المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبد الحميد الرفاعي الجهني يفضح مرجئة العصر ويؤيده أبو عاصم الغامدي


كيف حالك ؟

فواصل
11-21-2008, 11:52 PM
( نصيحة الإخوان فيما أثير حول مسائل الإيمان )
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله , نحمده , ونستعينه , ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فهذه رسالة مختصرة في تعريف الإيمان , وبيان الفرق بين قول السلف وقول المخالفين لهم في هذا الباب ؛ كالخوارج , والمعتزلة , والمرجئة , وبعض المعاصرين المخالفين للسلف في بعض مسائل الإيمان .
ولْيُعْلَم أن القصد من هذه الكتابة هو بيان قول سلفنا الصالح وتمييزه عن باقي الأقوال المخالفة , وهذا لا يتم إلا بذكر هذه الأقوال حتى يتصورها القارىء ويميِّز بينها وبين قول السلف , كما قيل :
وبضدها تتميَّز الأشياء .
ولولا هذا لم يكن بنا حاجة لذكر أقوال المخالفين من القدامى أو المعاصرين ، فليس المقصود إذن الرد على أحد بعينه , فما يعنيني الأشخاص بقدر ما تعنيني الأقوال والمعتقدات .
ومن ظن أن هذه الكتابة موجهة لشخص بعينه فقد ظن بكاتبها ظن السوء ؛ والله عزَّ وجلَّ يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } الحجرات ( 12 ) , وليس المقصود - أيضاً - إثارة الفتن والقلاقل والخوض بالباطل بين أهل السنة , فما كتبت هذا إلا نصيحةً لعامة المسلمين , وعملاً بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على مَنْ حَمَلَ أمانة العلم : { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } آل عمران (187) .
وقد رَغِبَ إلىَّ بعضُ الإخوة الأفاضل الكتابةََ في هذه المسألة , لكثرة ما أُثير حولها من ردود ومناقشات , التبس فيها الحق بالباطل ؛ فلم أر بداً من إجابة هذا الطلب الكريم .

فأقول مستعينا بالله عز وجل سائلا إياه التوفيق والسداد :


قول السلف

أجمع السلف على أن الإيمان قول وعمل , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
وقد تواترعن السلف قولهم ( الإيمان قول وعمل ) حتى أصبحتْ هذه الكلمةُ شعارا عند أهل السنة على السنة , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى 7/308)



شرح قول السلف : الإيمان قول وعمل
بيان ذلك أن القول : يشمل قول القلب وقول اللسان .
والعمل : يشمل عمل القلب وعمل الجوارح .
فهذه أربعة أركان يقوم عليها الإيمان , وشرح ذلك على النحو التالي :
قول القلب : تصديقه .
وقول اللسان: النطق بالشهادتين .
وعمل القلب : كالحب , والبغض , والخوف , والرجاء , والتوكل , والخشية , والإنابة , والإخلاص ... إلى غير ذلك من أعمالِ القلوب , التى هي بحرٌ لا ساحلَ له .
وعمل الجوارح : هي الأعمال الظاهرة ؛ كالصلاة , والزكاة , والحج , والصوم , والجهاد في سبيل الله ...
فالسلف الصالح يدخلون هذه كلها في الإيمان ، ويقولون إن الإيمان لا يصح إلا بقول وعمل ، وعلى هذا إجماعهم , كما حكاه الإمام الشافعي حيث قال رحمه الله : " وكان الإجماع من الصحابة ، والتابعين من بعدهم , ومن أدركناهم يقولون : الإيمان : قول وعمل ونية ؛ لا يجزىء واحد من الثلاثة إلا بالآخر" .
نقله عنه الإمام اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد ( 5/886 ) , وشيخ الإسلام ابن تيمية , كما في مجموع الفتاوى ( 7/209 ) وكلاهما عزاه إلى كتاب ( الأم ) للشافعي .
تنبيه : هذا النص عن الشافعي لا يوجد في نسخة ( الأم ) المطبوعة , ففرح بهذا بعض المعاصرين المخالفين لقول السلف , وجعلوا يشككون في نسبة هذا القول إلى الشافعي !
والجواب عن هذا أن يقال :
أولاً : هذا الإجماع حكاه غير الشافعي , وممن حكاه تلميذه المزني , كما في رسالته ( شرح السنة ) .
ثانياً : هل نسخة ( الأم ) التى ينقل عنها اللالكائي وابن تيمية هي النسخة المطبوعة نفسها ؟ فإن أثبتم أنها هي - ودون ذلك خرط القتاد - جاز لكم التشكيك في نسبة هذا القول إلى الشافعي . أمَّا وقد عُلِمَ أن الكتب القديمة تتعدد رواتها , وتختلف نسخها ؛ فيوجد في نسخة ما ليس في الاخرى , فليس يليق بعاقل منصف - حينئذٍ - أن يورد هذا التشكيك من أصله .
ثالثاً : اللالكائي وابن تيمية كلاهما إمام ثبت حجة , فما ينقلانه عن الأئمة المتقدمين صحيح , وليس لأحد أن يُشكك في نقل أمثالهما من أئمة الدين حتى يقيم الدليل على صحة كلامه , وإلا كان راجماً بالغيب , متخرصاً على أهل العلم .
رابعاً : ليس عند من شكك في كلام الشافعي دليل علمي مقنع سوى أن هذا النص لا يوجد في نسخة ( الأم ) المطبوعة , فهل هذا يصلح أن يكون دليلا للطعن في نقل إمامين كبيرين كاللالكائي وابن تيمية . وقد عزا الإمامان ؛ اللالكائي , وابن تيمية - رحمهما الله تعالى - كلام الشافعي إلى كتاب ( الأم ) في باب : النية في الصلاة . فعزواه إلى الباب فضلاً عن الكتاب . ثم يأتي من يشكك في عزوهما ونقلهما من الكتب !

وهذه نقول عن أئمة آخرين في بيان قول السلف , وأنهم موافقون للشافعي رحمه الله فيما قال .

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : الإيمان لا يكون إلا بعمل . رواه عنه الإمام الخلال في ( السنة 3/566 )

وسُئل الإمام سهل بن عبدالله التُّسْتَري ( ت283هـ ) عن الإيمان ما هو ؟ فقال : هو قول ونية وعمل وسنة ؛ لأن الإيمان إذا كان قولاً بلا عمل فهو كفر ، وإذا كان قولاً وعملاً بلا نية فهو نفاق ، وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة فهو بدعة . ( الإبانة للإمام ابن بطة 2/814 )
قلت : وليس تعريف سهل بن عبدالله التُّسْتَري - رحمه الله - للإيمان يخالف التعريف المتواتر عن السلف : أن الإيمان قول وعمل . بل هو شرح له . يبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول :
قَوْلُ السَّلَفِ ( يعني أن الإيمان قول وعمل ) : يَتَضَمَّنُ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ ؛ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ لا يَفْهَمُ دُخُولَ النِّيَّةِ فِي ذَلِكَ ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَنِيَّةٌ . ثُمَّ بَيَّنَ آخَرُونَ : أَنَّ مُطْلَقَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ لا يَكُونُ مَقْبُولاً إلا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ . وَهَذَا حَقٌّ أَيْضًا فَإِنَّ أُولَئِكَ قَالُوا : قَوْلٌ وَعَمَلٌ لِيُبَيِّنُوا اشْتِمَالَهُ عَلَى الْجِنْسِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ ذِكْرَ صِفَاتِ الأقْوَالِ وَالأعْمَالِ ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ؛ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ . جَعَلَ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ اسْمًا لِمَا يَظْهَرُ ؛ فَاحْتَاجَ أَنْ يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ الْقَلْبِ وَلابُدَّ أَنْ يُدْخِلَ فِي قَوْلِهِ : اعْتِقَادَ الْقَلْبِ أَعْمَالَ الْقَلْبِ الْمُقَارِنَةِ لِتَصْدِيقِهِ مِثْلُ حَبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ ؛ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّ دُخُولَ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فِي الإيمَانِ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ باتفاق الطَّوَائِفِ كُلِّهَا . انتهى ( مجموع الفتاوى 7/506 )

وقال الإمام الآجُرِّي - رحمه الله - في " الشريعة 1/274 ":
باب : القول بأن الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا ، إلا أن تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث .
ثم قال رحمه الله : اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق ، وهو تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالجوارح .
ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ، ولا تجزيء معرفة بالقلب ، ونطق باللسان ، حتى يكون عمل بالجوارح ، فإذا كملت فيه هذه الثلاث الخصال : كان مؤمنا دل على ذلك القرآن ، والسنة ، وقول علماء المسلمين .
( وقال أيضاً 1/275) :
الأعمال - رحمكم الله - بالجوارح : تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان ، فمن لم يصدق الإيمان بعمله وبجوارحه : مثل الطهارة ، والصلاة والزكاة ، والصيام والحج والجهاد ، وأشباه لهذه ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا ، ولم ينفعه المعرفة والقول ، وكان تركه للعمل تكذيبا منه لإيمانه ، وكان العمل بما ذكرناه تصديقا منه لإيمانه ، وبالله التوفيق . ا.هـ
( وقال رحمه الله 1/311 ) :
بل نقول والحمد لله قولا يوافق الكتاب والسنة ، وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم ، وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزئ بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك . ا.هـ
وقال الإمام أبو عبدالله بن بطة - رحمه الله - بعد أن ذكر الآيات الدالة على أن العمل من الإيمان - : فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل , وأن من صدَّق بالقول وترك العمل كان مكذِّباً وخارجاً من الإيمان وأن الله لا يقبل قولاً إلا بعمل ولا عملاً إلا بقول . ا.هـ ( الإبانة 2/795 )
وقال الإمام الزاهد القدوة شيخ قرطبة أبو عبدالله بن أبي زَمَنِين رحمه الله تعالى ( ت 399 هـ ) : والإيمان بالله هو باللسان والقلب , وتصديق ذلك العمل ؛ فالقول والعمل قرينان , لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه . ا.هـ ( أصول السنة ص207 مكتبة الغرباء الأثرية )

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
حقيقة الدين هو الطاعة و الإنقياد , و ذلك إنما يتم بالفعل لا بالقول فقط ؛ فمن لم يفعل لله شيئا فما دان لله دينا , و من لا دين له فهو كافر . ا.هـ ( شرح العمدة - كتاب الصلاة ص86 )
وقال أيضاً - رحمه الله - : وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدِّينَ لابُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ , وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ وَاجِبًا ظَاهِرًا وَلا صَلاةً وَلا زَكَاةً وَلا صِيَامًا وَلا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ , لا لأجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَهَا , مِثْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الأمَانَةَ أَوْ يُصَدِّقَ الْحَدِيثَ أَوْ يَعْدِلَ فِي قَسَمِهِ وَحُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ إيمَانٍ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ ؛ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يَرَوْنَ وُجُوبَ هَذِهِ الأمُورِ فَلا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِإِيجَابِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَمَنْ قَالَ : بِحُصُولِ الإيمَانِ الْوَاجِبِ بِدُونِ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ - سَوَاءٌ جَعَلَ فِعْلَ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ لازِمًا لَهُ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ فَهَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ - كَانَ مُخْطِئًا خَطَأً بَيِّنًا , وَهَذِهِ بِدْعَةُ الإرْجَاءِ الَّتِي أَعْظَمَ السَّلَفُ وَالأئِمَّةُ الْكَلامَ فِي أَهْلِهَا وَقَالُوا فِيهَا مِنْ الْمَقَالاتِ الْغَلِيظَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ , وَالصَّلاةُ هِيَ أَعْظَمُهَا وَأَعَمُّهَا وَأَوَّلُهَا وَأَجَلُّهَا . انتهى ( مجموع الفتاوى 7/621 )
وقال الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :
لا خلاف بين الأمة أن التوحيد : لا بد أن يكون بالقلب الذي هو العلم , واللسان الذي هو القول , والعمل الذي هو تنفيذ الأوامر والنواهي ؛ فإن أخلَّ بشيء من هذا, لم يكن الرجل مسلماً ؛ فإن أقرَّ بالتوحيد , ولم يعمل به فهو : كافر, معاند, كفرعون وإبليس ؛ وإن عَمِلَ بالتوحيد ظاهراً , وهو لا يعتقده باطناً , فهو : منافق خالصاً , أشر من الكافر . ا.هـ ( الدرر السَّنية 2/124 _125)
وقال أيضاً - رحمه الله - : اعلمْ رحِمَك الله : أنَّ دين الله يكون على القلب بالاعتقاد، وبالحبِّ والبُغض، ويكون على اللِّسان بالنُّطق وترك النُّطق بالكفر، ويكون على الجوارح بفعل أركان الإسلام، وترك الأفعال التي تكفِّر، فإذا اختلَّت واحدة من هذه الثلاث، كفر وارتدَّ. ا.هـ ( الدرر السَّنية 10/87 )
وقال سماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى - : الإيمان عندهم ( أي : السلف ) قول وعمل واعتقاد , لا يصح إلا بها مجتمعة . انتهى ( أقوال ذوي العرفان ص147 - تأليف عصام السناني - مراجعة الشيخ العلاَّمة صالح الفوزان )

قلت : فهذه أقوال أئمة الدين , المحتج بكلامهم في هذا الباب , وثمة أقوال أخرى , أضعاف ما ذكرته لأئمة آخرين , تركتها خشية الطول , وفيما ذكرته مقنع لطالب الحق , وكفاية للمسترشد ؛ أما المتعصب فلو أقمت له ألف دليل فلن يقبل إلا ما وافق هواه , فنعوذ بالله من الخذلان .


قول الخوارج والمعتزلة
ذهبت الخوارج والمعتزلة إلى أن الإيمان قول وعمل , بيد أنهم يجعلون كلَّ فرد من أفراد العمل الواجب ركناً في الإيمان , فإذا ذهب بعض الإيمان - قولاً كان أو عملاً - ذهب الإيمان كله ؛ فليس الإيمان يزيد وينقص عندهم - كما يقوله السلف - بل نُقْصانه عندهم بطلانه , وبنوا عليه تكفير صاحب الكبيرة ( كما تقوله الخوارج في المشهور من مذهبهم ) أو إخراجه من دائرة الإيمان إلى منزلة بين الإيمان والكفر ( كما تقوله المعتزلة في المشهور من مذهبهم ) , ثم اتفقوا ( أي : الخوارج والمعتزلة ) على خلوده في النار يوم القيامة !
أما السلف فلم يجعلوا كل فرد من الأعمال الصالحة ركناً في الإيمان , فليس صاحب الكبيرة كافراً عندهم , بل هو مؤمن ناقص الإيمان , وهو يوم القيامة تحت المشيئة ؛ إن شاء الله عذَّبه بذنوبه , وإن شاء عفا عنه , ثم إن دخل النار فليس يخلد فيها خلود الكافرين , بل يخرج منها يوماً من الدهر ؛ إذ لا يخلد في النار موحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وَهَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ لَهُمْ أَسْمَاءٌ يُقَالُ لَهُمْ : " الحرورية " لأنَّهُمْ خَرَجُوا بِمَكَانِ يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ وَيُقَالُ لَهُمْ أَهْلُ النهروان : لأنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُمْ هُنَاكَ وَمِنْ أَصْنَافِهِمْ " الإباضية " أَتْبَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبَاضٍ و " الأزارقة " أَتْبَاعُ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ و " النَّجَدَاتُ " أَصْحَابُ نَجْدَةَ الحروري . وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ كَفَّرَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِالذُّنُوبِ بَلْ بِمَا يَرَوْنَهُ هُمْ مِنْ الذُّنُوبِ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَلِكَ فَكَانُوا كَمَا نَعَتَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ " وَكَفَّرُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ بْنَ عفان وَمَنْ وَالاهُمَا وَقَتَلُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَحِلِّينَ لِقَتْلِهِ , قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ المرادي مِنْهُمْ , وَكَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخَوَارِجِ مُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانُوا جُهَّالاً فَارَقُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ ؛ فَقَالَ هَؤُلاءِ : مَا النَّاسُ إلَّا مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ ؛ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ فَعَلَ جَمِيعَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ جَمِيعَ الْمُحَرَّمَاتِ ؛ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ ؛ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ . ثُمَّ جَعَلُوا كُلَّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ كَذَلِكَ فَقَالُوا : إنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَنَحْوَهُمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَظَلَمُوا فَصَارُوا كُفَّارًا . وَمَذْهَبُ هَؤُلاءِ بَاطِلٌ بِدَلائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
( قال رحمه الله ) :
فَجَاءَتْ بَعْدَهُمْ " الْمُعْتَزِلَةُ " - الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُمْ : عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَالُ وَأَتْبَاعُهُمَا - فَقَالُوا : أَهْلُ الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَتْ الْخَوَارِجُ وَلا نُسَمِّيهِمْ لا مُؤْمِنِينَ وَلا كُفَّارًا ؛ بَلْ فُسَّاقٌ نُنْزِلُهُمْ مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ . وَأَنْكَرُوا شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا . قَالُوا : مَا النَّاسُ إلا رَجُلانِ : سَعِيدٌ لا يُعَذَّبُ أَوْ شَقِيٌّ لا يُنَعَّمُ ، وَالشَّقِيُّ نَوْعَانِ : كَافِرٌ وَفَاسِقٌ وَلَمْ يُوَافِقُوا الْخَوَارِجَ عَلَى تَسْمِيَتِهِمْ كُفَّارًا . وَهَؤُلاءِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا رَدُّوا بِهِ عَلَى الْخَوَارِجِ . انتهى ( مجموع الفتاوى 7/481_484 )
وقال الإمام ابن عبدالبر - رحمه الله - :
وأما المعتزلة فالإيمان عندهم : جماع الطاعات , ومن قصر منها عن شيء فهو فاسق ؛ لا مؤمن ولا كافر . وسواهم المتحققون بالاعتزال أصحاب المنزلة بين المنزلتين . ومنهم من قال في ذلك بقول الخوارج : المذنب كافر غير مؤمن . إلا أن الصفرية تجعله كالمشرك وتجعل دار المذنب المخالف لهم دار حرب . وأما الإباضية فتجعله كافر نعمة ولكنهم يخلدونه في النار إن لم يتب من الكبيرة ولا يستحلون ماله كما يستحله الصفرية . ولهم ظواهر آيات يبرهنون بها قد فسرتها السنة وقد مضى على ما فسرت السنة في ذلك علماء الأمة. ا.هـ ( التمهيد 9/251 )
وقال الشيخ العلامة حافظ حكمي - رحمه الله - في الفرق بين قول السلف وبين قول المعتزلة : والفرق بين هذا ( قول المعتزلة ) وبين قول السلف الصالح : أن السلف الصالح لم يجعلوا كلَّ الأعمال شرطاً في الصحة , بل جعلو كثيراً منها شرطاً في الكمال , كما قال عمر بن عبدالعزيز فيها : من استكملها استكمل الإيمان , ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان , والمعتزلة جعلوها كلها شرطاً في الصحة . انتهى ( معارج القبول 2/602 دار ابن القيم )


وقد آثرت أن أبين قول الخوارج في الإيمان لأني رأيت بعض الناس يخلط بينه وبين قول السلف ! فيجعل قول السلف في الإيمان قولاً للخوارج الوعيدية , ويجعل قول المرجئة قولاً للسلف !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لايُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَقْوَالِ الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة ؛ لاخْتِلَاطِ هَذَا بِهَذَا فِي كَلامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ هُوَ فِي بَاطِنِهِ يَرَى رَأْيَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُرْجِئَةِ فِي الإيمَانِ وَهُوَ مُعَظِّمٌ لِلسَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ كَلامِ أَمْثَالِهِ وَكَلامِ السَّلَفِ . ا.هـ ( مجموع الفتاوى 7/364 )


قول المرجئة
المرجئة فرق كثيرة ولهم أقوال عديدة في تعريف الإيمان أشهرها ثلاثة أقوال :
حصرها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في قوله : والمرجئة ثلاثة أصناف :
الذين يقولون : الإيمان مجرد ما في القلب 0 ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتابه 0 وذكر فرقا كثيرة يطول ذكرهم ، لكن ذكرنا جمل أقوالهم ، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن تبعه كالصالحي وهذا الذي نصره هو وأكثر أصحابه0
والقول الثاني : من يقول : هو مجرد قول اللسان , وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية 0
والثالث : تصديق القلب وقول اللسان , وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم 0 اهـ
(مجموعة الفتاوى7\195)


إذن اتفقت المرجئة على اختلاف طوائفها على أن العمل الظاهر لا يدخل في مسمى الإيمان 0
وعليه فان إيمان الشخص يكون كاملا بدون عمل ! وأن الناس في الإيمان سواء , وأن إيمان أفسق الناس كإيمان أبى بكر وعمر ! بل كإيمان جبريل وميكائيل ! إذ الإيمان لا يزيد ولا ينقص , وانَّ من قال : أنا مؤمن إن شاء الله كفر لأنه شك في إيمانه , ومن شك في إيمانه فقد كفر 0 وثمة فروع كثيرة بنوها علي قولهم في (الإيمان ) ، من أبرزها أنهم لم يكفروا تارك العمل بالكلية خلافا لإجماع السلف ، وعليه فإن الخلاف بينهم وبين السلف ليس لفظيا كما يقوله بعض الناس بل هو خلاف حقيقي ، وقد غلط من نسب إلي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يقول : إن الخلاف بين السلف ومرجئة الفقهاء خلاف لفظي ، هكذا بإطلاق ، بل المعروف عنه رحمه الله أنه يقيد الخلاف بأكثره أو معظمه ونحو هذه العبارات التي يفهم منها أن الخلاف حقيقي في بعض جوانبه ، فلينتبه لهذه المسألة فقد تعجَّل فيها أقوام , فغلِطوا على شيخ الإسلام رحمه الله .


مرجئة الفقهاء :
المراد بمرجئة الفقهاء عند أئمة السنة هم أبو حنيفة وأصحابه , وقولهم في الإيمان معروف , حيث يقولون : إنه عقد بالجنان ونطق باللسان . فمن عقد بقلبه ونطق بلسانه فقد دخل في الإيمان بل هو كامل الإيمان 0 كما تقدم0
وهناك فقهاء آخرون منتسبون إلى غير أبي حنيفة وقعوا في الإرجاء ككثير من الشافعية والمالكية بسبب اعتناقهم للعقيدة الأشعرية , والأشاعرة مرجئة , بل هم من غلاة المرجئة لكونهم يجعلون الإيمان هو التصديق , فوافقوا الجهم بن صفوان في قوله , وعليه فان مرجئة الفقهاء من الحنفية خير من مرجئة الفقهاء من الشافعية والمالكية ممن ينتسب إلي العقيدة الكُلاَّبية الأشعرية 0
وبعض فقهاء الحنابلة المتأخرين تأثروا بالعقيدة الأشعرية فقالوا بقول الأشاعرة في الإيمان وغيره , والله المستعان 0



قول بعض المعاصرين ممن غلط في مسألة الإيمان
ذهب بعض المعاصرين إلى قول ملفق من قول السلف وقول المرجئة فقالوا :
الإيمان قول وعمل , فوافقوا السلف في هذا القول0
ثم إنهم صححوا الإيمان بدون عمل ! فخالفوا السلف في هذا , وقد تقدم إجماع السلف على أن الإيمان لا يصح بدون عمل0
أما موافقة هؤلاء المعاصرين للمرجئة الأولين فهو في اتفاقهم أن الإيمان يصح بدون عمل , فيصبح الخلاف بينهم وبين المرجئة خلافاً لفظيا , إذ الجميع متفق على صحة الإيمان بدون عمل , بيد أن المرجئة تجعله إيمانا مطلقا ( كاملا ) وهؤلاء المعاصرون يقولون : مطلق إيمان .
وسواء كان إيمانا مطلقا على قول المرجئة القدامى أو مطلق إيمان على قول هؤلاء المعاصرين فهو - عند الطائفتين - صحيح ومقبول عند الله وينجِّى من الخلود في النار0
أما السلف الصالح فهم على خلاف قول هاتين الطائفتين فلا نجاة عندهم يوم القيامة إلا بالعمل0
وعليه : فإن قول هؤلاء المعاصرين إن الإيمان قول وعمل هو موافقة لفظية للسلف وليست حقيقية لأنهم يصححون الإيمان بدون عمل , والسلف لايصححونه , كما تقدم نقل إجماعهم على هذا . فمخالفة هؤلاء المعاصرين للسلف في باب الإيمان هي مخالفة حقيقية .


ونخلص من هذا إلى أن الأقوال أربعة :
1- قول السلف : إن الإيمان قول وعمل , ولا يصح الإيمان إلا بهما.
2- قول الخوارج والمعتزلة : إن الإيمان قول وعمل , ولا يصح الإيمان إلا بكل فرد من أفراد العمل .
3- قول المرجئة : إن الإيمان قول ، ويصح الإيمان به وحده بل يكمل به .
4- قول بعض المعاصرين : إن الإيمان قول وعمل , ويصح الإيمان بالقول وحده ولا يكمل به .
وبهذا يتبين موافقة أصحاب القول الرابع (من أهل عصرنا ) لقول المرجئة , وأنَّ مَن رَدَّ عليهم وحذَّر من أقوالهم لم يكن يتكلم جِزافاً أو من غير عِرْفة0
وهؤلاء المعاصرون , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مرجئة الفقهاء : لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم . ( مجموع الفتاوى 7/194)


هذا ؛ ومن أعظم هذه الحجج الشرعية - التي هي في حقيقتها شبهٌ - : حديث الشفاعة الذي ورد فيه أنه يخرج من النار أقوام لم يعملوا خيرا قط0
فاحتج هؤلاء المعاصرون بهذه الكلمة وبنوا عليها أن الإيمان يصح بدون عمل وأن العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان


وهذا الحديث لو لم يتكلم عنه أئمة السنة لوجب رده إلى النصوص المحكمة التي تبين أنه لا نجاة إلا بعمل ، بل يجب فهمه على ضوء الإجماع السلفي في أن الإيمان لا يصح من غيرعمل 0
فكيف وقد تكلم عنه الأئمة ووجهوه التوجيه الصحيح الذي يقطع علائق الإرجاء 0
ومن هؤلاء الأئمة الذين أجابوا عن هذا الحديث الإمام ابن خزيمة إمام السنة والحديث في عصره حيث قال رحمه الله: وهذه اللفظة ( لم يعملوا خيرا قط ) من الجنس الذي يقول العرب ، ينفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام ، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل ، لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعني في مواضع من كتبي 0 اهـ كلامه رحمه الله ( التوحيد 2/732 ) وكأنه أراد رحمه الله أن يرد على المرجئة في عصره فهم الذين يحتجون بمثل هذه العمومات , يدل عليه تبويبه , حيث قال :
باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكرى لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي في إخراج أهل التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص .

قلت : فهذه النصوص الشرعية التي يتعلق بعمومها المخالفون لعقيدة السلف لم تَََخْفَ على الأئمة بفضل الله وقد أجابوا عنها , فالعجبُ من بعض المعاصرين حين احتجوا بها على صحة الإيمان من غير عمل , وقد أجاب عنها العلماء - قديماً -وبينوا مآخذها وأنه لا حجة فيها لمن خالف قول السلف . والعجب من بعضهم حيث يذكر الفهم الذي ذكره ابن خزيمة ثم يأتي بفهم المرجئة للحديث ويجعل ذلك قولين متقابلين لأهل العلم - زعم - فهل يستوي تخريج وفهم أئمة السنة مع آراء المبتدعة ؟

ومن الشبه كذلك التي يثيرها هؤلاء المعاصرون في تأييد قولهم : الخلافُ القديمُ بين العلماء في حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلا .


فيقول هؤلاء إنه على قول من يقول إن تارك الصلاة لا يكفر؛ تكون الأعمال كلها شرط كمال , وأن الإيمان يصح بدون عمل .
ولكن قد خفي على هؤلاء أن أئمة السنة وإن اختلفوا في حكم تارك الصلاة فهم لم يختلفوا في حكم تارك العمل , بل أجمعوا على أن الإيمان لا يصح من غير عمل كما تقدم نقله عنهم , فثمة فرق ظاهر بين المسألتين , فالحكم في تارك الصلاة مسألة من مسائل الفقه اختلف فيها العلماء , وليس الخلاف فيها بين أهل السنة وبين المرجئة , ولقد غَلِطَ - أو غالط - مَن جعل الخلاف فيها كذلك , أما ترك العمل وفرائض الدين بالكلية ؛ فليس فيها خلاف إلا من جهة المرجئة , كما قال الإمام إسحاق بن راهويه - رحمه الله - :
غلت المرجئة حتى صار من قولهم , أن قوما يقولون : من ترك الصلواتِ المكتوباتِ , وصومَ رمضان , والزكاةَ , والحجَ , وعامةَ الفرائض من غير جحود لها : إنَّا لا نكفرُهُ ، يُرجأُ أمرُهُ إلى الله بَعْدُ ؛ إذ هو مقرٌّ ، فهؤلاء الذين لا شك فيهم .
يعني في أنهم مرجئة . ( فتح الباري لابن رجب الحنبلي 1/21 دار ابن الجوزي )
وبهذا يتبين غلط من سحب الخلاف الفقهي في حكم تارك الصلاة ؛ ليشغب به على عقيدة سلفية مجمع عليها ؛ وهي إجماع أهل السنة على أن الإيمان لا يصح بدون عمل .
ثم أليس هذا المسلك في التشغيب يشبه مسلكَ بعضِ أهلِ البدعِ في التشغيب على بعض العقائد السلفية ؟
وقد تقرر أن هذه الاستدلالات الظريفة مذمومة عند السلف إن كان يراد بها التشغيب على قول أهل الحق , ونصرة أقوال المخالفين لهم0
ومن ذلك أن شبابة بن سوار المدائني وكان من المرجئة القائلين بأن الإيمان قول0 قيل له : أليس الإيمان قولا وعملا ؟ قال : إذا قال فقد عَمِلَ (!)
فتأمل في هذا الاستدلال الظريف في رد قول السلف0
ولهذا كان أحمد بن حنبل يحمل على شبابة ولا يحدث عنه مع أنه من شيوخه ويقول تركته للإرجاء0( سير أعلام النبلاء 9/513 )

فهذا ما أردت بيانه لإخواني , وإلا فإن هذه المسائل يطول تقريرها , وعلى طالب الهدى إن أراد تحقيق الحق في هذا الباب وغيره أن يلقي عنه - أولاً - رداء التعصب للإشخاص ؛ فهذا دين لا مجال فيه للتعصب والحمية الجاهلية , ثم عليه أن يرجع إلى ما كتب العلماء الراسخون كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ومن المعاصرين ممن كتب في مسائل الإيمان فأجاد وأفاد ونصر قول السلف ؛ كفضيلة الشيخ صالح الفوزان , وفضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي وغيرهما ممن قال بقول السلف في هذا الباب .

وأنبه إخواني إلى وجوب تحرى العدل والإنصاف وإنزال الناس منازلهم , وان يكون القصد معرفة الحق , ومعرفة ما خالفه من الأقوال للحذر منها والبعد عنها , وليس القصد أن نُشَنِّعَ على فلان ! أو نتتبعَ زلات فلان ! فإني لا أستبعد أن تكون مسألة الإيمان هذه قد أقحمت في الساحة لتصفية حسابات بين طرف وآخر, ولهذا تجد أن المفاسد والأضرار المترتبة على خصومات بعض هؤلاء أكثر بكثير من المصالح , ما يبين لكل عاقل لبيب أن أكثر هذه المطاحنات لا يراد بها وجه الله , وإنما هو الانتقام والتشفي من الخصوم باسم الدين والشرع ، والله المستعان على ما آلتْ إليه الأحوالُ والأمورُ !
كما أن كثرة التشنيع - وربما التضليل والتبديع ! - الذي يمارسه بعضُ هؤلاء على من يخالفهم الرأي , لا ينبغي أن يحمل الإنسان على كتم الحق , ومداهنة الخلق ؛ فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( لا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ فِي حَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ )
أخرجه الإمام أحمد ( 17/61 الرسالة ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه , قال أبو سعيد رضي الله عنه : وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ .
قال العلامة السندي : أي هذا الحديث ؛ لصعوبة العمل به على وجهه .

اللهم رحماك يارب وهداك ، جَنِّبْنا هذه الفتن واصرف عنا أوضارها , وارزقنا العفو والعافية في الدنيا والآخرة . والحمد لله رب العالمين .



وكتبه / عبد الحميد بن خليوي الجهني
صباح الأحد 25رمضان 1428 هـ
ينبع - المملكة العربية السعودية - أدام الله عزَّها بالإسلام .


_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_

استأذنت الشيخ أبا عاصم عبد الله الغامدي في نشر تعليقه على مقال الشيخ عبد الحميد بعد أن عرضه عليه أخونا أبو عبد الله الزاكوري فأذن بهذا جزاه الله خيرا و قد كان هذا تعليقه :



بارك الله في الكاتب والناقل وجزاكما الله خيرا


قد أفاد الشيخ عبد الحميد ولخص المسألة أحسن تلخيص وجاء فيها بأقوال السلف


وبين إجماعهم الصحيح في أن الإيمان لايصح إلا بثلاثة أمور لابد منها وهي :


القول والإعتقاد والعمل ودلل على هذا من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه


وعلى آله وسلم وأقوال السلف ثم عرض لشبهات المرجئة القديمة والمعاصرة وفند


أقوالهم وشبههم ثم تكلم عن مرجئة جديدة خرجت في عصرنا تزعم أن قولها هو قول


أهل السنة فكر الشيخ على قولهم وأوضح أن قولهم إنما هو تلفيق بين حق وباطل


أرادت نصرة السنة فنصرت البدعة عياذا بالله فجزى الله خيرا الشيخ عبد الحميد عما


أفاد به في هذا الرسالة وبارك في جهوده لنصرة السنة والحمد لله رب العالمين .

نقلت فضيحة المرجئة العصرية وشهد شاهد من أهلها

ابومحمد الجزائري
12-07-2008, 12:30 AM
واخيرا شهد شاهد من اهلها

12d8c7a34f47c2e9d3==