المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم من قال لزوجته "أنتِ علي حرام " - لفضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان


كيف حالك ؟

الموحد
08-02-2009, 11:31 AM
حكم من قال لزوجته "أنتِ علي حرام "

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد :
فإن من المسائل المهمة التي يقع فيها كثير من الناس الحلف بالحرام والطلاق أو لفظ التحريم بدون يمين , فأما الحلف بالحرام والطلاق ونحوه , فسيأتي في بحث مستقل إن شاء الله وسنعرض في هذا البحث لمسألة التحريم , فنقول وبالله التوفيق :
قال الشوكاني :وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فإن كان الزوجة فقد اختلف فيه أيضا على أقوال بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا .
قال الحافظ :وزاد غيره عليها وفي مذهب مالك فيها تفاصيل أيضاً يطول استيعابها قال القرطبي: قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحاً ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة الأصلية قال لا يلزمه شيء ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى :{ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } بعد قوله تعالى:{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناه على أن معنى اليمين التحريم فوقعت الكفارة على المعنى ومن قال تقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة تحرم الوطء ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاثا حمل اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار انتهى .
ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدى كلاماً طويلاً وذكر ثلاثة عشر مذهباً أصولا تفرعت إلى عشرين مذهبا وذكر في كتابه المعروف بإعلام الموقعين خمسة عشر مذهباً.ا.هـ.
وسنعرض أقوال الفقهاء في هذه المسألة فمن قال لزوجته أنتِ علي حرام , فإن كان قالها ولم ينو طلاقاً أو يميناً فقد ذهب الإمام أحمد إلى أنه ظهار , وهو الصحيح من مذهبه, قال بن القيم: صح عن ابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وعثمان البتي ا.هـ , ونقل عن ميمون بن مهران , وقال في الإقناع وشرحه أنه ظهار ولو نوى طلاقاً أو نوى يميناً. ا.هـ وهو الصحيح من مذهب أحمد.
وحجة هذا القول-أي القول الأول - أن الله تعالى جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهاراً فالتصريح منه بالتحريم أولى قال ابن القيم: وهذا أقيس الأقوال ويؤيده أن الله تعالى لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم وإنما ذلك إليه تعالى وإنما جعل له مباشرة الأقوال والأفعال التي يترتب عليها التحريم فإذا قال أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب على الله تعالى فإنه لم يجعلها عليه كظهر أمه ولا جعلها عليه حراما فقد أوجب بهذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار, وهذا هو المذهب الأول .
وذكر ابن القيم أنه فيه مذهباً آخر وهو أنه إن أوقع التحريم كان ظهاراً ولو نوى به الطلاق وإن حلف به كان يميناً مكفرَّة .قال وهذا اختيار شيخ الإسلام وعليه يدل النص والقياس .ا.هــ
قلت : وهذا هو المنقول في مجموع فتاواه حيث سئل ابن تيمية رحمه الله عمن قال لزوجته أنتِ علي حرام مثل أمي فأجاب هذا مظاهر من امرأته . ا.هـ بينما ذكر أن الحلف بالحرام له حكم اليمين, وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله – حيث أفتى بأن من حرم زوجته فهو مظاهر, وسئل عمن قال إذا دخلت بيت فلان بالحرام من أهلي ؟
فأجاب :" أما اللفظ الذي خرج منك سابقاً من قولك إذا دخلت بيت فلان بالحرام من أهلي فإن الذي أفتاك بأن تجدد العقد جاهل لا يعرف أحكام الطلاق؛ لأن هذا اللفظ يعتبره بعض العلماء ظهاراً فيه كفارة الظهار، وبعضهم يعتبره يميناً مكفرة وهو الأقرب" ا.هـ ,وهذا هو المذهب الثاني.
و سيأتي ذلك إن شاء الله مفصلاً في بحث مستقل عن الحلف بالطلاق والحرام والنذر ونحو ذلك.
المذهب الثالث : قوله أنت علي حرام : يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال .وهو رواية عن الإمام أحمد .
قال ابن القيم :صح ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور وخلق سواهم وحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن الله ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال فلابد أن يتناوله يقينا " ا.هـ
وجاء عن ابن عباس أنه قال التحريم يمين في كتاب الله عز وجل , قال الله عز وجل : (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؟ - ثم قال - قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) , قال الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب :" مذهب ابن عباس في هذه المسألة، أقرب الأقوال إلى الكتاب والسنة، وهو اختيار شيخنا، رحمه الله"ا.هـ يعني بشيخه أباه.
المذهب الرابع : هو : " طلاق بائن " وهو رواية عن الإمام أحمد , حتى نقل حنبل و الأثرم الحرام ثلاث ,وممن قال إنها ثلاث تطليقات :" أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وزيد ابن ثابت وابن عمر والحسن البصري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وحكي عن أبي هريرة واعترض ابن القيم الرواية عن زيد بن ثابت وابن عمر وقال :الثابت عنهما ما رواه ابن حزم أنهما قالا : عليه كفارة يمين ولم يصح عنهما خلاف ذلك وروى ابن حزم عن علي رضي الله عنه الوقف في ذلك , وعن الحسن أنه قال :إنه يمين واحتج أهل هذا القول بأنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما.
المذهب الخامس: إن نوى به الطلاق فهو طلاق وإن لم ينوه كان يمينا وهو قول طاوس والزهري والشافعي ورواية عن الحسن قال الإمام االبخاري – رحمه الله - باب من قال لامرأته أنت على حرام, وَقَالَ الْحَسَنُ نِيَّتُهُ.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :قوله باب من قال لامرأته أنت على حرام وقال الحسن نيته أي يحمل على نيته وهذا التعليق وصله البيهقي ووقع لنا عاليا في جزء محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري قال حدثنا الأشعث عن الحسن في الحرام إن نوى يمينا فيمين وإن طلاقا فطلاق وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن.
قال الحافظ : والذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل ولذلك صدَّر الباب بقول الحسن البصري وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدَّر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره.
وحكاه أيضاً في الفتح عن النخعي وإسحاق وابن مسعود وابن عمر قال الحافظ : وبه قال النووي لكن قال إن نوى واحدة فهي بائن , وقال الحنفية مثله لكن قالوا إن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فهي يمين ويصير موليا وهو عجيب والأول أعجب وقال الأوزاعي وأبو ثور: يمين الحرام تكفر وروى نحوه عن أبي بكر وعمر وعائشة وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس. ا.هـ
وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه كان طلاقا وإن لم ينوه كان يمينا لقوله تعالى: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله :{ تحلة أيمانكم } .
المذهب السادس : أن قول القائل لامرأته أنت علي حرام لغو وباطل لا يترتب عليه شيء وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وزيد بن أسلم وأكثر أصحاب الحديث وهو أحد قولي المالكية واختاره أصبغ بن الفرج منهم واستدلوا بقوله تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وبقوله تعالى :{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } وبالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".
قال الشوكاني : وقد رجح هذا المذهب جماعة من العلماء المتأخرين وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به أما قوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وكذلك قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } فنحن نقول بموجب ذلك فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم وأما من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة وعدم جوازه بما سواها وليس في قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق وقد ورد الإذن بما عداه من ألفاظ الفرقة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابنة الجون " الحقي بأهلك " قال ابن القيم :وقد أوقع الصحابة الطلاق بأنت حرام وأمرك بيدك واختاري ووهبتك لأهلك وأنت خلية وقد خلوت مني وأنت برية وقد أبرأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك انتهى . وأيضا قال الله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهره أنه لو قال سرحتك لكفى في إفادة معنى الطلاق وقد ذهب أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق.ا.هـ.
المذهب السابع : أنها بهذا القول حرام عليه قال ابن حزم وابن القيم في اعلام الموقعين :صح عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة قال لم يذكر هؤلاء طلاقا بل أمروه باجتنابها فقط قال :وصح أيضا عن علي رضي الله عنه فإما أن يكون عنه روايتان أو يكون أراد تحريم الثلاث وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه .
المذهب الثامن : الوقف فيها قال ابن القيم: صح ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الشعبي .
وحجة هذا القول أن التحريم ليس بطلاق والزوج لا يملك تحريم الحلال إنما يملك السبب الذي تحرم به وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما له عرف في الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه .
المذهب التاسع : أنه إن نوى الثلاث فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين وإن لم ينو شيئا فهو كذبة لا شيء فيها قاله سفيان وحكاه النخعي عن أصحابه.
وحجة هذا القول أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك فتتبع نيته .
المذهب العاشر: مثل هذا إلا أنه إذا لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها وهو قول الاوزاعي .
وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فإذا نوى به الطلاق لم يكن يمينا فإذا أطلق ولم ينو شيئا كان يمينا .
المذهب الحادي عشر : مثل هذا أيضا إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنا إعمالا للفظ التحريم هكذا في اعلام الموقعين ولم يحكه عن أحد وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي .
المذهب الثاني عشر : أنها تطليقة واحدة وهو إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة .
وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها .
المذهب الثالث عشر : أنه ينوي ما أراد من ذلك في إرادة أصل الطلاق وعدده وإن نوى تحريما بغير طلاق فيمين مكفرة .
وحجة هذا القول أن اللفظ مباح لذلك كله فلا يتعين واحدة منها إلا بالنية .

المذهب الرابع عشر : إنه ينوي أيضا ما شاء من عدد الطلاق إلا أنه إذا نوى واحدة كانت بائنة وإن لم ينو شيئا فإيلاء وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه هكذا قال ابن القيم.
وفي الفتح عن الحنفية أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فهو يمين ويصير موليا وفي رواية عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الكذب دين ولم يقبل في الحكم ولا يكون مظاهرا عنده نواه أو لم ينوه ولو صرح به فقال أعني به الظهار لم يكن مظاهرا وحجة هذا القول احتمال اللفظ .
المذهب الخامس عشر: أنه طلاق ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها وإن كانت مدخولا بها فهو ثلاث وإن نوى أقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت وحجة هذا القول أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحريم بواحدة و المدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث .
قال الشوكاني : "وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئا غير زوجته كالطعام والشراب فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك لأن الله لم يجعل إليه تحريما ولا تحليلا فيكون التحريم الواقع منه لغوا وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي وروى عن أحمد أن عليه كفارة يمين" ا. هـ .
قال الموفق ابن قدامه في المغني : " وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذ لم ينو به الظهار فليس بظهار وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي للآية المذكورة ولان التحريم يتنوع منه ما هو بظهار وبطلاق وبحيض وإحرام وصيام فلا يكون التحريم صريحا في واحد منها ولا ينصرف إليه بغير نية كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق " ا.هـ.
وقال : وإن نوى به الظهار فهو ظهار في قول عامتهم و به يقول أبو حنيفة والشافعي .
والرواية الثانية عن الإمام أحمد :"يقع ما نواه"ا.هـ .

قلت : والراجح من أقوال أهل العلم أن من قال لزوجته أنتِ علىّ حرام أو حرم طعاماً أو نحوه فإنه يمين تلزمه فيه الكفارة , والدليل على ذلك قوله عزوجل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) ) سورة التحريم
وقد اختلُف في سبب نزولها، فقيل: نزلت في شأن مارية أم إبراهيم ، أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان قد حرمها، فنزل قوله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } الآية.
روى النسائي عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حَرَّمها، فأنزل الله، عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } ؟ إلى آخر الآية .
وروى ابن جرير: عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان؟ قال: عائشة وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم القبطية، أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في نوبتها فَوَجَدت حفصة، فقالت: يا نبي الله، لقد جئت إليَّ شيئا ما جئت إلى أحد من أزواجك، في يومي، وفي دوري، وعلى فراشي. قال: "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها؟". قالت: بلى. فحَرَّمها وقال: "لا تذكري ذلك لأحد". فذكرته لعائشة، فأظهره الله عليه، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ } الآيات, فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفَّر عن يمينه، وأصاب جاريته.
وروى الهيثم بن كعب : عن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحدًا، وإن أم إبراهيم عليَّ حرام". فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: "فوالله لا أقربها". قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة. قال فأنزل الله: { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ }
قال ابن كثير :وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج .ا.هـ.
وروى ابن جرير: عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان يقول في الحرام: يمين تكفرها، وقال ابن عباس: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21] يعني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فقال الله: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ } ؟ إلى قوله: { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } فكفر يمينه، فصير الحرام يمينًا.ورواه البخاري ومسلم والنسائي.
قال ابن كثير : والصحيح أن ذلك كله كان في تحريمه العَسَل، كما روى البخاري عند هذه الآية.ا.هـ.
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ إِلَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ لِقَوْلِهِ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا . رواه البخاري
و المغافير: شبيه بالصمغ، يكون في الرّمث فيه حلاوة، أغفر الرّمث: إذا ظهر فيه. واحدها مغفور، ويقال: مغافير. وهكذا قال الجوهري، والّرمث، بالكسر: مرعى من مراعي الإبل، وهو من الحَمْض.
قال ابن كثير:ويقال: إنهما واقعتان، ولا بُعْدَ في ذلك، إلا أن كونَهما سببًا لنزول هذه الآية فيه نظر، والله أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

أملاه الفقير إلى عفو المنان
عبدالمحسن بن ناصر آل عبيكان
al-obeikan.com
المـــصـــادر:
1-كشاف القناع ج12/ص473.
2-الإنصاف والشرح الكبير ج23 /ص240 -243 .
3- المغني ج11/ص61-62.
4-تفسير ابن كثير ج8 / ص 158-159, ومختصره للرفاعي ج4/ص389-391.
5-مجموع فتاوى ابن تيمية ج34 / ص 8 .
6-إغاثة اللهفان ج2/ص 88.
7-إعلام الموقعين ج3 / ص 64.
8-فتح الباري ج9 /ص 371-374.
9- مجموع فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ ج11 / ص134-132.
10- الدرر السنية ج 8 / ص 311.

12d8c7a34f47c2e9d3==