المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جحد شيئا من الأسماء والصفات


كيف حالك ؟

البلوشي
03-19-2010, 04:52 PM
بسم الرحمن الرحيم

قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات وقول الله تعالى: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ) وفي صحيح البخاري قال علي: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟).
وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: أنه رأى رجلاً انتفض ـ لما سمع حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات، استنكاراً لذلك ـ فقال: (ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه) انتهى.
ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر: (الرحمن) أنكروا ذلك. فأنزل الله فيهم: (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ)

قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي يرحمه الله
أصل الإيمان وقاعدته التي ينبني عليها هو الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته , وكلما قوي علم العبد بذلك وإيمانه به وتعبد لله بذلك قوي توحيده , فإذا علم أن الله متوحد بصفات الكمال متفرد بالعظمة والجلال والجمال ليس له في كماله مثيل , أوجب له ذلك أن يعرف ويتحقق أنه هو الإله الحق وأن إلهية ما سواه باطلة , فمن جحد شيئا من أسماء الله وصفاته فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه , وذلك من شعب الكفر .

قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله
قول الشيخ رحمه الله: "باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات " أي: ما حكمه؟ وما دليل ذلك؟ .

ومناسبة الباب: أنه لما كان التوحيد ثلاثة أنواع توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكان غالب هذا الكتاب في النوع الثاني، وهو توحيد العبادة، لأن فيه الخصومة بين الرسل والأمم ، وهو الذي كثر ذكره في القرآن الكريم وتقريره والدعوة إليه، فهو الأساس، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهو الذي خلق الله الخلق من أجله كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .

وأما النوع الأول وهو توحيد الربوبية : فهذا أكثر الأمم مقرة به، خصوصا الذين كانوا في وقت نزول القرآن من كفار قريش وكفار العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، فهم يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق، المحيي، المميت، المدبر يعترفون بذلك كما جاءت آيات في القرآن الكريم تبين ذلك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ هذا شيء متقرر، ولكنه لا يدخل في الإسلام، فمن أقر به واقتصر عليه ولم يقر بالنوع الثاني وهو توحيد العبادة، ويأت به فإنه لا يكون مسلما ولو أقر بتوحيد الربوبية .

أما النوع الثالث: وهو توحيد الأسماء والصفات، فهو في الحقيقة داخل في توحيد الربوبية .

ومن أجل هذا؛ بعض العلماء يجمل ويجعل التوحيد نوعين:

توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات وهو التوحيد العلمي .

وتوحيد في الطلب والقصد وهو التوحيد الطلبي العملي، وهو توحيد الألوهية .

ولكن لما وجدت طوائف من هذه الأمة افترقت عن مذهب السلف، وصار لها رأي في الأسماء والصفات تخالف الحق؛ جعل هذا قسما ثالثا من أجل الرد عليهم وبيانه للناس، فجعل التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، لأن هذا التقسيم تفصيلي، والتقسيم الأول إجمالي .

وقد وجدت نابتة في الآونة الأخيرة على طريقة علماء الكلام تجعل التوحيد قسما واحدا هو: توحيد الربوبية فقط، وتنكر ما عداه، فلم يزيدوا على ما أقر به المشركون، ولم يعلموا - أو هم يتجاهلون - أن القرآن الكريم قد دل على التوحيد بأقسامه الثلاثة في آيات كثيرة .

وجدت طائفة أخرى تقول: إن التوحيد أربعة أقسام، وتزيد من عندها توحيد الحاكمية، ولم تعلم أن هذا القسم الذي زادوه هو قسم من توحيد الألوهية، وليس قسيما له . ويجوز اعتباره من توحيد الربوبية من ناحية أن التشريع من اختصاص الرب سبحانه وتعالى .

وقد تكلم الشيخ على توحيد الألوهية في معظم أبواب هذا الكتاب أول باب منه يقول: "كتاب التوحيد، وقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فاعتنى بتوحيد الألوهية، لأنه هو المقصود، وتوحيد الربوبية دليل عليه، وداخل في ضمنه .

ثم ذكر في هذا الباب توحيد الأسماء والصفات ، ولم يذكر توحيد الربوبية، لأن توحيد الربوبية معترف به عند جميع الخلق، وتقر به حتى الأمم الكافرة على جاهليتها وشركها، ولكنه خص باب الأسماء والصفات هنا لأن منكريه من هذه الأمة من الفرق الضالة كثيرون .

فأراد بهذا الباب أن يبين حكم هذه الفرق المخالفة في هذا النوع العظيم من أنواع التوحيد .

ولهذا قال: "باب من جحد الأسماء والصفات " أي: بيان حكمه .

قال: "وقول الله تعالى: وهم أي: المشركون .

يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ أي: ينكرون هذا الاسم الكريم، ويجحدونه .

ويوضح ذلك سبب نزول الآية، وهو: أن كفار قريش لما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ لا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون: مسيلمة الكذاب ، وذلك عندما صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين في الحديبية وأراد أن يكتب الصلح، ونادى علي بن أبي طالب ليكتب الصلح، فقال له: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم قالوا: لا نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة ولكن اكتب باسمك اللهم . فأنزل الله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ .

وكذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان يصلي ويدعو في سجوده: "يا الله، يا رحمن" فقال المشركون لما سمعوه: انظروا إلى هذا يزعم أنه يعبد ربا واحدا وهو يدعو ربين: الله والرحمن، قال الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

بين سبحانه أن أسماءه كثيرة، وتعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى، بل تعدد الأسماء يدل على عظمة المسمى، والله جل وعلا له أسماء كثيرة، قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقال سبحانه وتعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وقال تعالى في آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إلى قوله: لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فالله له أسماء كثيرة، كلها حسنى، يعني: تامة عظيمة، تشتمل على معان جليلة .

وفي الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك فدل على أن أسماء الله كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .

وكثرة الأسماء الحسنى تدل على عظمة المسمى .

فكل اسم يدعى به ويطلب منه تعالى ما يتضمنه ذلك الاسم من الرحمة والمغفرة والتوبة وغيرها .

وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا يعني: توسلوا إليه بها في دعائكم، كأن تقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب علي، يا رازق ارزقني . وهكذا .

وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ يعني: ينكرونها، أو ينكرون معانيها ويحرفونها، توعدهم الله بقوله: سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .

والإيمان بأسماء الله وصفاته هو مذهب أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين، وأتباعهم إلى يوم القيامة، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بأسماء الله وصفاته التي سمى الله تعالى بها نفسه، أو سماه بها رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، يؤمنون بها، ويثبتون معانيها وما تدل عليه، ولكن كيفيتها لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى .

أما الفرق الضالة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومشتقات هؤلاء فإنهم يجحدونها، فمنهم من يجحد الأسماء والصفات وهم الجهمية ولذلك كفرهم كثير من علماء هذه الأمة، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في "النونية":

ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشـر مـن العلمـاء فـي البلدان



يعني: كفر الجهمية خمسمائة عالم من هذه الأمة، لأنهم يجحدون الأسماء والصفات، فلا يثبتون لله اسما ولا صفة .

والمعتزلة أثبتوا الأسماء ولكنهم جحدوا معانيها، وجعلوها أسماء مجردة، ليس لها معان .

والأشاعرة أثبتوا الأسماء وبعض الصفات، وجحدوا كثيرا من الصفات، فأثبتوا سبع صفات، وبعضهم يثبت أربع عشرة صفة، والبقية يجحدونها وينكرونها .

وكل هؤلاء فرق ضالة، وهم يتفاوتون في ضلالهم .

ويستفاد من نصوص الباب فوائد عظيمة:
الفائدة الأولى: أن إنكار الأسماء والصفات كفر لقوله تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ ولكنه كفر فيه تفصيل قد يكون كفرا أكبر مخرج من الملة، وقد يكون كفرا أصغر لا يخرج من الملة لكنه ضلال، وهذا بحسب حال النافي للأسماء والصفات: هل هو مقلد أو غير مقلد؟ هل هو متأول أو غير متأول؟ .

الفائدة الثانية: في قول " علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون " " فيه: أنه يجب على المتحدث في خطبة أو في درس أو في موعظة أو في محاضرة أن يتحدث بما يناسب حال المستمعين وما ينفعهم، ولا يأتي لهم بالغرائب والأشياء التي لا يفهمونها، لأن هذه الأشياء إن لم تكن صحيحة فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالذي يروجه بعض القصاص من الأحاديث المكذوبة والموضوعة، وإن كانت ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون قد تسبب في استنكار الحاضرين لها وجحدهم لها، فيكون هو السبب الذي حملهم على ذلك .

الفائدة الثالثة: أيضا في قول علي رضي الله عنه طلب التدرج في تعليم الناس فيبدأ بصغار المسائل، ثم ينتقل إلى كبارها، هذا هو الطريق الصحيح للتعليم، أما أن يؤتى بكبار المسائل للمبتدئين فهذا خطأ في طريقة التعليم .

الفائدة الرابعة: في قول ابن عباس رضي الله عنهما دليل على أن نصوص الصفات من المحكم، وأنها تذكر عند الناس، لا يتحاشى من ذكرها، لأنها واضحة المعاني، لا إشكال فيها، ولذلك جاءت في القرآن، والقرآن يتلوه العوام ويتلوه المتعلمون .

الفائدة الخامسة: فيه دليل على أن أهل الزيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم .

الفائدة السادسة: فيه - أيضا - دليل على إنكار المنكر، لأن ابن عباس رضي الله عنهما استنكر على هذا الرجل، وبين السبب الذي حمله على ما حصل منه من الرعدة، وأنه من أهل الزيغ الذين ينكرون المحكم ويتبعون المتشابه .

الفائدة السابعة: أن أول من جحد الأسماء والصفات هم المشركون، فيكونون أئمة للجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهم، وبئس الأئمة والقدوة، نسأل الله العافية والسلامة .

هذا، وبالله التوفيق .

12d8c7a34f47c2e9d3==