المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (((التنبيهات على ما في كلام عبد العزيز الريس من الورطات و الأغلوطات)))


كيف حالك ؟

عامي
11-18-2009, 06:50 PM
((((التنبيهات على ما في كلام الريس من الورطات و الأغلوطات ))))







بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأصلى وأسلم على النذير المبين والرحمة المهداة للعالمين محمد بن عبدالله وعلىآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد : فاعلم أيها الطالب للسلامة الساعي في أسباب تحصيل الفوز والكرامة أنه كان يبلغنا ويرفع إلينا منذ زمن عن رجل من منطقة الرياض من أهالي السويدي يقال له عبد العزيز بن ريس الريس وأنه تصدى لجمع الشبه من أماكنها وتتبعها من مظانها فصار يبدي من الشبهات والترهات ما يُمج سماعه ولا يروج إلا على من هو من أمثاله ويكفي الناقد في رده نظره واطلاعه ويظهر بطلانه ببدائه العقول ولايتوقف الحكم بفساده على نظر في المعقول والمنقول وقد ُرفع إلي ثلاث رسائل وبعض أجوبة كتبها بيده الأولى بعنوان :[ مهمات ومسائل متفرقات ] والثانية :[ الرد الأول] والثالثة:[ الرد الثاني] وفيها من تحريف الكلم عن مواضعه والكذب على أهل العلم وعدم الفقه فيما ينقله ويحكيه من كلامهم ما لايحصيه إلا الله ورأيته قد زاد على من قبله من المعارضين بزيادات وضلالات تليق بتلك الفهوم والقلوب المقفلات :  أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشآء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات  والمؤمن إذا وقف على كلام هذا الرجل عرف قدر ما هو فيه من نعمة الإسلام وما اختص به من حلل الإيمان والإكرام فازداد تعظيماً لربه وتمجيداً وإخلاصاً في معاملته وتوحيداً .

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم *** *** فالقلب بين أصابع الرحمن .

وقدعنَّ لي أولاً أن أضرب عنها صفحا ً وأطوي عن جوابها كشحا ً فأطرح هذر كلامه و لا أعرج على رد إفكه وآثامه لظهور هجنته في نفسه وأنه مما يتنزه العاقل عن إفكه وحدسه ومجرد حكايته يكفي في بيان بطلانه وأن في ذلك تحقيرا ً لشانه ثم بدا لي أن لكل ساقطة لاقطة وقد قال رسول الله  لأصحابه لما قال أبو سفيان يوم أحد:أفيكم محمد أفيكم أبو بكر أفيكم ابن الخطاب(( لا تجيبوه)) تهاوناً به وتحقيراً لشأنه فلما قال : أعلُ هُبل : قال لهم رسول الله  (( قولوا : الله أعلى وأجلّ )) ولما قال : لنا العزى ولا عُزى لكم قال لهم : (( قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم )) والبلاغة كما قيل : مطابقة الكلام لمقتضى الحال . فوجدت فيما أبداه من المخالفات الكثيرة والورطات العظيمة القبيحة لما فيها من التحريفات الجريئة الصريحة لاعتقاد أهل السنة والجماعة : وقد تضمنت لأمور من الباطل لا يسع مسلماً السكوت عليها خشية أن يفتن بها بعض الجاهلين فيعتمد عليها وقد مضت سنة الله في خلقه أن كل عصر لا يخلو من قائل بلا علم ومتكلم بغير إصابة ولا فهم مصداقا ً لقوله تعالى : وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا * ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون* ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون ولكن في الزوايا خبايا ولرجال بقايا وقد جعل الله في كل زمان فترة بقايا من أهل العلم كما قال الإمام أحمد رحمه الله في كتاب الرد على الجهمية :
(( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويبصرون بدين الله أهل العمى ويحيون بكتاب الله الموتى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وتائه ضال قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم )) وقد عنَّ لي الجواب لتمييز الخطأ من الصواب رجاء أن يكون ذلك سبباً موصلاً إلى رضوان الله و ليستبصر طالب الهدى من عباد الله وذلك بتوفيق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله الذي لا إله إلا هو ولا ربّ سواه فقد كنت عزمت على أن أتتبع كلامه وأجيب عنه تفصيلاً ثم إنه عرض لي ما يجب أن يكون هو المقصود بالذات حماية لجانب التوحيد وصيانة للشريعة ثم بدا لي أن أقتصر في جواب الرجل لما في الاقتصار من رعاية الصبر والاصطبار وما لا يدرك كله لا يترك كله فأحببت التنبيه على أهم ما فيها من تلك المخالفات و أعظم المجازفات لأنا لو أجبناه بكل ما يليق في الجواب لم نسلم من أمثاله ممن نسج على منواله كما هو الواقع من أكثر البشر قديماً وحديثاً مع كل من قام بالحق ونطق بالصدق فكل من كان أقوم في دين الله كان أذى الناس إليه أسرع والعداوة له أشد وأفظع ولو أن كل كلب نبح ألقمته حجرا ً لأصبح مثقال الحجر بعدله ذهب ".
[ مقتبس من كلام بعض أئمة الدعوة ].



فالحمد لله قد كُفينا مؤونة الرد على هذا المفتون إذ الواجب علينا الإتباع وترك الإبتداع فما من مسألة إلا وقد ُتكلم فيها وما علينا إلا أن ننقل الكلام من مضانه والفضل في ذلك للمتقدم بعد الله فالحق قديم وكتاب الله واضح حتى عند العامي البليد والنبي قد بلغ البلاغ المبين فما على الإنسان إلا أن يطلب الحق ويلتمس الدليل : قال الشيخ سليمان بن سحمان :

وكم من أخا جهل ً رمانا بجهله فــعاد حسـيرا ً خائبا ً نائـلا ً شـــرا
بمحـــكم آيـات ٍ وســـنة أحــمـد نصول على الأعداء فنأطرهم أطرا

فمن تلك المجازفات التي سطرها بخطه وسود بها صحائفه : أن من قتل نبيا ً أوأهان المصحف لا يكفر إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع . وأيضا ًً سوء أدبه مع أبينا آدم عليه السلام حيث جعل ظاهر فعله الكفر لولا ما أبان عما في باطنه مع أن كليهما ـ أي آدم عليه السلام وإبليس اللعين ـ عصى الله َوفَِعْـلُ كل منهما يُتصور أن يأتي على وجه كفري ووجه غير كفري .

وأن من طعن في النبي  ووصفه بالرياء والظلم والجور في القسمة ومحاباة قرابته لا يكفر إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع.. كما يزعم .

وأيضاً أن قول الرجل : أن كان إبن عمتك وقول الآخر إعدل يا محمد ليس من السب الذي يكفر صاحبه وتشبيه قول أمهات المؤمنين بأقوال المنافقين مع أن القائل طاعن في حكم النبي وراميا له بالجور والمحاباة والظلم وبيان وهمه على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .

وأيضا ً نفيه وجود نص شرعي في تكفير من سجد للأصنام والأوثان والشمس والصلبان إن لم يرد الساجد التقرب إليها وأنها من الأمور المحتملة .

ثم عاد فناقض نفسه بنفسه فقال:" إن الإجماعات المحكية ما بين أمرين : إما أنها إجماعات منقوضة مخرومة أو محمولة على السجود له على وجه الاستحقاق الذي يلزم منه تقرب القلب للوثن " .


وجعله الإجماعات المحكية في كفر من سجد للأوثان والأصنام وغيرها منقوضة ومخرومة أو محمولة على السجود بنية التقرب القلبي وأن هذا لا يعارض مذهب أهل السنة... كما زعم .
وأن السجود للصنم والوثن من [عابده ]ــ هكذا قال كما سيأتي نص كلامه ــ على غير وجه التقرب لا ينافي الكفر بالطاغوت .

وأيضا زعم أن من سجد للأصنام وطاف بالأوثان وتمسح بالصلبان إذا اعتقد بطلان عبادتها يكون ممن كفر بما يعبد من دون الله مع المخالفة الظاهرة في الأعمال ولواعترف بلسانه وقال: - عبدتُ غير الله - لا يحكم على باطنه بالكفر وإذا علم أنه كأن كاذباً في قوله: "عَبدتُ غير الله " يتراجع عن تكفيره . وأن منزع التكفيروعلته في الساجد للصنم والوثن هي نية التقرب بالقلب و قصد العبادة للمسجود له دون الفعل الظاهر .

وأيضا ً ادعاءه عدم التلا زم بين الظاهر والباطن إذا كان الساجد للأصنام والصلبان لا يريد التقرب القلبي لها وإنما يريد المال أو أمرا ً دنيويا ً فلا يكفر بذلك .

وكذلك من سجد للأصنام وطاف بالأوثان أو سجد لإنسان وذبح للبوذا وتمسح بالصلبان وهويعتقد ذمها ولم يقصد تعظيمها بقلبه لا يكفر حتي يقصد ذلك بقلبه أو فعل ذلك لأمر دنيوي كالرياسة والجاه والمال أو فعل ذلك مداهنة ً لقومه وخوف الملامة والعيب أو خوفا ً من الكفار وعنده ولو أن قريشا ً فعلت ذلك أن رسول  لا يكفرهم ويقبل منهم مع كونهم آثمين أو قال "عبدتُ غير الله كاذبا ً ": من غير إكراه لا يكفر ويبقى مسلما ً موحدا ً .
وسيأتي التنبيه على كل مسألة من هذه المسائل
على حدة إن شاء الله تعالى
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وهذا أوان الشروع في المقصود فالله المسؤل أن يعيننا على حصول المطلوب : فنقول سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا :--


************************************************** *******************
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى وسلام ٌ على عباده الذين اصطفى .
فصل في
بيان فحش غلطه وبطلان قوله: أن قاتل النبي أو من أهان المصحف
لا يكفر إلا بعد ثبوت الشروط وانتفاء الموانع

قال : في[مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير : 1] :
( المسألة الأولى / أن المهمات والضروريات التفريق بين الأعمال الظاهرة التي لا تحتمل إلا الكفر الأكبر ـ ( تضاد الإيمان من كل وجه ) ـ كقتل النبي وإهانة المصحف ونحو ذلك , والأعمال التي تحتمل الكفر وغيره ـ ( تضاد الإيمان من كل وجه ) ـ . فإن النوع الأول يكفر صاحبه مطلقا ً إذا توفرت في حقه الشروط وانتفت الموانع ).
************************************************** ****************

الجواب : لا يخفى ما في هذا الكلام من الخطأ الفاحش والغلط الواضح الذي تنفر منه الطبائع والنفوس وتقشعر منه الجلود حيث جعل صاحب الرسالة أن قتل النبي وإهانة المصحف متوقف ٌ التكفير فيهما على ثبوت الشروط وانتفاء الموانع فلا أدري أي مانع يمنع من تكفير قاتل النبي وأي شرط يُحتاج إلى ثبوته في ذلك . وما نقله هنا مقتبس بعضه من كتاب الصلاة لابن القيم رحمه الله تعالى ولكنه أضاف عبارة وهي قوله :" فإن النوع الأول يكفر صاحبه مطلقا ً إذا توفرت في حقه الشروط وانتفت الموانع ). وابن القيم رحمه الله أطلق ولم يقيد تكفير من قتل نبيا ً أو أهان المصحف بثبوت شرط أو انتفاء مانع لا كما زعم مورد هذا الكلام الذي ليس له حظ من الحق والصواب إلا المعاندة والشققاق ولنورد نص كلامه رحمه الله قال ابن القيمّ : " الكفر نوعان : كفر عمل ، وكفر جحود وعناد . فكفر الجحود : أنه يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند اللّه جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه ، وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه ، وأما كفر العمل ، فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى مالا يضاده ، فالسجود للصنم ، والاستهانة بالمصحف ، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان ". [ كتاب الصلاة : 53] . فأين ذكر الشروط والموانع ولو بالإشارة إليها من قريب أو بعيد في كلامه رحمه الله وأهل العلم لم يستثنوا فيمن قال أوفعل كفرا ً إلا المكره بشرط طمئنينة القلب ولو كان هنالك ثمة عذر أو مانعٍ لذكروه ولم يغفلوا أمره لعظم شأنه وكثرة الوقوع فيه وما ذكره ابن القيم أمرٌ مجمعٌ عليه بين أهل الملل من اليهود والنصارى وغيرهم ممن يقرون بأصل النبوات والإجماع فيه ضروري لما في ذلك من الاستخفاف والإهانة والإذلال والامتهان وفي ذلك ويقول ابن تيمية: " إن الانقياد إجلال وإكرام والاستخفاف إهانة وإذلال وهذان ضدان فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ـ الرسول ـ ينافي الإيمان منافاة الضد للضد " [الصارم المسلول : 499 = تحقيق خالد العلمي ] . فكلام الشيخ فيمن صدق الرسول و لم ينقد له ويطيعه فكيف بمن قتله . بل من همّ بقتل نبيّ من الأنبياء كفر وحلّ دمه كما جاء عن الضحاك في سبب نزول قوله تعالى : وهموا بما لم ينالوا  أن نفرا ً من المنافقين هموا بالفتك بالنبي  وهو في غزوة تبوك في بعض تلك الليالي في حال السير وكانوا بضعة عشر رجلا ً ففيهم نزلت هذه الآية. قال ابن كثير في تفسيره : وهذا بيّن فيما رواه الحافظ البيهقي في كتاب دلائل النبوة من حديث محمد بن سحق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه الحديث وفيه : "(( هل عرفتم هؤلاء القوم )) قلنا لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب قال :(( هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة وهل تدرون ما أرادوا )) قلنا لا , قال : (( أرادوا أن يزاحموا رسول الله  في العقبة فيلقوه منها )) قلنا يا رسول الله أفلا نبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم قال : (( لا , أكره أن يتحدث العرب بينها أن محمدا ً قاتل بقوم ٍ حتى أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم... )) الحديث
ويقول القاضي عياض : " اعلم أن من استخف بالقرآن , أو المصحف أو بشئ منه .... فهو كافرٌ عند أهل العلم بالإجماع " . [ الشفا : 2 / 1101 ـ 2/ 1076 ].
وقال الإمام إسحاق بن راهويه:" أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسول الله  أو دفع شيئا ً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا ً من أنبياء الله عز وجل أنه كافر ٌ بذلك وإن كان مقرا ً بكل ما أنزل الله".[ الصارم : 32 ـ 33 ]
والأمر أشد من ذلك وأفظع لأن العلماء لم يتكلموا في كفر القاتل لأنّ ذلك أمرٌ مسلمٌ فيه مفروغ منه ويعدونه من بديهيات الدين والعقيدة وهذا مما لا يخفى على العامي البليد فضلا ً عن أهل العلم والتحقيق وإنما بحثوا كفر من توقف أو شك في كفره بل وعذابه كما قال محمد بن سحنون القيرواني :" أجمع العلماء على أن شاتم النبي والمتنقص له كافرٌ والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر ". [ الصارم : 32 ـ 33 ] .
فقف هنا أيها الطالب للهدى والرشاد وتأمل ما في هذا الكلام تارة ً بعد تارة واسأل الله أن يعيذك مما وقع فيه هذا المسكين الذي يلقي بالكلام ولا يدري أنه مؤاخذ بما يقول وعليه مسؤول وهذا من القول على الله بلا علم ولا هدىًّ ولا كتاب ٌمنير قال تعالى :  ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا  وقال إسحاق بن راهويه : " ومما أجمعوا على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد ، فالمؤمن الذي آمن باللّه تعالى ، ومما جاء من عنده ، ثم قتل نبياً ، أو أعان على قتله ، ويقول قتل الأنبياء محرم ، فهو كافر .[ تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي :2/930 ] فإذا كان من أعان القاتل يكفر فكيف بمن قتله وقد تكون الإعانة بالدعاء عليه قال شيخ الإسلام ابن تيْميَة : "... الدعاء أذَى للنبيّ  ، وسَبُّ له ، ولو قاله المسلم لصار به مرتداً ، لأنه دُعاء على رسول اللَّه  في حياته بأنه يموت ".[الصارم : 245 ] وأيضا ً لا يخفى ما في قصة بلعام وأنه دعا على موسى موافقة ً لقومه وسبب نزول الأيآت :[175 ـ 176] في شأنه من سورة الأعراف ونصوص الكتاب طافحة بذلك لكل من قرأ الكتاب وآمن به وصدق خبره واتبع أمره ونهيه كقوله تعالى:  إن الذين يكفرون بأيآت الله ويقتلون النبيين بغير حق ـ إلى قوله ـ أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين  وقوله تعالى: وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق , وفي الحديث الصحيح : (( شر الناس من قتل نبيا أو قتله نبي )) فالأمر واضح جدا ًو لا يحتاج إلى دليل ٍ أو تعليل ولا يقال إن هذا من قبل الفرضيات وضرب المثال كأن يقول: من قتل نبيا ً بالخطأ أو أهان المصحف وهو لا يعلم أنه مصحف. إذ لا مجال لذلك فافهم هداك الله وانتبه لسر المسألة إذ الكلام في الأمور القطعية لا الظنية والمحتملة أوالمُتَوَهمة وهذا أصله الذي يرجع إليه ويعول عليه كما سيأتي بيانه إن شاء الله أثناء الرد . وخصوصا ً قتل النبي لا يجوز حتى في حال الإكراه بل هو كفر إذ في حق غيره محرم لا يجوز وكبيرة من كبائر الذنوب كما هو مقرر ومستقرٌ عند أهل العلم والأثر فكيف بقتل الأنبياء والرسل ثم يقال من الذي ذكر من أهل العلم أن قاتل النبي لا يكفر حتى تثبت الشروط و تنتفي الموانع و في أيّ كتابٍ و جدت ذلك
: قل هل عندكم من علم ٍ فتخرجوه لنآ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون . قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" قتل النبي أعظم أنواع المحاربة والسعي في الأرض فساداً .... وإذا كان من قاتل على خلاف أمره محارباً ساعياً في الأرض فساداً فمن قاتله أو قتله فهو أعظم محاربة وأشد سعياً في الأرض فساداً وهو من أكبر أنواع الكفر ونقض العهد وإن زعم أنه لم يقتله مستحلاً كما ذكره إسحاق بن راهويه من أن هذا إجماع من المسلمين وهو ظاهر.... فإن أعظم الذنوب الكفر وبعده قتل النفس وهذا أقبح الكفر وقتل أعظم النفوس قدراً ..... وأقبح بهذا من قول ما أنكره وأبشعه ! وإنه ليقشعر منه الجلد أن تطل دماء الأنبياء في موضع تثأر فيه دماء غيرهم وقد جعل الله عامة ما أصاب بني إسرائيل من الذلة والمسكنة والغضب حتى سفك منهم من الدماء ما شاء الله ونهبت الأموال وزال الملك عنهم وسبيت الذرية وصاروا تحت أيدي غيرهم إلى يوم القيامة إنما هو بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق وكل من قتل نبياً فهذا حاله..... وكذلك كان قتل النبي كفراً باتفاق العلماء . فالمرتد : كل من أتى بعد الإسلام من القول أو العمل بما يناقض الإسلام بحيث لا يجتمع معه " .
[ الصارم المسلول 446ـــ 450 ] .


**************************************************
فصل في بيان جرأته الصريحة على آدم عليه السلام
وتشبيه فعله بفعل إبليس اللعين
قال في حق أبينا آدم عليه السلام - : ( أن القول الظاهر دليل معتمد على الباطن ما لم يتبين أن الباطن بخلافه ، ألم تر كيف أن الله سبحانه كفر إبليس لما أبان بقوله سبب امتناعه عن السجود ولم يكفر آدم عليه السلام لما أبان بقوله سبب أكله من الشجرة مع أن كليهما عصاه َوفَِعْـلُ كل منهما يتصور أن يأتي على وجه كفري ووجه غير كفري ) . الرد الأول [ص: 27 ]
************************************************** ******************

فالمتأمل في هذا الكلام يجد فيه من الوحشة والغلظة والنفرة مما لا يخفى على عوام المسلمين فضلا ًعن العلماء من حماة الدين إذ كيف يُجعل عمل إبليس اللعين في الظاهر كخطأ آدم عليه السلام ويُتصور من ذلك الفعل الكفر الظاهر عياذا ً بالله ثم يصبح فعله الظاهر دليل معتمد على الباطن ما لم يتبين أن الباطن بخلافه حتى يُبين آدم عن فعله ويخبر عن باطنه وقد عصم الله أنبياءه عن الكبائر والإ قرار على الصغائر فضلا ً عن الكفر كما قرره شيخ الإسلام ونقل الإجماع على ذلك قال رحمه الله :" فإن الأنبياء معصومين عن الكبائر دون الصغائر...بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول... وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم معصومين عن الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها ".
[ مجموع الفتاوى: 4/319 ـ 320 ] وهذا أمرٌ معلوم من الدين بالضرورة ومما لا ينازع فيه أحد ألبته وبالجانب الآخر يُجعل امتناع إبليس الرجيم ُيتصور منه أن يأتي على وجه غير كفري ومثل هذا حكايته تكفي في رده وبيان عواره وظهور سوأته وبطلانه.. :  سبحانك هذا بهتان عظيم .

************************************************** *
فصل في الرد على قوله
أن رسول الله لم يكفر من قال:أن كان ابن عمتك ومن قال إعدل يا محمد وتشبيهه قول أمهات المؤمنين بأقوال المنافقين مع أن القائل طاعن في حكم النبي وراميا ً له بالجور والمحاباة والظلم وبيان وهمه على ابن تيمية.

فقد وَرَدت عليه أسئلة فأجاب عليها فكان منها هذا السؤال :-
السؤال الثاني : ماالحكم في رجل ٍ يشهد ألا إله إلا الله و أن محمدا ً رسول الله : لكنه يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرائيا ً , وكان يظلم الناس , ويجور في قسمته , ويحابي قرابته ـ وإذا كان مثل هذا مسلما ً , فما حد السب الذي يضاد الإيمان من كل وجه , والذي يعتبر كفرا ً يخرج به صاحبه من الإسلام .

فقال :" جواب السؤال الثاني / القائل لأحد هذه الأمور كافرٌ ولا يعذر بجهله , إذا توافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع . لكن أرجو أن تفرق بين هذه الألفاظ وقول البدري : أن كان ابن عمتك وقول الرجل : إعدل يامحمد , ومناشدت أزواجه إياه العدل إذ هذه لا تكون سبا ً إلا من باب اللازم ولازم المذهب ليس لازما ً لذا لم يكفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في الوريقات الأولى" ـ يريد رسالته[مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير].
وقال : بعد ذكره لقول النبي ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) قال ابن تيمية عن حديث حاطب في المنهاج [ 4 : 331 ] : وهذه القصة مما أجمع أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم , معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء المغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء . ا.هـ وهذا خلاف صنيعه الأول في الصارم إذ حاول التشكيك في صحة زيادة " وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر" . [مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير]. [ ص : 5 ] .
************************************************** *******************
فنقول : سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله لو تصور هذا القائل ما يخرج من فيه لأحجم ولم يتكلم والأمر كما قال تعالى:  تحسبونه هينا ً وهو عند الله عظيم أية شروطٍ تلك التي تريدها تثبت في حق من طعن في حكم النبي  أو اتهمه بالظلم والجور والعياذ بالله والمحاباة في دين الله وأي مانع ٍ يمنع من تكفيره بل قتله من غير استتابة كما فعل عمر وخالد رضيّ الله عنهما ولا نكثر الكلام في هذا فقد كفانا شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك قال رحمه الله : " بعد ذكره لقوله تعالى :فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما . فأقسم سبحانه بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه ثم لا يجدوا في نفوسهم حرجاً من حكمه ؛ فمن شاجر غيره في حكم وحرج لذكر رسول الله  حتى أفحش في منطقه فهو كافر بنص التنزيل ، ولا يعذر بأن مقصوده ردّ الخصم ؛ فإن الرجل لا يؤمن حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ومن هذا الباب قول القائل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله وقول الآخر : اعدل فإنك لم تعدل . وقول ذلك الأنصاري : أن كان ابن عمتك فإن هذا كفر محض ، حيث زعم أن النبي  إنما حكم للزبير لأنه ابن عمته، ولذلك أنزل الله تعالى هذه الآية ، وأقسم أنهم لا يؤمنون حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجاً من حكمه ، وإنما عفا عنه النبي عليه الصلاة والسلام كما عفا عن الذي قال : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله . وعن الذي قال : اعدل فإنك لم تعدل وقد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أنه قتل رجلاً لم يرض بحكم النبي عليه الصلاة والسلام ، فنزل القرآن بموافقته ، فكيف بمن طعن في حكمه .... فإن قيل : ففي رواية صحيحة أنه كان من أهل بدر . وفي الصحيحين عن علي عن النبي  أنه قال : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولو كان هذا القول كفراً للزم أن يغفر الكفر والكفر لايغفر , ولا يقال عن بدري : إنه كفر.
فيقال : هذه الزياة ذكرها أبو اليمان عن شعيب ولم يذكرها أكثر الرواة , فيمكن أنها وهم , كما وقع في حديث كعب وهلال بن أمية أنهما لم يشهدا بدرا ً , وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري , ولكن الظاهر صحتها .
فنقول : ليس في الحديث أن هذه القصة كانت بعد بدر , فلعلها قبل بدر , وُسمي الرجل بدريا ً لأن عبدالله بن الزبير حدّث بالقصة بعد أن صار بدريا ً, فعن عبدالله بن الزبير عن أبيه أن رجلا ً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي في شِراج الحرة التي يسقون بها النخل .... إلى أن قال : وهذا يقوي أن القصة متقدمة قبل بدر , لأن النبي قضى في سيل مهزور أن الأعلى يسقي ثم يحبس حتى يبلغ الماء الكعبين , فلو كانت قصت الزبير بعد هذا القضاء لكان قد عُلم وجه الحكم فيه , وهذا القضاء الظاهر المتقدم من حيث قَدِمَ النبي لأن الحاجة إلى الحكم فيه من حين قَدِمَ , ولعل قصة الزبير أوجبت هذا القضاء .... وإن كانت هذه القصة بعد بدر فإن القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب واستغفر وقد عفا له النبي عن حقه , فغفرله , والمضمون لأهل بدر إنما هو المغفرة : إما بأن يسغفروا إن كان الذنب مما لايغفر إلا بالاستغفار أو لم يكن كذلك . وإما بدون أن يستغفروا , ألا ترى أن قدامة بن مظعون وكان بدريا ً تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمرمن قوله تعالى :  ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا... الآية حتى أجمع رأى عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو وأصحابه , فإن أقروا بالتحريم جلدوا , وإن لم يقروا به كفروا , ثم إنه تاب وكاد ييأس لعظم ذنبه في نفسه , حتى أرسل إليه عمر بأول غافر , فعلم أن المضمون للبدريين أن خاتمتهم حسنة , وأنهم مغفور لهم وإن جاز أن يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى أن يصدر , فإن التوبة تجب ما قبلها . وإذا ثبت أن كل سب تصريحا ً أو تعريضا ًموجب للقتل فالذي يجب أن يعتنى به الفرق بين السب الذي تقبل منه التوبة والكفر الذي تقبل منه التوبة ... . "[ الصارم :505- 508 ]


وأما رميه شيخ الإسلام بمحاولة التشكيك في صحة زيادة " وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر" يريد قول الشيخ الذي تم نقله آنفا :" فإن قيل : ففي رواية صحيحة أنه كان من أهل بدر . وفي الصحيحين عن علي عن النبي  أنه قال : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولو كان هذا القول كفراً للزم أن يغفر الكفر والكفر لايغفر , ولا يقال عن بدري : إنه كفر.
فيقال : هذه الزياة ذكرها أبو اليمان عن شعيب ولم يذكرها أكثر الرواة , فيمكن أنها وهم , كما وقع في حديث كعب وهلال بن أمية أنهما لم يشهدا بدرا ً , وكذلك لم يذكره ابن اسحاق في روايته عن الزهري , ولكن الظاهر صحتها .
وهذا مما يدل على وفور جهله وقلة علمه فإن الشيخ رحمه الله تكلم على حديث اختصام الزبير والأنصاري في شراج الحرة ولم يتكلم على حديث حاطب ابن أبي بلتعه كما ظنه هذا المتحذلق المفتون ولكن ذكرحديث حاطب من باب الإيراد وأن أهل بدر غفرت لهم ذنوبهم فكيف يصدر الكفر من بدري كما هو واضح في تتمة النقل السابق ولو أمعن النظر لأراح واستراح ولكن الأمر كما قيل حبك الشئ يعمي ويصم فبهت الشيخ و نسب إليه ما لم يقل ثم ذهب يبني على هذا الوهم تخطئة الشيخ وأنه حاول التشكيك في صحة زيادة الحديث وظن نفسه قد أتى بغاية التحقيق ونهاية التدقيق فيا محنة الدين من هذا الجنس قاتل الله الجهل ما فعل بأهله
فبين الشيخ رحمه الله أن أبااليمان تفرد بهذه الزيادة ـ أنه كان من أهل بدرـ عن شعيب ولم يذكرها غيره ممن روى عنه ثم إنه بين في آخر كلامه رحمه الله أن ظاهرها الصحة كما في قوله :" ولكن الظاهر صحتها ". لتوفر شروط الصحة وانتفاء وجود علة قادحةً في الظاهر تدل على ضعف تلك الزيادة وما ذكره شيخ الإسلام بشأن هذه الزيادة هي مسألة معروفة عند أهل الدراية في الحديث في قبول زيادة الثقة إذا انفرد بها عن غيره ممن رووا ذلك الحديث وممن اعتنى بجمعها ومعرفتها أبو بكر عبد الله بن زياد النيسابوري وأبو نعيم الجرجاني وأبو الوليد حسان بن محمد القرشي وغيرهم من أهل الحديث وقد اختلف العلماء في قبول تلك الزيادة على ثلاثة أقوال كما ذكره ابن الصلاح القول الأول : زيادة ليس فيها منافاة لما رواه الثقات أو الأوثق فهذه حكمها القبول والقول الثاني: زيادة منافية لما رواه الثقات أو الأوثق فهذه حكمها الرد وهو الحديث الشاذ والقول الثالث : زيادة فيها نوع منافاة لما رواه الثقات أو الأوثق كتقيد المطلق أو تخصيص العام وهذا القسم سكت عن حكمه ابن الصلاح وقال عنه النووي : " والصحيح قبول هذا الأخير". وهذا مذهب الشافعي ومالك وأما أبوحنيفة فقد ذهب إلى عدم قبولها .[ علوم الحديث : 77 ــ والكفاية : 424 ــ والتقريب مع التدريب : 1 / 247 ]
وما ذكر هنا يعرفه كل طالب ودارس إذ هو من أولويات علم مصطلح الحديث وكأن الرجل أجنبي لم يمارس شيئا ً من فنون العلم وأبوابه ثم أتى من بعد التقصير بالمعرفة والتحقيق فليته سكت لوسعنا السكوت عنه وعدم التعرض له ولكنه كعنز السوء تبحث عن حتفها بظلفها .

وأما كون النبي ترك قتل هؤلاء المنافقين وإقامة الحدود عليهم فلعدة أسباب ذكرها شيخ الإسلام قال رحمه الله تعالى :" السنة الرابعة عشرة : حديث الأعرابي الذي قال للنبي  لما أعطاه : ما أحسنت ولا أجملت فأراد المسلمون قتله ثم قال النبي : (( لو تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار )) وسيأتي ذكره في ضمن الأحاديث المتضمنة لعفوه عمن آذاه . فإن هذا الحديث يدل على أن من آذاه إذا قتل دخل النار وذلك دليل على كفره وجواز قتله. ومن هذا الباب : أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حنين : إن هذاه لقسمة ما أريد بها وجه الله فقال عمر : دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال : (( معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل الناس . فإن النبي  لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يتحدث الناس أن محمدا ً يقتل أصحابه ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً ...إلى أن قال : فعلم أن قتل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة جائز وكذلك لما أمنت هذه المفسدة أنزل الله تعالى قوله :  جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم  . بعد أن كان قد قال له :  ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم  . وقال زيد بن أسلم : قوله :  جاهد الكفار والمنافقين  . نسخت ما كان قبلها . ومما يشبه هذا أن عبدالله بن أُبيِّ لما قال :  لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . وقال :  لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا  . استأمر عمر في قتله فقال (( إذن ترعد له أنوف كثيرة بالمدينة )) وقال : (( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه )) والقصة مشهورة وهي في الصحيحين وسيأتي إن شاء الله تعالى . فعلم أن من أذى النبي  بمثل هذا الكلام جاز قتله كذلك مع القدرة وإنما ترك النبي  قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفا ".
[ الصارم : 205 – 207 ] . وقال أيضا ً رحمه الله في معرض كلامه :" الجواب الرابع : أن النبي  كان له أن يعفو عمن شتمه وسبه في حياته وليس للأمة أن يعفوا عن ذلك . يوضح ذلك أنه لا خلاف أن من سب النبي  أو عابه بعد موته من المسلمين كان كافراً حلال الدم وكذلك من سب نبياً من الأنبياء ومع هذا فقد قال الله تعالى :  يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا  وقال تعالى : وإذ قال موسى لقومه : يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم  ، فكان بنوا إسرائيل يؤذون موسى في حياته بما لو قاله اليوم أحد من المسلمين وجب قتله ولم يقتلهم موسى عليه السلام وكان نبينا  يقتدي به في ذلك فربما سمع أذاه أو بلغه فلا يعاقب المؤذي على ذلك قال تعالى :  ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن  ، وقال تعالى :  ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطو منها إذا هم يسخطون  . وعن الزهري عن أبي سعيد قال :" بينا النبي  يقسم إذ جاء عبدالله بن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله " وذكر الحديث وفيه نزلت :  ومنهم من يلمزك في الصدقات  ... فهذا الرجل الذي قد نص القرآن أنه من المنافقين بقوله :  ومنهم من يلمزك في الصدقات  أي يعيبك ويطعن "عليك وقوله للنبي  : اعدل واتق الله بعد ما خص بالمال أولئك الأربعة نسب النبي  إلى أنه جار ولم يتق الله " ... ومن هذا الباب ـ ثم ذكر قول الرجل ـ : والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها أو ما أوريد بها وجه الله ... وذكر الواقدي أن المتكلم بهذا كان معتب بن قشير وهو معدود من المنافقين . فهذا الكلام مما يوجب القتل بالاتفاق لأنه جعل النبي  ظالماً مرائياً وقد صرح النبي  بأن هذا من أذى المرسلين ثم اقتدى في العفو عن ذلك بموسى عليه السلام ولم يستتب لأن القول لم يثبت فإنه لم يراجع القائل ولا تكلم في ذلك بشئ ... ومن ذلك قول الأنصاري الذي حاكم الزبير في شراج الحرة لما قال: له  (( اسق يازبير ثم سرح إلى جارك )) فقال : أن كان ابن عمتك )). وحديث الرجل الذي قضى عليه فقال : لا أرضى ثم ذهب إلى أبي بكر ثم إلى عمر فقتله . فهذا الباب كله مما يوجب القتل ويكون به الرجل كافراً منافقاً حلال الدم كان النبي  وغيره من الأنبياء يعفون ويصفحون عمن قاله امتثالاً لقوله تعالى :  خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ... فالكلام الذي يؤذيهم يكفر به الرجل فيصير به محارباً إن كان ذا عهد ومرتداً أو منافقاً إن كان ممن يظهر الإسلام... ومما يوضح ذلك أن رسول الله  كان يعفو عن المنافقين الذين لايشك في نفاقهم حتى قال : (( لو أعلم أني زدت على السبعين غفرله لزدت )) حتى نهاه الله عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وأمره بالإغلاظ عليهم فكثير مما يحتمله من المنافقين من الكلام وما يعاملهم من الصفح والعفو والاستغفار كان قبل نزول ( براءة ) لما قيل له :  ولاتطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم لاحتياجه إذ ذاك إلى استعطافهم , وخشية نفور العرب عنه إذا قتل أحدا ً منهم وقد صرح رسول الله  لما قال ابن أبيّ :  لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولما قال ذو الخويصر : اعدل فإنك لم تعدل وعند غير هذه القصة أنما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه فإن الناس ينظرون إلى ظاهر الأمر فيرون واحدا ً من أصحابه قد قتل فيظن الظان أنه يقتل بعض أصحابه على غرض أو حقد أو نحو ذلك , فينفر الناس عن الدخول في الإسلام وإذا كان من شريعته أن يتألف الناس على الإسلام بالأموال العظيمة , ليقوم دين الله وتعلو كلمته , فلأن يتألفهم بالعفو أولى وأحرى فلما أنزل الله ( براءة ) ونهاه عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم , وأمره أن يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم , نسخ جميع ما كان المنافقون يعاملون به من العفو , كما كان الكفار يعاملون به من الكف عمن سالم , ولم يبق إلا إقامة الحدود , وإعلاء كلمة الله في حق كل إنسان ".
[ الصارم : 250 – 259 ] .
وأما تشبيهه لقول أمهات المؤمنين بمناشدت النبيr العدل في المحبة بأقوال المنافقين القائلين اعدل يا محمد وأن كان ابن عمتك كما في قوله : " أرجو أن تفرق بين هذه الألفاظ وقول البدري : أن كان ابن عمتك وقول الرجل : اعدل يامحمد , ومناشدت أزواجه إياه العدل إذ هذه لا تكون سبا ً إلا من باب اللازم ولازم المذهب ليس لازما ً لذا لم يكفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فهذه زلة عظيمة وورطة كبيرة وسوء أدب مع أمهات المؤمنين وسؤ ظنّ بهن إذ كيف يتصور أن أزواج النبي r يطعن في حكمه ويرمينه بما لا يليق بمقامه الشريف . وكل ذلك نصرة للمذهب وتقوية الحجة بما لا يزيدها إلا وهنا ً ولا يزيد قوله إلا شناعة ًو قبحا ً ومثل هذا القائل لا يعذر لاطلاعه على القصة ووقوفه على الخبر ولنذكر الشاهد من الحديث الذي وردت فيه القصة لأنه أشار إليه إشارة موهمة ظنا منه أنها تخدمه وتنصر ما ذهب إليه وانتحله نسأل الله العافية فقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها : أن نساء رسول الله r كن حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله r وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله r عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله r أخرها حتى إذا كان رسول الله r في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله r في بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله r يكلم الناس فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله r هدية فليهدها إليه حيث كان من بيوت نسائه فكلمته أم سلمة بما قلن لها فلم يقل لها شيئاً ... فقال لها : ( لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة ) . قالت : فقالت :أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله r فأرسلت إلى رسول الله r تقول : إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال : ( يا بنية ألا تحبين ما أحب ).. الحديث مختصرا ً . [ كتاب الهبة وفضلها ] ولو ساق هذا المفتون الحديث على وجهه لكان كافيا ً في رد خطأه وبيان تهوره وتعسفه فمعناه واضح لكل من قرأه أو سمعه فضلا ً عمن رجع إلى بيان مفرداته و شرحه وجمع أطرافه وتتبعه ولنذكر الألفاظ الدالة على سوء فهمه وتمحله فمنها قولها :" وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله r عائشة " ومنها " إذا كان رسول الله r في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله r في بيت عائشة " ومنها " كلمي رسول الله r يكلم الناس فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله r هدية فليهدها إليه حيث كان من بيوت نسائه " ومنها " إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر فكلمته فقال : يا بنية ألا تحبين ما أحب " . فالنبي r أعدل الناس على الإطلاق في قسمه بين نسائه لكن كان يحب عائشة ويميل إليها أكثر من غيرها وكان أصحابه يعلمون ذلك منه فيتحرون يومها بهداياهم طلبا ً لرضى النبيr وموافقة ً لما يحبه ولإدخال الفرح والمسرة عليه فكان أمهات المؤمنين يغرن من ذلك والغيرة في النساء غريزة خلقية لا يمكن دفعها ولو بلغت المرأة مهما بلغت فلذا أردن من النبي r أن يسوي بينهن في المحبة القلبية التي لا يملكها النبي r وليس في مقدوره ووسعه وأيضا لا يستطيعr أن يقول للناس من أراد أن يهدي إليّ لأن هذا الطلب كأنه طلبٌ للإهداء وتشوفا ً للهدية وقد نهي عن أن يهدي الهدية وينتظر الإثابة عليها أو التماس خيرا ً منها كما جاء عن ابن عباس وغيره في معنى قوله تعالى :  ولا تمنن تستكثر قال رضي الله عنه : لا تعطي العطية تلتمس أكثر منها . وأمهات المؤمنين أعظم صيانة لجناب النبوة والرسالة وتوقير النبي r من غيرهن ولم ينسبن للنبي r الجور في الحكم أو المحابات في القسم والعياذ بالله وليس في ذلك مسبة له أو قدح فيه كما ظنه هذا المأفون فأرداه سوء ظنه في مهاوي الردى وقد جاء عن ابن أبي مليكة في سبب نزول هذه الآية: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة* وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا ًرحيما وكان الله واسعا ًحكيما  أنها نزلت في عائشة رضي الله عنها قاله ابن كثير ثم قال : " يعني أن النبي r كان يحبها أكثر من غيرها كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبدالله بن يزيد عن عائشة قالت كان رسول الله r يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: (( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )) يعني القلب هذا لفظ أبي داود وهذا إسناد صحيح لكن قال الترمذي : رواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا قال وهذا أصح وقوله ( فلا تميلوا كل الميل أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في الميل بالكلية ( فتذروها كالمعلقة ) أي فتبقى هذه الأخرى معلقة ... وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض ". [ باختصار] فبين الله أن العدل في المحبة القلبية والميل إلى بعض النساء لا يمكن ولو حرص الإنسان على ذلك كل الحرص ولكن نهى عن الإجحاف والميل التام الذي تتضرر به المرأة فتصبح كأنها أيم لا مطلقة ولا ذات زوج وعلى الزوج أن يتقي ويصلح وما حدث من خلل ٍ أو زلل فالله يغفره وليس بعد كلام الله كلام ولا بعد بيانه بيان :  ومن لم يجعل الله له نورا ً فما له من نور .

************************************************** *
فصل في بيان فساد قوله
أن الساجد للصنم والوثن وا لبوذا والشمس والمتمسح بالصلبان لا يكفرإلا إذا نوى بقلبه عبادتها وقصد التقرب لها وأن ذلك هو منزع التكفير وعلته وأن ذلك لا ينافي الكفر بالطاغوت

قال : في السجود للصنم والوثن... ( إن قدر أن أحدا ً سجد له على غير وجه التقرب فهو غير كافر إذ منزع التكفير هو التقرب للمسجودله لا لذات السجود ..إلى أن قال... : لذا من سجد لصنم ٍ غير متقرب ٍ له فهو في الواقع ساجدا ً أمامه وقدامه لا له ... ثم قال ..: فيلخص مما سبق أن لايلزم من السجود لشئ عبادته فمن ثم من سجد لشئ فلا يلزم منه عبادته له بل الأمر محتمل فيُستفصل منه فإن كان عابده متقربا ً له فهو كفر وإن لم يكن كذلك فليس كفرا ً .... إلى أن قال ..: قال بعض الفضلاء : بلى يكفر من جهة أخرى وهي أن هذا الفعل لم يكفر بالطاغوت إذ لو كان كافرا ً بالطاغوت لما سجد للوثن . والإيمان لا يصح إلا بالكفر بالطاغوت . فيقال : هذا غير صحيح إذ لو لم يكن كافرا ً بالطاغوت لتقرب إليه...) . نقل قوله من رسالته [مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير]. [ ص : 1 ــ 5 ] وقال في الرد الأول : [ ص: 41 ] : ( نحن لا نختلف في أن الإيمان لا يصح إلا بالكفر بالطاغوت لكن الخلاف بيننا هل السجود للصنم على غير التقرب منافي للكفر بالطاغوت أم لا .... وأنا أزعم أنه غير منافي له مطلقا ً مع اتفاقنا أيضا ً أنه آثم لكن الإثم شئ والكفر شئ آخر .. ) وقال في [الرد الأول : ص : 13 ] إجابة الاعتراض الثالث / أن يقال : إن من المعلوم أن المتلازمين لا ينفكان وما كان هذا ليخفى على مثل هذا الإمام الفحل الذي نقلت عنه ما يدل على أن المتلازمين لا ينفكان ، لذا هذا التلازم فيمن سجد له على وجه الاستحقاق فالسجود مراد لذاته لا لأمر دنيوي من مال ونحوه ، إذ ما من عمل إلا وله دافع ، سجود بدون أي دافع هذا لا يكون إلا تقربا وتعظيما للمسجود . أما عند وجود دوافع كالمال ونحوه فإن التلازم ينفك إذ هو لا يريد التقرب القلبي وإنما يريد المال وهذا هو السجود إليه ، والقلب هو الملك والأعضاء جنوده كما قال أبو هريرة – رضي الله عنه - ). وقال في مذكرة له بعنوان ( الرد الثاني ) :[ص :3 8 ]:( وهذا مثل الساجد للصنم فقد تكون اللام بمعنى إلى الاستحقاق فإننا نكفره على ظاهره لكن لا نقطع بباطنه ).

وقال في مذكرة ٍ له بعنوان :( الرد الأول) :ـ أخي الفاضل / من المهم غاية الأهمية أن نفرق بين أمرين :
أ ــ السجود لصنم (واللام ) بمعنى الاستحقاق ، فهو ساجد لذات الصنم لا لأمر آخر فمثل هذا معظمٌ له وتعظيمه هذا دليل على عدم إنكاره له وبغضه إياه وعلى إقراره به وهذا كفر في الشرع وفاعله لم يستمسك بالعروة الوثقى .
ب ــ السجود للصنم واللام بمعنى (إلى ) . فهو ساجد لا لذات الصنم لكن لأمر آخر ، وإنما الصنم قدامه وأمامه..... فهذا يختلف حكمه باختلاف المسجود إليه فقد يكون واجبا كالصلاة إلى القبلة في الفريضة وقد يكون مستحبا ، وقد يكون محرما كالسجود إلى الصنم لما فيه من المشابهة بعباد الأوثان وهكذا . فمن ثم يعلم أن السجود للصنم أمر محتمل ، إن أراد السجود لذاته فاللام للاستحقاق فهذا كفر ، وإن أراد السجود لأمر آخر فاللام بمعنى (إلى) فهذا محرم وليس شركا ) . [ص:2, 3 ]

وقد وُجِّهتْ ِإليه أسئلة في هذا الصدد تبين حقيقة قوله في كل مسألة بعينها لئلا يُقال فهم من كلامه كذا وكذا ثم يدخل الكلام الاحتمال في اختلاف المفاهيم فنسوق كل سؤال مع إجابته ليعلم الناظر فيها موقع الخلل ومواطن الزلل :

السؤال الأول :ـ ما الحكم في رجل يشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا ً رسول الله , لكنه طمعا ً في دنيا , أو مجاراة ً للمشركين , يسجد للشمس , ويذبح لبوذا , ويتمسح بالصلبان ,غير أنه لم يرد التقرب لهذه الأشياء , وإنما مقصوده الدنيا ولا شئ غيرها.

فقال في إجابته :( وإنك ـ أيها الأخ المبارك ـ سألت في السؤال الأول عن أشياء ثلاثة . الأول / السجود للشمس : قد بينت لك في الوريقات الأولى ـ ُيريد مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير المذكورة أعلاه ـ أنه لايلزم من السجود للشئ عبادته فمن من سجد سجودا ً على غير وجه التعبد والتقرب للشمس فإنه لا يكفر بخلاف من سجد تقربا ً وتعبدا ً إذ المعول في التكفير بالسجود هو التقرب القلبي . وما ذكرت من السجود لا يعد كفرا ً ) .

الثاني / الذبح لبوذا : قد نقلت لك في الوريقات الأولى أن الذبح من الأمور المحتملة فلا يكفر الذابح إلا إذا كان على وجه التقرب والتعبد ...) .

الثالث / التمسح بالصلبان : القول فيه كسابقه . وأعيد ُمكررا ً إن عدم التكفير بهذه الأعمال مباشرة ً عدم وجود نص ٌ شرعي ـ فيما أعلم ـ يكفر بها مباشرة فمن ثم صارت من الأعمال المحتملة . والله أعلم .

السؤال الثاني : ما الحكم في رجل ٍ يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا ً رسول الله : لكنه يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرائيا ً , وكان يظلم الناس , ويجور في قسمته , ويحابي قرابته ـ وإذا كان مثل هذا مسلما ً , فما حد السب الذي يضاد الإيمان من كل وجه , والذي يعتبر كفرا ً يخرج به صاحبه من الإسلام .

جواب السؤال الثاني / القائل لأحد هذه الأمور كافرٌ ولا يعذر بجهله , إذا توافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع . لكن أرجو أن تفرق بين هذه الألفاظ وقول البدري : أن كان ابن عمتك وقول الرجل : إعدل يامحمد , ومناشدت أزواجه إياه العدل إذ هذه لا تكون سبا ً إلا من باب اللازم ولازم المذهب ليس لازما ً لذا لم يكفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق في الوريقات الأولى ـ رسالته[مهمات ومسائل متفرقات وتنبيهات متممات تتعلق بالتكفير]. [ ص : 1 ــ 5 ]
السؤال الثالث / ما معنى الكفر بما يعبد من دون الله ، وهل يكفي اعتقاد بطلانه ، مع ظهور أعمال تخالف ذلك .
جواب السؤال الثالث / قد تم بإجابة السؤال الثاني .
************************************************** *******************

** المسألة الأولى : صفة الكفر بالطاغوت **

فنقول الجواب : إن الساجد للصنم والوثن و البوذا والشمس والمتمسح بالصلبان مؤمنٌ بالطاغوت كافرٌ بالله وإن لم ينوى بقلبه عبادتها وقصد التقرب لها بنص القرآن والسنة والإجماع فمن وافق الكفار في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن ومدح ما هم عليه من الكفر أوأثنى على أصنامهم وطواغيتهم حُكِمَ عليه بمقتضى ذلك وإذا وافق الحكم المحل فلا اعتراض على من حكم بالدليل لقول تعالى :-  ألم ترإلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت... فقد روى ابن ابي حاتم عن عكرمة : قال جاء حيي بن أخطب وكعب بن أشرف إلى أهل مكة فقالوا :أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنّا وعن محمد ، فقالوا : ما أنتم وما محمد فقالوا نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء ونسقي الماء على اللبن ونفك العاني ونسقي الحجيج ، ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج من غفار فنحن خير أم هو فقالوا أنتم خير وأهدى سبيلا : فنزلت الآية وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في المسألة الرابعة.ـ وهي أهمها ـ معنى الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع هل هو اعتقاد القلب أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها . [ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان]. و قد أجمع العلماء علىأن من قال أوفعل كفراً يكفر بالحال لانشراح صدره بذلك مالم يكن مكرهاً لأن [الرضا بالكفر كفر والعزم على الكفر كفرٌ بالحال وكذا لوتردد هل يكفر كفرَ بالحال وكذا تعليق الكفر بأمرٍ مستقبل كفرٌ بالحال ] قاله صاحب كفاية الأخيار:[ ص 220] ولقوله تعالى : إن الذين ارتدوا على أدبارهم ...إلى قوله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم  إي إسرارهم الكذب والمخالفة فإذا كان من وعد بالكفر وإن لم يفعله يكفر وإن عقد النية على المخالفة في الباطن فكيف بمن فعله وإن اعتقد بطلانه , وأيضا ً قوله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت  والإرادة هي عمل القلب وعزمه على الفعل والإرادة الجازمة تستلزم وجود المقدور عليه لا محالة وقوله تعالى :  ألم ترإلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لأن أُخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا ً أبدا* وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لأن أخرجوا لا يخرجون معهم ولأن قوتلوا لا ينصرونهم ...الآية فقد شهد الله على كذبهم وأخبر بباطنهم من إضمار عدم الخروج معهم ونصرتهم على المؤمنين . و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الإصنام وكفروا من يفعل ذلك وأن المؤمن لا يكون مؤمنا ً حتى يتبرأ من عبادة الأصنام وكل معبود سوى الله كما قال تعالى : ) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده( وذكر أيات ثم قال : فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام " .
[ مجموع الفتاوى : / 128] . وقال في موضع آخر أثناء كلامه على وقوع بعض الطوائف في الكفر :" لكن يقع ذلك في طوائف منهم في أمور يعلم العامة والخاصة بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدا ً بعث بها وكفر من خالفها مثل عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ... وهذه ردة عن الإسلام إجماعا ً" . فقال العلامة عبد الله أبابطين معلقا ًعليه :" فقوله رحمه الله : بل اليهود والنصارى يعلمون ذلك هو كما قال فقد سمعنا من غير واحد ٍ من اليهود أنهم يعيبون على المسلمين ما يفعل عند هذه المشاهد يقولون إن كان نبيكم أمركم بهذا فليس بنبي وإن كان نهاكم عنه فقد عصيتموه ". [ الانتصار ]
و قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : " اعلم رحمك الله تعالى أن أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ... فأما صفة الكفر بالطاغوت : أن تعتقد بطلان عبادة غيرالله , وتتركها , وتبغضها , وتكفر أهلها وتعاديهم ". [ مجموعة التوحيد : 1/14] وقال في موضع آخر:" ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يُعتقد فيه غير الله من جني أو أنسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك أو أخاك فأما من قال أنا لا أعبد إلا الله وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت".[الدررالسنية:1/ 121 ] , وقال المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :" أجمع العلماء سلفا ً وخلفا ًمن الصحابة والتابعين والأئمة وجميع أهل السنة : أن المرء لايكون مسلما ً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر والبراءة منه وممن فعله وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة والقدرة وإخلاص الأعمال كلها لله ".
[ الدررالسنية : 11 / 545 ] , وقال العلامة سليمان بن سحمان : "هذه كلماتٍ في بيان الطاغوت ووجوب اجتنابه قال تعالى:  فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها  فبين تعالى أن المستمسك بالعروة الوثقى هو الذي يكفر بالطاغوت وقدم الكفر به على الإيمان بالله لأنه قد يدعي المدعي أنه يؤمن بالله وهو لايجتنب الطاغوت وتكون دعواه كاذبة قال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة  فأخبر أن جميع المرسلين قد بعثوا باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين قال تعالى:  والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى  . ففي هذه الآيات من الحجج على وجوب اجتنابه وجوه كثيرة والمراد من اجتنابه هو بغضه وعداوته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان وإزالته باليد عند القدرة ومفارقته فمن ادعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق ".
[ الدرر السنية : 1 / 502] , وفي الحديث :[ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله فقد حرم ماله و دمه وحسابه على الله] رواه مسلم من حديث طارق بن أشيم"
وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لايدعو إلا الله وحده لاشريك له بل لايَحْرُمُ ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أوتوقف لم يحرم ماله ودمه فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع " . قاله الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب :- [ في مسائل الباب السادس من كتاب التوحيد] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :" إن سَبّ الله أو سَبَ رسوله كفرٌ ظاهرا ً وباطنا ً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا ًله أو كان ذاهلا ًعن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل".[الصارم : 492]
وقال رحمه الله:" فأما إن سب نبياً غير معتقد لنبوته فإنه يستتاب من ذلك ، إذا كان ممن علمت نبوته بالكتاب والسنة ، لأن هذا جحد لنبوته ، إن كان ممن يجهل أنه نبي ؛ فإنه سب محض ، فلا يقبل قوله : إني لم أعلم أنه نبي " . [ الصارم : 538 ]. وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية هنا أبلغ من قول غيره في الحكم على الجاهل وعامله بمقتضى الظاهر كما يبينه قوله :" فلا يقبل قوله : إني لم أعلم أنه نبي".

**************************************************
** المسألة الثانية:الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر**
والقاعدة المعروفة أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر والظاهر فرعٌ للباطن ودليل ٌ عليه ولم يكلفنا الله بالتنقيب عن الناس ومعرفة ما تنطوي عليه الضمائر إذ لاسبيل عليه ألبته فلا تعلق الأحكام الشرعية في أمور غير مقدور عليها قال تعالى:  يأيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا...  , أمر بالتبين لأن الأصل هو الحكم بالظاهر وقال النبي للعباس لما أسر يوم بدر:[ أما ظاهرك فعلينا وأما سريرتك فإلى الله..] وقال ابن القيم :" وأحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر". [ طريق الهجرتين :الطبقة السابعة عشرة] وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي في رده على قول الجزائري: ( يحاسب عباده على ما يعتقدونه على نياتهم ، تصديقاً على ما في الحديث : » إنما الأعمال بالنيات….إلخ « قال رحمه الله – عبد الرحمن بن محمد :" لا يمنع القول بشرك من جعل مع الله إلهاً آخر،فإن الأخذ في الدنيا بالظواهر ، وما دل عليه اللفظ صريحاً ، وهذه قاعدة معروفة أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر ونص العقلاء : على أن من الحمق المتناهي تكذيب العين ، وتصديق الظن ، فكيف نقبل منك هذه الدعوى ، وقد قال عمر t :" إن الوحي قد انقطع وإنما نؤاخذكم الآن بما ظهر لنا ، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نؤمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة) , وعلى هذا إجماع المسلمين". [ السيف المسلول على عابد الرسول: 136 ] وقال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله:" وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال والأفعال والاعتقادات أنه يكفر صاحبها ، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند. فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا أو مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلا معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد r ".[ الإنتصار] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ً:" الإيمان والنفاق أصله في القلب ، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليلٌ عليه ؛ فإذا ظهر من الرجل شئ من ذلك ترتب الحكم عليه فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي  والذين يؤذونه من المنافقين ثبت أن ذلك دليلٌ على النفاق وفرعٌ له ، ومعلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصله المدلول عليه ، فثبت أنه حيثما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً "[ الصارم : 66] وقال أيضا ً:" أن الإيمان قول وعمل ؛ فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى، والرسالة لعبده ورسوله ، ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبة من الإجلال والإكرام- الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح ، بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل- كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ، ومزيل لما فيه من المنفعة والصلاح ... هذا فيما بينه وبين الله ، وأما في الظاهر فتجري الأحكام على ما يظهره من القول والفعل كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية ، وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه ، كما لا ينفع من قال : الكفر أن لا يقصد أن يكفر ".[الصارم: 377 ـ378]
** المسألة الثالثة : ملازمة الظاهر للباطن **

فمن ظهر منه شرك أكبر كالسجود لغير الله من الأصنام والأوثان أو البوذا والشمس والصلبان فإنه يحكم عليه بما ظهر منه وكان ذلك دالاً على انتفاء الإيمان من قلبه لانتفاء لوازمه قال شيخ الإسلام:" ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه , فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم كقوله تعالى :) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( , وقوله : )لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ( .الآية ونحوها فالظاهر والباطن متلازمان لا يكون الظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن ، وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر ولهذا قال النبي r : » ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب «. , وقال عمر t لمن رآه يعبث في صلاته : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه وفي الحديث:( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه"[مجموع الفتاوى:18/372] وقال ابن القيم – رحمه الله – فيما نقله عنه الشيخ سعد بن حمد بن عتيق رحمهما الله :" ومن ذبح للشيطان ودعاه ، واستعاذ به وقرب إليه ما يحب ، فقد عبده وإن لم يسم ذلك عبادة ". [ الدرر السنية : 10 / 459] وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السؤال الثاني من الفتوى رقم (4400 ) ما يلي س: هناك من يقول كل من يتقيد برسالة محمدr واستقبل القبلة بالصلاة ولو سجد لشيخه لم يكفر ولم يسمه مشركا ً حتى قال إن محمد بن عبد الوهاب الذي تكلم في المشركين في خلودهم في النار إذا لم يتوبوا قد أخطأ وغلط وقال إن المشركين في هذه الأمة يعذبهم ثم يخرجهم إلى الجنة وقال إن أمة محمد لم يخلد فيهم أحد في النار .
جـ :" كل من آمن برسالة نبينا محمد r وسائر ما جاء به في الشريعة ، إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي ، وصاحب قبر ، أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام مشركاً مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لإتيانه بما ينقض قوله من سجود لغير الله ، لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام إعذاراً إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب ، فإن أصرّ على سجوده لغير الله بعد البيان قُتل لردته لقول النبي r :(( من بدل دينه فاقتلوه )) أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباسt فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة لا ليسمى كافراً بعد البيان فإنه يسمى كافراً بما حدث منه من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا ً لغير الله وقد دل الكتاب والسنة على أن من مات على الشرك لا يغفر له ويخلد في النار لقوله تعالى  :إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ".
[ فتاوى اللجنة الدائمة :1 / 220]

************************************************** *
** المسألة الرابعة:أن المنزع في التكفير هو الفعل الظاهر ونفس الناقض **

وأيضا ً هنا مسألة عظيمة وهي أن المنزع في التكفير هو الفعل الظاهر ونفس الناقض لا أمرٌ غامض لا يمكن الوصول إليه كتعليقه بالاعتقاد أو إرادة التقرب والعبادة أو بأمر خارج عن الفعل أو القول الظاهر المحسوس المشاهد ومن خالف هذا فقد خرق الإجماع ونقض الاتفاق ــ كما هو حال صاحب هذه الورقات ــ كجعل السجود للأصنام والشمس والصلبان أمرٌ غير مؤثرٌ في الكفر وعلى هذا فقس جميع النواقض والمكفرات وهذا ظاهر البطلان وفساده معلوم بلا نكران عند جميع أهل العلم والإيمان قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" أن اعتقاد حلً السبّ كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن فإذاً لا أثر للسبً في التكفير وجوداً وعدما ً وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء . الوجه الرابع : أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن السابّ مستحل فيجب أن لا يكفر لا سيما إذا قال : (( أنا أعتقد أن هذا حرام وإنما أقول غيظاً وسفهاً أو عبثاً أو لعباً )) كما قال المنافقون :  إنما كنا نخوض ونلعب  وكما إذا قال : إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثا ً".[الصارم : 495- 496 ].
وقال أيضا ً رحمه الله تعالى : " لا رَيْبَ أنه لابُدَّ أن يكون لكل صفةً تأثير في الحكم ، وإلاّ فالوصفُ العديمُ التأثير لا يجوز تعليقُ الحكم به ، كمن قال : مَنْ زَنَى وأَكَلَ جُلِدَ ثم قد يكون كلّ صفة مستقلة بالتأثير لو انفردت كما يقال : يقتل هذا لأنه مُرتد زان ٍ ، وقد يكون مجموعُ الجزاء مرتبا ً على المجموع ولكل وصفٍ تأثيرٌ في البعض كما قال :  والَّذينَ لا يَدْعُون مَعَ اللَّهِ إلهاً آخَرَ  ، وقد تكون تلك الصفاتُ متلازمة كل منها لو فرض تجرُّدُهُ لكان مؤثراً على سبيل الاستقلال أو الاشتراك فيذكر إيضاحا وبياناً للموجب ، كما يقال : كَفَرُوا باللّه وبرسوله ، وعَصَى اللّه ورسوله ، وقد يكون بعضها مستلزماً للبعض من غير عكس كما قال : إنَّ الَّذِينَ يَكفُرُونَ بآياتِ اللَّهِ ويقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَق ِّ [الصارم : 45 ـ 46]. , وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب : " فأعلم أن تصور هذه المسألة تصورا ً حسنا ً يكفي في إبطالها من غير دليل خاص لوجهين : الأول : أن مقتضى قولهم أن الشرك بالله وعبادة الأصنام لا تأثير لها في التكفير لأن الإنسان إن انتقل عن الملة إلى غيرها وكذب الرسول والقرآن فهو كافر وإن لم يعبد الأوثان كاليهود فإذا كان من انتسب إلى الإسلام لا يكفر إذا أشرك الشرك الأكبر أنه مسلم يقول لا إله إلا الله ويصلي ويفعل كذا وكذا لم يكن للشرك وعبادة الأوثان تأثير بل يكون ذلك كالسواد في الخلقة أو العمى أو العرج فإذا كان صاحبها يدعي الإسلام فهو مسلم وإن ادعى ملة غيرها فهو كافر وهذه فضيحة عظيمة كافية في رد هذا ". [ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ] .


*************************************************
* المسألة الخامسة: الأفعال والألفاظ الصريحة يجري حكمها وما تقتضيه * وإن زعم المتكلم أو الفاعل قصد ما يخالف ظاهرها وبيان خطأ من قال لا يكفر إلا من قصد الكفر

وبعد هذا نسوق الأدلة على أن الإنسان يكفر وإن لم يقصد الكفر إذا صدر منه كفر مخرج من الملة قال تعالى :) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ( . قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الأية :( والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله عز وجل عنى بقوله :) هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً( كل عامل عملاً يحسبه فيه مصيباً وأنه لله بفعله ذلك مطيع مرض ، وهو بفعله ذلك لله مسخط وعن طريق أهل الإيمان له جائر كالرهابنة والشمامسة وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالتهم وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفره من أهل أيّ دين كانوا – إلى أن قال – وقوله : ) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ( يقول هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة ، بل كان على جور وضلالة وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم به ، بل على كفر منهم به
:) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ( وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون ، وفي ما ندب عباده إليه مجتهدون وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذين سعوا في الدنيا ذهب ضلالاً وقت كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم ولو أن القول ما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم ، لوجب أن هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعه،كانوا مثابين مأجورين عليها ، ولكن القول بخلاف ما قالوا أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة وعنى بقوله :) أنهم يحسنون صنعاً ( عملاً ". وقال شيخ الإسلام رحمه الله :" الدليل السادس : قوله سبحانه : ) لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( , ووجه الدلالة أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته ، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض ، لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر ، فإنه علل نهيهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل عن الحبوط وبين أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك ، وما قد يفضي إلى حبوط العمل يجب تركه غاية الوجوب ، والعمل يحبط بالكفر قال سبحانه : ) ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ( الآية - وذكر آيات إلى أن قال :- وكما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له ، واستخفاف به وإن لم يقصد الرافع ذلك ،فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفراً ، فالأذى والاستخفاف المقصود والُمتعمّد كفٌر بطريقة الأولى " . [ الصارم : 87 ] وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في كتابه :[ منهاج التأسيس والتقديس: 134] -:" وقد قرر الفقهاء وأهل العلم في باب الردة وغيرها أن الألفاظ الصريحة يجري حكمها وما تقتضيه وإن زعم المتكلم بها أنه قصد ما يخالف ظاهرها . وهذا صريح في كلامهم يعرفه كل ممارس ". وقال الصنعاني رحمه الله [في تطهير الاعتقاد]:" قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة : أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها ". وقال شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب – رحمه الله – في جوابه على عدة مسائل ومنها :" الرابعة :" إذا نطق بكلمة الكفر ، ولم يعلم معناها صريحاً واضحا ً: أنه نطق بما لا يعرف معناه ، أما كونه لا يعرف أنها تكفره ،فيكفي فيه قوله تعالى :) لا تعتذروا فقد كفرتم بعد إيمانكم ( فهم يعتذرون من النبي r ظانين أنها لا تكفرهم ، والعجب ممن يحملها على هذا وهو يسمع قوله تعالى:
) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً(- إلى أن- قال أيظن هؤلاء ليسوا كفارا ً ".
[ الدرر السنية :10/ 125]



***********************************************
فصل في نقض قوله
أن من سجد للأصنام وطاف بالأوثان وذبح للبوذة وتمسح بالصلبان لأجل أمر دنيوي كالرياسة والجاه والمال أو فعل ذلك مداهنة ً لقومه وخوف الملامة والعيب أو خوفا ً من الكفار أو قال عبدتُ غير الله كاذبا من غير إكراه لا يكفر

قال في الرد الأول [ ص:17] : إذ الساجد للصليب والأوثان من غير أي دافع كالمال ونحوه وإكراه هو سجود له وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن يكون إلا لتعظيم قلبه للمسجود وإلا لماذا سجد له إذ لا أحد يفعل فعلاً إلا لدافع . فإن خلت الدوافع الدنيوية من جلب نفع أو دفع ضر فلم تبق إلا الدوافع التعبدية كالتعظيم لها ونحو ذلك . وقد سبق نحو هذا الكلام وأن في مثل هذا يكون التلازم بين السجود والتقرب بالقلب ، لأجل هذا دخله الإكراه ) .

وقال في [ص:18 ] : الثاني / السجود الشركي : وهذا على حالتين :ـ
1- السجود التعبدي لغير الله وهذا كفر .
2- السجود للأوثان والصليب بدون أي دافع من مال ونحوه أو احترام في حق الصالحين والعلماء أو إكراه وهو السجود له لا إليه . فهذا كفر إذ يلزم منه تعظيم هذا المسجود له وإلا لم سجد له ؟ إذ لا أحد يفعل فعلاً إلا لدافع أما إذا خلت الدوافع فلم يبق إلا تعظيمه التعظيم التعبدي . وفي مثل هذا السجود قرر التلازم في الكفر بين الباطن والظاهر وفي مثله يتصور الإكراه .
3
- السجود المحرم – ما عدا الشركي والبدعي – كالسجود للأوثان أو غيرها على غير نية التقرب لدافع من الدوافع الدنيوية كالمال ونحوه وهو السجود إليه لا له ).

وقال في الرد الأول : [ ص: 42 ] رآدا ًعلى قول من قال : ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه للإسلام وأقرواله بما جاء به , لكنهم مداهنة ً لقومهم وخوفا ً من الملامة والعيب يسجدون طوعا ً لأوثان قريش , ويذبحون لها , ويطوفون بها ويظهرون تعظيمها ولا يصرحون بالبراءة منها , فهل كان يقبل منهم هذا , وهل يجوز أن أيكون أمثال هؤلاء مؤمنون في الباطن .

فأجاب بقوله :( وجواب هذا ما يلي:
أن هذا استدلال بمورد النـزاع فهو مبني على نتيجة هذا البحث فعندك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفرهم ولا يقبل منهم وعندي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكفرهم ويقبل منهم مع كونهم آثمين.

وقال في مذكرة له بعنوان ( الرد الثاني) :ـ[ ص : 50 ]: ( فمثل هذا يقول: أيها الناس أنا لم أسجد له ولا أراه يستحق شيئا من التعظيم وإنما سجدت من أجل المال , ودليل ذلك أنه لولا المال لما سجدتُ , بل لو خلوتُ به لحطمته , وأنا وإن َتعمدتُ السجودَ لكن لم أقصده للصنم , وإنما غاية الأمر أنني لما طمعت في المال سجدتُ إلى جهته لا له , وان ظن صاحب المال أنني ساجد له , فظنه شيء والواقع شيء آخر , فلماذا تلحون على أن سجودي له لا إليه.. ) 0

وقال في الرد الثاني: [ ص: 52] : ( فالخلاصة المعتصرة أن الساجد إلى الصنم لأجل المال , ويدور معه حيث دار ولولا المال لما فعل ساجد إليه لا له , وأرجو ألا تعود وتقول : بلى . يكفر لأن من استهزأ من أجل المال فهو كافر إذ أقول لك : لا أسلم ألبته أن من حاله كهذا يكون كالمستهزئ بالدين إذ المستهزئ وقع في أمر محكوم بكفره بدليل , فهو مضاد للإيمان من كل وجه ، ولا دليل معك مستقيم يحكم بكفر من فعل مثل هذا الفعل ويجعله مضاداً للإيمان من كل وجه) . وقال في الرد الثاني : [ ص : 71 ] : ( إن الساجد إلى الصنم لا لذاته يستوي ظاهراً في صورته مع الساجد للصنم على وجه الاستحقاق ، فلو أن رجلا ً سجد إلى صنم أمامه ، وقال ــ كذبا ًــ : سجودي هذا له لا إليه ــ ووا قع حاله الذي لا يعلمه إلا الله أنه ساجد إليه لا له ــ فنحن بناءً على قوله الذي قاله نكفره وإن كان كاذباً لأنه ليس لنا إلا ما أظهر والسرائر أمرها إلى الله , فهو ــ في الواقع ــ لم يفعل الكفر ، وذلك مثل: أن يقول رجل ــ كاذباً ــ : عبدتُ غير الله . فمثل هذا نكفره ، لأنه ليس لنا إلا الظاهر ، وإن كان واقع حاله غير كافر ، إذ لم يفعل ذلك ، بل كان كاذباً ، فمثل هذا لا نحكم على كفر باطنه ، لا لكونه فعل الكفر بل لكونه كاذباً في فعل الكفر ) .
وقال في الرد الثاني :[ص : 78 ]:( فلو أن رجلا ً سجد أمام صنم وواقع حاله أنه ساجد له لا إليه لكفرته ,لأنه ليس لي إلا الظاهر لكن لو تبين لي أنه كاذب تراجعت عن تكفيره ).
وقال في الرد الثاني :ـ[ ص : 98 ] فيمن:( تعمد السجود للصنم من أجل المال , ولولا المال لما فعل , لما في قلبه من اعتقاد ذمه وأنه لواستطاع تحطيمه لحطمه) .
************************************************** ****************

فالجواب على كل ما تقدم قد كفاناه الإمام محمد بن عبد الوهاب وحفيده الشيخ سليمان بن عبد الله رحمهم الله وهو عين جوابنا عن هذه المسألة في كلام لهما على قوله تعالى :) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(. قال الإمام محمد رحمه الله :" لم يعذر الله إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواءً فعل خوفاً أو مداراة أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله أو فعل على وجه المزاح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره ". [ كشف الشبهات ] , وقال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله:" الدليل الرابع عشر قوله تعالى :) من كفر بالله من بعد إيمانه ( الآية …فحكم تعالى حكماً لا يبدل أن من رجع من دينه إلى الكفر فهو كافر ، سواءً كان له عذر خوفاً على نفسٍ أو مال ٍأو أهلٍ أم لا وسواءً كفر بباطنه أم بظاهره دون باطنه وسواءً كفر بفعاله أو مقاله أو بأحدهما دون الآخر ، وسواءً كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا ، فهو كافر على كل حال إلا المكره وهو في لغتنا المغصوب فإذا أكره الإنسان على الكفر وقيل له اكفر وإلا قتلناك أو ضربناك ، أو أخذه المشركون فضربوه ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم جاز له موافقتهم في الظاهر بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان أي ثابتا معتقدا له وأما إن وافقهم بقلبه فهو كافر ولو كان مكرها ". [حكم موالاة أهل الإشراك] والعلماء لم يغفلوا هذا الباب بل بسطوا الكلام فيه بما يشفي ويكفي لأن الأمر واقع لا محالة فلا تزال الأحداث في الأمة تجري في كل عصر ومصر من زمن النبي إلى قيام الساعة وقد عقد الفقهاء من كل مذهب بابا ً مستقلا وأسموه ( باب حكم المرتد ) وبحثه في أهل القبلة ممن يصدر منه ما يوجب الكفر والردة من الأقوال والأفعال والاعتقادات أخذا ً بكتاب الله وعملا بسنة رسوله وقد تقدم نقل الإجماع الذي حكاه الشيخ عبد اللطيف و أبابطين والصنعاني وغيرهم وأيضا ً موافقة الكافرين في الظاهر لاتخرج عما ذكره العلماء ولنتبع ذلك بما ذكره حمد بن عتيق قال رحمه الله:" المسألة الثالثة : وهي ما يعذر الرجل به على موافقة المشركين وإظهار الطاعة لهم ، فاعلم أن اظهار الموافقة للمشركين له ثلاث حالات: الحالة الأولى : أن يوافقهم في الظاهر والباطن ، فينقاد لهم بظاهره ويميل إليهم ويوادهم بباطنه فهذا كافر خارج من الإسلام سواءً كان مكرهاً على ذلك أو لم يكن مكرهاً ، وهو ممن قال الله تعالى فيه :)ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (.
الحالة الثانية : أن يوافقهم أو يميل إليهم مع مخالفتهم في الظاهر، فهذا كافر أيضاً إذا عمل بالإسلام ظاهراً عصم ماله ودمه وهو المنافق .
الحالة الثالثة : أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو من وجهين : أحدهما : أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم مع ضربهم وتقييدهم له ، ويتهددونه بالقتل فيقولون له : إما أن توافقنا وتظهر الانقياد لنا وإلا قتلناك ، فإنه والحالة هذه يجوزله موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئناً كما جرى لعمارt حين أنزل الله تعالى
:) من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(. ,
وكما قال تعالى :)إلا أن تتقوا منهم تقاة(. فالآيتان دلّتا على الحكم كما نبه على ذلك
ابن كثير في تفسير آية آل عمران .
الوجه الثاني : أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن ، وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة في وطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المال ، فإنه في هذه الحالة يكون مرتداً لا تنفعه كراهته لهم في الباطن وهو ممن قال الله فيهم : )ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ( . فأخبر أنه لم يحملهم على الكفر الجهل أو بغضهم للدين ولا محبة الباطل وإنما هو أن لهم حظاً من حظوظ الدنيا فآثروه على الدين ، هذا معنى كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله [ سبيل النجاة والفكاك]
وأيضا ً ما ذكره العلامة سليمان بن سحمان قال رحمه الله :" هذه كلمات في بيان الطاغوت ووجوب اجتنابه – وذكر المقام الثاني فقال : أن يقال إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر ، فقد ذكر الله في كتابه أن الكفر أكبر من القتل قال
:) والفتنة أكبر من القتل( , وقال: )والفتنة أشدّ من القتل ( والفتنة : هي الكفر ، فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام ، التي بعث الله بها رسوله r .
المقام الثالث : أن تقول : إذا كان هذا التحاكم كفراً ، والنزاع إنما يكون لأجل الدنيا فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك ؟ فإنه لا يؤمن الإنسان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين . فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها ولو اضطرك مضطر وخيرك بين أن تتحاكم إلى الطاغوت ، أو تبذل دنياك لوجب عليك البذل ، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت . والله أعلم ".
[ الدررالسنية: 10/ 502 ] ومن المعلوم أن الردة لا تكون إلا بسبب رغبة أو رهبة أو نحو ذلك من الأغراض وجماع ذلك شيئينٍ هما الشهوة والشبهة قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" الانتقال عن الدين لا يقع إلا عن شبهة قادحة في القلب أو شهوة قامعة للعقل " . [ الصارم : 347] , وقال أيضا ً رحمه الله تعالى :" من تعمد الكذب عليه ـ أي الرسول  ـ فإنه إنما يقصد تحصيل غرض ٍله إن لم يقصد الاستهزاء به , والأغراض في الغالب إما مالٌ أو شرف كما أن المسئ إنما يقصد إذا لم يقصد مجرد الإضلال إما الرياسة بنفاذ الأمر وحصول التعظيم , أو تحصيل الشهوات الظاهرة وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفرٌ كـَفـَرَ وإن لم يقصد أن يكون كافرا ً, إذ لا يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله ". [ الصارم :204] , وقال أيضا ً رحمه الله :" أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن وأن المؤمن هو الذي يقول : (( سمعنا وأطعنا )) فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره مع أن هذا تركٌ محض وقد يكون سببه قوة الشهوة ". [ الصارم : 69 ] . وقال الشيخ سعد رحمه الله :" فصل :الذبح للجن يفعله كثير من أهل الجهل والضلال في البوادي والبلدان ، إذا مرض الشخص أو أصابه جنون أو داء مزمن ذبحوا عنده كبشاً أو غيره ، و كثير منهم يصرحون : بأنهم ذبحوا للجن ويزعمون أن الجن أصابته بسبب حدث منه فيذبحون عنده ذبيحة للجن يقصدون تخليصه مما أصابه من ذلك الداء ".
[ الدرر السنية: 10/460] , وقال : الشيخ محمد بن عبد الوهاب :" لو نقدر أن السلطان ظلم أهل المغرب ظلماً عظيماً في أموالهم وبلادهم ومع هذا خافوا استيلاءهم على بلادهم ظلماً وعدواناً ورأوا أنهم لا يدفعونهم إلا باستنجاد الفرنج وعلموا أن الفرنج لا يوافقونهم إلا أن يقولوا نحن معكم على دينكم ودنياكم ودينكم هو الحق ودين السلطان هو الباطل وتظاهروا بذلك ليلاً ونهاراً مع أنهم لم يدخلوا في دين الفرنج ولم يتركوا الإسلام بالفعل لكن لما تظاهروا بما ذكرنا ومرادهم دفع الظلم عنهم هل يشك أحد أنهم مرتدون في أكبر ما يكون من الكفر والردة . إذا صرحوا أن دين السلطان هو الباطل مع علمهم أنه حق وصرحوا أن دين الفرنج هو الصواب وأنه لا يتصور أنهم لا يتيهون لأنهم أكثر من المسلمين ولأن الله أعطاهم من الدنيا شيئاً كثيراً ولأنهم أهل الزهد والرهبانية . فتأمل هذا تأملاً جيداً وتأمل ما صدرتم به الأوراق من موافقتهم فيما ينقض به الإسلام ومعرفتكم بالناقض فإذا تحققتموه وأنه يكون بكلمة ولو لم تعتقد ويكون بفعل ولو لم يتكلم ويكون في القلب من الحب والبغض ولو لم يتكلم ولم يعمل تبين لك الأمر" . [الدررالسنية : 10 / 116 ـ 117 ] , وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :" ولكن أود أن تفكر فيما تعلم لما اختلف الناس بعد مقتل عثمان وبإجماع أهل العلم : أنهم لا يقال فيهم إلا الحسنى مع أنهم عثوا في دمائهم ومعلوم أن كلاً من الطائفتين أهل العراق وأهل الشام معتقدة أنها على الحق والأخرى ظالمة ونبغ من أصحاب علي من أشرك بعلي وأجمع الصحابة على كفرهم وردتهم وقتلهم لكن حرقهم علي وابن عباس يرى قتلهم بالسيف . أترى أهل الشام لو حملهم مخالفة علي على الاجتماع بهم والاعتذار عنهم والمقاتلة معهم لو امتنعوا أترى أحداً من الصحابة يشك في كفر من التجأ إليهم ؟ ولو أظهر البراءة من اعتقادهم وإنما التجأ إليهم وزين مذهبهم لأجل الاقتصاص من قتله عثمان ؟ فتفكر في هذه القضية فإنها لا تبقى شبهة إلا على من أراد الله فتنته ". [ الدرر السنية 10/ 79 ] , وقال رحمه الله : " وأنت يا مَن مَنّ الله عليه بالإسلام , وعرف أن ما من إله ٍ إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق , وأنا تارك ما سواه , لكن لا أتعرض للمشركين , ولا أقول فيهم شيئا ً , لا تظن : أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام , بل : لابد من بغضهم , وبغض من يحبهم , ومسبتهم , ومعاداتهم , كما قال أبوك إبراهيم والذين معه :  إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبد ً حتى تؤمنوا بالله وحده  وقال تعالى :  فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى الآية وقال تعالى :  ولقد بعثنا في كل أمة ٍ رسولا ً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ولو يقول رجل : أنا اتبع النبي  وهو على الحق , لكن : لا أتعرض اللات والعزى , ولا أتعرض أبا جهل , وأمثاله , ما علي منهم , لم يصح إسلامه ". [ الدرر السنية : 2 / 109 ] , وقال في موضعٍ آخر:" فما الذي فرق بين رسول الله  وبين قريش ؟ هل هو عند الممالك والرياسة والتطاول أو عند لا إله إلا الله محمد رسول الله فتفرقوا عند ذلك وقالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب أتظن أن قريشاً : لو يعلمون أن هذا الكلام مجرد قول بلا عمل وأنهم يقولون لا إله إلا الله وينشأون على دينهم ولا يضرهم وأن النبي يرضى منهم بذلك وأنه لا يحاربهم ولا يكفرهم ولا يقاتلهم أتراهم يتركون التلفظ بلا إله إلا الله كما هو اعتقادكم أو دين الإسلام لفظ لا إله إلا الله وأن من قالها فهو المسلم . وتأثرون عليها حديث جبريل وحديث (( بني الإسلام على خمسة أركان ))
[ الدرر السنية 10/ 106 ] . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في أثناء رده على من قال :" أن من تكلم بالتكذيب والجحد وسائر أنواع الكفر من غير إكراه على ذلك فإنه يجوز أن يكون مع ذلك في نفس الأمر مؤمناً , ومن جوّز هذا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه... فمن قال كلمة الكفر من غير حاجة عامدا ً لها عالما ً بأنها كلمة كفر فإنه يكفر بذلك ظاهرا ً وباطنا ً [ولأنا نجوز ] ـ هكذا جاء في المطبوع ولعله[ ولا نجوز ] ـ أن يقال : إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا ً ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام قال سبحانه وتعالى :  من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم  معلوم أنه لم يرد هنا بالكفر اعتقاد القلب فقط , لأن ذلك لا يكره الرجل عليه , وهو قد استثنى من أكره ولم يرد من قال واعتقد , لأنه استثنى المكره وهو لا يكره على العقد والقول , وإنما يكره على القول فقط , فَعُلِم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضبٌ من الله وله عذاب عظيم وإنه كافر ٌ بذلك إلا من أكره وهو مطمئن ٌ بالإيمان , ولكن من شرح بالكفر صدرا ً من المكرهين فإنه كافر أيضا ً, فصار من تكلم بالكفر كافرا ً إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئنٌ بالإيمان" .[ الصارم : 500 ].
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :" اعلموا : أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم . وأنا أذكر لكم آية من الكتاب أجمع أهل العلم على تفسيرها وأنها في المسلمين وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان قال تعالى :  من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان  إلى آخر الآية وفيها :  ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة  فإذا كان العلماء ذكروا : أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة وذكروا : أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه مع بغضه لذلك وعداوة أهله لكن خوفاً منهم أنه كافر بعد إيمانه فكيف بالموحد في زماننا إذا تكلم في البصرة أو الأحساء أو مكة أو غير ذلك خوفاً منهم لكن قبل الإكراه ". [ الدرر السنية 10/ 8 ] . وقال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر نواقض الإسلام العشرة المجمع على كفر من فعل أحدها :" ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد ، والخائف إلا المكره" . فتحصل من جميع ما تقدم أن الله لم يعذر من قال أو فعل كفرا ً ظاهرا ً لأي سبب أو دافع كان إلا المكره بنص القرآن والإجماع وكلام العلماء رحمهم الله وبعد هذا يظهر عظم خطأ صاحب هذه الورقات ويتضح مخالفته للإجماع ولنصوص السنة والقرآن في غير موضع كما مرّ بنا وكذلك ما ستقف عليه أيها المحب أثناء الرسالة وفيما ذكر من الأدلة وكلام العلماء قرة عين للموحدين وشفاء لما في الصدور من كل شك وريب كما لا يخفى على الناقد البصير إذا سلم من الأغراض وكان ممن يطلب الحق بدليله وعافاه الله من التعصب والهوى ... .






**************************************************
فصل
في بيان مخالفته الصريحة للإجماع بالنقض تارة ً وبالتأويل أخرى

وقال في الرد الأول [ص: 13 ] : - إجابة الاعتراض الثاني/ أن يقال : إن الإجماعات المحكية ما بين أمرين : إما أنها إجماعات منقوضة مخرومة – كما سبق – أو محمولة على السجود له علىغير وجه الاستحقاق الذي يلزم منه تقرب القلب للوثن – كما سيأتي بيانه- وهذا الكلام لا يعارض مذهب أهل السنة .. )
************************************************** *******************

الجواب : هذه مصادمة للنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وخرقٌ لإجماع الأمة المحمدية من غير مبرر سوى الدعوى العريضة العارية والاستحسانات الهابطة بمجرد الظنون والتأويلات الساقطة الباردة ولكن كما قيل آفة العلم الفهم السقيم وهذا تحريفٌ ظاهر وتفسيرٌ بالمفهوم الباطل وقد تقدم نقل الإجماع في غير موضع ونعيده هنا من باب التذكر والاستصحاب له قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بعد أن ذكر نواقض الإسلام العشرة :" ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد ، والخائف إلا المكره" . وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في كتابه :[ منهاج التأسيس والتقديس: 134] -:" وقد قرر الفقهاء وأهل العلم في باب الردة وغيرها أن الألفاظ الصريحة يجري حكمها وما تقتضيه وإن زعم المتكلم بها أنه قصد ما يخالف ظاهرها . وهذا صريح في كلامهم يعرفه كل ممارس ". وقال الصنعاني رحمه الله في[ تطهير الاعتقاد]:" قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة : أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها.
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" الوجه الثالث : أن اعتقاد حلً السبّ كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن فإذاً لا أثر للسبً في التكفير وجوداً وعدما ً وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء . الوجه الرابع : أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن السابّ مستحل فيجب أن لا يكفر لا سيما إذا قال : (( أنا أعتقد أن هذا حرام وإنما أقول غيظاً وسفهاً أو عبثاً أو لعباً )) كما قال المنافقون :  إنما كنا نخوض ونلعب  وكما إذا قال : إنما قذفت هذا وكذبت عليه لعباً وعبثاً". [ الصارم : 495 - 496 ]. وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي:" لا يمنع القول بشرك من جعل مع الله إلهاً آخر،فإن الأخذ في الدنيا بالظواهر ، وما دل عليه اللفظ صريحاً ، وهذه قاعدة معروفة أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر ونص العقلاء : على أن من الحمق المتناهي تكذيب العين ، وتصديق الظن ، فكيف نقبل منك هذه الدعوى ، وقد قال عمر t :" إن الوحي قد انقطع وإنما نؤاخذكم الآن بما ظهر لنا ، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءاً لم نؤمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة) , وعلى هذا إجماع المسلمين".
[ السيف المسلول على عابد الرسول: 136] .
وقال المجدد الثاني الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :" أجمع العلماء سلفا ً وخلفا ًمن الصحابة والتابعين والأئمة وجميع أهل السنة : أن المرء لايكون مسلما ً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر والبراءة منه وممن فعله وبغضهم ومعاداتهم بحسب الطاقة والقدرة وإخلاص الأعمال كلها لله ". [ الدررالسنية : 11 / 545 ]
وقال أيضا ًرحمهم الله :( ولا ريب :أن الكفر ينافي الإيمان و يبطله ويحبط الأعمال بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ، قال الله تعالى :  ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين . -ثم قال- وكل كافر قد أخطأ والمشركون لا بد لهم من تأويلات ، ويعتقدون أن شركهم بالصالحين تعظيم لهم ويدفع عنهم ، فلم يعذروا بذلك الخطأ , ولا بذلك التأويل بل قال تعالى :  والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار  - ثم ذكر آيات في ذلك ثم قال :- أين ذهب عقل هذا عن هذه الآيات وأمثالها من الآيات المحكمات ! والعلماء رحمهم الله تعالى سلكوا منهج الإستقامة وذكروا باب حكم المرتد ، ولم يقل أحد منهم : أنه إذا قال كفرًا ، أو فعل كفرًا ، وهو لا يعلم أنه يضاد الشهادتين أنه لا يكفر بجهله . وقد بين الله في كتابه أن بعض المشركين جهال مقلدون فلم يرفع عنهم عقاب الله بجهلهم كما قال تعالى :
 ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد  - إلىقوله :-
 إلى عذاب السعير  ".[ الدرر السنية: 11/ 487 ] , وقال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله:" وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرها من الأقوال والأفعال والاعتقادات أنه يكفر صاحبها ، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند. فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولاً أو مجتهدًا أو مخطئًا أو مقلدًا أو جاهلا معذور مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك مع أنه لا بد أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد r ". [ الإنتصار] , وقال العلامة سليمان بن سحمان :" قد يدعي المدعي أنه يؤمن بالله وهو لايجتنب الطاغوت وتكون دعواه كاذبة قال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة  فأخبر أن جميع المرسلين قد بعثوا باجتناب الطاغوت فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين ". [ الدرر السنية : 10 / 501 ] ويقول القاضي عياض : " اعلم أن من استخف بالقرآن , أو المصحف أو بشئ منه .... فهو كافرٌ عند أهل العلم بالإجماع " . [ الشفا : 2 / 1101 ـ 2/ 1076 ]. وقال الإمام إسحاق بن راهويه:" أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسول الله  أو دفع شيئا ً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبيا ً من أنبياء الله عز وجل أنه كافر ٌ بذلك وإن كان مقرا ً بكل ما أنزل الله".[الصارم: 32ـ 33] وقال أيضا ً رحمه الله تعالى :"ومما أجمعوا على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد ، فالمؤمن الذي آمن باللّه تعالى ، ومما جاء من عنده ، ثم قتل نبياً ، أو أعان على قتله ، ويقول قتل الأنبياء محرم ، فهو كافر .
[ تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي :2/930 ] و قال محمد بن سحنون القيرواني :" أجمع العلماء على أن شاتم النبي والمتنقص له كافرٌ والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر ". [ الصارم : 32 ـ 33 ] . و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :" فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الإصنام وكفروا من يفعل ذلك.... وأن المؤمن لا يكون مؤمنا ً حتى يتبرأ من عبادة الأصنام وكل معبود سوى الله كما قال تعالى : ) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده( وذكر أيات ثم قال : فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام ".
[ مجموع الفتاوى : 2 / 128 ] .
وقال أيضا رحمه الله :" إن سَبّ الله أو سَبَ رسوله كفرٌ ظاهرا ً وباطنا ً سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا ًله أو كان ذاهلا ًعن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل".[الصارم: 492]
وقال في موضع آخر:" أن اعتقاد حلً السبّ كفر سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن فإذاً لا أثر للسبً في التكفير وجوداً وعدما ً وإنما المؤثر هو الاعتقاد وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء ".[الصارم : 496].
وبعد هذا يتبين تهافت قوله:( وهذا الكلام لا يعارض مذهب أهل السنة) كما زعم هذا القائل الذي لا يدري ما يخرج من رأسه ولا يدري أنه لا يدري ويظن كل سوداء تمرة وكل بيضاء شحمة والله المستعان وعليه التكلان فأين الدعوى من البينة وهذة جرأة في ركوب الباطل و إصرار في الإنزلاق في المخاطر وإذا تأمل العاقل ما في هذا الكلام عرف قدر ما منّ الله عليه من نعمة العقل فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وسأله المعافاة من هذه الأغلوطات والورطات التي لايقضي منها الأريب العجب والله المستعان وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله لمن أراد الله هدايته وأما من صمم
على الباطل فلا حيلة فيه .

وقد تم المقصود مما أردناه وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

تم الفراغ منها بعون الله في مساء يوم الجمعة لثمان ٍ خلون من شهر جمادى الأولى لسنة ألف وأربعمائة وثلاثة وعشرون
من الهجرة النبوية

منقول

12d8c7a34f47c2e9d3==