المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيان من الشيخ عبد العزيز بن فيصل الراجحي في مزاعم الإباضي القنوبي


كيف حالك ؟

أبو عبد الله العربي
03-10-2010, 09:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحـَمْدُ للهِ ، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله ، وعلى آلهِ وصََحْبهِ ، ومَنْ وَالاهُ وتـَبـِعَ هُـدَاه ، وبَعْدُ :

فقد أطلعني بَعْضُ الأفاضل على ما كتبَهُ سعيد بن مبروك القـَنُّوبيّ الإباضيّ في«الطـُّوفان» (3/12-13و47)، وما كتـبَهُ غـَيرُه مِنْ مُحِبِّيهِ في بَعْض«ِمنتديات الانترنت» ، مِنْ زَعْمِهم : كذبي على القـَنُّوبيّ حين قـُلـْتُ في كتابي«قدوم كتائب الجهاد»(ص174) عن القـَنُّوبيّ:(ثـُمَّ شـَرَعَ في النّقل عن بَعْضِهم مِنْ ص47-53 في تقرير ذلك ، وأَنَّ أحاديث «الصَّحيحين» ورواتِها فيهم ضَعْفٌ ، ونحو ذلك)اهـ .

فـَزَعَمَ القـَنُّوبيُّ - ومَنْ تابعَهُ وتـَبـِعَـهُ - كـذبي عليه ! وذكـَرَ أَنـَّهُ لا يقول بتَضْعيف أحاديث «الصَّحيحين» كـافـَّة ، وإنـَّما يقولُ بتَضْعيف جُمْلـَةٍ وَافِـرَةٍ منها فحَسْب ! كما ذكـَرَ هو في كتابهِ «السَّيْف الحـَادّ»(ط1)(ص47) ! أو أَنـَّهُ يقولُ بوجود بَعْض ِ الأحاديث الضَّعيفة في«الصَّحيحين» فحَسْب ! كـَمَا هو في«الطـُّوفان»(3/42) ! مُناقِضًا قـَوْلـَهُ الأَوَّل !

وهذه مُحَاولة ٌ مِنَ القـَنُّوبيّ أَنْ يُشَكـِّك َ في رَدِّي عليه ، وفيما ذكرتُهُ فيه ، ونـَقـَلـْتُهُ عَنْهُ ، مِنْ تَحْريفٍ وَبـَتْرٍ وتلبيس ، وإقامةٍ للحُجَّة ، وبيانًا للمَحَجَّة ، حَـيْدَة ً عن الجـَوَاب ، وإيهامًا للقارئ له أَنـِّي أَنـَا المـُتـَّهَـمُ بذلك - لا هُـوَ - الكـَذّاب !

وقد كـُنْتُ اطـَّلعتُ على كتاب القـَنُّوبيّ ، الـَّذي رَدَّ به عَلـَيَّ وسَمّاه «الطـّوفان ، الجارف لكتائب البَغْي والعُدْوان» ، الجـُزْء الثـّالث منه في قِسْمَين ِ في مُجَلـَّدَيْن .

وكـُنْتُ لِظـَنِّي أَنَّ له جُزْئين ِ آخـَرَيْن ِ قـَبْلـَهُ : لـَمْ أقرأْهُ ، إلى أَنْ يَجْتمعَ عندي الكتابُ تامًّا ، فأقرأهُ كاملا .

ثـُمَّ عَلِمْتُ هذه الأَيّام ، عن طريق بَعْض ِ إخوانِنا العُمَانيِّين : أَنَّ القـَنُّوبيَّ لـَمْ يطبعْ إلا َّ هَـذَا الجـُزْءَ فحَسْب ! أَمّا الجـُزْاءن ِ الأَوّلان ِ فـَلا ! وأَنَّ إحـالاتِهِ على الجـُزْئين ِالأَوَّلين ِ إحـالاتٌ على مَعْدوم ! وهذا فِعْلٌ - لا شـَك َّ- مَذْموم !

وعلى كـُلِّ حَال ٍ، فإنَّ هـذا الجـُزْءَ الثـّالِثَ ذا المـُجلـَّدَيْن ِ: لـَمْ يُناقشني القـَنُّوبيُّ في شَيْءٍ فيه سـوى مسألة إثبات وجود أحاديث في«الصَّحيحين» ، قد ضَعَّفـَهَُا جَمَاعَة ٌ مِنْ أهل العِلـْم مِنَ المـُتـَقـَدِّمين أو المـُتـَأَخِّـرين . مَعَ عِلـْمِي ، وعَدَمِ إنكاري وجودَ أحاديث في«الصَّحيحين» قد تكلـَّمَ فيها بَعْضُ الحـُفـّاظِ والعُلمَاء ، وقد ذكرتُ ذلك في كتابي«قدوم كتائب الجهاد»(ص173و183).

وقـَدْ تَطـَرَّقَ القـَنُّوبيُّ للرَّدِّ عَلـَيَّ في بَعْض ِ مَسَائلَ أُخرى أيضًا وهي قليلة . غـَيرَ أَنَّ ما تَرَكـَهُ القـَنُّوبيُّ وأغفلَ رَدَّهُ وهو في كتابي«قدوم كتائب الجهاد» كثيرٌ ، بل فيه له إلزامات ، وبيانُ تناقضات ، وإظهارُ تلبيسات ، لـَمْ يتعرَّضْ لجـَوَابها ولـَوْ بكلمات ! لا لشَيْءٍ غـير عَجْزِه عن الإجـاباتِ عن تلك الكذبات الظـّاهرات !

ومن تلك الأُمور التي أغفلها ولم يجب عليها وهي كثيرة ، أذكر بعضها ، وموضعَها في كتابي «قدوم كتائب الجهاد» :

فمن أكاذيب القنوبي ، وتحريفاته للنقول وتلبيساته ، التي أبنتُها ولم ينطقْ بحرف في جوابها :

1- كـَذِبُه حين نَسَبَ أحاديثَ مرفوعة ً، أو أقوالا ً مأثورة ً، إلى الدّارميّ ، أو إلى عَبْدِ الله بن أحمد أَنـَّها مِنْ أقوالهِما ! وَهِيَ لـَيْسَتْ مِن أقوالهِما ! وإنـَّما رَوَياها بأسانيدِهما إلى أصحابها ، فنَسَبَهَا القـَنُّوبيُّ إليهما تلبيسًا وتغريرًا (ص91-92و100-106).

2- كـَذِبُ القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ أَنَّ الحافظ َ ابنَ حَجَرٍ في«الدُّرر الكامنة»(3/400) قـَدْ نَسَبَ إلى أبي عَبْدِ الله ابن قـَيِّمِ الجـَوْزِيَّةِ كتابَ «الفوائد المـُشوّق إلى عُلـُوم القرآن»(ص143).

3- كـَذِبُ القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ أَنَّ الصَّفديَّ في«الوافي بالوَفـَيَات»(2/270) قـَدْ نَسَبَ إلى أبي عَبْدِ الله ابن قـَيِّمِ الجـَوْزِيَّةِ كتابَ «الفوائد المـُشوّق إلى عُلـُوم القرآن»(ص143-144).

4- كـَذِبُ القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ أَنَّ ابنَ تَغْري بَرْدي في«النُّجوم الزّاهرة»(10/249) قـَدْ نَسَبَ إلى أبي عَبْدِ الله ابن قـَيِّم الجـَوْزِيَّةِ كتابَ «الفوائد المـُشوّق إلى عُلـُوم القرآن»(ص143-144).

5- كـَذِبُ القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَبْعَثُ رُسُلـَهُ إلى الأقطار لِيُعَلـِّموهم الفـُرُوعَ لا الأُصول !

مَعَ عِلـْمِه بقـَوْل ِالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِمُـعَاذِ بن جـَبَل ٍحين أرسله إلى أهل اليَمَن:«إنـَّك َ تَأْتِي قـَوْمًا أَهْلَ كِـتَابٍ ، فـَلـْيَكـُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوْهُمْ إلـَيْهِ شَهَادَة ُ ألا َّ إلـَهَ إلا َّ الله ُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ» وهو في«صحيح البُخاريّ» مِنْ حديث ابن عَـبّاس رضي الله عَنْهما .

6- كـَذِبُ القـَنُّوبيّ على الحافظِ ابن عَبْد البَرّ ، حين نَسَبَ إليه : أَنـَّهُ لا يَرَى حُجِّـيَّة خـَبرِ الآحاد في الاعتقاد ! واستدلال القـَنُّوبيّ بكلامٍ له رحمه الله قـَدْ بَتَرَهُ لِيَسْتقيمَ لـَهُ مُرَادُه !

وإلا َّ فإنَّ ما بـَتَرَهُ القـَنُّوبيُّ مِنْ كلام ابن عَبْد البَرِّ ، يُسْقِط ُ احتجاجَ القـَنُّوبيِّ ، بل يُفـْسِدُ عليه كتابَه ! حيث حَذَفَ قـَوْلَ ابن عَبْد البَرّ:(وكـُلـُّهم يَدِيْنُ بخـَبرِ الواحدِ العَدْل ِ في الاعتقادات ، ويُعَادِي ويُوَالِي عليها ، ويَجْعلـُها شَرْعًا ودِيْـنًا في مُعْتقدِه ، على ذلك جماعة ُ أهل السُّـنَّة)اهـ كلامُ ابن عَبْد البَرّ الـَّذِي عَمَدَ إليهِ القـَنُّوبيّ بالحـَذْف ! (ص155).

7- حَذْفُ القـَنُّوبيّ كلامًا للدّارميّ في نـَقـْل ٍ نـَقـَلـَهُ عَنْهُ ، يُـبْطِلُ زَعْمَه (ص93).

8- حَذْفُ القـَنُّوبيّ كلامًا لأبي إسحاق الشِّيرازيّ يقولُ فيه بقـَبُول الآحـاد ، وأَنـَّهُ يُوْجِبُ العِلـْمَ في حالاتٍ ، مِنْها : إذا تلقـَّتْهُ الأُمَّـة ُبالقـَبُول ِ، فيُقـْطـَعُ بصِدْقِهِ سَوَاءٌ عَمِلَ الكـُلُّ به ، أو عَمِلَ البَعْضُ وتَأَوَّلـَهُ البَعْض . فحَذَفـَهُ القـَنُّوبيُّ تلبيسًا وتَدْليسًا (ص162-163)!

وكـَذِبُ القـَنُّوبيِّ السّابق ِ، وخِـيَانتُهُ العِلـْمِـيَّة ، وعَدَمُ أمانتِهِ في النَّقـْل ِ، وبـَتْرُهُ وتَحْريفـُهُ للنُّصُوص ِوالنُّقـُول : يُسْقِط ُ الثـِّقـَة َ فِيْمَا نـَقـَلـَهُ ونَسَبَهُ إلى العُلمَاء وغـَيرِهم ، مِمَّنْ ذكـَرَ جملة ً مِنْهُمْ في كتابهِ«الطـُّوفان» ! ويَحْـتَاجُ تصديقُ ذلك إلى الرُّجوعِ إلى مَصَادِره ، ومُقابلةِ نـَقـْلِهِ بأُصُـوْلِهِ ، وهَـذَا يـَطـُول .

ومن تناقضات القنوبي ، وهي كثيرة :

9- تناقضُهُ حِينَ زَعَمَ تضعيفَ الإمام أحمد حديثا آحاديًّا لكونهِ آحاديًّا ! ثمَّ صَحَّحَهُ القـَنُّوبيُّ نـَفـْسُه ! (ص17).

10- ومِـثـْلـُهُ حَدِيْثٌ آخرُ زَعَمَ القـَنُّوبيُّ أَنَّ الإمامَ أحمد ضَعَّفـَهُ لكـَوْنهِ آحاديًّا ، ثمَّ ناقضَ القـَنُّوبيُّ نفسَهُ فصَحَّحَه ! بل أبطلَ كـُلَّ ما خالفـَهُ ! وكـَأَنـَّهُ حديثٌ مُتواترٌ عنده !

11- تناقض القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ : أَنَّ خبرَ الآحادِ لو أَفـَادَ العِلـْمَ لاستوى خـَبرُ العَدْل والفاسق في الإخـبار !

وهذا باطلٌ ، فإنَّ القـَنُّوبيَّ هو الـَّذي يُسَوِّي بين أخبارِ العُدُول والفـُسّاق ، حين رَدَّهَا جميعًا ولـَمْ يَقـْبَلـْهَا ، فما فـَضْلُ العَدْل ِعلى الفاسق ِ عنده ، وأخـبارُهما مَرْدودة ؟!

أَمّا نَحْنُ أهل السُّـنَّة : فنقبلُ خـَبرَ العَدْل ِ الثـِّقـَةِ المأمون ، ونتوقـَّفُ في خبر الفاسق فلا نقبله ، وهذا تفريقٌ بين المـُخْـبـِرَيْن ِ، وبَينَ العُدُول ِ والفـُسّاق (ص37-38).

12- زَعَمَ القـَنُّوبيُّ أَنَّ خـَبرَ الواحدِ لو أفادَ العِلـْمَ لـَقـُبـِلـَتْ شـهادة ُ الواحد ، ولـَمْ يَحْتَجْ معه إلى شاهدٍ ثان ٍ أو ثالثٍ ورابع !

وهذا تناقضٌ منه ، ودليلٌ عليه لا له ، فإنَّ شهادة الرَّجلين ِ، أو الأَربعةِ ، لا تُخْرِجُ الخـَبرَ عَنْ كـَوْنِـهِ آحَـادًا .

13- تناقض القـَنُّوبيّ حيث زَعَمَ وقـَرَّرَ بُطلانَ حُجِّيَّة خـَبرِ الآحاد في مسائل الاعتقاد ، وصَنَّفَ كتابَهُ «السَّيْف الحـَادّ» في بيان ذلك ، ونـَقـْض ِحُجَجِ خُصُومِه .

ثـُمَّ ناقضَ نفسَهُ في كتابه ذلك : فاستدلَّ بأحاديثَ آحاديَّةٍ على أُمور اعتقاديّة ! أو صَحَّحَها ! أو أَنـْكـَرَ على مُضَعِّفيها والمـُتكـَلـِّمينَ فيها ! كإنكارِه بزَعْمِه على شيخ الإسلام ابن تيميّة تضعيفَ حديث عِمْران بن حُصَين «كـَانَ الله ُوَلـَمْ يَكـُنْ شَيْءٌ غـَيرُه» وهو في«صحيح البُخاريّ» ، وهذا كـَذِبٌ على شَيْخِ الإسلام رحمه الله ، فإنـَّهُ لـَمْ يُضَعِّفـْهُ قـَط ّ .

وزَعْمُهُ أَنَّ سَبَبَ تضعيف شيخ الإسلام لـَهُ : مَشْرَبُهُ العَكِر وابتداعُه ! مع كـَوْنِـهِ خـَبرًا آحاديًّا في الاعتقاد !(ص191).

وكاستدلالِهِ بحديث ذِي اليدَيْن ِ في سَهْو النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة ، وبناؤه على ذلك بُطلانَ حُجِّـيَّة أخـبار الآحاد في الاعتقاد (ص41)! مع كـَوْنِهِ خـَبَرَ آحاد ! وخـَبَرًا صَحَّ لبَعْض ِالعُلمَاءِ كـَلامٌ فيه ! كـَمَا نـَقـَلـَهُ هو في كتابهِ «الطـُّوفان»(3/571-572) !

14- تناقض القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ عَدَمَ جواز قـَبُول أخبار الآحاد الثـِّقاتِ في مسائل الاعتقاد ، ثـُمَّ يقبلُ هو خـَبرُ الضُّعفاءِ والمـَتْروكينَ المـُطـَّرحينَ ، كسَيْف بن عُمَر في مسائل لها وَجْهُ تَعَلـُّق ٍ باِلاعتقاد (ص149-151).

15- تناقض القـَنُّوبيّ حين زَعَمَ أَنـَّهُ لا يُـثْـبـِتُ أقوالَ الأَئمَّةِ إليهم ، إلا َّ إذا تواترتْ عَنْهم !

ثـُمَّ يَسْـتدلُّ هو بأقوالهِم - في كتابَيْهِ «السَّيْف الحـَادّ» ، ثـُمَّ«الطـّوفان» - الـَّتي لـَمْ تبلغنا إلا َّ عَنْ طريق الآحاد ! أَوْ حَـتَّى بالوجـادةِ دون إسْـناد ! (ص152-153).

فهذِهِ تناقضاتٌ كثيرات ، وكـَذِبَاتٌ ظـَاهراتٌ جَـلِـيّات ، لـَمْ يُجِبْنِي القـَنُّوبيُّ على شَيْءٍ مِنْهَا ، مَعَ أَنَّ رَدَّهُ عَلـَيَّ «الطـُّوفان» في مُجَلـَّدين ! وإنْ حَاوَلَ تلبيسًا إيهامَ مُتابعيهِ ومُتـَّبـِعِـيْهِ أَنَّ لـَهُ جُزْءًا أَوَّلا ً وثانيًا ! وإحالاته عليهما في الجـُزْءِ الثّالث ! فلا يُنْكِرُوْنَ عليه تَرْك َ الرَّدِّ عَلـَيَّ في المسائل السّابقةِ وغـَيرِها في ذلك الجـُزْءِ المطبوعِ مِنَ«الطـُّوفان» ! إلا َّ أَنَّ سُـقـُوط َ حُجَّتِهِ ، وظـُهُورَ إفـْلاسِهِ ظاهرٌ ، والحـَمْدُ لله .

فــصــل

أَمّا جَوَابي على زَعْمِ القـَنُّوبيِّ أَنـِّي كـَذَبْتُ عليه ! فنَسَبْتُ لـَهُ تضعيفَ أحاديثِ «الصَّحيحين» كـَافـَّة ً حِينَ قـُلـْتُ في كتابي«قدوم كتائب الجهاد»(ص174):(ثـُمَّ شَـرَعَ في النَّقـْل عن بَعْضِهم مِنْ ص47-53 في تقرير ذلك ، وأَنَّ أحاديث«الصَّحيحين»ِ ورُواتِها فِيْهم ضَعْفٌ ونحو ذلك) ، مَعَ عَدَمِ قـَوْلِهِ - هُوَ - بذلك !

فالجـواب من وجـوه :

أحدها : أَنـِّي أَعْلمُ كما يَعْلـَمُ غـَيرِي : أَنـَّهُ لا يقولُ مُسْلِمٌ عاقلٌ بضَعْفِ أحاديث «الصَّحيحين» جميعًا ، أو بوَضْعِها .

بَلْ لا يقولُ مُسْلِمٌ بضَعْفِ جميعِ أحاديثِ المسانيد والسُّـنَن ، مع كـَوْنِها أَدْنـَى مِنْ مَـرْتـَبةِ «الصَّحيحين» فـَضْلا ً عن «الصَّحيحين».

ومَنْ قـَالَ بضَعْفِها جميعًا ، أو ضَعْفِ أَكثرِها : فهو مُرْتَدٌّ ، لإبطالهِ الشَّرائع ، وإفسادِه الشَّعَائر ، وتكذيبهِ رَبَّ العالـَمين ، الـَّذي أخبرَ ببَقـَاءِ الدِّين ، وظـُهُورِ وَحْـيهِ وَكـلامِهِ لِسَـيِّدِ الأَنبياءِ والمـُرْسلين .

فكـَانَ مُرَادِي حِينَ قـُلـْتُ ذلك : البَعْضُ لا الكـُلُّ ، فهو عُمُوْمٌ مُرَادٌ به الخـُصُوصُ ، بدَلالـَةِ اللـَّفـْظِ ، ودَلالـَةِ السِّـيَاق ِ، ودَلالـَةِ الحـَال .

كقـَوْل ِاللهِ تعالى "الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ" فالمـُرَادُ بهِ جِنْسُ النّاس ، لا عُمُوْمُهم ، وإلا َّ فمَعْلـُوْمٌ أَنَّ القائلَ لهم غـَيرُ الجامِعِ ، وغـَيرُ المـُخـَاطـَبـِينَ المـَجْـمُوعِ لهـُمْ وهكذا ، وقد أَشارَ إليهِ شَيْخُ الإسلام ابنُ تيميَّة في«مِنْهاج السُّـنَّة»(1/37).

أَمّا دَلالـَة ُ الحـال : فتقدَّمتْ .

وأَمّا دَلالـَة ُ اللـَّفـْظِ والسِّـيَاق ِ: فقد نَقـَلـْتُ عن القـَنُّوبيِّ (ص173) قـَبْلَ قـَوْلي المـُتـَقـَدِّمِ : (وَمَنْ نـَظـَرَ في أحاديث الشَّيخين بعَين ِالإنصاف : تـَبـَيَّنَ لـَهُ بوُضُوحٍ أَنَّ فيها جُمْلـَة ًوافرة ً مِنَ الأَحاديثِ الضَّعيفةِ ، بَلْ والموضوعةِ الـَّتي تَشْهَدُ بوَضْعِها العُقـُولُ ، والمـُتـَواتِـرُ مِنَ المـَنْقـُول).

الوجه الثاني : أَنَّ مُرَادِي ومُرَادَ أَئِمَّةِ الإسلام قـَبْلي مِمَّنْ رَمَـوْا أقوامًا بالضَّلال والابتداع بطـَعْنِهم في«الصَّحيحين» : لـَمْ يَكـُنْ مُرَادُهم أَنَّ أولئك يطعنون في أحاديث «الصَّحيحين» كـَافـَّة !

وإنـَّما مُرَادُهم طـَعْنُ أولئك في أحاديثَ مِنْها ، لـَمْ يَصِحَّ لأَحَدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ المـُتـَقـَدِّمينَ كـَلامٌ فيها ، أَوْ كان طـَعْنـُهم فيها لأَجل مُخَالفتِها عُقـُولهم الفاسدة ، وبضاعاتِهم الفلسفيّة الكاسدة .

وهذا كصَنِيعِ الأَئمَّةِ بجـَمَاعاتٍ مِنْ أهل البدع ، ورَمْيهم لهم بالطـَّعْن ِ في الصَّحَابة ، مَعَ عَدَمِ طـَعْن ِأولئك في الصَّحابةِ جميعًا ، وعِلـْمِ الأَئمَّة بذلك ، ولـَمْ يَكـُونوا يُرِيْدُونـَه .

وإنـَّما مُرَادُهُمْ طـَعْـنُ أُولئك في جُمْلةٍ مِنْهم ، سواءٌ الشَّيْخين أبي بكر وعُمَر ، أو عُثْمان وعَلِيّ ، أو غـيرهم رضي الله عنهم جميعًا .

لأَنَّ البابَ واحدٌ ، فـَمَنْ وَلـَجَـهُ وَلـَجَ مَغـَبَّة ً مُـتْلِـفـَة ًواحدة ، فالـَّذِي حَرَّمَ الطـَّعْنَ في بَعْضِهم : حَـرَّمَ الطـَّعْنَ في الآخرين ، والتَّفريقُ بَيْنَهم والحـَالُ هذه لا اعتبارَ لـَه .

وإلا َّ فـَإنـَّهُ ليس مِنْ أهل الإسلام ، ولا مِنَ المـُنْتسبينَ إلـَيْهِ أَحَـدٌ يقولُ بالطـَّعْن ِ في الصَّحابةِ جميعًا فـَرْدًا فـَرْدًا . بل يطعنُ كـُلُّ صاحبِ هَوًى في جَمَاعةٍ ، ويتولىَّ آخـرين .

وكذلك أحاديثُ «الصَّحيحين»: فإنَّ الطـَّعْنَ في شَيْءٍ مِنْها ، مِمّا لـَمْ يتكلـَّمْ فيه أَحَدٌ مِنَ المـُتـَقـَدِّمينَ : ضَلالٌ مُبينٌ ، وبدعة ٌعظيمة ُ، وهو كالطـَّعْن ِ في البَقِـيَّة .

فصِحَّة ُ أحاديث«الصَّحيحين»: لِتَصْحيحِ الشَّيخين ِ لها ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ على صِحَّتِها ، وتلقـِّيها لهـا بالقـَبُول .

فإذا طـُعِنَ في هَذَيْن ِالأَمْرَيْن ِ، بالطـَّعْن ِ في شَيْءٍ مِنْ أحاديثِهما الـَّتي تلقـَّتْها الأُمَّـة ُ بالقـَبُول والتَّسْليم ، ولـَمْ يتكلـَّمْ فيها أَحَـدٌ مِنَ الحـُفـّاظِ بشَيْءٍ : كان ذلك طـَعْـنًا في«الصَّحيحين» ، ونفيًا لِمَرْتبتِهما ، وعُلـُوِّهما عن بقيَّة كـُتـُب الحديث .

الوجه الثالث : أَنَّ الإجماعَ على صِحَّةِ أحاديث«الصَّحيحين» ، وتلقـِّي الأُمَّـةِ لهما بالقـَبُول : صحيحٌ لا شَك َّ فيه ، ومُنْعقدٌ لا رَيْبَ في انعقادِه .

وكلامُ بَعْض ِالحـُفـّاظ في بَعْض ِأحاديثِهما لا يُخْرِجُها عن ذلك ، فإنَّ أحاديثَ «الصَّحيحين» أقسامٌ ثلاثة :

1- قِسْمٌ : لـَمْ يتكلـَّمْ فيه أَحدٌ مِنَ الأَئمَّةِ الحـُفـّاظِ : فهذا صحيحٌ ، مُجْمَعٌ على صِحَّتِه مُتلقـَّى بالقـَبُول ، وهو غالبُ أحاديثِهما ، بل الجميع سوى أحاديث قليلة .

2- وقِسْمٌ : تكلـَّم فيه بَعْضُ العُلـَماءِ ، أو المـُنْتسبينَ إلى العِلـْمِ ، أو بَعْضُ أهل البدع ، ولـَمْ يَسْبـِقـْهُمْ أَحَـدٌ مِنَ الأَئمَّة إلى ذلك : فهؤلاء لا قيمة َ لطـَعْنِهم ولا اعتـبار ، سَـوَاءٌ ذكروا عِلـَّة ً، أَوْ لـَمْ يذكروا . وقد انعقدَ الإجماعُ على صِحَّتِهما قـَبْلَ كلامِهم ، فكلامُهم قـَلَّ أو كـَثـُرَ لا أَثـَرَ له ولا تأثير ، إلا َّ أَنْ يكونَ أثـَرُهُ في دَلالتِهِ على جَهْلِهم ، وَسَـفـَهِ أَحلامِهم .

3- وقِسْمٌ : تكلـَّمَ فيه بَعْضُ الحـُفـّاظِ المـُتـَقـَدِّمِينَ ، وكانوا مِنْ أَئمَّةِ الحديثِ والعِلـَل ِ ومَعْرفةِ الرِّجال ، وأَصحابَ اتـِّبـَاعٍ واسـتقامة .

فأَحاديثُ هذا القِسْم في«الصَّحيحين» قليلة ٌ، وهي خارجة ٌ عن إجماعِ الأُمَّةِ الـَّذِي ذكرناهُ ، وعَنْ تلقـِّيها لها بالقـَبُول .

وحَـالُ أحاديث هذا القِسْمِ ، كحَال ِ غـَيرِها مِنْ أحاديث المسانيد والسُّنَن وغـَيرِها ، لِكـُلِّ عَالِمٍ مُجْتَهدٍ اجتهادُه ، فـَرُبـَّما كـَانَ الصَّوابُ فيها التَّصْحيحَ ، كما هو قـَوْلُ الشَّيْخين ِ، أَوِ التَّضْعيفَ كـَمَا هو قـَوْلُ مُخَالفِهما .

على أَنَّ جُمْلة ً مِنْ أحاديثِ هذا القِسْم ليس نِـزَاع العُلمَاء في صِحَّةِ أَصْلِهَا، وإنـَّما نِزَاعُهم في بَعْض ألفاظِه ، أو طـُرُقِه ونحو ذلك فحَسْب .

أَمّا زَعْمُ القـَنُّوبيِّ ، وبَعْض ِ كِـبَارِ جُهّال ِالمـُبْـتدعـةِ : أَنَّ أحاديثَ «الصَّحيحين» فيها أحاديثُ مَوْضوعة ٌ مَكـْذوبة ٌ! تَشْهَدُ بوَضْعِها العُقـُول ! والمتواتر مِنَ المـَنْقـُول ! : فـكـذبة ٌ بَلـْقـَاءُ مُزْرية ، لـَمْ يتكلـَّمْ بها أَحَـدٌ مِمَّنْ لِقـَوْلِهِ اعتبار ، غـير ابن حَـزْمٍ ، فإنـَّهُ ذكـَرَ أَنَّ في«الصَّحيحين» حديثَين ِ مَوْضوعَين ِ! وقـَدْ رُدَّ قـَوْلـُهُ عليه ، وبَيَّنَ لـَهُ الأَئمة ُ كبيرَ خطئِهِ ، وعظيمَ غلطِه .

فإذا تقرَّرَ هذا : فإنَّ الطـّاعِنَ في أحاديث أَحَدِ القِسْمَين ِالأَوَّلـَين ِ، أو الزّاعمَ أَنَّ فيهما أحاديثَ مَوْضوعة ً مَكـْذوبة ً: طاعنٌ في«الصَّحيحين»ِ أَصْلا ً وفي أحاديثِهما ، ومُفـْسِدٌ لِشَرْطِهما ، وتـَلـَقـِّي الأُمـَّةِ بالقـَبُول ِ لهـُمَا .

وقـَدْ ذكرتُ في كتابي«قدوم كتائب الجهاد»(ص175-182) حكاية َ جَمَاعَاتٍ مِنْ أهل العِلـْمِ إجْمَاعَ الأُمـَّةِ على صِحَّةِ «الصَّحيحين»ِ ، وتـَلـَقـِّيـْهما لهـُمَا بالقـَبُول .

وظـَنُّ القـَنُّوبيِّ أَنَّ إجْمَاعَ الأُمَّـةِ أو تلقـِّيْها لأحاديثِهما بالقـَبُول باطلٌ ! بما جَمَعَهُ مِنْ أحاديثِ «الصَّحيحين» الـَّتي تكلـَّم فيها بَعْضُ العُلمَاء : هو مِنْ جُمْلةِ جَهْلهِ ، وضَعْفِ عِلـْمِه .

فإنَّ إجْمَاعَ الأُمـَّةِ وتلقـِّيْها لهما بالقـَبُول خَاصٌّ بالقِسْمَين ِالأَوَّلـَين ِ، أَمّا القِسْمُ الثّالثُ فحَـالـُهُ كـَمَا ذكـَرْتُ آنِـفـًا .

لهـذا تـَجـِدُ أَنَّ مِنْ أهل العِلـْمِ مَنْ حَكـَى إجماعَ الأُمَّةِ على صِحَّةِ «الصَّحيحين» ، وتلقـِّي الأُمـَّةِ لهـُمَا بالقـَبُول ، ثـُمَّ تجدُ له كلامًا في بَعْض ِ أحاديثِهما !

ولـَمْ يـَقـَعْ هذا له غـَفـْلة ً ولا سَهْوًا ، ولكن لعِلـْمِهِ أَنَّ الإجماعَ ، وتلقـِّي الأُمَّةِ بالقـَبُول خَاصٌّ بالقِسْمَين ِالأَوَّلـَين ِ، وأَنَّ كلامَهُ هو في تلك الأَحاديثِ لكـَوْنِها مِنَ القِسْمِ الثّالث .

فـَمَنْ تكلـَّمَ في أحاديثِ القِسْمِ الثّالث مِمَّنْ ذكـَرَ القـَنُّوبيُّ في كتابهِ : فهو مُجْتَهدٌ إنْ مَلـَك َ الآلـة ، بَينَ الأَجْرِ والأَجْرَيْن .

أَمّا مَنْ تكلـَّمَ في أحاديثِ القِسْمَين ِالأَوَّلين ِ: فهو مأزورٌ غـَيرُ مأجور ، قد غـَرَّهُ وزَيـَّنَ له سُـوْءَ عَمَلِهِ الغـَرُور !

وفي المسألةِ طـُوْلُ بيان ، يكفي ما قـَدَّمْـتُهُ مِنَ التِّبْيان ، فإنْ حَصَلَ لي فـُسْحـَة ٌ مِنَ الأَجل والوَقـْتِ ، وقرأتُ «الطـُّوفان» ، فإنَّ لي عليه حينذاك بيانًا غير هذا البَـيَان ، والله المـُوَفـِّق ، وصَلـَّى الله ُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ ، وعَلـَى آلِـهِ وصَحْبهِ وسَلـَّمَ تَسْليمًا كثيرًا ،،،


كتبه عبد العزيز بن فيصل الراجحي

يوم الأربعاء 10 صفر 1425هـ

الرياض

12d8c7a34f47c2e9d3==