المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعقيبات و ملاحظات على كتاب تفسير بن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير


كيف حالك ؟

المفرق
08-11-2008, 09:25 PM
نقلت هذا المقال المفيد من أحد المنتديات






تعقيبات و ملاحظات على كتاب تفسير بن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين، وبعد:
"فإن المسلمين بحاجة شديدة إلى معرفة معاني كتاب ربهم، لأن ذلك وسيلة للعمل به و الانتفاع بهديه، وقد قام أئمة الإسلام بهذه المهمة خير قيام، ففسروا كتاب الله معتمدين في ذلك على تفسير القرآن بالقرآن، ثم بسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-ثم على أقوال الصحابة و التابعين و أتباعهم من القرون المفضلة، وما تقتضيه اللغة التي أنزل بها، فجاءت تفاسيرهم نقية صافية من التأويلات الباطلة و الأهواء المضلة التي غالبا ما تشتمل عليها تفاسير من جاء بعدهم ممن لم يحذ حذوهم." [1]

وقد طبع منذ زمن (تفسير بن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير) طبعة دار الفكر بتقديم الدكتور محمد البهي وطُبِعَ في الجزائر باسم (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير) بتقديم الشيخ عبد الرحمن شيبان، ويظهر أن تفسيره اشتمل على أخطاء عقدية، وحيث أن الكتاب منتشر و يُرَوِّجُ له الكثير من الناس وقد يغتر بعضهم بما فيه من أخطاء، استعنت بالله -جل وعلا- في تدوين ما ظهر لي منها، وأن أنشرها للقراء نصحا لله و لكتابه..
أسأل الله تعالى التوفيق و السداد..

ملاحظات على كتاب (تفسير بن باديس)

[رده خبر الآحاد إذا خالف القطعي من القرآن]

1- في صفحة (54) السطر (22):قال:"يرد خبر الواحد إذا خالف القطعي من القرآن".اهـ وقد بنى قوله على أساس أن أحاديث الآحاد ظنية لا تفيد العلم [2]كما في صفحة (142) من تفسيره و صفحة (161) من (مجالس التذكير من كلام البشير النذير) وهذا غلط لا شك فيه، وتبع فيه جمهور الأصوليين من متكلمي الأشاعرة؛ كابن جزي الكلبي المالكي [3] و ابن علي الجصاص الحنفي [4] والفخر بن خطيب الرازي [5] ؛ لأن الاختلاف الكلي بين نص من القرآن أو السنة المتواترة مع الآحاد الصحيحة يندر وقوعه، وحتى لو احتيج إلى النسخ فلا مانع من القول به، ورفع الحكم السابق، عند تعذر الجمع، ولو كان السابق معلوماً بالضرورة، بعد تحقق ثبوت الخبر وتأخره. وقد وقع ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فعمل أهل قباء بخبر الواحد الذي نقل لهم نسخ القبلة الأولى، وهكذا أبو طلحة الأنصاري أتلف جرار الخمر، وأمر بإراقتها اعتماداً على خبر الذي نقل لهم تحريمها، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي-رحمه الله تعالى- كما في ( مذكرة أصول الفقه ): " التحقيق الذي لا شك فيه هو جواز وقوع نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه والدليل الوقوع.
أما قولهم إن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غطلوا فيه غلطاً عظيماً مع كثرتهم وعلمهم، وإيضاح ذلك أنه لا تعارض البتة بين خبرين مختلفي التاريخ لإمكان صدق كل منهما في وقته ، وقد أجمع جميع النظار أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما ، أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتهما ، فلو قلت : النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ، وقلت أيضاً : لم يصل إلى بيت المقدس ، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ ، وبالثانية ما بعده لكانت كل منهما صادقة في وقتها .
ومثال نسخ القرآن بأخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه نسخ إباحة الحمر الأهلية - مثلاً -المنصوص عليها بالحصر الصريح في آية ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً …) (الأنعام 145)، بالسنة الصحيحة الثابت تأخرها عنه لأن الآية من سورة الأنعام وهي مكية أي نازلة قبل الهجرة بلا خلاف، وتحريم الحمر الأهلية بالسنة واقع بعد ذلك في خيبر ولا منافاة البتة بين آية الأنعام المذكورة وأحاديث تحريم الحمر الأهلية لاختلاف زمنهما، فالآية وقت نزولها لم يكن محرماً إلا الأربعة المنصوصة فيها، وتحريم الحمر الأهلية طارئ بعد ذلك، والطروء ليس منافياً لما قبله، وإنما تحصل المنافاة بينهما لو كان في الآية ما يدل على نفي تحريم شيء في المستقبل غير الأربعة المذكورة في الآية ، وهذا لم تتعرض له الآية بل الصيغة فيها مختصة بالماضي لقوله :( قل لا أجد فيما أوحي إلي ) (الأنعام 145) بصيغة الماضي ، ولم يقل فيما سيوحى إلي في المستقبل ، وهو واضح كما ترى ، والله أعلم " [6].اهـ.



[تأويله لصفة الرحمة بالإنعام والرزق و الإحسان..]

1. في صفحة (231) السطر الأخير: قوله: "رحيما:دائم الإفاضة للنعم".اهـ
2. في صفحة (159) السطر (15): قوله: "يرجون رحمته: ينتظرون انعاماته لافتقارهم إليه".اهـ
3. في صفحة (304) السطر الأول: قوله: "الرحيم: المنعم الدائم الانعام".اهـ
5.في صفحة (364) السطر (22): قوله: "الرحيم:المنعم الدائم الانعام و الاحسان".اهـ

كل هذا الذي ذكره الشيخ بن باديس في معنى الرحمة من اسم الرحيم و الرحمن.. كلها من التأويل الباطل وقد وافق بقوله هذا أهل البدع من أشعرية و غيرهما ؛ لأن الرحمن الرحيم اسمان من الأسماء الحسنى متضمنان صفة الرحمة على المعنى اللائق به سبحانه، فلا حاجة إلى تأويلها بأثر من آثارها كالإنعام و الإحسان ..الخ.

ـ قال الإمام بن القيم رحمه الله كما في (مختصر الصواعق):"..إن الله تعالى فرق بين رحمته و رضوان وثوابه المنفصل، فقال تعالى: (يبشرهم ربهم برحمة منه و رضوان وجنت لهم فيها نعيم مقيم). فالرحمة و الرضوان صفته، والجنة ثوابه، وهذا يبطل قول من جعل الرحمة ثوابا منفصلا مخلوقا.وقول من قال هي إرادة الإحسان ، فإن إرادة الإحسان هي من لوازم الرحمة فإنه يلزمه من الرحمة أن يريد الإحسان إلى المرحوم فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان".اهـ

ـ وقال الشيخ العلامة: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، رحمه الله تعالى كما في (الدرر السنية/ جزء التفسير):
بسم الله الرحمن الر حيم { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [سورة الفاتحة آية : 2] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمان أشد مبالغة من رحيم، وفي الأثر عن عيسى أنه قال: الرحمن رحمن الدنيا، والرحيم رحيم الآخرة. وقال ابن القيم: الرحمن دال على الصفة القائمة به ; والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم ; فإذا أردت فهم هذا، فتأمل قوله: { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [سورة الأحزاب آية : 43] ،{ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } [سورة التوبة آية : 117] ، ولم يجئ رحمن بهم، فالرحمن اسمه ووصفه، فمن حيث هو صفة جرى تابعا لاسم الله، ومن حيث هو اسم، ورد في القرآن غير تابع، بل ورود الاسم العلم كقوله: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [سورة طه آية : 5] . انتهى ملخصا.

ـ و قال الشيخ العلامة عبد العزيز الناصر الرشيد -رحمه الله تعالى-كما في (التنبيهات السنية على العقيدة الواسطية):"..و الرحمة صفة من صفات الله سبحانه و تعالى اللائقة بجلاله و عظمته فيجب أن يوصف بها كما وصف بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما عليه أهل البدع الذين نفوا هذه الصفة و أولوها كمن يؤولها بالإنعام أو بإرادة الإنعام إلى غير ذلك من التأويلات الفاسدة، فالرحمة ثابتة لله سبحانه و تعالى كغيرها من الصفات، سواء كانت ذاتية كالعلم و الحياة، أو فعلية كالرحمة التي رحم بها عباده، فكلها صفات قائم به سبحانه ليست قائمة بغيره، فوصف بها سبحانه و تعالى حقيقة كما يليق بجلاله".اهـ

ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك كما في (تعليقاته على فتح الباري): دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الرحمة المضافة إلى الله تعالى رحمتان :
1 - رحمة هي صفته؛ وصفاته غير مخلوقة، وإضافتها إلى الله هي من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ كما قال تعالى عن نبي الله سليمان عليه السلام: "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين" [النمل19] ، وقال تعالى: "وربك الغفور ذو الرحمة" [الكهف58] ، وقال تعالى: "الرحمن الرحيم"؛ فهذان الاسمان متضمنان صفة الرحمة، فاسمه الرحمن يدل على الرحمة الذاتية التي لم يزل ولا يزال موصوفًا بها، واسمه الرحيم يدل على الرحمة الفعلية التابعة لمشيئته سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: "إن يشأ يرحمكم" [الإسراء54]، وقال تعالى: "ويرحم من يشاء" [العنكبوت21].
وأهل السنة والجماعة يثبتون الرحمة لله تعالى صفة قائمة به سبحانه، والمعطلة ومن تبعهم ينفون حقيقة الرحمة عن الله تعالى - ومنهم الأشاعرة - ويؤولونها بالإرادة أو النعمة .
2 - والرحمة الأخرى مما يضاف إليه تعالى: رحمة مخلوقة، وإضافتها إليه هي من إضافة المخلوق إلى خالقه، ومن شواهدها قوله تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله" [الروم50] ، وقوله تعالى: "وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" [آل عمران107] ، وقوله سبحانه للجنة كما في الحديث القدسي: " أنت رحمتي أرحم بك من أشاء".
والرحمة المذكورة في الحديث هي الرحمة المخلوقة، وهي التي جعلها الله عز وجل في مائة جزء. والرحمة المخلوقة في الدنيا والآخرة هي أثر الرحمة التي هي صفته سبحانه وتعالى ومقتضاها.اهـ . والله أعلم.


[نفي صفة الصورة لله -جل وعلا-]

6- في صفحة (64) قال: "الاعتراف بوجود خالق الكون يكاد يكون غريزة مركوزة في الفطرة و يكاد لا تكون لمنكريه-عتادا-نسبة عددية بين البشر. ولكن أكثر المعترفين بوجوده قد نسبوا إليه ما لا يجوز عليه ولا يليق بجلاله من الصاحبة و الولد و المادة و الصورة و الحلول و الشريك في التصرف في الكون و الشريك في التوجه و الضراعة إليه والسؤال منه و الإتكال عليه".اهـ
قوله : " ولكن أكثر المعترفين بوجوده قد نسبوا إليه ما لا يجوز عليه ولا يليق بجلاله من الصاحبة .. و المادة[7] و الصورة ...". فيه نفي صفة الصورة لله -جل وعلا- موافقا بذلك أهل البدع من جهمية[8] وأشاعرة ونحوهم [9] ، و معلوم عند أهل السنة و الجماعة أن صفة الصورة لله - جل في علاه - صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ بالأحاديث الصحيحة."ولا شك أن نفي هذه الصفة عن الرب تبارك و تعالى ينافي الإيمان بالأحاديث الواردة في ذلك"[10] منها:
- ما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث الزهير عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ) قالوا : لا يا رسول الله , وفيه ( يجمع الله الناس يوم القيامة , فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه , فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس , ويتبع من كان يعبد القمر القمر , ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت , وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون , فيقول : أنا ربكم , فيقولون : نعوذ بالله منك , هذا مكاننا يأتينا ربنا , فإذا جاء ربنا عرفناه , فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون , فيقول : أنا ربكم , فيقولون : أنت ربنا , فيتبعونه ... ).
ـ ومنها ما في الصحيحن و غيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو حديث أبي هريرة الذي تقدم ذكره.وفيه : (فيأتيهم الجبار في صورته التي رأوه فيها أوَّلَ مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا…) .

ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - في (نقض تأسيس الرازي) : ".. لفظ (الصُّورة) في الحديث (إشارة لحديث أبي سعيد) كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد ، وإذا أطلقت على الله مختصة به؛ مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصـير ، ومثل خلقـه بيديه واستوائـه على العرش ونحو ذلك".اهـ.

ـ وقال خطيب أهل السُـنَّة ابن قتيبة –رحمه الله تعالى- في (تأويل مختلف الحديث):" والذي عندي – والله تعالى أعلم – أن الصُّورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حدٍّ ".اهـ

ـ قال الشيخ العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي – رحمه الله تعالى - : " و الحق الذي عليه أهل السنة من الصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين، ومن تبعهم بإحسان؛ الإيمانُ بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم، مع تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين، فيقولون: إن لله وجها و عينين و يدين و قدمين و أصابع، وكذلك له صورة و علم و سمع و بصر و غير ذلك من الصفات، لا تشبه صفات الخلق"[11].اهـ


[موافقته للمرجئة في باب منزلة العمل من الإيمان]

1- في صفحة (199) السطر (19إلى22): قال: " الإيمان هو التصديق الصادق المثمر للأعمال".اهـ ، وقال في صفحة (303) السطر (17إلى21): "الإيمان: عندما يذكر مع الأعمال يراد به تصديق القلب و يقينه و اطمئنانه بعقائد الحق. والعمل الصالح:هو العمل الطيب المشروع من طاعة الله على العباد سواء كان من عمل الباطن وهو عمل القلب أو من عمل الظاهر وهو عمل الجوارح ، و العمل الصالح من ثمرات الإيمان الدال وجودها على وجوده و كمالها على كماله و نقصها على نقصه وعدمها على اضطرابه و وشك انحلاله واضمحلاله".اهـ

و في كلامه هذا أغلاط ثلاثة ملخصها في نقاط :
أ‌- تعريفه للإيمان بالتصديق الصادق و بالتصديق القلبي و يقينه.
ب‌- جعله العمل الصالح من ثمرات الإيمان، سواء كان من عمل الباطن وهو عمل القلب أو من عمل الظاهر وهو عمل الجوارح.
ت‌- و أن انعدامه – أي العمل الصالح - دليل على اضطراب إيمان صاحبه و وشك انحلاله و اضمحلاله.

وهذه الأقوال قد وافق بها الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى- أهل البدع من مرجئة الأشاعرة وغيرهم وبيانه كالتالي:

ـ أولاً: تعريفه للإيمان بالتصديق الصادق و بالتصديق القلبي و يقينه؛ فيه قصور وهو مخالف لتعريف الإيمان الشرعي عند أهل السنة و الجماعة والذي هو : (تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان) و العمل عند أهل السنة والجماعة ركن من أركان حقيقة الإيمــان[12] ، قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - [شرح أصول الاعتقاد للالكائي:5/886): "وكـان الإجمـاع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن أدركناهم : أن الإيمان قول وعمل ونية ، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر". وانظر [مجموع الفتاوى : 7 / 308].اهـ

وقال ابن أبي زمنين - رحمه الله تعالى- في كتابه (أصول السنة:207) :"الإيمان بالله هو : باللسان والقلب ، وتصديق ذلك بالعمل ، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه".اهـ

وقال الحافظ ابن أبي زيد القيرواني مالك الصغير- رحمه الله تعالى - (كما في اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم:150،152) :"فصل فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة ومن السنن التي خلافها بدعةٌ وضلالة : ... وأن الإيمـان قــول بالـلـسان وإخـلاص بالقلــب وعمـل بالجـوارح ، يــزيــد ذلـك بالطاعة ، وينقص بالمعصية نقصاً عن حقائق الكمال لا محبط للإيمان ، ولا قول إلا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلا بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بموافقة السنة".اهـ

وقال الإمام الآجري - رحمه الله تعالى - في كتابه (الأربعين حديثاً:135):"الذي عليه علمـاء المسلمـين أن الإيمان واجـــب علـــى جميـــع الخلــق : وهــو التصـديـق بالقـلـب ، وإقـرار باللسان ، وعمل بالجوارح ...لا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح".اهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في (شرح العمدة:2/86) : "الإيمان عند أهل السنة و الجماعة : قولٌ و عملٌ كما دل عليه الكتاب و السنة و أجمع عليه السلف ، و على ما هو مقرر في موضعه. فالقول تصديق الرسول ، و العمل تصديق القول. فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً ". اهـ

ـ ثانياً وثالثاً : جعله العمل الصالح من ثمرات الإيمان مبني على قوله أنَّ الإيمانَ الذي في القَلبِ يَكونُ تامّاً بِدونِ شيءٍ من الأعمالِ [13] ، فمن ضيع الأعمال لم يخرج من دائرة الإيمان[14] ، وانعدامها دال على اضطرابه و وشك انحلاله واضمحلاله[15] ، وهذا الكلام غلط وقد وافق به أهل البدع من المرجئة :

ـ قالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة – رحمه الله تعالى - : (( الوجهُ الثاني من غَلطِ المرجئةِ : ظنُّهم أنَّ ما في القَلبِ من الإيمانِ لَيسَ إلا التصديق فَقَط دونَ أعمالِ القُلوبِ، كما تَقدَّم عن جَهميَّة المرجئةِ ، الثالث : ظنُّهم أنَّ الإيمانَ الذي في القَلبِ يَكونُ تامّاً بِدونِ شيءٍ من الأعمالِ ، ولهذا يَجعَلونَ الأعمالَ ثَمَرةَ الإيمانِ وَمُقتضاهُ بِمَنزِلةِ السَّببِ مع المسبّبِ ، ولا يَجعَلونَها لازِمةً لهُ ، والتحقيقُ أنَّ إيمانَ القلبِ التَّامِّ يَستَلزِمُ العملَ الظاهرَ بِحَسَبِهِ لا مَحَالةَ ، وَيَمتَنِعُ أن يَقومَ بالقلبِ إيمانٌ تامٌّ بِدونِ عَمَلٍ ظاهرٍ))[16] .

ـ و قال كذلك –رحمه الله تعالى – في ((شرح العمدة 2/86)): "الإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف،...فالقول: تصديق الرسول، والعمل: تصديق القول، فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمناً".اهـ

ـ وقال -رحمه الله تعالى- كما في (الفتاوى:7/198): "لا يتصور وجود إيمان القلب مع عدم جميع أعمال الجوارح".اهـ



[موافقته للمرجئة في باب التكفير بالأعمال]


14- في صفحة ( 212-213) الأسطر (23-24-25-26-27): قوله: "خيانة دون خيانة وكفر دون كفر: الخيانة خيانتان خيانة عقيدة و خيانة أعمال، وكذلك الكفر، وكذلك النفاق، وكذلك الشرك، وإنما يخرج المرء عن أصل الإسلام بما كان في أصل العقيدة لا بما كان في الأعمال إلاَّ عملا يدل دلالة ظاهرة على فساد العقيدة و انحلالها. وعلى هذا عقد البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح أبوابا في ظلم دون ظلم وكفر دون كفر".اهـ.
قوله: " وإنما يخرج المرء عن أصل الإسلام بما كان في أصل العقيدة لا بما كان في الأعمال[17] إلاَّ عملا يدل دلالة ظاهرة على فساد العقيدة و انحلالها ". يفهم منه حصر الكفر في اعتقاد القلب، فلا يخرج المرء عن أصل الإسلام إلا بما كان في أصل العقيدة أو عمل عملا كفريًا دلَّ على فسادها، حيث جعل الأعمال الكفرية دليل على الكفر لا أن نفس العمل كفري، بمعنى أن الأعمال الكفرية الصريحة ليست مكفرة بذاتها بمجرد فعلها إلاَّ إذا دلَّت دلالة ظاهرة على فساد العقيدة وانحلالها، وهذا القول موافق لقول مرجئة الأشاعرة ونحوهم، وهو مبني على قوله في الإيمان ومنزلة العمل منه وتقسيمه للكفر بأنه اعتقادي مخرج للملة وعملي غير مخرج من الملة [18] ، ومن أمثلة الكفر العملي المخرج من الملة: السجود للصنم ، وإهانة المصحف ، وسب الله-جل وعلا- و سب الرسول-صلى الله عليه و سلم-وهي أعمال كفرية في نفسها يكفر المرء بها بمجرد وقوعه فيها. وعليه فقوله " وإنما يخرج المرء عن أصل الإسلام بما كان في أصل العقيدة[19] لا بما كان في الأعمال.." قول ظاهر الفساد حيث جعل فساد العقيدة شرطاً في كفر الجوارح – على مفهومه للإيمان الشرعي والكفر العملي –، ومعلوم أن أهل السنة و الجماعة لما عرفوا الإيمان الشرعي بأنه: ( تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان) - والعمل عندهم ركن من أركان حقيقة الإيمــان- عرفوا نقيضه الكفر بأنه يكون باللسان و بالجوارح و بالقلب ، أي الكفر يدخل في الأعمال كما يدخل في الاعتقادات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"... من قال أو فعَل ما هو كُفرٌ، كَفَر بذلك، وإنْ لم يقصد أن يكون كافِراً، إذْ لا يقصُد أحدٌ الكفر إلا ما شاء الله" [20].
وقال في موضع آخر: " إنَّ سبَّ الله وسبَّ رسوله كفَرَ ظاهراً وباطناً، سواء كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرَّم أو كان مُستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعمَلٌ "[21]
وقال - رحمه الله تعالى -: " قال سبحانه: (من كفر بالله من بعد إيمانه - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان - ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) .
ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط ، لأن ذلك لا يكره الرجل عليه ، وهو قد استثنى من أكره ولم يرد من قال واعتقد ، لأنه استثنى المكره ، وهو لا يكره على القصد والقول ، وإنما يكره على القول فقط ، فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان ، ولكن من شرح بالكفر صدراً من المكرهين ، فإنه كافر أيضاً ، فصار من تكلم بالكفر كافراً إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان .
وقال تعالى في حق المستهزئين : (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع"[22].

ـ قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله الراجحي كما في (أجوبة و أسئلة في الكفر و الإيمان): " ومن أقوالهم-أي المرجئة- : ( الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد ) وهذا باطل ، بل نفس القول الكفري كفر ونفس العمل الكفري كفر كما مر في قول الله تعالى ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) أي : بهذه المقالة ".اهـ



ختاما

"هذا ما تيسر لي التنبيه عليه الآن ، وهناك مسائل أخرى تحتاج لبيان ، عسى الله أن ييسر ذلك في وقت لا حق – إن شاء الله تعالى – والله أسأل أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه، و يرينا الحق حقا و يرزقنا اجتنابه، و الله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد"[23].


تمت بتاريخ:09/ شعبان/1429، بدولة الجزائر
على يد كاتبها / عبد الحق آل أحمد
عفا الله عنه وعن زوجه و والديه وجميع المؤمنين و المؤمنات.

------------------

الحواشي:

[1] مقتبس من كلام شيخنا العلامة صالح بن فوزان الفوزان - حفظه الله تعالى- في رده على أخطاء الصابوني في تفسيره.

[2] قال ابن أبي العز –رحمه الله تعالى - كما في (شرح العقيدة الطحاوية ): " وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة وهو إحدى قسمي المتواتر ، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ". اهـ ، و قال الإمام الحافظ بن عبد الهادي-رحمه الله تعالى- في (الصارم المنكي في الرد على السبكي): " وأي تنقص فوق من عزل كلام الرسول عن إفادة اليقين".اهـ
[3] ينظر كتابه: (تقريب الوصول لعلم الأصول/ص:127)، وقد فات محقق الكتاب الشيخ محمد علي فركوس التعقيب عليه فيها.

[4] ينظر: تفسيره (أحكام القرآن)، (1 / 39).

[5] قال الرازي في تفسيره (5/360): "ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز ".اهـ. و غالب الظن أن عبد الحميد بن باديس تأثر بكلامه حيث اعتمد تفسيره من بين مصادر التفسير قال (ص:49) كما في (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير): " وعمدتنا فيما نرجع إليه من كتب الأئمة: تفسير ابن جرير الطبري الذي يمتاز بالتفاسير النقلية السلفية، وبأسلوبه الترسلي البليغ في بيان معنى الآيات القرآنية، وبترجيحاته لأولى الأقوال عنده بالصواب. و تفسير الكشاف الذي يمتاز بذوقه البياني في الأسلوب القرآني، وتطبيقه فنون البلاغة على آيات الكتاب و التنظير لها بكلام العرب، واستعمالها في أفانين الكلام.وتفسير أبي حيان الأندلسي الذي يمتاز بتحقيقاته النحوية و اللغوية و توجيهه للقراءات.وتفسير الرازي الذي يمتاز ببحوثه في العلوم الكونية، مما يتعلق بالجماد و النبات و الحيوان و الإنسان، وفي العلوم الكلامية و مقالات الفرق و المناظرة في ذلك و الحجاج".اهـ
[6] وقال كما في (5 / 416 ) من تفسيره ( أضواء البيان ) : " .. التحقيق هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد إذا ثبت تأخرها عنه ، ولا منافاة بينهما أصلاً ، حتى يرجح المتواتر على الآحاد ، لأنه لا تناقض مع اختلاف زمن الدليلين ، لأن كلا منهما حق في وقته ؛ ..".اهـ، و لزيادة الفائدة ينظر: ( الاحكام ) لابن حزم - (4 / 477).
[7] إطلاق لفظ " المادة " على الله - جل وعلا - ، إثباتا، أو نفيا، ليس من عبارات السلف الصالح المقتدى بهم في باب أسماء الله سبحانه و تعالى و صفاته ، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى - : " وأما ما لا يوجد عن الله، و رسوله، إثباته، و نفيه، مثل: الجوهر، والجسم، والجهة، وغير ذلك، لا يثبتونه، ولا ينفونه، فمن نفاه فهو عند أحمد و السلف مبتدع، ومن أثبته فهو عندهم مبتدع، و الواجب عندهم: السكوت عن هذا النوع، إقتداء بالنبي- صلى الله عليه و سلم- و أصحابه".اهـ من كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية).
[8] قال فضيلة الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل في (التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري): "وإن نفي الصورة عن الله قول الجهمية، كما قال الإمام أحمد وغيره. وقد بسط الشيخ ابن تيمية الكلام في المسألة في آخر بيان تلبيس الجهمية بسطاً شافياً".اهـ
[9]وقد حرَّف الرازي معنى صفة الصورة للرحمن - جل وعلا – كما في تفسيره: (1 / 113) بتأويلات فاسدة وهو "من أكابر أئمة الأشاعرة الذين أوغلوا في التأويل" كما قال الشيخ العلامة عبد الرحمن الوكيل-رحمه الله تعالى-ولزم من تأويله الفاسد نفيه للصفة على ما تليق بجلال الله وعظمته، وتفسير الرازي – هذا - من المراجع المعتمدة عند الشيخ ابن باديس-عفا الله عنه- فتنبه ، و يراجع جواب سليل الدعوة النجدية الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين- رحمه الله تعالى- عن قوله - صلى الله عليه و سلم -: (خلق الله آدم بيده على صورته..) في كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) الجزء الثالث قسم: (الأسماء و الصفات) ، والله الموفق.
[10]ينظر: كتاب (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن) للشيخ العلامة المحدث حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله تعالى-، فإنه مهم.
[11]ينظر تعليق الشيخ تقي الدين الهلالي – رحمه الله تعالى – على بحث الشيخ المحدث العلامة حماد الأنصاري – رحمه الله تعالى – بعنوان: (تعريف أهل الإيمان بصحة حديث إن آدم خلق على صورة الرحمن ) ضمن سلسلة الرسائل الأنصارية كتاب: (رسائل في العقيدة). فإنه مهم.

[12] قد يقول قائل إن الشيخ بن باديس-رحمه الله تعالى- عرَّف الإيمان الشرعي بتعريف أهل السنة و الجماعة كما في رسالته (العقائد الإسلامية) حيث قال:" الإيمان في الوضع الشرعي هو قول باللسان وعمل القلب وعمل الجوارح ".اهـ وجوابه أن العبرة بحقيقة المعنى المراد من التعريف لا موافقته في ظاهر اللفظ، لأن الأشاعرة يظهرون قول أهل السنة في الإيمان و يتأولونه، قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في (النبوات): "وأما الأشعري، فالمعروف عنه وعن أصحابه، أنهم يوافقون جهما في قوله في الإيمان، و أنه مجرد تصديق القلب، أو معرفة القلب، لكن قد يظهرون مع ذلك قول أهل الحديث و يتأولونه".اهـ ، ومع ذلك فقد صرح في الكتاب نفسه (ص:51 ) أن تارك الأعمال بالكلية لا يخرج عن دائرة الإيمان – أي لا يكفر – قال : " من ضيع الأعمال لم يخرج من دائرة الإيمان".اهـ ، تنبيه : (من) تفيد العموم وعليه فالتضييع يعم جميع الأعمال ، و الله أعلم.

[13] فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- كما في (الفتاوى:7/50):"فإن المرجئة لا تنازع في أن الإيمان الذي في القلب يدعو إلى فعل الطاعة ويقتضي ذلك ، والطاعة من ثمراته ونتائجه ، لكنها تنازع هل يستلزم الطاعة ؟".اهـ
[14] قال ابن باديس-رحمه الله تعالى- (ص:51 )كما في رسالة (العقائد الإسلامية): " من ضيع الأعمال لم يخرج من دائرة الإيمان".اهـ . أي أن تارك الأعمال بالكلية لا يخرج عن دائرة الإيمان – أي لا يكفر – و تنبه أخي القاري أن (من) تفيد العموم وعليه فالتضييع يعم جميع الأعمال، و الله المستعان.

[15] قال الشيخ حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله تعالى –كما في (الدرر السنية):" قال ابن القيم رحمه الله : ونحن نحكي إجماعهم، كما حكاه حرب، صاحب الإمام أحمد، بلفظه، قال في مسائله المشهورة : هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدى بهم فيها، من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء الحجاز، والشام، وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن مذهب أهل السنة وسبيل الحق . قال : وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم وعبد الله بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم : إن الإيمان قول وعمل ونية، وتمسك بالكتاب والسنة ؛ والإيمان : يزيد وينقص، ويستثنى في الإيمان غير أن لا يكون شكاً، إنما هي سنة ماضية عند العلماء ؛ وإذا سئل
الرجل . أمؤمن أنت ؟ فإنه يقول : أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، ويقول : آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم : أن الإيمان قول بلا عمل، فهو مرجىء ؛ ومن زعم : أن الإيمان هو القول، والأعمال شرائع، فهو مرجىء ؛ ومن زعم : أن الإيمان يزيد، ولا ينقص، فقد قال بقول المرجئة ؛ ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجىء ؛ ومن زعم : أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة، فهو مرجىء ؛ ومن زعم : أن المعرفة تقع في القلب، وإن لم يتكلم بها فهو مرجىء ".اهـ

[16] ينظر : ( مجموع الفتاوى ) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - .


[17] قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- : "المرتد الذى يكفر بعد إسلامه نطقا أو شكا أو اعتقادا أو فعلا " .اهـ من (الدرر السنية).
[18] قال الشيخ ابن باديس (ص:176) كما في تفسيره:" و الكفر قسمان اعتقادي وهو الذي يضاد الإيمان، وكفر عملي وهو لا يضاد الإيمان".اهـ وهذا التقسيم مخالف لتقسيم أهل السنة و الجماعة، قال الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله تعالى-كما في (الدرر السنية) : " وأما كفر العمل فمنه ما يضاد الإيمان كالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي صلى الله عليه وسلم وسبه..".اهـ

[19] ينظر : (الصارم المسلول) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى - .
[20] ينظر : المصدر السابق.

[21] ينظر : المصدر السابق.

[22] أصل العقيدة عند الشيخ ابن باديس-رحمه الله تعالى- هو التصديق القلبي بدليل قوله (ص:47) كما في (العقيدة الإسلامية): " التصديق الذي هو الجزء الأصلي في الإيمان.. ".اهـ، فجعل التصديق هو الجزء الأصلي في الإيمان وهذا غلط، بل القلب هو المحل الأصلي للإيمان وفيه تصديق و عمل وهما الجزء الأصلي للإيمان، والدليل من السنة قول النبى صلى الله عليه وسلم : (التقوى هاهنا) وأشار إلى صدره ثلاث مرات ، وقوله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) ، ويقول-صلى الله عليه و سلم- : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ). ومن هذا الإعتبار و غيره لم يجعل بن باديس الأعمال الكفرية إلا دلالات على انتفاء التصديق القلبى ، وليست مكفرة بذاتها. والله أعلم.

[23] مقتبس من خاتمة مقال الأخ "مصطفى بلحاج" بعنوان : [تنبيهات على ((رسالة الشرك و مظاهره)) للشيخ مبارك الميلي رحمه الله] الموجود في مجلة (الإصلاح) الجزائرية.والله الموفق.

12d8c7a34f47c2e9d3==