المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم دخول الكافر المساجد والاستعانة به في عمارتها


كيف حالك ؟

هادي بن علي
12-22-2008, 07:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حكم دخول الكافر المساجد والاستعانة به في عمارتها إعداد :

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . .

فبناء على البرقية الخطية العاجلة رقم 5334 \ 4 \ 2 وتأريخ 29 \ 6 \ 1400هـ الواردة من وكيل وزارة الأشغال العامة بالنيابة والتي يطلب فيها موافاته إن كان هناك ما يمنع من الناحية الشرعية أن يقوم غير المسلمين بالاشتراك في تنفيذ مشاريع المساجد والإشراف عليها وبناء على موافقة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على عرض الموضوع على هيئة كبار العلماء في الدورة السادسة عشرة لما له من صفة العموم وذلك من اختصاص الهيئة .

ونظرا إلى الرغبة في اطلاع مجلس الهيئة على ما ذكره أهل العلم من حكم دخول الكافر المساجد والاستعانة به في عمارتها إلخ . .

جمعت اللجنة ما تيسر من النقول عن الجصاص ومحمد بن الحسن الشيباني والقرطبي وابن كثير وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والبرسوي ومحمد رشيد رضا وابن حزم والشوكاني وفي هذه النقول مذاهب الفقهاء وخاصة الأئمة الأربعة وأدلتهم وفيما يلي ذكر النقول مرتبة على حسب ترتيب الناقلين لها . . . وبالله التوفيق .

قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا .

قال الجصاص : إطلاق اسم النجس على المشرك من جهة أن الشرك الذي يعتقده يجب اجتنابه كما يجب اجتناب النجاسات والأقذار فلذلك سماهم نجسا والنجاسة في الشرع تنصرف على وجهين : أحدهما : نجاسة الأعيان والآخر نجاسة الذنوب وكذلك الرجس والرجز ينصرف على هذين الوجهين في الشرع قال تعالى : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، وقال في وصف المنافقين : سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ، فسماهم رجسا كما سمى المشركين نجسا ، وقد أفاد قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ وقوله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا قد تنازع معناه أهل العلم ، فقال مالك والشافعي : لا يدخل المشرك المسجد الحرام . قال مالك : ولا غيره من المساجد إلا لحاجة ، من نحو الذي يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة ، وقال الشافعي : يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة ، وقال أصحابنا : يجوز للذمي دخول سائر المساجد ، وإنما معنى الآية على أحد وجهين ؛ إما أن يكون النهي خاصا في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد لأنهم لم تكن لهم ذمة ، وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم مشركو العرب ، وأن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء يوم النحر في السنة التي حج فيها أبو بكر فيما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن أبا بكر بعثه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك فنبذ أبو بكر إلى الناس فلم يحج في العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مشرك فأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ حديث علي حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ عنه سورة براءة نادى : ولا يحج بعد العام مشرك ، وفي ذلك دليل على المراد بقوله : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينفقون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج فدل ذلك على أن مراد الآية الحج ، ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أنفال الحج وإن لم يكن في المسجد ، ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ، تثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد لغير الحج لأنه إذا حمل على ذلك كان عموما في سائر المشركين وإذا حمل على دخول المسجد كان خالصا في ذلك دون قرب المسجد ، والذي في الآية : النهي عن قرب المسجد ، فغير جائز تخصيص المسجد به دون ما يقرب منه
وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهم قبة في المسجد ، فقالوا : يا رسول الله ، قوم أنجاس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء ، إنما أنجاس الناس على أنفسهم . وروى يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان كان يدخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام لقول الله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ

قال أبو بكر : فأما وفد ثقيف فإنهم جاءوا بعد فتح مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والآية نزلت في السنة التي حج فيها أبو بكر وهي سنة تسع ، فأنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وأخبر أن كونهم أنجاسا لا يمنع دخولهم المسجد وفي ذلك دلالة على أن نجاسة الكفر لا تمنع الكافر من دخول المسجد ، وأما أبو سفيان فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتجديد الهدنة وذلك قبل الفتح ، وكان أبو سفيان مشركا حينئذ والآية وإن

كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهي عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المسجد ، فإن قيل : لا يجوز للكافر دخول الحرم إلا أن يكون عبدا أو صبيا أو نحو ذلك لقوله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ولما روى زيد بن يثيع عن علي رضي الله عنه أنه نادى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الحرم مشرك . قيل له : إن صح هذا اللفظ فالمراد أن لا يدخله للحج ، وقد روي في أخبار عن علي أنه نادى أن لا يحج بعد العام مشرك وكذلك في حديث أبي هريرة ، فثبت أن المراد دخول الحرم للحج وقد روى شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة لحاجة به إذ لم يفرق أحد بين العبد والحر ، وإنما خص العبد والأمة - والله أعلم - بالذكر لأنهما لا يدخلانه في ألاغلب الأعم للحج .

وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله في قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قال عطاء : المسجد الحرام الحرم كله ، قال ابن جريج : وقال لي عمرو بن دينار مثل ذلك ، قال أبو بكر : والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذا كانت حرمته متعلقة بالمسجد ، وقال الله تعالى : وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ والحرم كله مراد به ، وكذلك قوله تعالى : ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ قد أريد به الحرم كله لأنه في أي الحرم نحر البدن أجزأه ، فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الحرم كله للحج ، إذ كان أكثر أفعال المناسك متعلقا بالحرم كله
في حكم المسجد لما وضعنا نعبر عن الحرم بالمسجد وعن الحج بالحرم ، ويدل على أن المراد بالمسجد منها الحرم قوله تعالى : إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ومعلوم أن ذلك بالحديبية وهي على شفير الحرم ، وذكر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن بعضها من الحل وبعضها من الحرم ، فأطلق الله تعالى عليها أنها عند المسجد الحرام ، وإنما هي عند الحرم ، وإطلاقه تعالى اسم الجنس على المشركين يقتضي اجتنابهم وترك مخالطتهم إذا كانوا مأمورين باجتناب الأنجاس ، وقوله تعالى : بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا قال قتادة : ذكر أن المراد العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق فتلا علي سورة براءة وهو لتسع مضين من الهجرة وكان بعده حجة الوداع سنة عشر أحكام القرآن للجصاص ج4 ص278 ، 279 ، 281 المتوفى سنة 370 هـ . .

قوله تعالى : مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّه عمارة المسجد تكون بمعنيين أحدهما زيارته والسكون فيه ، والآخر ببنائه وتجديد ما استرم منه وذلك لأنه يقال : اعتمر إذا زار ، ومنه العمرة لأنها زيارة البيت وفلان من عمار المساجد إذا كان كثير المضي إليها والسكون فيها ، وفلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه له ، فاقتضت الآية منع الكفار من دخول المساجد ومن بنائها وتولي مصالحها والقيام بها لانتظام اللفظ للأمرين أحكام القرآن للجصاص ج4 ص278 ، المتوفى سنة 370هـ .

3 - ذكر عن الزهري أن أبا سفيان بن حرب كان يدخل المسجد في الهدنة وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام قال الله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الآية .

والمراد بالهدنة الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة يوم الحديبية ، وقد جاء أبو سفيان إلى المدينة لتجديد العهد بعدما نقضوا هم العهود وخشوا أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد لذلك ، فهذا دليل لنا على مالك رضي الله عنه فإنه يقول : لا يمكن المشرك من أن يدخل شيئا في المساجد ، والدليل على ذلك أن وفد ثقيف لما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يضرب لهم قبة في المسجد فقيل : هم أنجاس . قال : ليس على الأرض من نجاستهم شيء .

ثم أخذ الشافعي رضي الله عنه بحديث الزهري فقال : يمنعون من دخول المسجد الحرام خاصة للآية . فأما عندنا فلا يمنعون من ذلك كما لا يمنعون من سائر المساجد ويستوي في ذلك الحربي والذمي ، وتأويل الآية : الدخول على الوجه الذي كانوا اعتادوا في الجاهلية ما روي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة .

والمراد القرب من حيث التدبير والقيام بعمارة المسجد الحرام وبه نقول : إن ذلك ليس إليهم ولا يمكنون منه بحال شرح السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني ج14 - 135 .

4 - قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا

قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ابتداء وخبر ، واختلف العلماء في وصف المشرك بالنجس ، فقال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما : لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل . وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي نجسه . قال الحسن البصري من صافح مشركا فليتوضأ . والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ابن عبد الحكم فإنه قال : ليس بواجب لأن الإسلام يهدم

ما كان قبله بوجوب الغسل عليه ، قال أبو ثور وأحمد : وأسقطه الشافعي ، وقال : أحب إلي أن يغتسل ونحوه لابن القاسم ولمالك قول : إنه لا يعرف الغسل ، رواه عنه ابن وهب وابن أبي أوسي وحديث ثمامة وقيس بن عاصم يرد هذه الأقوال رواها أبو حاتم البستي في صحيح مسنده . وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم ، فبعث به إلى حائط أبي طلحة ، فأمره أن يغتسل فاغتسل وصلى ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حسن إسلام صاحبكم وأخرجه مسلم بمعناه ، أن ثمامة لما من عليه النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ، وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر فإن كان إسلامه قبيل احتلامه فغسله مستحب ، ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسل الجنابة ، هذا قول علمائنا وهو تحصيل المذهب ، وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد الإسلام بقلبه ، وهو قول ضعيف في النظر مخالف للأثر ، وذلك أن أحدا لا يكون بالنية مسلما دون القول ، هذا قول جماعة أهل السنن في الإيمان : إنه قول باللسان وتصديق بالقلب ويذكر بالعمل قال تعالى : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ .

قوله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَقْرَبُوا نهي ، ولذلك حذفت منه النون المسجد الحرام هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم وهو مذهب عطاء ، فإذن يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع ، فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول ولو دخل مشرك الحرم مستورا لنبش قبره وأخرجت عظامه فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز ، وأما جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها ، فقال مالك : يخرج من هذه المواضع كل من كان
على غير الإسلام ولا يمنعون من التردد بها مسافرين ، وكذلك قال الشافعي رحمه الله ، غير أنه استثنى من ذلك اليمن ، ويضرب لهم أجل ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم ، ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل . انتهى .

اختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال :

1 - فقال أهل المدينة : الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد ، وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ، ونزع في كتابه بهذه الآية ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها ، وفي صحيح مسلم وغيره : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر الحديث .

والكافر لا يخلو عن ذلك . وقال صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب والكافر جنب . وقوله تعالى :
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فسماه الله تعالى نجسا ، فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعدا عن طريق الحكم . وأي ذلك كان فمنعه من المسجد واجب لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد يقال : رجل نجس ، وامرأة نجس ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر ، فأما النجس بكسر النون وجزم الجيم ، فلا يقال إلا إذا قيل معه : رجس ، فإذا أفرد قيل : نجس بفتح النون وكسر الجيم ، ونجس بضم الجيم . وقال الشافعي رحمه الله : الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام ولا يمنعون من دخول غيره . فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد . قال ابن العربي : وهذا جمود منه على الظاهر

لأن قوله عز وجل : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ، فإن قيل : فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة في المسجد وهو مشرك قيل له : أجاب علماؤنا عن هذا الحديث وإن كان صحيحا بأجوبة :

أحدها : أنه كان متقدما على نزول الآية .

الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه .

الثالث : أن ذلك قضية عين فلا ينبغي أن تدفع بها الأدلة التي ذكرناها لكونها مقيدة حكم القاعدة الكلية وقد يمكن أن يقال : إنما ربطه في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين وإجماعهم عليها وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد فيستأنس بذلك ويسلم وكذلك كان .

ويمكن أن يقال : إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد ، والله أعلم . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره ، ولا يمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان وهذا قول يرده كل ما ذكرناه من الآية وغيرها .

قال الكيا الطبري : ويجوز للذمي دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة ، وقال الشافعي : تعتبر لحاجة . ومع الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام . وقال عطاء بن أبي رباح : الحرم كله قبلة ومسجد ، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم لقوله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وإنما رفع من البيت أم هانئ وقال قتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبدا كافرا لمسلم ، وروى إسماعيل بن إسحاق حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدثنا شريك ، عن أشعث

عن الحسن ، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقرب المسجد مشرك إلا أن يكون عبدا أو أمة فيدخله لحاجة وبهذا قال جابر بن عبد الله فإنه قال : العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام وهو مخصوص في العبد والأمة تفسير القرطبي المتوفى سنة 671هـ .

5 - قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا

أمر الله تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية وكان نزولها في سنة تسع ، ولقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بصحبة أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ وأمره أن ينادي في المشركين أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة ، وقد روي مرفوعا من وجه آخر فقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا شريك ، عن الأشعث - يعني ابن سوار - عن الحسن عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل مساجدنا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم تفرد به الإمام أحمد مرفوعا والموقوف أصح إسنادا ، وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي : كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين وأتبع نهيه قول الله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ

وقال عطاء : الحرم كله مسجد لقوله تعالى : فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ودلت هذه الأية الكريمة على نجاسة المشرك

كما ورد في الصحيح المؤمن لا ينجس وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم ، وقال أشعث عن الحسن : من صافحهم فليتوضأ . رواه ابن جرير تفسير ابن كثير ج2 ص346 ، المتوفى سنة 774 هـ . .

6 - قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى ج22 .

وأما إذا كان دخله ذمي لمصلحة فهذا فيه قولان للعلماء ، هما روايتان عن أحمد رحمه الله ، أحدهما : لا يجوز ، وهو مذهب مالك لأن ذلك هو الذي استقر عليه عمل الصحابة . والثاني : يجوز وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، وفي اشتراط إذن المسلم وجهان في مذهب أحمد وغيره الفتاوى لشيخ الإسلام ج22 ص194 .

7 - قدوم وفد نجران على الرسول صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق : وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران بالمدينة ، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : " لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد العصر ، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوهم فاستقبلوا الشرق فصلوا صلاتهم " زاد المعاد لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 752 هـ . .

قال ابن القيم في زاد المعاد : إنه يؤخذ من هذه القصة أمور منها :

(1) جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين زاد المعاد لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 752 هـ . .

8 - قال البرسوي في تفسيره المسمى بـ ( ( تفسير روح البيان ) ) .

قال الواحدي : دلت الآية على أن الكفار ممنوعون من عمارة مسجد

المسلمين . ويمنع من دخول المساجد فإن دخل بغير إذن مسلم استحق التعزير وإن دخل بإذنه لم يعزر ، والأولى تعظيم المساجد ومنعها منهم تفسير البرسوي المسمى تفسير روح البيان المتوفى سنة 1137هـ .

والآية هي قوله تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .

وقال البرسوي واعلم أن عمارة المساجد تعم أنواعا منها البناء وتجديد ما تهدم منها تفسير البرسوي المسمى تفسير روح البيان ج3 ص398 ، المتوفى سنة 1137هـ . .

9 - قال رضا في تفسير المنار : وقد اختلف الفقهاء في دخول غير المشركين من الكفار المسجد الحرام وغيره من المساجد وبلاد الإسلام وقد لخص أقوالهم البغوي في تفسير الآية ونقله عنه الخازن ببعض تصرف وبغير عزو ، فقال : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام :

أحدها : الحرم فلا يجوز لكافر أن يدخله بحال ذميا كان أو مستأمنا لظاهر هذه الآية ، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك ، فلو جاء رسول من دار الكفر والإمام في الحرم فلا يأذن له في دخول الحرم ، بل يخرج إليه بنفسه أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم ، وجوز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم .

الثاني : من بلاد الإسلام الحجاز وحده ما بين اليمامة واليمن ونجد والمدينة الشريفة قيل : نصفها تهامي ونصفها حجازي ، وقيل : كلها حجازي ، وقال الكلبي : حد الحجاز ما بين جبلي طيئ وطريق العراق ، سمي الحجاز لأنه حجز بين تهامة ونجد ، وقيل : لأنه حجز بين نجد والسراة وقيل : لأنه

حجز بين نجد وتهامة والشام . قال الحربي : وتبوك من الحجاز ، فيجوز للكافر دخول أرض الحجاز بالإذن ولكن لا يقيمون فيها أكثر من مقام المسافر وهو ثلاثة أيام . روى مسلم عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما زاد فيه رواية لغير مسلم وأوصى فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلم يتفرغ لذلك أبو بكر وأجلاهم عمر في خلافته وأجل لمن يقدم على تجارة ثلاثا .

عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب أخرجه مالك في الموطأ مرسلا . وروى مسلم ، عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم . قال سعيد بن عبد العزيز : جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر . وقال غيره : حد جزيرة العرب من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول ، ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا .

الثالث : سائر بلاد الإسلام فيجوز للكفار أن يقيم فيها بعهد أمان وذمة ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن المسلم .

وقد ذكرنا الأحاديث الصحيحة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين وأهل الكتاب من جزيرة العرب ، وأن لا يبقى فيها دينان مع بيان حكمة ذلك في خاتمة الكلام على معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود في السلم والحرب وإجلائهم من جواره في المدينة وإجلاء عمر ليهود خيبر وغيرهم ونصارى نجران عملا بوصيته في مرض موته صلى الله عليه وسلم تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ج10 ص275 ، 276 ، 277 .

10 - قال ابن حزم في المحلى :

ودخول المشركين في جميع المساجد جائز . حاشا حرم مكة كله ، المسجد وغيره فلا يحل البتة أن يدخله كافر .

وهو قول الشافعي وأبي سليمان .

وقال أبو حنيفة : لا بأس أن يدخله اليهودي والنصراني ومنع منه سائر الأديان .

وكره مالك دخول أحد من الكفار في شيء من المساجد .

قال الله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا الآية .

قال علي : فخص الله المسجد الحرام فلا يجوز تعديه إلى غيره بغير نص ، وقد كان المحرم قبل بنيان المسجد وقد زيد فيه .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .

فصح أن حرم مكة هو المسجد الحرام .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن أحمد ، ثنا الجريري ، ثنا البخاري ، ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا الليث ، ثنا سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة قال :بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي خير يا محمد ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت ؟ ذكر الحديث .

وأنه عليه السلام أمر بإطلاقه في اليوم الثالث فانطلق إلى نخل قريب

من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي . . . وذكر الحديث . فنص قول مالك .

وأما قول أبي حنيفة فإنه قال : إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وسائر الكفار ، فقال تعالى : سورة البينة الآية 1 لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ .

وقال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ .

قال : والمشرك هو من جعل لله شريكا ، لا من لم يجعل له شريكا . قال علي : لا صحة له غير ما ذكرنا .

فأما ما تعلق في الآيتين فلا صحة له فيهما لأن الله تعالى قال : فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ والرمان من الفاكهة .

وقال تعالى : مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ وهما من الملائكة .

وقال تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وهؤلاء من النبيين ابن حزم المحلى جـ 4 ص245 ، 246 ، 247 ، المتوفى سنة 456هـ . .

11 - قوله : إن المسلم لا ينجس تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر ، وحكاه في البحر عن الهادي والقاسم والناصر ومالك ، فقالوا : إن الكافر نجس عين ، وقووا ذلك بقوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ وأجاب عن ذلك الجمهور بأن المراد فيه أن المسلم طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار وحجتهم على صحة هذا التأويل أن الله أباح نساء أهل الكتاب ، ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلا يجب من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليهم من غسل المسلمة ، ومن جملة ما استدل به القائلون بنجاسة الكافر حديث إنزاله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف المسجد وتقريره لقول الصحابة : قوم أنجاس ، لما رأوه أنزلهم المسجد ، وقوله لأبي ثعلبة لما قال له : يار سول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ قال : إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وسيأتي في باب آنية الكفار .

وأجاب الجمهور عن حديث إنزال وفد ثقيف بأنه حجة عليهم لا لهم لأن قوله : ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء ، إنما أنجاس القوم على أنفسهم بعد قول الصحابة : قوم أنجاس صريح في نفي النجاسة الحسية التي هي محل نزاع ، ودليل على أن المراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار . وعن حديث أبي ثعلبة بأن الأمر بغسل الآنية ليس لكونها برطوباتهم بل لطبخهم الخنزير وشربهم الخمر فيما يدل على ذلك ما عند أحمد وأبي داود من حديث أبي ثعلبة أيضا بلفظ : إن أرضنا أرض أهل كتاب ، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم ؟ وسيأتي .

ومن أجوبة الجمهور عن الآية ومفهوم حديث الباب بأن ذلك تنفير عن الكفار وإهانة لهم ، وهذا وإن كان مجازا فقرينته ما ثبت في الصحيحين
من أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة ، وربط ثمامة بن أثال وهو مشرك بسارية من سواري المسجد وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية من خيبر وأكل من الجبن المجلوب من بلاد النصارى كما أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر وأكل من خبز الشعير والإهالة لما دعاه إلى ذلك يهودي ، وما سلف من مباشرة الكتابيات والإجماع على جواز مباشرة المسبية قبل إسلامها وتحليل طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية المائدة ، وهي آخر ما نزل وإطعامه صلى الله عليه وسلم وأصحابه للوفد من الكفار من دون غسل للآنية ولا أمر به ولم ينقل توقي رطوبات الكفار عن السلف الصالح ، ولو توقوها لشاع ، قال ابن عبد السلام : ليس من التقشف أن أشتري من سمن المسلم لا من سمن الكفار ، لأن الصحابة لم يلتفتوا إلى ذلك وقد زعم المقبلي في المنار أن الاستدلال في الآية المذكورة على نجاسة الكافر وهم ، لأنه حمل لكلام الله ورسوله على اصطلاح حادث ، وبين النجس في اللغة وبين النجس في عرف المتشرعة عموم وخصوص من وجه ، فالأعمال السيئة نجسة لغة لا عرفا ، والخمر نجس عرفا ، وهو أحد الأطيبين عند أهل اللغة ، والعذرة نجس في العرفين ، فلا دليل في الآنية انتهى . ولا يخفاك أن مجرد تخالف اللغة والاصطلاح في هذه الأفراد لا يستلزم عدم صحة الاستدلال بالآية على المطلوب والذي في كتب اللغة أن النجس ضد الطاهر . قال في القاموس : النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر انتهى نيل الأوطار للشوكاني ج1 ص25 ، 26 ، المتوفى سنة 1255هـ .

هذا ما تيسر إيراده من النقول . . . وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

منقول مجلة البحوث الإسلامية

ابواحمد السلفى
01-22-2009, 04:18 PM
جزاك الله خيرا على هذا النقل الطيب .

12d8c7a34f47c2e9d3==