أبوعلي الشمالي
09-23-2008, 01:53 AM
خطبة الجمعة من الجامع الكبير ، بعنوان : دروس توجيهية للصائمين
للشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيأيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: كلما تمكن الإيمان من قلب العبد، وكلما يعظم اليقين في قلبه، ازداد حباً لهذه الشريعة، ورغبة فيها، ومحبةً عظيمةً لها، فتراه دائماً يشكر الله على هذه النعمة أن هداه للإسلام، ويحمده على هذه الفوائد العظيمة، يحمده أن هداه لأركان الإسلام، فجعله يقبل الإسلام كله، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، فدائماً يقول: اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، حيث أنزلت علينا أفضل كتبك، وأرسلت إلينا خير رسلك، وهديتنا لمعالم دينك، الذي ارتضيته لنفسك، وبنيته على أركانه الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، نعم، إنها نِعَمٌ عظيمة من ربنا علينا، وآلاء جسيمة، يحتاج منا دائماً إلى أن نشكر الله في قلوبنا، ونشكره بألسنتنا، ونشكره بأعمالنا، ونثني عليه الخير كله، أوجدنا من العدم، ورَبَّانا بالنعم، وشرح صدورنا لهذا الدين، واشترط علينا الفرائض، وأوجب الواجبات، وحرم المحرمات، فلله الفضل والحمد أولاً وآخراً.
أخي المسلم: أركان دينك العظيمة رُتب عليها ثواب عظيم، وعطاءٌ جزيل، مما يُقوِّي رغبتك في الخير، ويجعلك تؤدي العمل عن طمأنينةٍ ويقين، فأساس الملة والدين، تحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، فمن حققهما علماً وعملاً وانقيادا وتصديقا، نال الثواب العظيم، في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حقٌ والنار حقٌ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي حديث عتبان (فإن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، فلا إله إلا الله كلمة الإسلام لا يسبقها عمل، ولا تبقي .....، ومن كان آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، ختم الله لنا ولكم بها قولاً وعملاً، فالضبط إلى هذه الصلوات الخمس، وما رتب عليها من الثواب العظيم، معَ منافعها العظيمة، فهي الصلة بينك وبين ربك، وهي الناهية لك عن الفحشاء والمنكر، وهي سبب لانشراح صدرك وقرة عينك وراحة بالك، يأتي ثوابها، ( أرأيتم لو كان بباب أحدكم نهراً جاريا، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال فكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا والسيئات)، وانظر إلى الزكاة وآثارها: (خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم وتزكهم بها )، وانظر إلى الحج: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وفي الحديث: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ثم نأتي لدور الصيام، وما رتب عليه من الثواب العظيم، فأصل أولئك كأنه سبب للتقوى وتحقق تقوى العبد لربه في كل أحواله، لكن هذا جاءت الثواب العظيم، والعطاء الجزيل، ليجعل المسلم يصوم هذا الشهر لا تقليداً لغيره، ولا عادةً من العادات، ولا أنه وجد أهله يصومون، ولكن يؤمن بأن صومه عبادة لله، يرجو به ثواب الله، ويطمع في عطاء الله الجزيل وخيره الكثير، فاسمع أخي الصائم، ثواب صيامك من كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، اسمعه يقول لك ثواب صيامك وعظيم أجرك، ومالك عند الله من الثواب العظيم، لتكون دائماً تقول: الحمد لله الذي فرض علي رمضان، الحمد لله الذي أوجب على الصيام، الحمد لله الذي جعلني أصوم وأؤدي هذا الركن، فاحمدوا الله بأنك توطن بهذا الثواب العظيم، في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل عمل ابن آدم له، كل عمل ابن آدم له مضاعف، كل عمل ابن آدم له مضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه لأجل للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة يوم لقاء ربه، والصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يسخب، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني امرؤٌ صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
أخي المسلم: حديث صحيح تكلم به محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، ونقله لنا أبو هريرة، ونقله عنه سلسلة من رجال الثبت والعدالة، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، فلنقف مع هذا الحديث، وقفات وتأملات، لننظر فضل الله، ولنقوي العبادة في قلوبنا، ولنزدد تعظيماً لربناً، وحباً لديننا، ورغبتا في شريعتنا، وطبعاً أن نلق ونحن متمسكون بها، ثابتون عليها، لننال العطاء الجزيل والفضل العظيم، إنه وعد حق، وإنه لخبر صدق، لاشك ولا ضير فيه، خبر الصادق المصدوق، محمد -صلى الله عيه وسلم-، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، يقول -صلى الله عليه وسلم- عن ربه جل وعلا: (كل عمل ابن آدم له)، نقف قليلاً مع قوله كل عمل ابن آدم، لنعلم حقا، أن إيماننا أقوالٌ وأعمالٌ واعتقاد، لأن إيماننا وأعمالنا لا انفصال بينها، ولا انفصال بعض عن بعض، فليس الإيمان كمالاً، ليست الأعمال منك قطع للكمال أو الصحة، ولكن العمل والإيمان شيء واحد لا لانفكاك لأحدهما، فالأعمال الصالحة تترجم عن حقيقة الإيمان الصادق، فمن ادعى الإيمان وهو لا يصلي، ولا يزكي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يلتزم واجباً، ولا يكرث عن محرم، فأين الإيمان وأين حقيقة الإيمان، قال الله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، إن العمل والإيمان شيء واحد، وما ذكر الله الإيمان إلا مقروناً بالعمل، وما يأتي الإيمان منقطعاً أبدا، فمدعي أن الإيمان كمال أو صحة أو نحو ذلك، كل هذا قصور عن حقيقة الشرع، فالإيمان والعمل أمر مرتبط بعضه ببعض، كل عمل ابن آدم له، إنه له بفضل الله، وتوفيق الله له، الحسنة بعشر أمثالها، يعني أيها المسلم، يعنيك حسنة من حسنات، فإن الله يعطيك بهذه الحسنات عشر أمثالها، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ولكن من فضل الله قد يتضاعف ذلك الثواب، فيزيد على ثواب، بل قد يبلغ العمل الحسن وحده قد تصل إلى سبعمائة حسنة، فيتواعد الثواب بذلك وأكثر، كما قال الله: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ولكن الله جل وعلا قال إلا الصيام، إلا الصيام، فالصيام ليست حسنة بسبعمائة بل أضعاف أضعافٍ كثيرة، لا يعلم قدر مضاعفتها إلا الله، حسنة لك في رمضان، تضاعف لك أضعاف أضعاف، لا يعلم قدر تلك المضاعفة إلا الذي تفضل بها، لأن الصوم من الصبر، والله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، إلا الصيام فإنه لي، أضافه الله إليه، وكل أعمالنا لله، صلاتنا لله، زكاتنا لله، حجنا لله، لكن اختص الصوم بهذه الإضافة تشريفاً وتقديراً للعمل وعامله، إلا الصيام فإنه لي، أضافه الله إليه، إعلاناً بفضله، لأن الصوم فيه مخالفة شهوات النفس، محادثة شهوات النفس، فالنفس تتبع إلى ما اعتادت عليه في أيام عاديها، فجاء الصوم ليحجبها عن شهواتها، ويمنعها عن ملذاتها، وهذا صعب إلا على النفوس المؤمنة الموقنة التي تخاف الله وتتقيه، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فهو لله، والله تكفل بجزائه، الصائم يمتنع عن طعامه، وعن شرابه، وعن امرأته مع تمكنه وقدرته، لكن يعلم أن هناك رقيباً عليه، لا يعزم عنه مثقال ذرة من عمله، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إنك قد تتخلص من مخلوقٍ يراقب عليك، وقد تتخلص من مراقبته عليك، في أقوالك وأعمالك، فتحاول الانضباط في الأقوال، وبالاختفاء بالأعمال، والصدود عنه، وكل ما وضع حيلة قابلته بحيلة مثلها، لكن كيف تقاوم؟ كيف تقاوم العليم الخبير؟ كيف تقاوم العلم العليم الخبير؟ الذي يعلم الأشياء كلها، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، الأعمال كلها كلياتها وجزئيتها، كلها عند ربي سواء: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِين)، (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، فإن الله محيط بك، فالصائم يتصور هذا المقام العظيم، وهذا العلم المحيط، فيترك شهوات نفسه، في مكان لا يطَّلِع إلى الله، خوفاً من ربه وإطلاعه عليه، وبهذا قال الله: (الصوم لي وأنا أجزي به)، يدع شهوته لأجلي، وطعامه لأجلي، لما ترك هذه لله، عوضه الله خيراً من ذلك، في ذلك ومثله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).
أيها الصائم: إن صومك فيما بينك وبين الله، دليل الإيمان، دليل التصديق، دليل اليقين التام، وإنه ترويض لنفسك، في الإستمرار على علمك التام، بمعقابة الله لك، ليكون رديعاً لك عن المخالفة الذي يتوكل على العزيز الرحيم: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة يوم لقاء ربه)، إن للصائم فرحتين: إنها فرحتان، ولكنها مرتبطةً بالعبادة والطاعة، الفرحة الأولى: عند صومه، عندما تشتاق النفس للطعام والماء، من طول الزمن، خلت المعدة، وأصبح متطلع لهذه النعمة المباحة، فيؤذن المغرب فيتناول فطره،فرحاً بفضل الله أن وفقه فاستكمل صوم اليوم كله، فرحاً بفضل الله وتذكر مريضاً ما استطاع الصيام، وتذكر ضال بينه وبين الهدى، وهو الآن يستكمل يومه، ويحمد الله على أن أكمل هذا اليوم، في صحةِ وسلامةٍ وعافية، وهناك فرحة كبرى وفرحة عظمى، يوم الوقوف بين يدي الله، يوم تنشر صحائف أعمال العباد، يوم تنشر صحائف أعمال العباد، يوم نقف على أعمالنا، (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، يوم يقول المؤمن: ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) يوم يقول المؤمنون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، يوم يقول المؤمنون: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، يفرح يوم القيامة وصومه مدخراً إليه، لم يتمكن الغرباء من أخذ شيء منه، صوم أخلصه لله، فهو يجني ثماره في ذلك اليوم العظيم، وأفواههم يتصاعد منها أبخرةٌ أطيب من ريح المسك، فهم في نعمة ولذة.
أيها المسلم: ثم يقول -صلى الله عليه وسلم-: (والصوم جُنة)، أي حاجز من عبد من المعاصي، مانعاً له من الأدران، مانعا له من الآثام القولية والفعلية، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يسخر، وإن أحد سابه أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائم، إنَّ هذا تربية إسلامية، وتوجيهات ربانية، للمسلم الصائم، إنه صوم يربيك على المكامن، ويحليك بالفضائل، ويسمو بك إلى المعالم، وينتشلك من مجارة السفهاء، ومباراة الجهال، إنه يحليك بالأخلاق الكريمة، إنه يسمو بك بكل خير وعمل صالح، إذا أحد سابه أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، لا يكن مع الجاهلين في جهلهم، ولا مع أهل السفه والطيش في سفههم وجهلهم، إن الغرض والحماقة وإطلاق اللسان، ربما تزل بكلمات تكشف بها عن مخدعات نفسك، ويطلع الناس على ما خدعته من كلام الأحقاد والفساد، إن الكلام، إن الطول اللسان، والانبساط بالسِباب والشِتام، تحط من مروءة الإنسان، وتنقص من قدرك، فرب في حماقته لسان، في حماقة أن يزل لسانه بكلمات تأخذ عليه، وعثرات لا تقال، ويتبين مخباءات نفسه، ومن طوى عليه من الخبث والبلاء، كم من صامت لا يدري عن شره عنه، لكن إذا دخل في الغضب والخصومة، اشتد شره، واستبانة خبثه، واستبانة ما كان له ضميره، من حقدٍ وخبثٍ وبلاء، ولهذا المسلم العاقل، لا يجاري السفهاء في سفههم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، كم أحبط اللسان مكارم أناس، وكم حطهم إلى الحضيض، وكم انتقص من قدرهم بأسباب كلماتهم البذيئة، قد غضبوا والحماقة في الأقوال، إنها تنقص المروءة، وتقلل الحياة، وتجزر عليك الآخرين، وتحبس أشغالك، وتكشف أسرارك، وتستبين ما انطوى عليه ضميرك من البلاء، ولهذا النبي أوجب الصائم إلى أن يقول إني صائم، فصومي يمنعني من المجاراة السفهاء، صومي يأمرني بالحلم والأمانة، صومي يكفني عن الانبساط في الأقوال السيئة، إنها تربية لو صحبتها في عامك كله، لاستفدت الخير والهدى، إنها دروس وتربية وتوجيه، فخذ بها دائما وأبدا، لتنال السعادة في الدنيا والآخرة، وإن لفم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فقلل معي من الطعام والشراب، تصاعد أبخرة كريهة في المشام، لكنها لا تعزفنا عن طاعة الله، وعن مرضاة الله، فإنها تكون أطيب من ريح المسك يوم القيامة، فضل الله عظيم، وعطائه جسيم، فاشكروا الله على نعمته، بفضل الصيام عليكم، واحمدوه على هذا الفضل وكونوا موقنين بالثواب العظيم، راجين من ربكم الدرجات وتكفير السيئات، وعكروا من أعمال الخير، فالحسنة مضاعفة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فضل الله ورحمته، وعطائه وجزيل فضله، ولا يحلف على الله إلا حالف، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولي قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فيأيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: في الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
أيها المسلم: إن هذا الحديث، يعطينا تصور الصيام، وأن الصيام لم يأتي فقط بمجرد أن نترك أكلاً أو شربا، ولكن هذه وسيلة لغيرها، فالغاية كف النفس عما حرم الله، الغاية تحقيق اللسان أو ينطبق بهتانا أو نماما، الغاية أن تمسك اللسان عن اللغو والجهالة، الغاية أن تنتظم في سلوكك، الغاية أن تعد نفسك في الإعداد صحيح، جاء رمضان كل عام، فذكرياته في قلب المرء على الدوام، ليس لأجل رمضان فقط، ليس وقتيا، ولكنه معك رمضان، في أحاسيسك وأفكارك وأحوالك، اسمع نبيك يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فإذا أردنا أن يكون كفارة لنا، فلتكن آدابه ...، الكذب نبتعد عنه، الغيبة نترفع عنها، البهتان ورمي الناس في مظلم، الحقد والحسد والكفر والبلاء نترفع أنفسنا عنه، ليفسد في قلوبنا الخير والمحبة الخير للإسلام وأهله.
أيها المسلم: أيها المسلم، إن نبيك -صلى الله عليه وسلم- أدَّبك عند فطرك أن تبادر به متى تأكدت من غروب الشمس، برؤيتك غروبها أو باليمين بما تسمع وتتأكد...، فإن أبدارك لفطرك خير، يقول لك نبيك -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، ويقول عن ربه جل جلاله أنه قال: (أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرا)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وأدبرت الشمس أفطر الصائم)، وقال أيضاً: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر فإن اليهود والنصارى يؤخرون)، فالذي يؤخر الفطر عن وقته المشروع مخالف لسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتحرر بدارة الفطور متى تأكدت الغروب، وتحرر دعاء والرجاء والانتزاع إلى الله، فإن دعاء الصائم مستجاب، فجعل عند فطرك وضعف قوتك، قوة قلبك ورجائك لربك، لا سيما في الأوقات المفضلة كيوم الجمعة، فكن دائماً على دعاء الله، ورجائه لتفريق همك وكشف كربك، وصلاح أعمالك، وعافيتك في دينك ودنياك، وأخِّر السحور وتسحر، اقتداء بنبيك -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحر)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (تسحروا فإن في السَحور بركة)، وقال ولو أن يزرع زرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، فإن السَحر أخِّر السحور، واجعله قبيل الصباح، ولتكن، وحمد الله، أن الله وملائكته يصلون عليك، ويثنون عليك، فما أعظم ذلك من نعمة، وما أجله من فضل، ما أعظمه من نعمة، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يؤخر السحور إلى قرب الفجر، تسحر زيد بن ثابت مع محمد -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عنه زيداً، كم كان بين سحوركم وإقام الصلاة؟، قال قدر ما يقرأ القارئ خمسين آية، إنها نعمة من الله المسلم، عند سحوره، وعند فطره، فهو في عبادة وطاعة، لله جل وعلا، فحمد الله على أن هيأك، وجعلك موفقاً بالخير، وهداك لهذه النعمة، فاشكر الله عليها قائماً وقاعدا ومضطجعا، فإنها نِعَم من الله عليك، كم أبتعد عنها أقوام، وحرمها أقوام، وأنت تتمتع عند سحورك وفطرك، ثواب الله وعنايته بك، ورحمته بك، فالله الفضل والمنة، أولاً وأخرا، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنا على نفسه، له الحمد حتى يرضى، له الحمد حتى يرضى، لا إله غيره ولا رباً سواه، فالحمد لله رب العالمين أولاً وأخرا.
أيها المسلمون: اعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار،
وصلوا رحمكم الله: على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- امتثالاً لأمر ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضَ، اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين، وتابعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا ارحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناَ مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح للإسلام والمسلمين.
ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
للشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيأيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: كلما تمكن الإيمان من قلب العبد، وكلما يعظم اليقين في قلبه، ازداد حباً لهذه الشريعة، ورغبة فيها، ومحبةً عظيمةً لها، فتراه دائماً يشكر الله على هذه النعمة أن هداه للإسلام، ويحمده على هذه الفوائد العظيمة، يحمده أن هداه لأركان الإسلام، فجعله يقبل الإسلام كله، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، فدائماً يقول: اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، حيث أنزلت علينا أفضل كتبك، وأرسلت إلينا خير رسلك، وهديتنا لمعالم دينك، الذي ارتضيته لنفسك، وبنيته على أركانه الخمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، نعم، إنها نِعَمٌ عظيمة من ربنا علينا، وآلاء جسيمة، يحتاج منا دائماً إلى أن نشكر الله في قلوبنا، ونشكره بألسنتنا، ونشكره بأعمالنا، ونثني عليه الخير كله، أوجدنا من العدم، ورَبَّانا بالنعم، وشرح صدورنا لهذا الدين، واشترط علينا الفرائض، وأوجب الواجبات، وحرم المحرمات، فلله الفضل والحمد أولاً وآخراً.
أخي المسلم: أركان دينك العظيمة رُتب عليها ثواب عظيم، وعطاءٌ جزيل، مما يُقوِّي رغبتك في الخير، ويجعلك تؤدي العمل عن طمأنينةٍ ويقين، فأساس الملة والدين، تحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، فمن حققهما علماً وعملاً وانقيادا وتصديقا، نال الثواب العظيم، في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حقٌ والنار حقٌ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي حديث عتبان (فإن الله حرَّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، فلا إله إلا الله كلمة الإسلام لا يسبقها عمل، ولا تبقي .....، ومن كان آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، ختم الله لنا ولكم بها قولاً وعملاً، فالضبط إلى هذه الصلوات الخمس، وما رتب عليها من الثواب العظيم، معَ منافعها العظيمة، فهي الصلة بينك وبين ربك، وهي الناهية لك عن الفحشاء والمنكر، وهي سبب لانشراح صدرك وقرة عينك وراحة بالك، يأتي ثوابها، ( أرأيتم لو كان بباب أحدكم نهراً جاريا، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، قال فكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا والسيئات)، وانظر إلى الزكاة وآثارها: (خذ من أموالهم صدقة، تطهرهم وتزكهم بها )، وانظر إلى الحج: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وفي الحديث: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، ثم نأتي لدور الصيام، وما رتب عليه من الثواب العظيم، فأصل أولئك كأنه سبب للتقوى وتحقق تقوى العبد لربه في كل أحواله، لكن هذا جاءت الثواب العظيم، والعطاء الجزيل، ليجعل المسلم يصوم هذا الشهر لا تقليداً لغيره، ولا عادةً من العادات، ولا أنه وجد أهله يصومون، ولكن يؤمن بأن صومه عبادة لله، يرجو به ثواب الله، ويطمع في عطاء الله الجزيل وخيره الكثير، فاسمع أخي الصائم، ثواب صيامك من كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، اسمعه يقول لك ثواب صيامك وعظيم أجرك، ومالك عند الله من الثواب العظيم، لتكون دائماً تقول: الحمد لله الذي فرض علي رمضان، الحمد لله الذي أوجب على الصيام، الحمد لله الذي جعلني أصوم وأؤدي هذا الركن، فاحمدوا الله بأنك توطن بهذا الثواب العظيم، في الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (كل عمل ابن آدم له، كل عمل ابن آدم له مضاعف، كل عمل ابن آدم له مضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه لأجل للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة يوم لقاء ربه، والصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يسخب، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني امرؤٌ صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
أخي المسلم: حديث صحيح تكلم به محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، ونقله لنا أبو هريرة، ونقله عنه سلسلة من رجال الثبت والعدالة، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، فلنقف مع هذا الحديث، وقفات وتأملات، لننظر فضل الله، ولنقوي العبادة في قلوبنا، ولنزدد تعظيماً لربناً، وحباً لديننا، ورغبتا في شريعتنا، وطبعاً أن نلق ونحن متمسكون بها، ثابتون عليها، لننال العطاء الجزيل والفضل العظيم، إنه وعد حق، وإنه لخبر صدق، لاشك ولا ضير فيه، خبر الصادق المصدوق، محمد -صلى الله عيه وسلم-، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)، يقول -صلى الله عليه وسلم- عن ربه جل وعلا: (كل عمل ابن آدم له)، نقف قليلاً مع قوله كل عمل ابن آدم، لنعلم حقا، أن إيماننا أقوالٌ وأعمالٌ واعتقاد، لأن إيماننا وأعمالنا لا انفصال بينها، ولا انفصال بعض عن بعض، فليس الإيمان كمالاً، ليست الأعمال منك قطع للكمال أو الصحة، ولكن العمل والإيمان شيء واحد لا لانفكاك لأحدهما، فالأعمال الصالحة تترجم عن حقيقة الإيمان الصادق، فمن ادعى الإيمان وهو لا يصلي، ولا يزكي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يلتزم واجباً، ولا يكرث عن محرم، فأين الإيمان وأين حقيقة الإيمان، قال الله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)، إن العمل والإيمان شيء واحد، وما ذكر الله الإيمان إلا مقروناً بالعمل، وما يأتي الإيمان منقطعاً أبدا، فمدعي أن الإيمان كمال أو صحة أو نحو ذلك، كل هذا قصور عن حقيقة الشرع، فالإيمان والعمل أمر مرتبط بعضه ببعض، كل عمل ابن آدم له، إنه له بفضل الله، وتوفيق الله له، الحسنة بعشر أمثالها، يعني أيها المسلم، يعنيك حسنة من حسنات، فإن الله يعطيك بهذه الحسنات عشر أمثالها، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ولكن من فضل الله قد يتضاعف ذلك الثواب، فيزيد على ثواب، بل قد يبلغ العمل الحسن وحده قد تصل إلى سبعمائة حسنة، فيتواعد الثواب بذلك وأكثر، كما قال الله: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ولكن الله جل وعلا قال إلا الصيام، إلا الصيام، فالصيام ليست حسنة بسبعمائة بل أضعاف أضعافٍ كثيرة، لا يعلم قدر مضاعفتها إلا الله، حسنة لك في رمضان، تضاعف لك أضعاف أضعاف، لا يعلم قدر تلك المضاعفة إلا الذي تفضل بها، لأن الصوم من الصبر، والله يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، إلا الصيام فإنه لي، أضافه الله إليه، وكل أعمالنا لله، صلاتنا لله، زكاتنا لله، حجنا لله، لكن اختص الصوم بهذه الإضافة تشريفاً وتقديراً للعمل وعامله، إلا الصيام فإنه لي، أضافه الله إليه، إعلاناً بفضله، لأن الصوم فيه مخالفة شهوات النفس، محادثة شهوات النفس، فالنفس تتبع إلى ما اعتادت عليه في أيام عاديها، فجاء الصوم ليحجبها عن شهواتها، ويمنعها عن ملذاتها، وهذا صعب إلا على النفوس المؤمنة الموقنة التي تخاف الله وتتقيه، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فهو لله، والله تكفل بجزائه، الصائم يمتنع عن طعامه، وعن شرابه، وعن امرأته مع تمكنه وقدرته، لكن يعلم أن هناك رقيباً عليه، لا يعزم عنه مثقال ذرة من عمله، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، إنك قد تتخلص من مخلوقٍ يراقب عليك، وقد تتخلص من مراقبته عليك، في أقوالك وأعمالك، فتحاول الانضباط في الأقوال، وبالاختفاء بالأعمال، والصدود عنه، وكل ما وضع حيلة قابلته بحيلة مثلها، لكن كيف تقاوم؟ كيف تقاوم العليم الخبير؟ كيف تقاوم العلم العليم الخبير؟ الذي يعلم الأشياء كلها، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، الأعمال كلها كلياتها وجزئيتها، كلها عند ربي سواء: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِين)، (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)، فإن الله محيط بك، فالصائم يتصور هذا المقام العظيم، وهذا العلم المحيط، فيترك شهوات نفسه، في مكان لا يطَّلِع إلى الله، خوفاً من ربه وإطلاعه عليه، وبهذا قال الله: (الصوم لي وأنا أجزي به)، يدع شهوته لأجلي، وطعامه لأجلي، لما ترك هذه لله، عوضه الله خيراً من ذلك، في ذلك ومثله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ).
أيها الصائم: إن صومك فيما بينك وبين الله، دليل الإيمان، دليل التصديق، دليل اليقين التام، وإنه ترويض لنفسك، في الإستمرار على علمك التام، بمعقابة الله لك، ليكون رديعاً لك عن المخالفة الذي يتوكل على العزيز الرحيم: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة يوم لقاء ربه)، إن للصائم فرحتين: إنها فرحتان، ولكنها مرتبطةً بالعبادة والطاعة، الفرحة الأولى: عند صومه، عندما تشتاق النفس للطعام والماء، من طول الزمن، خلت المعدة، وأصبح متطلع لهذه النعمة المباحة، فيؤذن المغرب فيتناول فطره،فرحاً بفضل الله أن وفقه فاستكمل صوم اليوم كله، فرحاً بفضل الله وتذكر مريضاً ما استطاع الصيام، وتذكر ضال بينه وبين الهدى، وهو الآن يستكمل يومه، ويحمد الله على أن أكمل هذا اليوم، في صحةِ وسلامةٍ وعافية، وهناك فرحة كبرى وفرحة عظمى، يوم الوقوف بين يدي الله، يوم تنشر صحائف أعمال العباد، يوم تنشر صحائف أعمال العباد، يوم نقف على أعمالنا، (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، يوم يقول المؤمن: ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) يوم يقول المؤمنون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، يوم يقول المؤمنون: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، يفرح يوم القيامة وصومه مدخراً إليه، لم يتمكن الغرباء من أخذ شيء منه، صوم أخلصه لله، فهو يجني ثماره في ذلك اليوم العظيم، وأفواههم يتصاعد منها أبخرةٌ أطيب من ريح المسك، فهم في نعمة ولذة.
أيها المسلم: ثم يقول -صلى الله عليه وسلم-: (والصوم جُنة)، أي حاجز من عبد من المعاصي، مانعاً له من الأدران، مانعا له من الآثام القولية والفعلية، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يسخر، وإن أحد سابه أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائم، إنَّ هذا تربية إسلامية، وتوجيهات ربانية، للمسلم الصائم، إنه صوم يربيك على المكامن، ويحليك بالفضائل، ويسمو بك إلى المعالم، وينتشلك من مجارة السفهاء، ومباراة الجهال، إنه يحليك بالأخلاق الكريمة، إنه يسمو بك بكل خير وعمل صالح، إذا أحد سابه أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، لا يكن مع الجاهلين في جهلهم، ولا مع أهل السفه والطيش في سفههم وجهلهم، إن الغرض والحماقة وإطلاق اللسان، ربما تزل بكلمات تكشف بها عن مخدعات نفسك، ويطلع الناس على ما خدعته من كلام الأحقاد والفساد، إن الكلام، إن الطول اللسان، والانبساط بالسِباب والشِتام، تحط من مروءة الإنسان، وتنقص من قدرك، فرب في حماقته لسان، في حماقة أن يزل لسانه بكلمات تأخذ عليه، وعثرات لا تقال، ويتبين مخباءات نفسه، ومن طوى عليه من الخبث والبلاء، كم من صامت لا يدري عن شره عنه، لكن إذا دخل في الغضب والخصومة، اشتد شره، واستبانة خبثه، واستبانة ما كان له ضميره، من حقدٍ وخبثٍ وبلاء، ولهذا المسلم العاقل، لا يجاري السفهاء في سفههم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، كم أحبط اللسان مكارم أناس، وكم حطهم إلى الحضيض، وكم انتقص من قدرهم بأسباب كلماتهم البذيئة، قد غضبوا والحماقة في الأقوال، إنها تنقص المروءة، وتقلل الحياة، وتجزر عليك الآخرين، وتحبس أشغالك، وتكشف أسرارك، وتستبين ما انطوى عليه ضميرك من البلاء، ولهذا النبي أوجب الصائم إلى أن يقول إني صائم، فصومي يمنعني من المجاراة السفهاء، صومي يأمرني بالحلم والأمانة، صومي يكفني عن الانبساط في الأقوال السيئة، إنها تربية لو صحبتها في عامك كله، لاستفدت الخير والهدى، إنها دروس وتربية وتوجيه، فخذ بها دائما وأبدا، لتنال السعادة في الدنيا والآخرة، وإن لفم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، فقلل معي من الطعام والشراب، تصاعد أبخرة كريهة في المشام، لكنها لا تعزفنا عن طاعة الله، وعن مرضاة الله، فإنها تكون أطيب من ريح المسك يوم القيامة، فضل الله عظيم، وعطائه جسيم، فاشكروا الله على نعمته، بفضل الصيام عليكم، واحمدوه على هذا الفضل وكونوا موقنين بالثواب العظيم، راجين من ربكم الدرجات وتكفير السيئات، وعكروا من أعمال الخير، فالحسنة مضاعفة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فضل الله ورحمته، وعطائه وجزيل فضله، ولا يحلف على الله إلا حالف، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولي قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي، ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فيأيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: في الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
أيها المسلم: إن هذا الحديث، يعطينا تصور الصيام، وأن الصيام لم يأتي فقط بمجرد أن نترك أكلاً أو شربا، ولكن هذه وسيلة لغيرها، فالغاية كف النفس عما حرم الله، الغاية تحقيق اللسان أو ينطبق بهتانا أو نماما، الغاية أن تمسك اللسان عن اللغو والجهالة، الغاية أن تنتظم في سلوكك، الغاية أن تعد نفسك في الإعداد صحيح، جاء رمضان كل عام، فذكرياته في قلب المرء على الدوام، ليس لأجل رمضان فقط، ليس وقتيا، ولكنه معك رمضان، في أحاسيسك وأفكارك وأحوالك، اسمع نبيك يقول: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فإذا أردنا أن يكون كفارة لنا، فلتكن آدابه ...، الكذب نبتعد عنه، الغيبة نترفع عنها، البهتان ورمي الناس في مظلم، الحقد والحسد والكفر والبلاء نترفع أنفسنا عنه، ليفسد في قلوبنا الخير والمحبة الخير للإسلام وأهله.
أيها المسلم: أيها المسلم، إن نبيك -صلى الله عليه وسلم- أدَّبك عند فطرك أن تبادر به متى تأكدت من غروب الشمس، برؤيتك غروبها أو باليمين بما تسمع وتتأكد...، فإن أبدارك لفطرك خير، يقول لك نبيك -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)، ويقول عن ربه جل جلاله أنه قال: (أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرا)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وأدبرت الشمس أفطر الصائم)، وقال أيضاً: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر فإن اليهود والنصارى يؤخرون)، فالذي يؤخر الفطر عن وقته المشروع مخالف لسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فتحرر بدارة الفطور متى تأكدت الغروب، وتحرر دعاء والرجاء والانتزاع إلى الله، فإن دعاء الصائم مستجاب، فجعل عند فطرك وضعف قوتك، قوة قلبك ورجائك لربك، لا سيما في الأوقات المفضلة كيوم الجمعة، فكن دائماً على دعاء الله، ورجائه لتفريق همك وكشف كربك، وصلاح أعمالك، وعافيتك في دينك ودنياك، وأخِّر السحور وتسحر، اقتداء بنبيك -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكل السحر)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (تسحروا فإن في السَحور بركة)، وقال ولو أن يزرع زرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين، فإن السَحر أخِّر السحور، واجعله قبيل الصباح، ولتكن، وحمد الله، أن الله وملائكته يصلون عليك، ويثنون عليك، فما أعظم ذلك من نعمة، وما أجله من فضل، ما أعظمه من نعمة، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يؤخر السحور إلى قرب الفجر، تسحر زيد بن ثابت مع محمد -صلى الله عليه وسلم-، فسأل عنه زيداً، كم كان بين سحوركم وإقام الصلاة؟، قال قدر ما يقرأ القارئ خمسين آية، إنها نعمة من الله المسلم، عند سحوره، وعند فطره، فهو في عبادة وطاعة، لله جل وعلا، فحمد الله على أن هيأك، وجعلك موفقاً بالخير، وهداك لهذه النعمة، فاشكر الله عليها قائماً وقاعدا ومضطجعا، فإنها نِعَم من الله عليك، كم أبتعد عنها أقوام، وحرمها أقوام، وأنت تتمتع عند سحورك وفطرك، ثواب الله وعنايته بك، ورحمته بك، فالله الفضل والمنة، أولاً وأخرا، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنا على نفسه، له الحمد حتى يرضى، له الحمد حتى يرضى، لا إله غيره ولا رباً سواه، فالحمد لله رب العالمين أولاً وأخرا.
أيها المسلمون: اعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة ومن شذ، شذ في النار،
وصلوا رحمكم الله: على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- امتثالاً لأمر ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وارضَ، اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعن التابعين، وتابعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك وإحسانك يا ارحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللهم هذا البلد آمناَ مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاح للإسلام والمسلمين.
ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.