المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ الفوزان ليس كذلك


كيف حالك ؟

بن حمد الأثري
08-16-2008, 12:27 PM
http://www.arabsys.net/pic/bsm/5.gif

** الشيخ الفوزان ليس كذلك **

بسم الله الرحمن الرحيم

بشار بن برد شاعر مكثر مبدع مجدد في عمود الشعر العربي , وهو مع كل هذه الصفات لا يرى النقاد أنه من طبقة جرير والفرزدق ولا قريب منها , وكان أعرف الناس بهذه الحقيقة هو بشار نفسه , ولذلك اجتهد كثيرا في هجاء جرير لا ليحط من شأنه كما قد يتبادر إلى الذهن بل ليرفع هو من قدر نفسه لو أن جريرا أجابه , لكن جريرا لم يفعل فقطع الطريق أمام بشار وطموحاته .
امتناع جرير عن إجابة بشار ناتج عن زهوه بذاته وتقديرها تقديرا يحول بينه وبين النزول إلى من هو أقل منه , وهذه النفسية تليق كثيرا بالشعراء , لكنها ليست حكرا عليهم , فقد ظل الزهو بالذات من أعظم الحواجز في سبيل التواصل بين الناس على مختلف انتماءاتهم المعرفية والعملية والاجتماعية .
وهذه الحواجز تزداد سماكة حين يقدر المرء نفسه تقديرا خاطئا لا يبني عليه ترفعه عمن هو دونه بل يترفع بتقديراته الخاطئة عمن هم فوقه فيصبح أسوأ حالا وأضر على فريقه من الأعمى الأصم حين يحمل بيده سلاحا يضرب به في كل اتجاه يظنه صحيحا .
وتصل سماكتها إلى مرحلة الخطر حين لا يستثني العلماء والمفكرون والمصلحون والدعاة أنفسهم من هذا الخلق فيجتنبون مناقشة مخالفيهم بحجة عدم المكافأة ، أو أن مناقشة مثل هؤلاء إعلاء لقدرهم وأن ما يردده هؤلاء سفاهات لا ينبغي الاشتغال بها , وهم لا يحتجون لما يذهبون إليه بكتاب أو سنة وليس معهم عليه أكثر من قول الشاعر :
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
ولا يعلمون أنهم حين يترفعون – بزعمهم - عن أمثال هؤلاء يقعون فيما فروا منه بل في أعظم مما فروا منه إذ يتجرأ هؤلاء على الكتابة ويكثر مناصروهم من أمثالهم حتى يأتي يوم لا تسمع فيه إلا أصواتهم , وتعظم الطامة حين يصبح رأيهم لكثرة ما يتداوله الناس رأيا عاما يضطر الدعاة والعلماء إلى مسايرته أو التراجع من أجله , وما ذاك إلا لأن العلماء الأفذاذ تركوا الرد عليه في حينه علوّا بأنفسهم عن صاحبه وأوكلوا ذلك إلى تلاميذهم ومحبيهم حيث لا يزداد المجترئون بردودهم إلا جرأة .
ويفوتهم - عفا الله عنهم - أنهم إنما يردون على هذا الرأي لا على من جاء به , وأن وأد الآراء الدخيلة والأفكار الأهوائية أمر جلل لا ينبغي أن يتغاضى عنه أحد من أهل الكفاءة بحجة عدم المكافأة .
والشيخ صالح الفوزان - وفقه الله وجزاه عن المسلمين خيرا - ليس كذلك , بل هو المتميز من بين سائر علمائنا بالرد بقلمه المسدد بعون الله على كل مخالف في فكره وهو يعلم قبل غيره أنه أعلى قدرا وأرفع مكانة في نفوس الناس من كل من يتصدى للرد عليهم , ولكنه يعلو فوق ذاته فلا يقيس بها من ينبغي محاورته ومن لا ينبغي , بل تعيين ذلك موكول إلى ما يطرحونه من آراء ومدى اتفاقها مع الدين الذي هو مؤتمن على علمه , ولذلك ظن الكثير أنه تصدى لفلان وفلان وفلان وهم نكرات لم يعرفها إلا استقواء الباطل ونفوق أهله , والصحيح أن الشيخ لم يجر في خلده أنهم أكفاء له كما أن معرفته بقدر نفسه لم تزين له ترك أمرهم لمن هم دونه من تلاميذه ومن في حكمهم بحجة أن في تصديه لهم انتقاصا من قدره , بل سما فوق ذاته فلم يجعلها معيارا للصواب والخطأ من التصرفات ، بل للصواب والخطأ في تصرفات العلماء وورثة الأنبياء معايير أخر لا تساوي عندها الذات شيئا .
والذي أعجب منه هو ترك أقران الشيخ صاحبهم في ساحة النضال هذه وحده ليس معه بعد الله تعالى إلا محبوه ممن هم دونه حتى رماه خصومه عن قوس واحدة ظنا منهم أن ليس في بني عمه رماح وأن الصف الأول غائب كله , وما عسى أن يغني مؤخر الجيش إذا غاب مقدموه ,, هكذا سولت لهم أنفسهم .
ومبعث عجب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك أيضا , فلم يكن صلى الله عليه وسلم ليدير رأسه عن باطل لأن صاحبه ليس كفؤا له ولم يكن ليسكت عن خطأ ليقيم غيره مقامه في إنكاره , أليس هو من حك النخامة عن جدار المسجد بيده الشريفة , وقام للبائل في المسجد بنفسه ومشى للشفاعة لمغيث عند بريرة , ودعا إلى الله الصغير والكبير والرفيع والحقير فلم تكن أقدار الناس فيما بينهم تعني عنده شيئا في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن مهمة البشارة والنذارة أوكلت إليه دون تقييد بمكان أو مكانة .
وجرى على ذلك أصحابه رضي الله عنهم وتابعوهم بإحسان فأنكروا كل بدعة في القول والعمل على التعيين والإجمال لم يسألوا عن قائلها ومن يكون نسبة إليهم, وماذا عسى أن يكون ؟
وختاما : فإن ما صنعه جرير ببشار خليق بجرير كما هو خليق ببشار ليس إلا .

[ منقول ]

12d8c7a34f47c2e9d3==