الأثرية
01-11-2004, 06:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الناس يوم القيامة
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله مستحق الحمد وأهله المجازي خلقه جزاءاً دائراً بين فضله وعدله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومتبعي هديه وسلم تسليما
أما بعد
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) (الأحزاب:64-66) هذه آيات ثلاث من كتاب الله عز وجل تدل على أن أهل النار خالدين فيها أبداً أبد الآبدين ودهر الداهرين اللهم إنا نسألك بأسمائك أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله سبق لنا في الخطبة الماضية أحوال الإنسان عند موته وفي قبره فماذا تكون حال الإنسان بعد ذلك أشرنا إلى شئ من هذا على سبيل الإجمال والآن نبين ذلك على سبيل التفصيل عباد الله ( اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران:131-132) اتقوا النار بطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا اتقوا النار فإنها دار البوار دار البؤس والشقاء والخذي والعار دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم قال الله عز وجل مخاطباً لإبليس ( فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (صّ:86-85) اتقوا النار فإنها دار فرعون وهامان وقارون وأبي ابن خلف وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم دار عبد الله بن أبي وأضرابه من منافقي هذه الأمة هؤلاء سكان النار كفار فجرة وطغاة ظلمة ومنافقون خونة ولئن سألتم عن مكانها فإنها في أسفل السافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين فهي دار عقاب الله فأبعدت عن رحمة الله وعن دار أولياء الله يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حرها شديد وقعرها بعيد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم ) قالوا يا رسول الله إنها أي نار الدنيا لكافية قال ( إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة أي صوت شئ سقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتدرون ما هذا ) قالوا الله ورسوله أعلم قال ( حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً يعني منذ سبعين سنة فالآن حين انتهى إلى قعرها ) أخرجه مسلم وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( يقال لليهود والنصارى ) والنصارى هم الذين يتسمون الآن بالمسيحيين والمسيح عليه الصلاة والسلام نؤمن بأنه عبد الله ورسوله وأنه برئ من هؤلاء الذين يدعون أنهم أتباعه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يقال لليهود والنصارى ماذا تبغون فيقولون عطشنا ربنا فأسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ) قال الله عز وجل (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) (مريم:86) عباد الله ما ظنكم بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف عام لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة قاموا خمسين ألف عام وهو يوم القيامة قد تقطعت أكبادهم جوعاً واحترقت أجوافهم عطشاً ثم انصرف بهم إلى النار وهم يطمعون في الشراب فلا يجدون إلا النار يلقون فيها يدعون فيها دعاً (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (الملك:7) قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(الملك: من الآية8) يلقون فيها أفواجاً يقابلون بالتقريع والتوبيخ ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)(الملك: من الآية8) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (الملك:9) (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10) (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:11) هذا ما يقابلون به عند دخول النار توبيخ وتقريع وإهانة وتمدين فتتقطع قلوبهم أسفا وتذوب أكبادهم كمداّ وحزنا ولكن لا ينفعهم ذلك فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم وما أشد عقابهم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16) إن طعامهم الزقوم وهو شجر خبيث مر الطعم نتن الريح كريه المنظر يتزقمونه تزقماً لكراهته وقبحه ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمنهم ولا يغني من جوع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم ) رواه النسائي والترمزى وقال حسن صحيح فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشاً فلا يهيئ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب يشوي الوجوه حتى تتساقط لحومها بئس الشراب يشربونه على كره واضطرار شرب الهيم وهي الإبل العطاش التي لا تروى من الماء فإذا سقط في أجوافهم قطع أمعائهم هذا شرابهم كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه قال الله عز وجل (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ *مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (ابراهيم:14-17) أما لباسهم فلباس الشر والعار قطعت لهم ثياب من نار على قدر أبدانهم لا تقيهم حر جهنم ولكن تزيدها اشتعالاً فيها وحرارة سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار في عذاب مستمر دائم أبدا لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما وكلما خبت النار زادها الله سعيرا (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (المعارج:14-18) يرتفع بهم لهبها إلى أعلاها فكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ينوع عليهم العذاب فلا يستريحون أبدا فيقولون لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب والله لا يطمعون في التخفيف الدائم ولا في الإنقطاع ولو ساعة وإنما يسألون أن يخفف عنهم يوماً واحداً من العذاب ولكن لا تجيبهم الملائكة إلا بالتوبيخ والتهكم تقول لهم ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالأدلة الواضحات فيقولون ( بَلَى ) فتقول الملائكة ( فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (غافر:50) فلن يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا لله ورسوله لم يستجيبوا للرسل حين دعوهم إلى الله وعبادته لم يستجيبوا لهم في الدنيا وحينئذ يتمنون الموت من شدة العذاب فيقولون لمالك وهو خازن النار يا مالك ليقضي علينا ربك أي ليهلكنا ويمتنا فيقول لهم إنكم ماكثون ويقال لهم لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار يتوجهون إلى رب العالمين ذي العظمة والجلال والعدل في الحكم والفعال فيقولون متضرعين ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فماذا جواب الله لهم ماذا يقول لهم مع هذا الدعاء والتضرع يقول لهم وهو أحكم الحاكمين (اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (المؤمنون:108-110) فحينئذ ييئسون من كل خير عباد الله لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشيراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل يعني كما يغلي القدر ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذابا ) إذا كان دماغه يغلي من نعليه فما بالكم بما دون دماغه مما هو أقرب إلى هذه النعال نسأل الله العافية وقال النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة أي يغمس فيها ثم يقال له يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب إنه والله لينسى كل نعيم مر به في الدنيا وقد غمس في النار غمسة واحدة فكيف به وهو مخلد فيها أبدا يقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (النساء:168-169) ويقول الله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: من الآية23) ويقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيرا * الحسنى يا منان يا بديع السماوات والأرض نسألك اللهم أن تنجينا من النار اللهم أنجنا من النار اللهم أنجنا من النار اللهم أنجنا من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار اللهم تقبل منا في هذه الساعة ونحن حاضرون لنقف بين يدك في صلاتنا اللهم تقبل منا فأنجنا من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار اللهم إنا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضرا والأمر كله بيديك اللهم فاهدنا سواء السبيل اللهم أنجنا برحمتك من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار وأغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين إنك أنت العزيز الغفار اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدى الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون …
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله عز وجل أن يتخذ الإنسان وقاية له من عذاب الله وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه أيها المسلمون إن الإنسان إذا استعان بالله وصدق العزيمة في التوجه إلى الله أعانه الله عز وجل على التوبة وانتشله من سيئات أعماله حتى يكون سليم القلب صحيح القول والعمل فيا عباد الله توبوا إلى الله توبة نصوحة فإن التوبة تجب ما قبلها وإن الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً وعمل عملاً صالحاً فإن الله يبدل سيئاته حسنات يقول الله عز وجل (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:68-70) ومن كان لديه مظلمة لأحد من الناس فليؤدي إليه مظلمته قبل أن يؤديها من حسنات أعماله فإن الإنسان إذا لم يؤدي المظالم التي كانت عليه في الدنيا أخذت من حسناته يوم القيامة فإن لم يبقى شئ من حسناته لأهل المظالم أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار وهذا والله هو الإفلاس أن يأتي الإنسان يوم القيامة بحسنات ثم تؤخذ لمن ظلمه في هذه الدنيا أدوا الحقوق إلى أهلها أدوا الحقوق في المعاملات التي بينكم وبين الناس وأدوا الحقوق فيما يلزمكم لأهليكم وزوجاتكم وأدوا الحقوق فيما يلزمكم لأهليكم من الزوجات والأولاد والأقارب وأدوا الأمانة فيما يلزمكم نحو العمال الذين يعملون لديكم أعطوهم أجورهم لا تماطلوا فيهم من أجل قلة ما في أيديكم فإنكم إذا نويتم أداء الحق إلى أهله أعانكم الله على ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم ) وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) أيها المسلمون توبوا إلى الله توبوا إلى الله تعالى من تفريطكم في حقوقه وفي حقوق عباده حتى تتخلصوا من هذه الذنوب وحتى يحل بدل ظلمة القلوب نور تستضيئون به في طريقكم إلى الله عز وجل فإن السيئات تكون ظلمة في القلب فإذا تاب الإنسان منها أبدل الله تلك الظلمة بنور يستضئ به حتى تهون عليه الأعمال الصالحة ويوفق لذلك اللهم إنا نسألك أن تمن علينا بالتوبة النصوح التي ترضى بها عنا يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمورنا اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم ارزقهم البطانة الصالحة وأعنهم على أداء الأمانة يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الناس يوم القيامة
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله مستحق الحمد وأهله المجازي خلقه جزاءاً دائراً بين فضله وعدله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومتبعي هديه وسلم تسليما
أما بعد
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) (الأحزاب:64-66) هذه آيات ثلاث من كتاب الله عز وجل تدل على أن أهل النار خالدين فيها أبداً أبد الآبدين ودهر الداهرين اللهم إنا نسألك بأسمائك أيها الناس اتقوا الله تعالى عباد الله سبق لنا في الخطبة الماضية أحوال الإنسان عند موته وفي قبره فماذا تكون حال الإنسان بعد ذلك أشرنا إلى شئ من هذا على سبيل الإجمال والآن نبين ذلك على سبيل التفصيل عباد الله ( اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران:131-132) اتقوا النار بطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا اتقوا النار فإنها دار البوار دار البؤس والشقاء والخذي والعار دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم قال الله عز وجل مخاطباً لإبليس ( فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (صّ:86-85) اتقوا النار فإنها دار فرعون وهامان وقارون وأبي ابن خلف وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم دار عبد الله بن أبي وأضرابه من منافقي هذه الأمة هؤلاء سكان النار كفار فجرة وطغاة ظلمة ومنافقون خونة ولئن سألتم عن مكانها فإنها في أسفل السافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين فهي دار عقاب الله فأبعدت عن رحمة الله وعن دار أولياء الله يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حرها شديد وقعرها بعيد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم ) قالوا يا رسول الله إنها أي نار الدنيا لكافية قال ( إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة أي صوت شئ سقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتدرون ما هذا ) قالوا الله ورسوله أعلم قال ( حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً يعني منذ سبعين سنة فالآن حين انتهى إلى قعرها ) أخرجه مسلم وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( يقال لليهود والنصارى ) والنصارى هم الذين يتسمون الآن بالمسيحيين والمسيح عليه الصلاة والسلام نؤمن بأنه عبد الله ورسوله وأنه برئ من هؤلاء الذين يدعون أنهم أتباعه يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يقال لليهود والنصارى ماذا تبغون فيقولون عطشنا ربنا فأسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ) قال الله عز وجل (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) (مريم:86) عباد الله ما ظنكم بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف عام لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة قاموا خمسين ألف عام وهو يوم القيامة قد تقطعت أكبادهم جوعاً واحترقت أجوافهم عطشاً ثم انصرف بهم إلى النار وهم يطمعون في الشراب فلا يجدون إلا النار يلقون فيها يدعون فيها دعاً (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (الملك:7) قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)(الملك: من الآية8) يلقون فيها أفواجاً يقابلون بالتقريع والتوبيخ ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)(الملك: من الآية8) (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (الملك:9) (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:10) (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك:11) هذا ما يقابلون به عند دخول النار توبيخ وتقريع وإهانة وتمدين فتتقطع قلوبهم أسفا وتذوب أكبادهم كمداّ وحزنا ولكن لا ينفعهم ذلك فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم وما أشد عقابهم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16) إن طعامهم الزقوم وهو شجر خبيث مر الطعم نتن الريح كريه المنظر يتزقمونه تزقماً لكراهته وقبحه ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمنهم ولا يغني من جوع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم ) رواه النسائي والترمزى وقال حسن صحيح فإذا ملئوا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشاً فلا يهيئ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب يشوي الوجوه حتى تتساقط لحومها بئس الشراب يشربونه على كره واضطرار شرب الهيم وهي الإبل العطاش التي لا تروى من الماء فإذا سقط في أجوافهم قطع أمعائهم هذا شرابهم كالمهل في حرارته وكالصديد في نتنه وخبثه قال الله عز وجل (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ *مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (ابراهيم:14-17) أما لباسهم فلباس الشر والعار قطعت لهم ثياب من نار على قدر أبدانهم لا تقيهم حر جهنم ولكن تزيدها اشتعالاً فيها وحرارة سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار في عذاب مستمر دائم أبدا لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما وكلما خبت النار زادها الله سعيرا (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى* نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (المعارج:14-18) يرتفع بهم لهبها إلى أعلاها فكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ينوع عليهم العذاب فلا يستريحون أبدا فيقولون لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب والله لا يطمعون في التخفيف الدائم ولا في الإنقطاع ولو ساعة وإنما يسألون أن يخفف عنهم يوماً واحداً من العذاب ولكن لا تجيبهم الملائكة إلا بالتوبيخ والتهكم تقول لهم ( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي بالأدلة الواضحات فيقولون ( بَلَى ) فتقول الملائكة ( فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (غافر:50) فلن يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا لله ورسوله لم يستجيبوا للرسل حين دعوهم إلى الله وعبادته لم يستجيبوا لهم في الدنيا وحينئذ يتمنون الموت من شدة العذاب فيقولون لمالك وهو خازن النار يا مالك ليقضي علينا ربك أي ليهلكنا ويمتنا فيقول لهم إنكم ماكثون ويقال لهم لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار يتوجهون إلى رب العالمين ذي العظمة والجلال والعدل في الحكم والفعال فيقولون متضرعين ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فماذا جواب الله لهم ماذا يقول لهم مع هذا الدعاء والتضرع يقول لهم وهو أحكم الحاكمين (اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) (المؤمنون:108-110) فحينئذ ييئسون من كل خير عباد الله لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشيراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل يعني كما يغلي القدر ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذابا ) إذا كان دماغه يغلي من نعليه فما بالكم بما دون دماغه مما هو أقرب إلى هذه النعال نسأل الله العافية وقال النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة أي يغمس فيها ثم يقال له يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب إنه والله لينسى كل نعيم مر به في الدنيا وقد غمس في النار غمسة واحدة فكيف به وهو مخلد فيها أبدا يقول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (النساء:168-169) ويقول الله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: من الآية23) ويقول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيرا * الحسنى يا منان يا بديع السماوات والأرض نسألك اللهم أن تنجينا من النار اللهم أنجنا من النار اللهم أنجنا من النار اللهم أنجنا من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار اللهم تقبل منا في هذه الساعة ونحن حاضرون لنقف بين يدك في صلاتنا اللهم تقبل منا فأنجنا من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار اللهم إنا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضرا والأمر كله بيديك اللهم فاهدنا سواء السبيل اللهم أنجنا برحمتك من النار وأدخلنا الجنة دار المتقين الأبرار وأغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين إنك أنت العزيز الغفار اللهم صلي وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدى الفجر وأنور وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون …
أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله عز وجل أن يتخذ الإنسان وقاية له من عذاب الله وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه أيها المسلمون إن الإنسان إذا استعان بالله وصدق العزيمة في التوجه إلى الله أعانه الله عز وجل على التوبة وانتشله من سيئات أعماله حتى يكون سليم القلب صحيح القول والعمل فيا عباد الله توبوا إلى الله توبة نصوحة فإن التوبة تجب ما قبلها وإن الإنسان إذا تاب توبة نصوحاً وعمل عملاً صالحاً فإن الله يبدل سيئاته حسنات يقول الله عز وجل (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:68-70) ومن كان لديه مظلمة لأحد من الناس فليؤدي إليه مظلمته قبل أن يؤديها من حسنات أعماله فإن الإنسان إذا لم يؤدي المظالم التي كانت عليه في الدنيا أخذت من حسناته يوم القيامة فإن لم يبقى شئ من حسناته لأهل المظالم أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار وهذا والله هو الإفلاس أن يأتي الإنسان يوم القيامة بحسنات ثم تؤخذ لمن ظلمه في هذه الدنيا أدوا الحقوق إلى أهلها أدوا الحقوق في المعاملات التي بينكم وبين الناس وأدوا الحقوق فيما يلزمكم لأهليكم وزوجاتكم وأدوا الحقوق فيما يلزمكم لأهليكم من الزوجات والأولاد والأقارب وأدوا الأمانة فيما يلزمكم نحو العمال الذين يعملون لديكم أعطوهم أجورهم لا تماطلوا فيهم من أجل قلة ما في أيديكم فإنكم إذا نويتم أداء الحق إلى أهله أعانكم الله على ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مطل الغني ظلم ) وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) أيها المسلمون توبوا إلى الله توبوا إلى الله تعالى من تفريطكم في حقوقه وفي حقوق عباده حتى تتخلصوا من هذه الذنوب وحتى يحل بدل ظلمة القلوب نور تستضيئون به في طريقكم إلى الله عز وجل فإن السيئات تكون ظلمة في القلب فإذا تاب الإنسان منها أبدل الله تلك الظلمة بنور يستضئ به حتى تهون عليه الأعمال الصالحة ويوفق لذلك اللهم إنا نسألك أن تمن علينا بالتوبة النصوح التي ترضى بها عنا يا رب العالمين اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمورنا اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم ارزقهم البطانة الصالحة وأعنهم على أداء الأمانة يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم عباد الله