المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا


كيف حالك ؟

البلوشي
10-03-2009, 07:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا وقول الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(94) الآيتين.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع ).

قال العلامة الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله

باب ما جاء في الرياء ثم قال : باب : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا اعلم أن الإخلاص لله أساس الدين وروح التوحيد والعبادة وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله فيقوم بأصول الإيمان الستة وشرائع الإسلام الخمس وحقائق الإيمان التي هي الإحسان وبحقوق الله وحقوق عباده مكملا لها قاصدا بها وجه الله والدار الآخرة , لا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا رياسة ولا دنيا وبذلك يتم إيمانه وتوحيده .
ومن أعظم ما ينافي هذا مراءاة الناس والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم أو العمل لأجل الدنيا , فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد .
واعلم أن الرياء فيه تفصيل : فإن كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءاة الناس واستمر على هذا القصد الفاسد فعمله حابط وهو مشرك أصغر ويخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر , وإن كان الحامل على العمل إرادة وجه الله مع إرادة مراءاة الناس ولم يقلع عن الرياء بعمله فظاهر النصوص أيضا بطلان هذا العمل .
وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله وحده ولكن عرض له الرياء في أثناء عمله فإن دفعه وخلص إخلاصه لله لم يضره , وإن ساكنه واطمأن إليه نقص العمل وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام في قلبه من الرياء وتقاوم العمل لله وما خالطه من شائبة الرياء , والرياء آفة عظيمة ويحتاج إلى علاج شديد وتمرين النفس على الإخلاص ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والأغراض الضارة والاستعانة بالله على دفعها لعل الله يخلص إيمان العبد ويحقق توحيده .

وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أعراضها وأغراضها فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا المقصد ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة : فهذا ليس له في الآخرة من نصيب وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن , فإن المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان لا بد أن يريد الله والدار الآخرة وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا , والقصدان متساويان أو متقاربان فهذا وإن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص .
وأما من عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصا تاما ولكنه يأخذ على عمله جعلا ومعلوما يستعين به على العمل والدين كالجعالات التي تجعل على أعمال الخير وكالمجاهد الذي يترتب على جهاده غنيمة أو رزق وكالأوقاف التي تجعل على المساجد والمدارس والوظائف الدينية لمن يقوم بها فهذا لا يضر أخذه في إيمان العبد وتوحيده لكونه لم يرد بعمله الدنيا وإنما أراد الدين وقصد أن يكون ما حصل له معينا له على قيام الدين ولهذا جعل الله في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءا كبيرا لمن يقوم بالوظائف الدينية والدنيوية النافعة كما قد عرف تفاصيل ذلك , فهذا التفصيل يبين لك حكم هذه المسألة كبيرة الشأن ويوجب لك أن تنزل الأمور منازلها والله أعلم .

قال العلامة الشيخ صالح فوزان الفوزان حفظه الله

فيستفاد من هاتين الآيتين ومن هذا الحديث الشريف فوائد عظيمة:

الفائدة الأولى: التحذير من إرادة الإنسان بعمله الدنيا، وأن ذلك من الشرك في النيات، وهو: الشرك الخفي، وهذا هو الذي عقد الشيخ -رحمه الله- هذا الباب من أجله .

الفائدة الثانية: يؤخذ من الآيتين: أن إعطاء الله الدنيا لبعض الناس ليس دليلا على رضى الله عنهم، ولهذا قال: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ثم قال أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ فهذا دليل على أن هذا العطاء عن غير رضى، وأن منع الدنيا عن العبد المؤمن ليس دليلا على عدم رضى الله عنه، فالدنيا ليست مقياسا لرضى الله وغضبه وجودا وعدما .

الفائدة الثالثة: يؤخذ من الآيتين الكريمتين: أن العبرة ليست في صورة العمل، وإنما العبرة في نية العامل، فإن كانت نية العامل خالصة لله عز وجل فهذا العمل عمل صالح، وإن كانت نية العامل غير خالصة لوجه الله عز وجل فهذا عمل فاسد وإن كانت صورته صورة عمل صالح، فلا تنظر إلى كثرة الإنفاق والتبرعات والمشاريع، فربما يكون من يتصدق بشيء قليل مع نية صالحة ينال به أجرا عظيما، كما قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة فالعمل القليل مع الإخلاص يكون كثيرا، وربما يكون العمل كثيرا لكن فائدته قليلة أو ليس فيه فائدة أصلا نظرا لنية عامله، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فمحل نظر الله -سبحانه وتعالى- إلى القلوب والأعمال؛ أعمال القلوب من المقاصد والنيات، وأعمال الجوارح أيضا، فالعبرة ليست بصورة العمل وإنما هي بنية العامل .

الفائدة الرابعة: في الحديث دليل على الفرق بين العبد الذي يعمل لوجه الله والعبد الذي يعمل لأجل الدنيا لأنه ذكر عبدين: واحدا يعمل لأجل الدنيا وواحدا يعمل لأجل الآخرة، فالذي يعمل لأجل الدنيا إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض، هذه علامته، بخلاف المؤمن فإنه لا يؤثر عليه العطاء وعدم العطاء للإيمان الذي في قلبه، فالحديث فيه: الفرق بين من يعمل من أجل الله ومن يعمل لأجل الدنيا .

الفائدة الخامسة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى العبد الذي يعمل من أجل مطامع الدنيا عبدا لها، وهذا يقتضي الشرك، ولكنه في حق المؤمن يكون شركا أصغر ينقص توحيده ويبطل أعماله التي خالطها هذا القصد السيئ .

الفائدة السادسة: في الحديث: بيان علامات الذي يعمل من أجل الآخرة وهي كما يلي:

أولا: أنه معد نفسه للجهاد دائما وأبدا، ينتظر الجهاد، ويرغب فيه آخذ بعنان فرسه في سبيل الله في أية ساعة تدعو الحاجة فإنه يبادر بالجهاد في سبيل الله .

ثانيا: أنه لا يتفرغ للعناية بنفسه والرفاهية بحيث يرجل شعره ويدهن شعره، بل هو أشعث: مغبرة قدماه ، فالغبار عنده مرغوب لأنه في سبيل الله، وهذا يدل على أن هذا العبد ليس مترفا في هذه الدنيا .

الصفة الثالثة: أنه لا يبالي بنوع العمل الذي يؤديه في الجهاد سواء كان شاقا أو سهلا، سواء كان فيه ظهور أمام الناس أو ليس فيه ظهور أمام الناس، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة يعني: يعمل حيث وضع، لا يتبرم ولا يتكره لذلك ولا يقول للقائد: أنت تهينني، وأنت، وأنت، لأنه لا يعمل من أجل القائد، ولا من أجل الناس، وإنما يعمل من أجل الله سبحانه وتعالى .

الصفة الرابعة: أنه غير معروف عند الناس، لأنه يخفي نفسه، ولا يريد الظهور، وإنما يريد إخفاء نفسه وإخفاء عمله . وليس معناه: أنه ينزوي ويقعد في داره في زاوية من الزوايا، بل هو يشتغل ويعمل، ولكنه لا يحب أن يظهر عمله، ولا أن تظهر شجاعته، ولا أن يظهر إقدامه، ولا أن يعرف جهاده، ولا يرغب هذا، لأنه يعمل من أجل الآخرة، لا يريد محمدة عند الناس أو مدحا عند الناس، وإنما يريد ثواب الله -سبحانه وتعالى- بحيث إنه إذا استأذن في الدخول على العظام لا يؤذن له لأنه غير معروف، والناس عادة لا يأذنون في الدخول الا لمن كان معروفا عندهم، وإن شفع لأحد لا تقبل شفاعته، لأن الناس لا يشفعون الا أصحاب الجاه، وهذا ليس له جاه، لكن هذا لا يضره عند الله سبحانه وتعالى .

هذه صفات الذي يعمل من أجل الآخرة، ويعمل لوجه الله سبحانه وتعالى . .

12d8c7a34f47c2e9d3==