المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلف بالطلاق أو التحريم - لفضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان


كيف حالك ؟

الموحد
08-02-2009, 11:28 AM
الحلف بالطلاق أو التحريم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد :
فإن من المسائل التي ينبغي الاهتمام بها وخاصة في هذا العصر هي مسألة الحلف بالطلاق والحرام والظهار والنذر والعتاق ونحو ذلك , لكثرة استعمال الناس في هذا العصر لهذه الألفاظ ولكون الكثير يجعلها من باب الطلاق والظهار , ولكن المحققين من أهل العلم فرقوا بين من يقصد معاني هذه الألفاظ وبين من يقصد الحث أو المنع فقط , كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – وخاصة عندما استدل بما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : " الطلاق عن وطر و العتاق ما ابتغي به وجه الله " , ويتبين فيما سننقله من كلام شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله – أن من حلف بالطلاق أو بالحرام أو بالظهار أو بالنذر أو بالعتق فهو في حكم اليمين لا يقع بها لا طلاق ولا ظهار ولا يلزمه الوفاء بالنذر ولا العتق لأنه إنما قصد حث نفسه على فعل شيء أو منع نفسه من فعل شيء وعلق ذلك بما يصعب عليه نفاذه حتى يجتنب الحنث في هذه اليمين , فمتى حنث في هذه اليمين طائعاً مختاراً عالماً ذاكراً فلا يلزمه طلاق ولا تحريم ولا ظهار ولا عتق ولا وفاء بنذر وإنما تلزمه كفارة اليمين .
والدليل على ذلك قوله عزوجل :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)) سورة التحريم.
ونسوق كلام أهل العلم في هذه المسألة : قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في مجموع الفتاوى :
ج 33 /ص 36-37 : ((وَإِذَا عُلِّقَ النَّذْرُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ فَقَالَ : إنْ سَافَرْت مَعَكُمْ إنْ زَوَّجْت فُلَانًا . أَنْ أَضْرِبَ فُلَانًا . إنْ لَمْ أُسَافِرْ مِنْ عِنْدِكُمْ : فَعَلَيَّ الْحَجُّ . أَوْ : فَمَالِي صَدَقَةٌ . أَوْ : فَعَلَيَّ عِتْقٌ . فَهَذَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ هُوَ حَالِفٌ بِالنَّذْرِ ؛ لَيْسَ بِنَاذِرِ : فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا الْتَزَمَهُ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ أَفْتَى الصَّحَابَةُ فِيمَنْ قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ . أَنَّهُ يَمِينٌ يَجْزِيه فِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ فِي هَذَا كُلِّهِ لَمَّا أَحْدَثَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ تَحْلِيفَ النَّاسِ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ - وَهُوَ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ ؛ وَالْعَتَاقِ ؛ وَالتَّحْلِيفُ بِاسْمِ اللَّهِ ؛ وَصَدَقَةُ الْمَالِ . وَقِيلَ : كَانَ فِيهَا التَّحْلِيفُ بِالْحَجِّ -نُكَلِّمُ حِينَئِذٍ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي بَعْضِهَا عَلَى ذَلِكَ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إذَا حَنِثَ بِهَا لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هَذَا جِنْسُ إيمَانِ أَهْلِ الشِّرْكِ ؛ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ هِيَ مِنْ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مَا يَلْزَمُ فِي سَائِرِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ )).
وقال أيضاً :ج33 /ص160 : ((وَأَمَّا إذَا " حَلَفَ بِالْحَرَامِ " فَقَالَ : الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ مَا يَحِلُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَحْرُمُ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ زَوْجَةٌ . فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ لَكِنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد الْمَشْهُورُ عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَهُ))ا.هـ.
وقال أيضاً ج33/ص197 : ((" وَالْمَقْصُودُ " هُنَا ذَكَرَ تَحْرِيرِ الْمَنْقُولِ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الدَّلَائِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لَا طَلَاقَ إلَّا عَنْ وَطَرٍ وَلَا عِتْقَ إلَّا مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّه ))ا.هـ.
قلت: والذي في صحيح البخاري قال ابن عباس : (الطلاق عن وطر والعتاق ما أريد به وجه الله) فتح الباري (ج9/ ص392-393) .
ثم قال رحمه الله :وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ بِالطَّلَاقِ وَلَا هُوَ مُتَقَرِّبٌ بِالْعِتْقِ ؛ بَلْ هُوَ حَالِفٌ بِهِمَا ؛ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قِيلَ : إنَّ فِيهِ كَفَّارَةً . وَقِيلَ : لَا كَفَّارَةَ فِيهِ . وَهَذَا الثَّانِي قَوْلُ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ . وَالشِّيعَةُ يَقُولُونَ : لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ . وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ التَّكْفِيرِ ضَعِيفًا أَيْضًا وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ . وَالْقَوْلُ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ طَاوُوسٍ وَغَيْرِهِ ؛ وَهُوَ مُقْتَضَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْلَى أَلَّا يَقَعَ مِنْ الْعِتْقِ فَإِذَا أَفْتَى الصَّحَابَةُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ فَالطَّلَاقُ أَوْلَى ؛ وَلَكِنَّ أَبَا ثَوْرٍ لَمْ يَبْلُغْهُ فِي الطَّلَاقِ شَيْءٌ فَقَالَ ؛ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ أَيْضًا ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ )). ا.هـ.

وقال ج33/ص224 : ((وَالْحَالِفُ بِالنَّذْرِ وَالْحَرَامِ وَالظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا قَالَ : إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنِسَائِي طَوَالِقُ وَمَالِي صَدَقَةٌ هُوَ يَكْرَهُ هَذِهِ اللَّوَازِمَ وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِنَّمَا عَلَّقَهَا لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّرْطِ ؛ لَا لِقَصْدِ وُقُوعِهَا وَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَالتَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ مِنْ بَابِ الْإِيقَاعِ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ وَأَحْكَامَ الْإِيمَانِ . وَإِذَا قَالَ : إنْ سَرَقْت إنْ زَنَيْت : فَأَنْتِ طَالِقٌ . فَهَذَا قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا مَعَ هَذَا الْفِعْلِ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ طَلَاقِهَا ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ زَجْرُهَا وَتَخْوِيفُهَا لِئَلَّا تَفْعَلُ : فَهَذَا حَلِفٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَدْ يَكُونُ قَصْدُهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِرَاقُهَا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْمُقَامِ مَعَهَا مَعَ ذَلِكَ فَيَخْتَارُ إذَا فَعَلَتْهُ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ : فَهَذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين ج3 / ص 72: أنه فيه مذهباً آخر وهو أنه إن أوقع التحريم كان ظهاراً ولو نوى به الطلاق وإن حلف به كان يميناً مكفرَّة .قال وهذا اختيار شيخ الإسلام وعليه يدل النص والقياس .ا.هــ .
وقال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين ج3 / ص 64 : ((فصل الحلف بالطلاق وبالحرام له صيغتان, قد عرف ان الحلف بالطلاق له صيغتان إحداهما إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق والثانية الطلاق يلزمني لا أفعل كذا وأن الخلاف في الصيغتين قديما وحديثا وهكذا الحلف بالحرام له صيغتان إحداهما إن فعلت كذا فأنت على حرام أو ما أحل الله على حرام والثانية الحرام يلزمني لا أفعل كذا فمن قال في الطلاق يلزمني إنه ليس بصريح ولا كناية ولا يقع به شيء ففي قوله الحرام يلزمني أولى ومن قال إنه كناية إن نوى به الطلاق كان طلاقا وإلا فلا فهكذا يقول في الحرام يلزمني ان نوى به التحريم كان كما لو نوى بالطلاق التطليق فكأنه التزم أن يحرم كما التزم ذلك أن يطلق فهذا التزام للتحريم وذاك التزام للتطليق وان نوى به ما حرم الله على يلزمني تحريمه لم يكن يمينا ولا تحريما ولا طلاقا ولا ظهارا ولا يجوز أن يفرق بين المسلم وبين امرأته بغير لفظ لم يوضع للطلاق ولا نواه وتلزمه كفارة يمين حرمة لشدة اليمين إذ ليست كالحلف بالمخلوق التي لا تنعقد ولا هي من لغو اليمين وهي يمين منعقدة ففيها كفارة يمين .
وبهذا أفتى ابن عباس ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصح عنه بأصح إسناد الحرام يمين يكفرها ثم قال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
وهكذا حكم قوله إن فعلت كذا فأنت على حرام وهذا أولى بكفارة يمين من قوله أنت علي حرام وفي قوله أنت على حرام أو ما أحل الله على حرام أو أنت على حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير مذاهب)) ا. هـ .
وقال في إغاثة اللهفان ج2/ص88: ((الطريق الثانية : طريق من يقول : لا يقع الطلاق المحلوف به ولا العتق المحلوف به ويلزمه كفارة اليمين إذا حنث فيه وهذا مذهب ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وزينب بنت أم سلمة وحفصة في الحلف بالعتق الذي هو قربة إلى الله تعالى بل من أحب القرب إلى الله ويسري في ملك الغير فما يقول هؤلاء في الحلف بالطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله تعالى وأحب الأشياء إلى الشيطان والسائل لهؤلاء الصحابة إنما كان امرأة حلفت بأن كل مملوك لها حرك إن لم تفرق بين عبدها وبين امرأته فقالوا لها : كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته.
وهؤلاء الصحابة أفقه في دين الله وأعلم من أن يفتوا بالكفارة في الحلف بالعتق ويرونه يمينا ولا يرون الحلف بالطلاق يمينا ويلزمون الحانث بوقوعه فإنه لا يجد فقيه شم رائحة العلم بين البابين والتعليقين فرقا بوجه من الوجوه .
وإنما لم يأخذ به أحمد لأنه لم يصح عنده إلا من طريق سليمان التيمي واعتقد أنه تفرد به وقد تابعه عليه محمد بن عبدالله الأنصاري وأشعث الحمراني ولهذا لما ثبت عند أبي ثور قال به وظن الإجماع في الحلف بالطلاق على لزومه فلم يقل به .
الطريق الثالثة : طريق من يقول : ليس الحلف بالطلاق شيئا وهذا صحيح عن طاوس وعكرمة
أما طاوس فقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه : أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئا وقد رد بعض المتعصبين لتقليدهم ومذاهبهم هذا النقل بأن عبد الرزاق ذكره في باب يمين المكره فحمله على الحلف بالطلاق مكرها وهذا فاسد فإن الحجة ليست في الترجمة وإنما الاعتبار بما يروى في أثناء الترجمة ولا سيما المتقدمين كابن أبي شيبة وعبدالرزاق ووكيع وغيرهم فإنهم يذكرون في أثناء الترجمة آثارا لا تطابق الترجمة وإن كان لها بها نوع تعلق وهذا في كتبهم لمن تأمله أكثر وأشهر من أن يخفى وهو في صحيح البخاري وغيره وفي كتب الفقهاء وسائر المصنفين ثم لو فهم عبد الرزاق هذا وأنه في يمين المكره لم تكن الحجة في فهمه بل الأخذ بروايته وأي فائدة في تخصيص الحلف بالطلاق بذلك بل كل مكره حلف بأي يمين كانت فيمينه ليست بشيء .
أما عكرمة فقال سنيد بن داود في تفسيره : حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عاصم الأحول عن عكرمة : في رجل قال لغلامه : إن لم أجلدك مائة سوط فامرأتي طالق قال : لا يجلد غلامه ولا يطلق امرأته هذا من خطوات الشيطان .
فإذا ضممت هذا الأثر إلى أثر ابن طاوس عن أبيه إلى أثر ابن عباس فيمن قالت لمملوكها : إن لم أفرق بينك وبين امرأتك فكل مملوك لي حتر إلى الآثار المستفيضة عن ابن عباس في الحلف بتحريم الزوجة : أنها يمين يكفرها تبين لك ما كان عليه ابن عباس وأصحابه في هذا الباب .
فإذا ضممت ذلك إلى آثار الصحابة في الحلف بالتعليقات كالحج والصوم والصدقة والهدي والمشي إلى مكة حافيا ونحو ذلك : أنها أيمان مكفرة تبين لك حقيقة ما كان عليه الصحابة في ذلك فإذا ضممت ذلك إلى القياس الصحيح الذي يستوي فيه حكم الأصل والفرع : تبين لك توافق القياس وهذه الآثار .
فإذا ارتفعت درجة أخرى ووزنت ذلك بالنصوص من القرآن والسنة تبين لك الراجح من المرجوح ومع هذا كله فلا يدان لك بمقاومة السلطان ومن يقول : حكمت وثبت عندي فالله المستعان
الطريق الرابعة : طريق من يفرق بين أن يحلف على فعل امرأته أو على فعل نفسه أو على غير الزوجة فيقول : إن قال لامرأته : إن خرجت من الدار أو كلمت رجلا أو فعلت كذا فأنت طالق فلا يقع عليه الطلاق بفعلها ذلك وإن حلف على فعل نفسه أو غير امرأته وحنث لزمه الطلاق
وهذا قول أفقه أصحاب مالك على الإطلاق وهو أشهب بن عبدالعزيز ومحله من الفقه والعلم غير خاف ومأخذ هذا : أن المرأة إذا فعلت ذلك لتطلق نفسها لم يقع به الطلاق معاقبة لها بنقيض قصدها وهذا جار على أصول مالك وأحمد ومن وافقهما في معاقبة الفار من التوريث والزكاة وقاتل مورثه والموصي له ومن دبره بنقيض قصده وهذا هو الفقه لا سيما وهو لم يرد طلاقها إنما أراد حضها أو منعها وأن لا تتعرض لما يؤذيه فكيف يكون فعلها سببا لأعظم أذاه وهو لم يتملكها ذلك بالتوكيل والخيار ولا ملكها الله إياه بالفسخ فكيف تكون الفرقة إليها إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته بمجرد حضها ومنعها وأي شيء أحسن من هذا الفقه وأطرد على قواعد الشريعة الطريق الخامسة : طريق من يفصل بين الحلف بصيغة الشرط والجزاء والحلف بصيغة الالتزام
فالأول : كقوله : إن فعلت كذا أو إن لم أفعله فأنت طالق
والثاني : كقوله : الطلاق يلزمني أو لي لازم أو علي الطلاق إن فعلت أو إن لم أفعل فلا يلزمه الطلاق في هذا القسم إذا حنث دون الأول
وهذا أحد الوجوه الثلاثة لأصحاب الشافعي وهو المنقول عن أبي حنيفة وقدماء أصحابه ذكره صاحب الذخيرة وأبو الليث في فتاويه قال أبو الليث : ولو قال : طلاقك علي واجب أو لازم أو فرض أو ثابت فمن المتأخرين من أصحابنا من قال : يقع واحدة رجعية نواه أو لم ينوه ومنهم من قال : لا يقع وإن نوى والفارق : العرف
قال صاحب الذخيرة : وعلى هذا الخلاف : إذا قال : إن فعلت كذا فطلاقك علي واجب أو قال : لازم ففعلت وذكر القدوري في شرحه : أن على قول أبي حنيفة : لا يقع الطلاق في الكل وعند أبي يوسف : إن نوى الطلاق يقع في الكل وعن محمد : أنه يقع في قوله : لازم ولا يقع في : واجب
واختار الصدر الشهيد الوقوع في الكل وكان ظهير الدين المرغيناني يفتي بعدم الوقوع في الكل هذا كله لفظ صاحب الذخيرة
وأما الشافعية : فقال ابن يونس في شرح التنبيه : وإن قال : الطلاق والعتاق لازم لي ونواه لزمه لأنهما يقعان بالكناية مع النية وهذا اللفظ محتمل فجعل كناية وقال الروياني : الطلاق لازم لي : صريح وعد ذلك في صرائح الطلاق ولعل وجهه غلبة استعماله لإرادة الطلاق وقال القفال في فتاويه : ليس بصريح ولا كناية حتى لا يقع به الطلاق وإن نواه لأن الطلاق لابد فيه من الإضافة إلى المرأة ولم يتحقق هذا لفظه .
وحكى شيخنا هذا القول عن بعض أصحاب أحمد .
فقد صار الخلاف في هذا الباب في المذاهب الأربعة بنقل أصحابها في كتبهم )).ا.هـ
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عمن قال إذا دخلت بيت فلان بالحرام من أهلي
فأجاب :" أما اللفظ الذي خرج منك سابقاً من قولك إذا دخلت بيت فلان بالحرام من أهلي فإن الذي أفتاك بأن تجدد العقد جاهل لا يعرف أحكام الطلاق؛ لأن هذا اللفظ يعتبره بعض العلماء ظهاراً فيه كفارة الظهار، وبعضهم يعتبره يميناً مكفرة وهو الأقرب" ا.هـ مجموع فتاواه ج11 / ص 134.
واختاره سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ج22 / ص84-85 ,وأيضاً اختاره الشيخ بن عثيمين رحمه الله في فتاوى العقيدة رقم الفتوى 152.
والله أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

أملاه الفقير إلى عفو المنان
عبدالمحسن بن ناصر آل عبيكان
al-obeikan.com

12d8c7a34f47c2e9d3==