بو زيد الأثري
05-20-2009, 11:38 AM
مجلة البحوث الإسلامية > العدد الثامن والسبعون > الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الآخرة لسنة 1427هـ > البحوث > تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية والفتوية في الفقه الإسلامي > المبحث الرابع وسائل تنزيل الأحكام على الوقائع القضائية وطريقة تقريره ومراحله >
المطلب الثالث : الأصل الثالث : مراعاة الفروق بين الوقائع والأشخاص .
إن القاضي والمفتي وهما يقومان بتنزيل الأحكام على الوقائع لا بد لهما من النظر في خصوصيات الوقائع والأشخاص ، وما بينهما من فروق مؤثرة وأوصاف مقررة .
فقد يكون للشخص المتقاضي من مدع أو مدعى عليه أو للواقعة المتنازع فيها أو لواقعة الفتوى خاصية تستدعي حكما لا يطبق على نظائرها؛ لوجود وصف مؤثر متعلق بالشخص أو الواقعة استدعى المغايرة في الحكم .
يدل على ذلك ما رواه سعيد بن سعد بن عبادة قال : أخرجه أحمد واللفظ له 5 \ 222 ، والنسائي في السنن الكبرى 4 \ 313 ، كتاب الرجم ، ذكر الاختلاف على يعقوب بن عبد الله بن الأشج فيه ، وابن ماجه 2 \ 859 ، كتاب الحدود ، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد والبيهقي 8 \ 230 ، كتاب الحدود ، باب الضرير في خلقته لا من مرض يصيب الحد ، والطبراني في الكبير 6 \ 63 ، وفي النسائي طرق أخرى مرسلة عن أبي أمامة بن سهل ، كما أخرجه أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 \ 161 ، قال ابن حجر في بلوغ المرام من أدلة الأحكام 214 : ^ وإسناده حسن ، ولكن اختلف في وصله وإرساله ^ . كان بين أبياتنا إنسان مخدج ضعيف لم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها وكان ومسلما ، فرفع شأنه سعد إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : اضربوه حده ، قالوا : يا رسول الله ، إنه أضعف من ذلك ، إن ضربناه مائة قتلناه ، قال : فخذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ، فاضربوه به ضربة واحدة وخلوا سبيله .
ففي ضرب هذا الرجل بعثكال فيه مائة شمراخ بدلا من مائة سوط مفرقة مراعاة لضعفه؛ لأنه لا يطيق الجلد بالسوط مفرقا ، كما يضرب غيره من الأصحاء ؛لقوله تعالي : سورة النور الآية 2 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .
كما يدل على مراعاة خصوصيات الأشخاص والأعيان ما رواه أبو ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أخرجه مسلم 3 \ 1457 ، كتاب الإمارة ، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة . ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) ، فقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر - رضي الله عنه - بهذا الحكم ، وهو نهيه عن الإمارة ولو على اثنين ، وعن ولايته على مال اليتيم؛ لأن أبا ذر رجل ضعيف لا يصلح للقيام بمثل هذه الأعمال ، مع أن الأصل ترغيب عموم الناس في القيام بهذه الأعمال لحاجة الناس إليها ، بل لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه يرغب فيها ، فقد رغب في الحكم والقضاء بين الناس في أحاديث متعددة ، منها ما حدث به عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : متفق عليه واللفظ لهما ، فقد أخرجه البخاري 1 \ 39 ، كتاب العلم ، باب الاغتباط في العلم والحكمة ، 2 \ 510 ، كتاب الزكاة ، باب إنفاق المال في حقه ، 4 \ 1919 ، كتاب فضائل القرآن ، باب اغتباط صاحب القرآن 6 \ 2612 ، كتاب الأحكام ، باب أجر من قضى بالحكمة ، 6 \ 2643 ، كتاب التمني ، باب تمني القرآن والعلم ، 6 \ 2668 ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب ما جاء في اجتهاد القضاء بما أنزل الله ، 6 \ 2737 ، كتاب التوحيد ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ^ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل يقول : لو أوتيت مثل ما أوتي فلان فعلت كما يفعل ^ ، ومسلم 1 \ 558 ، 559 ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعملها . لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا ، فسلطه على هلكته في الحق ، وآخر أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها .
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في كفالة اليتيم ، ومن ذلك ما حدث به سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : متفق عليه ، فقد أخرجه البخاري واللفظ له 5 \ 2032 ، كتاب الطلاق ، باب اللعان ، 5 \ 2237 ، كتاب الأدب ، باب فضل من يعول يتيما ومسلم 4 \ 2287 ، كتاب الزهد والرقائق ، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم . أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا .
وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر عن تلك الولايات مع عظيم دينه وفضله؛ لما رأى به من الصفات التي لا تمكنه من القيام بها . الموافقات في أصول الشريعة 4 \ 100 ، 101 . .
فمراعاة خصوصيات الوقائع والأشخاص أمر مقرر في القضاء والفتيا ، يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ( ت : 1258هـ ) : " القصد من التشريع والأوامر تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان ، وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين ، أو تفويت أدنى المصلحتين ، واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير ، فمن أهمله وضيعه فجنايته على الناس وعلى الشرع أعظم جناية " .
بحث العلامة عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين
عضو اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى المتفرّعة من هيئة كبار العلماء.
المطلب الثالث : الأصل الثالث : مراعاة الفروق بين الوقائع والأشخاص .
إن القاضي والمفتي وهما يقومان بتنزيل الأحكام على الوقائع لا بد لهما من النظر في خصوصيات الوقائع والأشخاص ، وما بينهما من فروق مؤثرة وأوصاف مقررة .
فقد يكون للشخص المتقاضي من مدع أو مدعى عليه أو للواقعة المتنازع فيها أو لواقعة الفتوى خاصية تستدعي حكما لا يطبق على نظائرها؛ لوجود وصف مؤثر متعلق بالشخص أو الواقعة استدعى المغايرة في الحكم .
يدل على ذلك ما رواه سعيد بن سعد بن عبادة قال : أخرجه أحمد واللفظ له 5 \ 222 ، والنسائي في السنن الكبرى 4 \ 313 ، كتاب الرجم ، ذكر الاختلاف على يعقوب بن عبد الله بن الأشج فيه ، وابن ماجه 2 \ 859 ، كتاب الحدود ، باب الكبير والمريض يجب عليه الحد والبيهقي 8 \ 230 ، كتاب الحدود ، باب الضرير في خلقته لا من مرض يصيب الحد ، والطبراني في الكبير 6 \ 63 ، وفي النسائي طرق أخرى مرسلة عن أبي أمامة بن سهل ، كما أخرجه أبو داود عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم 4 \ 161 ، قال ابن حجر في بلوغ المرام من أدلة الأحكام 214 : ^ وإسناده حسن ، ولكن اختلف في وصله وإرساله ^ . كان بين أبياتنا إنسان مخدج ضعيف لم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها وكان ومسلما ، فرفع شأنه سعد إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال : اضربوه حده ، قالوا : يا رسول الله ، إنه أضعف من ذلك ، إن ضربناه مائة قتلناه ، قال : فخذوا عثكالا فيه مائة شمراخ ، فاضربوه به ضربة واحدة وخلوا سبيله .
ففي ضرب هذا الرجل بعثكال فيه مائة شمراخ بدلا من مائة سوط مفرقة مراعاة لضعفه؛ لأنه لا يطيق الجلد بالسوط مفرقا ، كما يضرب غيره من الأصحاء ؛لقوله تعالي : سورة النور الآية 2 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .
كما يدل على مراعاة خصوصيات الأشخاص والأعيان ما رواه أبو ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أخرجه مسلم 3 \ 1457 ، كتاب الإمارة ، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة . ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) ، فقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر - رضي الله عنه - بهذا الحكم ، وهو نهيه عن الإمارة ولو على اثنين ، وعن ولايته على مال اليتيم؛ لأن أبا ذر رجل ضعيف لا يصلح للقيام بمثل هذه الأعمال ، مع أن الأصل ترغيب عموم الناس في القيام بهذه الأعمال لحاجة الناس إليها ، بل لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه يرغب فيها ، فقد رغب في الحكم والقضاء بين الناس في أحاديث متعددة ، منها ما حدث به عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : متفق عليه واللفظ لهما ، فقد أخرجه البخاري 1 \ 39 ، كتاب العلم ، باب الاغتباط في العلم والحكمة ، 2 \ 510 ، كتاب الزكاة ، باب إنفاق المال في حقه ، 4 \ 1919 ، كتاب فضائل القرآن ، باب اغتباط صاحب القرآن 6 \ 2612 ، كتاب الأحكام ، باب أجر من قضى بالحكمة ، 6 \ 2643 ، كتاب التمني ، باب تمني القرآن والعلم ، 6 \ 2668 ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب ما جاء في اجتهاد القضاء بما أنزل الله ، 6 \ 2737 ، كتاب التوحيد ، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ^ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل يقول : لو أوتيت مثل ما أوتي فلان فعلت كما يفعل ^ ، ومسلم 1 \ 558 ، 559 ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعملها . لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا ، فسلطه على هلكته في الحق ، وآخر أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها .
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في كفالة اليتيم ، ومن ذلك ما حدث به سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : متفق عليه ، فقد أخرجه البخاري واللفظ له 5 \ 2032 ، كتاب الطلاق ، باب اللعان ، 5 \ 2237 ، كتاب الأدب ، باب فضل من يعول يتيما ومسلم 4 \ 2287 ، كتاب الزهد والرقائق ، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم . أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا .
وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر عن تلك الولايات مع عظيم دينه وفضله؛ لما رأى به من الصفات التي لا تمكنه من القيام بها . الموافقات في أصول الشريعة 4 \ 100 ، 101 . .
فمراعاة خصوصيات الوقائع والأشخاص أمر مقرر في القضاء والفتيا ، يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ( ت : 1258هـ ) : " القصد من التشريع والأوامر تحصيل المصالح ودرء المفاسد حسب الإمكان ، وقد لا يمكن إلا مع ارتكاب أخف الضررين ، أو تفويت أدنى المصلحتين ، واعتبار الأشخاص والأزمان والأحوال أصل كبير ، فمن أهمله وضيعه فجنايته على الناس وعلى الشرع أعظم جناية " .
بحث العلامة عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين
عضو اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى المتفرّعة من هيئة كبار العلماء.