المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلامة العبيكان يرد على نهرو الطنطاوي و يذب عن السنة النبوية


كيف حالك ؟

محمد عثمان الزاوي
10-02-2009, 12:39 PM
ردا على دعاوى إنكار السنة النبوية



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فقد قرأت الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع د. نهرو طنطاوي والذي نشر في العدد (10012) يوم الخميس الموافق 27/4/2006 وقد استغربت كثيرا من جرأة الدكتور على إنكار السنة المطهرة، وزعمه إن المصدر الوحيد للتشريع الإسلامي هو القرآن فقط، وهذا القول ليس بجديد بل هو من جنس قول الخوارج الذين قالوا «حسبنا كتاب ربنا» وأنكروا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعظم خطرهم على الإسلام والمسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، كما في الأحاديث الصحيحة.

ومن زعم انه يكتفي بالقرآن وينكر السنة فهو منكر للقرآن لأننا مأمورون في القرآن بإتباع السنة ولا يصح إيمان من آمن بالقرآن حتى يؤمن بالسنة التي هي مفسرة للقرآن وموضحة له إضافة الى كونها مصدرا مستقلا، كما سيأتي بيانه.

زعم الدكتور ان الاحتجاج بالسنة النبوية مما أدخله الفقهاء ولم ينزل بها من سلطان، وإنما أمر محدث زاد الدين تعقيدا، إذ قال: فقد أدخل على الدين مصادر عديدة للتشريع زيادة على المصدر الوحيد، ومن هذه المصادر ما يسمى بالسنة والإجماع والقياس والاستنباط والاجتهاد ورأي الصحابة وغيرها من المصادر، وكل هذه المصادر ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي من صنع الفقهاء والمجتهدين، وهذه المصادر المختلفة التي تمت إضافتها الى المصدر الوحيد للتشريع إنما زادت الدين تعقيدا وتناقضا. وهذا في الواقع افتراء وتناقض، اما الافتراء فهو زعمه ان العلماء والفقهاء هم الذين جعلوا السنة والإجماع والقياس حجة ومصدرا، ومن له ادنى اطلاع على كتاب الله، القرآن الكريم، يعلم ان الذي جعل هذه الثلاثة حجة ومصدرا ومرجعا عند الاختلاف هو الله سبحانه في كتابه واليك البيان؛

أما بالنسبة الى السنة فقد جاء الأمر في القرآن بالرجوع إليها في أكثر من أربعين موضوعا كما قال تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) (النساء: 69).

وقال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (النساء: 59) وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب: 21).

وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (الحشر: 7) وقال (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (آل عمران: 31) فأمر الله لنا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعله سنته حكما لفض النزاعات بل وترتيب الأجر العظيم على طاعته يستلزم حفظ الله لهذه السنة النبوية حتى يتهيأ للعباد الرجوع اليها عند النزاع كما أمر الله، والطاعة لأمر الله الذي أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

علما بأن العلماء فهموا من القرآن ما يدل على حجية الإجماع وكذلك القياس ولم يخترعوه كما زعم الدكتور نهرو طنطاوي ـ هداه الله ـ بصرف النظر عن وقوع الإجماع من عدمه الذي حصل فيه الاختلاف.

ففي القرآن أكثر من آية تدل على حجية الإجماع المنضبط، قال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (النساء: 115).

فرتب الله العقوبة على مخالفة سبيل المؤمنين، فدل هذا على حجيته والمراد به الإجماع، ومن ذلك قوله تعالى (فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) (النساء: 59). فمفهوم المخالفة أننا إذا أجمعنا ولم يحصل تنازع بيننا صار اجماعنا حجة يعتمد عليه كما بين ذلك غير واحد من العلماء المحققين.

ومثل ذلك حجية القياس الصحيح دل عليه القرآن الكريم ولم يخترعه العلماء من قبل أنفسهم وبنيات أفكارهم، وفي القرآن أكثر من دليل على حجية القياس الصحيح الذي هو إلحاق للنظير بالنظير او إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (الحشر: 2) ووجه الدلالة: ان من قبلنا لما كذّبوا الله ودينه عاقبهم الله فأمرنا الله بالاعتبار وأخذ العبرة فإذا كذبنا كما كذبوا فسنعاقب كما عوقبوا. وهذا من الحاق النظير بنظيره.

ومن ذلك قوله تعالى (أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون) (القلم: 35 و36) ووجه الدلالة: ان المسلمين لما كانوا مخالفين للمجرمين لم يصح قياس هذا على هذا، فدل هذا ان المسلمين يقاسون على المسلمين وأن المجرمين يقاسون على المجرمين لأن هذا من إلحاق النظير بنظيره.

والأدلة في هذا متكاثرة يفهمها اهل التخصص، وهذا ليس غريبا فان في كل علم أدلة وبراهين يفهمها المتخصصون كما هو معلوم. ومما تقدم تتبين حقيقة الافتراء الموجود في حوار نهرو طنطاوي.

أما التناقض فانه يدعو الى حجية القرآن وانه مصدر التشريع، ومع ذلك يناقض نفسه ولا يقبل من القرآن ما جعله القرآن مرجعا وحجة كصحيح السنة والإجماع المنضبط والقياس الصحيح، فهو ما بين ان يلتزم دعواه من ان القرآن مرجع وحجة فيقبل ما جعله القرآن حجة ومرجعا كالسنة الصحيحة فيكون بهذا صادقا منضبطا وهو المظنون به، أو أن يصر على إنكار حجية السنة الصحيحة والإجماع المنضبط والقياس الصحيح مع دلالة القرآن على أنها حجة فيشهد على نفسه بالتناقض وعدم الصدق!!.

ولو بقينا على حجية القرآن وحده دون السنة لما عرفنا كثيرا من الأحكام الشرعية، فمن اين لنا عدد الصلوات الخمس المفروضة وعدد ركعاتها، بل وصفة الصلاة نفسها، وكيف نعرف صفة الحج والعمرة؟ وهكذا.

وهذه الدعوة، اعني الدعوة إلى الاستقلال بالقرآن دون السنة، ليست وليدة العصر بل نادى بها بعض الزنادقة قديما فقام عليهم السلف الأوائل وردوا باطلهم حتى انها وئدت في مهدها. قال الإمام ابو بكر محمد الآجري (المتوفى سنة 360هـ) في كتابه الشريعة (1/410): التحذير من طوائف تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى وشدة الإنكار على هذه الطبقة. ينبغي لأهل العلم والعقل إذا سمعوا قائلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء قد ثبت عند العلماء، فعارض إنسان جاهل فقال: لا اقبل الا ما كان في كتاب الله تعالى، قيل له: أنت رجل سوء وأنت ممن يحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منك العلماء. وقيل: يا جاهل ان الله أنزل فرائضه جملة وأمر نبيه ان يبين للناس ما نُزّل إليهم قال تعالى عز وجل: (بالْبيناتِ والزُّبُر وأنزلنا إليكَ الذكْرَ لتُبيِّنَ للناس ما نُزلَ اليهم ولعلهُم يتفكرونَ) (النحل: 44) فأقام الله تعالى عليه السلام مقام البيان عنه، وأمر الخلق بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه قال تعالى (وما آتاكُمُ الرّسولُ فخُذوهُ وما نَهاكُمْ عنهُ فانتهُوا) (الحشر: 7) ثم حذرهم ان يخالفوا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (فليحْذر الذينَ يُخالِفونَ عن أمْرِه ان تُصيبَهْم فِتنة او يُصيبهُمْ عذابّ أليم) (النور: 63).

وقال عز وجل (فلا ورَبُكَ لا يؤْمِنونَ حَتى يُحكِّمُوكَ فيما شَجر بينهُم ثمَّ لا يَجِدُوا في أنفسِهِمْ حرَجاً ممّا قضَيْتَ ويُسلّمُوا تسْليماً) (النساء: 65). ثم فرض على الخلق طاعته في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه تعالى.

وقيل لهذا المعارض لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جاهل قال تعالى (وأقيمُوا الصلاة وآتوا الزكاة) (البقرة: 43) أين تجد في كتاب الله تعالى أن الفجر ركعتان، وان الظهر أربع، وان العصر أربع، والمغرب ثلاث، وان العشاء الآخرة أربع؟ أين تجد أحكام الصلاة ومواقيتها وما يصلحها وما يبطلها الا في سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟

ومثل ذلك الزكاة، أين تجد في كتاب الله تعالى من مائتي درهم خمسة دراهم؟ ومن عشرين دينارا نصف دينار؟ ومن أربعين شاة شاة؟ ومن خمس من الإبل شاة؟ ومن جميع أحكام الزكاة أين تجد هذا في كتاب الله تعالى؟

وكذلك جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما بينت فاعلم ذلك.

ـ ثم ساق بإسناده ـ عن عمران بن حصين انه قال لرجل: (انك امرؤ أحمق تجد في كتاب الله تعالى الظهر اربعاً فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما، ثم قال: أتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا؟ ان كتاب الله احكم ذلك وان السنة تفسر ذلك).

وساق بإسناده عن عبد الله بن مسعود إنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى، فبلغ ذلك إمرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فأتته، فقالت له: ما حديث بلغني عنك انك لعنت الواشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى. فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدت هذا. قال فقال عبد الله: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ثم قال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .

وإن في الحوار الذي اجري مع الدكتور نهرو طنطاوي عدة مزالق شرعية، لكن اقتصرت معقبا على أعظمها مزلقا بالاختصار، وإني لأذكر الدكتور نهرو طنطاوي وغيره بأن الإسلام يحارب من أعدائه فالواجب حفظه نقيا كما جاء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا التشكيك في أصوله تشكيكا يفرح أعداء الإسلام ويقويهم على أهله بمثل «قراءة الإسلام من جديد» والذي واقعه هدم لأصول الإسلام التي جاءت في القرآن كما تقدم بيانه.

ـ فليتق الله كل امرئ فيما يكتب ويقول لأن الله سائله عن كل صغيرة وكبيرة كما قال تعالى (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف: 49) وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

نشر في صحية الشرق الأوسط يوم الخميـس الموافق 05 ربيـع الثاني 1427 هـ 4 مايو 2006 العدد 10019

12d8c7a34f47c2e9d3==