المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاعد أهل السنة الاعتصام بالكتاب والسنة وعدم التفرقة


كيف حالك ؟

ابوحفص7
02-12-2009, 12:15 AM
قال الله تعالى و تقدس: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون* و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا, و اذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءا فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا, و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها, كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون * و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون * و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات و أولئك لهم عذاب عظيم * يوم تبيض وجوه و تسود وجوه) قال ابن عباس و غيره: تبيض وجوه أهل السنة و الجماعة, و تسود وجوه أهل البدعة و الفرقة (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون).

و في الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه و سلم في الخوارج "أنهم كلاب أهل النار" و قرأ هذه الآية (يوم تبيض وجوه و تسود وجوه). قال الإمام أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه. و قد خرجها مسلم في صحيحه, و خرج البخاري طائفة منها. قال النبي صلى الله عليه و سلم "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم, و صيامه مع صيامهم و قراءته مع قراءتهم, يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية –و في رواية- يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان".

و الخوارج هم أول من كفر المسلمين. يكفرون بالذنوب و يكفرون من خالفهم في بدعتهم و يستحلون دمه و ماله. و هذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة و يكفرون من خالفهم فيها. و أهل السنة و الجماعة يتبعون الكتاب و السنة و يطيعون الله و رسوله, فيتبعون الحق, و يرحمون الخلق.

و أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج و الشيعة, حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب, فعاقب الطائفتين. أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم, و أما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار و طلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه, و أمر بجلد من يفضله على أبي بكر و عمر. و روي عنه من وجوه كثيرة أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" و رواه عنه البخاري في صحيحه.

فصل:
و من أصول أهل السنة و الجماعة أنهم يصلون الجمع و الأعياد و الجماعات, لا يدعون الجمعة و الجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة و غيرهم, فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة و لا فجور صلى خلفه الجمعة و الجماعة باتفاق الأئمة الأربعة و غيرهم من أئمة المسلمين, و لم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره, بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور, و لكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور و أمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره, فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم, و هذا مذهب الشافعي و أبي حنيفة, و هو أحد القولين في مذهب مالك و أحمد. و أما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر و ليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع و الفاجر عند عامة أهل السنة و الجماعة. و هذا مذهب الشافعي و أبي حنيفة و أحمد بن حنبل و غيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم.

و كان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الإستحباب, كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله. و لم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من اعرف حاله.

و لما قدم أبو عمر و عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر -و كان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع, و كانوا باطتية ملاحدة, و كان بسبب ذلك قد كثرت البدع و ظهرت بالديار المصرية- أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين و ظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة, ثم صار العلم و السنة يكثر بها و يظهر.

فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين, و من قال إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة و الجماعة. و قد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره, كما صلى عبد الله بن مسعود و غيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان قد يشرب الخمر و صلى مرة الصبح أربعا و جلده عثمان بن عفان على ذلك.

و كان عبد الله بن عمر و غيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن بوسف. و كان الصحابة و التابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد و كان متهما بالإلحاد و داعيا إلى الضلال.

فصل:
و لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله و لا بخطأ أخطأ فيه, كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة, فإن الله تعالى قال (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله, لا نفرق بين أحد من رسله, و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير) و قد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء و غفر للمؤمنين خطأهم.

و الخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه و سلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين. و اتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة و التابعين و من بعدهم. و لم يكفرهم علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و غيرهما من الصحابة, بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم, و لم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام و أغاروا على أموال المسلمين, فقاتلهم لدفع ظلمهم و بغيهم لا لأنهم كفار. و لهذا لم يسب حريمهم و لم يغنم أموالهم.

و إذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص و الإجماع لم يكفروا مع أمر الله و رسوله صلى الله عليه و سلم بقتالهم, فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى و لا تستحل دمها و مالها, و إن كانت فيها بدعة محققة, فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا؟ و قد تكون بدعة هؤلاء أغلظ و قد تكون بدعة هؤلاء أغلظ, و الغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه.

و الأصل أن دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله و رسوله. قال النبي صلى الله عليه و سلم لما خطبهم في حجة الوداع "إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" و قال صلى الله عليه و سلم "كل المسلم على المسلم حرام: دمه و ماله و عرضه". و قال صلى الله عليه و سلم "من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله و رسوله" و قال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار" قيل يا رسول الله هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه" و قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" و قال "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما" و هذه الأحاديث كلها في الصحاح.

و إذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر ابن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه و سلم: "إنه قد شهد بدرا, و ما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر, فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟" و هذا في الصحيحين. و فيهما أيضا: من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين, و اختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه و سلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق, و لم يكفر النبي صلى الله عليه و سلم لا هذا و لا هذا, بل شهد للجميع بالجنة.

و كذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله و عظم النبي صلى الله عليه و سلم ذلك لما أخبره و قال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" و كرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. و مع هذا لم يوجب عليه قودا, و لا دية, و لا كفارة, لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا.

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل و صفين و نحوهم و كلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: (و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, و بغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, و أمر بالإصلاح بينهم بالعدل.

و لهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, و يأخذ بعضهم العلم عن بعض و يتوارثون و يتناكحون و يتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال و التلاعن و غير ذلك.

و قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سأل ربه " أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, و سأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, و سأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك" و أخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا و بعضهم يسبي بعضا.

و ثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) قال "أعوذ بوجهك" (أو من تحت أرجلكم) قال "أعوذ بوجهك" (أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض) قال "هاتان أهون".

هذا مع أن الله أمر بالجماعة و الائتلاف, و نهى عن البدعة و الاختلاف, و قال: (إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء) و قال النبي صلى الله عليه و سلم: " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة" و قال: " الشيطان مع الواحد و هو من الإثنين أبعد" و قال: " الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم و الذئب إنما يأخذ القاصية و النائية من الغنم".

فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة و الجماعة و يوالي المؤمنين و لا يعاديهم, و إن رأى بعضهم ضالا أو غاويا و أمكن أن يهديه و يرشده فعل ذلك, و إلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها, و إذا كان قادرا على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, و إن قدر أن يمنع من يظهر البدع و الفجور منعه. و إن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله و سنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله و رسوله أفضل, كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا".

و إن كان في هجره لمظهر البدعة و الفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي صلى الله عليه و سلم الثلاثة الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. و أما إذا ولي غيره بغير إذنه و ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة و الجماعة جهلا و ضلالا, و كان قد رد بدعة ببدعة.

حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة و كرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. و هذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور و البدع, و لم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. و لهذا كان أصح قولي العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد و من عدم الماء و التراب إذا صلى بحسب حاله, و المحبوس و ذووا الأعذار النادرة و المعتادة و المتصلة و المنقطة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.

و قد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء و لا تيمم لما فقدت عائشة عقدها و لم يأمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بالإعادة, بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرو و عمار لما أجنبا و عمرو لم يصل و عمار تمرغ كما تتمرغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, و أبو ذر لما كان يجنب و لا يصلي لم يأمره بالقضاء, و المستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة و الصوم لم يأمرها بالقضاء.

و الذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, و كانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسودمن الفجر) هو الحبل فقال النبي صلى الله عليه و سلم: "إنما هو سواد الليل و بياض النهار" و لم يأمرهم بالقضاء؛ و المسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, و الذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة و الحبشة و غيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) و صاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, و إن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.

و قد اختلف العلماء في خطاب الله و رسوله هل يثبت في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال, في مذهب أحمد و غيره. قيل يثبت و قيل لا يثبت, و قيل يثبت المبتدأ دون الناسخ. و الصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى (و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) و قوله (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) و في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم "ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين و منذرين".

فالمتأول و الجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند و الفاجر بل قد جعل الله لكل شيء قدرا.
[ مجموع الفتاوى, جزء 3 , ص 278-292 ]


--------------------------------------------------------------------------------

12d8c7a34f47c2e9d3==