل لا يماثلها في القدر .

فلهذا كانت أهل الأنساب الفاضلة يظن بهم الخير ويكرمون لأجل ذلك ، فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك كانت الحقيقة مقدمة علي المظنة ، وأما ما عند الله لا يثبت علي المظان ولا على الدلائل ، وإنما يثبت على ما يعلمه هو من الأعمال الصالحة فلا يحتاج إلى دليل ولا يجتزئ بالمظنة.

فلهذا كان أكرم الخلق عنده اتقاهم ، فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى تماثلاً في الدرجة وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه ، لكن إن حصل له بسبب نسبة زيادة التقوى كان أفضل لزيادة تقواه .

ولهذا حصل لأزواج النبي r إذا قنتن لله ورسوله وعملن صالحاً أجران لا لمجرد المصاهرة ، بل لكمال الطاعة . كما أنهن لو أتين بفاحشة مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين لقبح المعصية ، فإن ذا الشرف إذا الزم نفسه التقوى ، كان تقواه أكمل من تقوى غيره ، كما أن الملك إذا عدل كان عدله أعظم ممن عدل في أهله.



ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبة أصلاً : لا علي ولد نبي ولا على أبي نبي ،وإنما أثني علي الناس بإيمانهم وأعمالهم . وإذا ذكر صنفاً وأثني عليهم ، فلما فيهم من الإيمان والعمل ، لا لمجرد النسب .

ولما ذكر الأنبياء – ذكرهم في الأنعام – وهم ثمانية عشر قال ) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (الأنعام:87)

فبهذا حصلت الفضيلة باجتنابه – سبحانه وتعالى – وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم ، لا بنفس القرابة .

وقد يوجب النسب حقوقاً ،ويوجب لأجله حقوقاً ، ويعلق فيه أحكاماً من الإيجاب والتحريم والإباحة لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على الأعمال لا علي الأنساب .

ولما قال تعالى : )إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ( (آل عمران:33)

وقال )أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً( (النساء:54)

)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً( (النساء:54)

)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً( (النساء:54)

كان هذا مدحاً لهذا المعدن الشرف ، لما فيهم من الإيمان والعمل الصالح .

ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح ، كما في قوله تعالى )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ( (الحديد:26)

)وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ( (الصافات:113)

وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية ، كقوله : )لسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ( (التوبة: من الآية100)

وقوله ) لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى( (الحديد: من الآية10)

وقوله )لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً( (الفتح:18)

وهكذا في القرآن الثناء علي المؤمنين من الأئمة ، أولها وأخرها على المتقين والمحسنين والمقسطين والصالحين ،وأمثال هذه الأنواع. وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى ، كما ذكروا هم في آية الخمس والفيء . وفي القرآن أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيراً . وفي القرآن الأمر بالصلاة علي النبي r وقد فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله . وفي القرآن الأمر بمحبة الله ، ومحبة رسوله ومحبة أهله من تمام محبته r وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين .

وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت ، ولا الثناء عليهم بذلك ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك ، ولا تفضيله على من يساويه في التقوى بذلك.

وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل فذاك أمر ماض ، فأخبرنا به في جعله عبرة لنا فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح بالأعمال . ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل ، وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم وذنوبهم وعقوبتهم فذكر فيهم النوعين الثواب والعقاب .

وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه من أهل الإيمان والتقوى وإلا فإن ذم صاحبه أكثر ، كما كان الذم لمن ذُم من بني إسرائيل وذرية إبراهيم وكذلك المصاهرة .

قال تعالى : ) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ &وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( (التحريم:10 ، 11 )


وإذا تبين هذا فيقال : إذا كان الرجل أعجمياً ، والآخر من العرب ، فنحن وإن كنا نقول مجملاً : أن العرب أفضل جملة ، فقد قال النبي r - فيما رواه أبو داود : (( لا فضل لعربي علي عجمي ولا لعجمي علي عربي ،ولا لأبيض علي أسود ولا لاسود علي أبيض إلا بالتقوى والناس من آدم وآدم من تراب ))

وقال : (( إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، الناس رجلان : مؤمن تقي ، فاجر شقي )).

ولذلك إذا كان الرجل من أفناء العرب ، وآخر من قريش ، فهما عند الله بحسب تقواهما : إن تماثلا فيها ثماثلا في الدرجة عند الله تعالى وإن تفاضلا فيها تفاضلا في الدرجة . وكذلك إذا كان رجل من بني هاشم ، ورجل من أفناء قريش أو العرب أو العجم ، فأفضلهما عند الله أتقاهما ، فإن تماثلا في التقوى تماثلا في الدرجة ولا يفضل أحدهما عند الله لا بأبيه ولا ابنه ولا بزوجته ولا بعمته ولا بأخيه .. اهـ . كلام ابن تيممية رحمه الله .

الحديث الثاني والعشرون :

عن واثلة بن الأسقع tقال : سمعت رسول الله r يقول : (( إن الله أصطفي كنانة من ولد إسماعيل ،واصطفي قريشاً من كنانة واصطفي قريشاً من بني هاشم واصطفاني من بني هاشم )) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) ([82]) كتاب الفضائل .

قاعدة في الفضائل

اتفق أهلا لسنة والجماعة على اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم ، وأن قريشاً أفضل العرب وأن بني هاشم أفضل قريش وأن محمد رسول الله r أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق نفساً وأفضلهم نسباً ([83])

قال شيخ الإسلام رحمه الله في (( اقتضاء الصراط المستقيم )) ([84]) وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي r منهم ، وإن كان هذا من الفض ، بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك يثبت لرسول الله r أنه أفضل نفساً ونسباً ،وإلا لزم الدور ...

ثم ذكر شيخ الإسلام الأدلة على ذلك فقال : إن الله خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها ثم خص قريشاً على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص ، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة ، واستحقاق قسط من الفيء ، إلى غير ذلك من الخصائص فأعطي الله – سبحانه – كل درجة من الفضل بحسبها والله عليم حكيم )اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ( (الحج:75)

)وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ( (الأنعام:124)

روى البزار عن سلمان الفارسي tأنه قال : (( نفضلكم يا معشر العرب لتفضيل رسول الله r إياكم ،

لا ننكح نسائكم ، ولا نأمكم في الصلاة )) وإسناده جيد وسبب هذا الفضل والله أعلم – ما اختصوا به في عقولهم والسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم .. وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع ، وأما بالعمل الصالح . والعلم له مبدأ : وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ وتمام : وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة .

والعرب هم أفهم من غيرهم ،وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة . ولسانهم أتم الألسنة بياناً وتميزاً للمعاني ، جمعاً وفرقاً ، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع ، ثم يميز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر ، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي التي لا يستراب فيها .

وأما العمل : فإن مبناه على الأخلاق ، وهى الغرائز المخلوقة في النفس ، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم ، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة ، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطلة عنفعله ، ليس عندهم علم منزل من السماء ولا شريعة موروثة عن نبي ، ولا هم – أيضاً – مشتغلين ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب والحساب ونحوها ، إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم : من الشعر والخطب ، أو ما حفظوه من أنسابهم وأيامهم أو ما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم ، أو من الحروب .

فلما بعث الله محمداً r بالهدى الذي ما جعل الله في الأرض ولا يجعل أمراً أجل منه وأعظم قدراً ، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم ، ومعالجتهم على نقلهم من تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتها ، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى زالت تلك الريون عن قلوبهم واسنارت بهدي الله الذي انزل على عبده ورسوله ، فأخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة ، فاكتمل لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم ، والكمال الذي انزل الله إليهم ... إلى أن قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى :

يجب على المسلم إذا نظر في الفضائل ، أو تكلم فيها ، أن يسلك سبيل العاقل الدين ، الذي غرضه أن يعرف أن يعرف الخير ويتحراه جهده ،وليس غرضه الفخر على أحد ولا الغمض من أحد ، فقد روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار المجاشعي t قال : قال رسول الله r (( إنه أوحي إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد علي أحد ،ولا يبغي أحد على أحدٍ ))

فنهي الله سبحانه على لسان رسوله عن نوعي الاستطالة علي الخلق ، وهي : الفخر والبغي ، لأن المستطيلان استطال بحق فقد افتخر وإن كان بغير حق فقد بغي فلا يحل لا هذا ولا هذا فإن كان الرجل من الطائفة الفاضلة مثل : أن يذكر فضل بني هاشم أو قريش أو العرب أو بعضهم فلا بكن حظه استشعار فضل نفسه ، والنظر إلى ذلك فإنه مخطئ في هذا لأن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص كما قدمنا فرب حبشي أفضل عند الله من جهمور قريش ، ثم هذا النظر يوجب نقصه وخروجه عن الفضل ، فضلاً عن أن يستعلى بهذا ويستطيل .

وإذا كان من الطائفة الأخرى ، مثل العجم أو غير قريش أو غير بني هاشم فليعلم أن تصديقه لرسول اللهr فيما أخبر وطاعته فيما أمر ، ومحبة ما أحبه الله ، والتشبه بمن فضل الله والقيام بالدين الحق الذي بعث به محمداً ، يوجب له أن يكون أفضل من جمهور الطائفة المفضلة ،وهذا هو الفضل الحقيقي . وانظر إلى عمر بن الخطاب t حين وضع الديوان وقالوا له يبدأ أمير المؤمنين بنفسه فقال : لا ، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله ، فبدأ بأهل بيت رسول الله r ثم من يليهم ، حتى جاءت نوبة في بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش .

ثم هذا الإتباع للحق ونحوه قدمه على عامة بني هاشم فضلاً عن غيرهم من قريش ...ا هـ .
الخاتمة

تلخص مما قدمته في هذه الرسالة :

· أن التفاخر بالأنساب من أمر الجاهلية ، فخالفهم النبي r في ذلك وقضي علي جميع صور العصبية الجاهلية ، حتى تكون النفس منقادة لله تعالى ، لا تثيرها أي عصبية سوى عصبية الإسلام والحمية لدين الله عز وجل .

· وأنه لا يجوز احتقار انساب الناس ، أو الطعن فيها .

· وان انتساب بعض الناس إلى قبيلة ليس منها كفر بالله عز وجل العظيم ، وإن كان لا يخرج من ملة الإسلام بيد أنه كبيرة من كبائر الذنوب ، ثم هو ضعف وخور في هذا المنتسب ، وقلة تسليم لأمر الله عز وجل وقدره وحكمته .

· وأن الإسلام لم يقض بإهدار القبلية ، ولا نهى عن الانتساب إلى القبيلة والحرص على ضبط أصولها وحماية كيانها بل حث على تعلم الأنساب وحفظها وفضل بعض القبائل على بعض ، فجاء في الشرع بيان فضل قريش وغيرها ، إنما جاء الإسلام بإهدار العصبية الجاهلية لهذه القبائل ، كأن تعل هي عنوان الفضل ، أو ينتصر أفرادها للشخص منهم بالفعل أو بالقول بعيداً عن معايير الشريعة الإسلامية ، ونحو ذلك مما كان عليه أهل الجاهلية من تقديم عادات القبيلة على كل شيء ، فهي حاكمة لا يحكم عليها .

· كما أن ذكر فضائل القبائل الوارد في الشرع يجب أن يعتبر فيه التسليم المطلق للشارع ، وأن يفهم كما أراد الشرع الشريف لا أن يؤخذ على جهة التفاخر والتعاظم وازدراء الآخرين ، فمن فعل ذلك فقد خرج عن مقصد الشرع على حال الجاهلية الأولي وكان كمن استدل بقوله تعالى ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ( (الماعون:4) على المنع من الصلاة !! جعلنا الله في عافية من ذلك ، وأخذ بأيدينا غلي تحكيم شرع الله عز وجل في كل أمورنا ، صغيرها وكبيرها ، ظاهرها وباطنها .

وصلى الله علي نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

بو زيد الأثري
06-15-2010, 10:35 AM
رحم الله الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم

أبوعبدالعزيزالسلفي
06-15-2010, 10:16 PM
رحم الله الشيخ عبد السلام بن برجس العبد الكريم


رحم الله الشيخ برجس وغفر له

لعل بعض الناس أشد تنطعا من ربيع حيث أنهم يستاؤون من ترحم السلفين على برجس

حيث أن ربيع يجرم ويشنع على من يترحم على الفاسق والمبتدع الفاسق

بو زيد الأثري
06-16-2010, 08:04 PM
رحم الله الشيخ برجس وغفر له

لعل بعض الناس أشد تنطعا من ربيع حيث أنهم يستاؤون من ترحم السلفين على برجس

حيث أن ربيع يجرم ويشنع على من يترحم على الفاسق والمبتدع الفاسق



الحمد لله الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله من مشايخ السلفيين

أبوعبدالعزيزالسلفي
06-16-2010, 11:38 PM
الحمد لله الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله من مشايخ السلفيين


ومع ذلك يوجد من يتوجع ويتألم عندما يشاهد في الشبكة السلفيين يترحمون عليه

وهذا من مخلفات ربيع المخربي

12d8c7a34f47c2e9d3==