المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمع بين الخوف والرجاء


كيف حالك ؟

قاسم علي
06-05-2010, 10:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




الجمع بين الخوف والرجاء - لفضيلة الشيخ ابن عثيمين في شرح كتاب رياض الصالحين



اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً ، ويكون خوفه ورجاؤه سواء ، وفي حال المرض يمحض الرجاء .

وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك ،

قال الله تعالى : ( فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [االأعراف: 99] . وقال تعالى : ( إِنَّهُ لا يَايْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) [يوسف: 87] . وقال تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) [آل عمران:106] وقال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) [الأعراف: 167] . وقال تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) [الانفطار:13 ، 14] . وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ) [القارعة: 6، 9] . والآيات في هذا المعني كثيرة . فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية .

1/443 ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ، ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد )) رواه مسلم(295) .

2/444 ـ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة ، قالت : قدموني قدموني ، وإن كانت غير صالحة ، قالت يا ويلها ! أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعه صعق )) رواه البخاري (296) .

3/445 ـ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك )) رواه البخاري(297) .



الـشـرح

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب الجمع بين الخوف والرجاء ، وتغليب الرجاء في حال المرض .

هذا الباب قد اختلف فيه العلماء هل الإنسان يغلب جانب الرجاء أو جانب الخوف ؟ .

فمنهم من قال : يغلب جانب الرجاء مطلقاً ، ومنهم من قال : يغلب جانب الخوف مطلقاً .

ومنهم من قال ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه سواء ، لا يغلب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا ؛ لأنه إن غلب جانب الرجاء ؛ أمن مكر الله ، وإن غلب جانب الخوف ؛ يئس من رحمة الله .

وقال بعضهم : في حال الصحة يجعل رجاءه وخوفه واحداً كما اختاره النووي رحمه الله في هذا الكتاب ، وفي حال المرض يغلب الرجاء أو يمحضه .

وقال بعض العلماء أيضاً : إذا كان في طاعة ؛ فليغلب الرجاء ، وأن الله يقبل منه ، وإذا كان فعل المعصية ؛ فليغلب الخوف ؛ لئلا يقدم على المعصية .

والإنسان ينبغي له أن يكون طبيب نفسه ، إذا رأى من نفسه أنه أمن من مكر الله ، وأنه مقيم على معصية الله ، ومتمنٍ على الله .الأماني ، فليعدل عن هذه الطريق ، وليسلك طريق الخوف .

وإذا رأى أن فيه وسوسة ، وأنه يخاف بلا موجب ؛ فليعدل عن هذا الطريق وليغلب جانب الرجاء حتى يستوي خوفه ورجاؤه .

ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ آيات جمع الله فيها ذكر ما يوجب الخوف ، وذكر ما يوجب الرجاء ، ذكر فيها أهل الجنة وأهل النار، وذكر فيها صفته عز وجل وأنه شديد العقاب وأنه غفور رحيم .

وتأمل قوله تعالى : ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ) [المائدة: 98 ، 99] ؛ حيث إنه في مقام التهديد والوعيد قدم ذكر شدة العقاب (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

وفي حالة تحدثه عن نفسه وبيان كمال صفاته قال : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) [الحجر: 49 ، 50] ؛ فقدم ذكر المغفرة على ذكر العذاب ؛ لأنه يتحدث عن نفسه عز وجل ، وعن صفاته الكاملة ورحمته التي سبقت غضبه .

ثم ذكر المؤلف أحاديث في هذا المعنى تدل على أنه يجب على الإنسان أن يجمع بين الخوف الرجاء ، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ؛ ما طمع بجنته أحد )) .

والمراد لو يعلم علم حقيقة وعلم كيفية لا أن المراد لو يعلم علم نظر وخبر ؛ فإن المؤمن يعلم ما عند الله من العذاب لأهل الكفر والضلال ، لكن حقيقة هذا لا تدرك الآن ، لا يدركها إلا من رقع في ذلك ـ أعاذنا الله وإياكم من عذابه .

(( ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ، ما قنط من جنته أحد )) ، والمراد حقيقة ذلك ، وإلا فإن الكافر يعلم أن الله غفور رحيم ، ويعلم معنى المغفرة ، ويعلم معنى الرحمة .

وذكر المؤلف أحاديث في معنى ذلك مثل قوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك)).

شراك النعل يضرب به المثل في القرب ؛ لأن الإنسان لا بس نعله ، فالجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله ؛ لأنها ربما تحصل للإنسان بكلمة واحدة ، والنار مثل ذلك ، ربما تحدث النار بسبب كلمة يقولها القائل ، مثل الرجل الذي كان يمر على صاحب معصية فينهاه ويزجره ، فلما تعب قال : والله لا يغفر الله لفلان .

فقال الله تعالى : (( من ذا الذي يتألى علىَ ألا أغفر لفلان ؛ قد غفرت له وأحبطت عملك )) (298)، قال أبو هريرة : تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته .

فالواجب على الإنسان أن يكون طبيب نفسه في كونه يغلب كونه الخوف أو الرجاء ، إن رأى نفسه تميل إلى الرجاء وإلى التهاون بالواجبات وإلى انتهاك المحرمات استناداً إلى مغفرة الله ورحمته ؛ فليعدل عن هذا الطريق ، وإن رأى أن عنده وسواساً ، وأن الله لا يقبل منه ؛ فإنه يعدل عنه هذا الطريق

12d8c7a34f47c2e9d3==