المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده


كيف حالك ؟

البلوشي
07-27-2008, 08:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم التوحيد باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟ في الصحيح عن عائشة أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة ، وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح؟ بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله .
فهؤلاء جمعوا بين فتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل .
ولهما عنها قالت: لما نزل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فقال: وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا .
يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . أخرجاه
ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا ، لاتخذت أبا بكر خليلا . ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك .
فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن- وهو في السياق- من فعله، والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد، وهو معنى قولها: "خشي أن يتخذ مسجدا "فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا .
وكل موضع قصد الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال -صلى الله عليه وسلم- جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا: إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ورواه أبو حاتم في صحيحه .

قال الشيخ العلامة الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله

ما ذكره المصنف في البابين يتضح بذكر تفصيل القول فيما يفعل عند قبور الصالحين وغيرهم : وذلك أن ما يفعل عندها نوعان : مشروع وممنوع .
أما المشروع فهو ما شرعه الشارع من زيارة القبور على الوجه الشرعي من غير شد رحل : يزورها المسلم متبعا للسنة فيدعو لأهلها عموما ولأقاربه ومعارفه خصوصا فيكون محسنا إليهم بالدعاء لهم وطلب العفو والمغفرة والرحمة لهم , ومحسنا إلى نفسه باتباع السنة وتذكر الآخرة والاعتبار بها والاتعاظ .
وأما الممنوع فإنه نوعان : أحدهما محرم ووسيلة للشرك , كالتمسح بها والتوسل إلى الله بأهلها والصلاة عندها وكإسراجها والبناء عليها والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة . والنوع الثاني شرك أكبر كدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم وطلب الحوائج الدنيوية والأخروية منهم , فهذا شرك أكبر وهو عين ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم .
ولا فرق في هذا بين أن يعتقد الفاعل لذلك أنهم مستقلون في تحصيل مطالبه أو متوسطون إلى الله , فإن المشركين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . فمن زعم أنه لا يكفر من دعا أهل القبور حتى يعتقد أنهم مستقلون بالنفع ودفع الضرر , وأن من اعتقد أن الله هو الفاعل وأنهم وسائط بين الله وبين من دعاهم واستغاث بهم فلا يكفر . من زعم ذلك فقد كذب ما جاء به الكتاب والسنة , وأجمعت عليه الأمة من أن من دعا غير الله فهو مشرك كافر في الحالين المذكورين , سواء اعتقدهم مستقلين أو متوسطين . وهذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام , فعليك بهذا التفصيل الذي يحصل به الفرقان في هذا الباب المهم الذي حصل به من الاضطراب والفتنة ما حصل ولم ينج من فتنته إلا من عرف الحق واتبعه .

قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله

ويستفاد من هذين الحديثين مسائل عظيمة:

المسألة الأولى: تحريم البناء على القبور لأن ذلك وسيلة إلى الشرك بالله -عز وجل-؛ لأن القبر إذا بني عليه بنية، أو جعل عليه ستائر وزخرف، فإن العوام والجهال يفتتنون به، ويظنون أنه ما عمل به هذا العمل إلا لأن فيه سرا، وأنه محل للعبادة والدعاء وطلب الحاجات- كما هو الواقع-؛ ولهذا كان هدي الإسلام في القبور أن الميت يدفن في المقبرة العامة مع أموات المسلمين، ويدفن في تراب قبره الذي حفر منه، لا يزاد عليه، ويرفع عن الأرض قدر شبر من التراب من أجل أن يعرف أنه قبر فلا يداس، ولا يبنى عليه شيء .

هكذا كان قبر النبي وكانت قبور الصحابة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو هدي الإسلام في القبور لا يبنى عليها بنية، ولا يكتب عليها، ولا تزخرف، ولا تجصص؛ لأن هذه الأمور إذا فعلت صارت وسيلة إلى الشرك، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدم القبور المشرفة، فقال لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه- " لا تدع قبرا مشرفا " يعني: مرتفعا، " إلا سويته " يعني: هدمت ما عليه من البناء حتى يصبح كسائر القبور لا يلفت النظر، ولا يفتتن به، فالقبور إذا كانت على الهدي الشرعي لا يفتتن بها، أما إذا بني على بعضها، وجصص، وزخرف، فإن الناس سينصرفون إليه ولا بد .

المسألة الثانية: في الحديث دليل على تحريم العبادة عند القبر، حتى ولو لم يبن عليه بنية، لا بدعاء، ولا بصلاة، ولا بذبح، ولا بنذر، ولا بغير ذلك، وإنما هدي الإسلام أن القبور تزار من أجل السلام على الأموات، والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، واتعاظ الزائر بأحوال الموتى، هذا هو هدي الإسلام في القبور، وأن لا تهان القبور- أيضا- ولا تمتهن بل يحافظ عليها، فلا تهان ولا تداس .

فهدي الإسلام وسط بين إفراط وتفريط، بين الغلو فيها، وبين التساهل في شأنها وإهانتها، يحافظ عليها الإسلام ولكنه لا يغلو فيها، هدي الإسلام هو الوسط في كل شيء- والحمد لله-؛ لأن من الناس من يمتهن القبور، ويبني عليها المساكن، أو يجعلها محلا للقمامات والقاذورات، أو يدوس الأقدام عليها، أو مرور الحيوانات عليها، أو يقضون حوائجهم ويبولون عليها، وهذا حرام لا يقره الإسلام .

المسألة الثالثة: فيه دليل على تحريم نصب الصور من التماثيل وغيرها؛ لأن ذلك وسيلة إلى الشرك بهذه الصور ولو على المدى البعيد كما حصل لقوم نوح

المسألة الرابعة: فيه دليل على أن النية الصالحة لا تسوغ العمل السيئ فهؤلاء إنما فعلوا هذا لظنهم أن فيه خيرا وفيه تذكرا لأحوال هؤلاء الصالحين، أو إكراما للصالحين- كما يقولون- أو تخليدا لذكراهم، فهذا وإن كان قصدهم فيه حسنا، فإن هذا العمل غير مشروع؛ لأنه يفضي إلى الشرك في العبادة، والشارع جاء بسد الذرائع المفضية إلى الشرك دون نظر إلى نيات أصحابها .

المسألة الخامسة: فيه دليل على جواز لعن الكفار وأصحاب الكبائر على وجه العموم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن اليهود والنصارى، وهذا لعن على العموم، فلعن الكفار- وأصحاب الكبائر على العموم لا بأس به لأجل التنفير في فعلهم، وأما لعن المعين ففيه خلاف .

المسألة السادسة: في الحديثين دليل على التحذير من التشبه بالنصارى لأن البناء على القبور والصلاة عندها من هدي النصارى، ونحن منهيون عن هدي النصارى، ففي قول عائشة -رضي الله عنها- "يحذر ما صنعوا" دليل على النهي عن التشبه بالنصارى، ولا سيما في أمور العقيدة .

المسألة السابعة: أن الذين يبنون على القبور والذين يذهبون إليها للتعبد عندها هم شرار الخلق، لا أحد شر منهم؛ لأن معصيتهم فوق كل معصية، فالزاني وشارب الخمر والسارق أخف من الذي يبني على القبور، ولو كان زاهدا عابدا .

فالزاني والشارب- الذي يشرب الخمر- ومعه أصل التوحيد وأصل العقيدة هذا خير من الذين يبنون على القبور والذين يذهبون للعبادة عندها، وإن كانوا يبكون الليل والنهار، ويصومون، فهم شرار الخلق والعياذ بالله .

المسألة الثامنة: فيه دليل على أن المصورين هم شرار الخلق؛ لأن فعلهم هذا وسيلة إلى الشرك، ولأنه مضاهاة لخلق الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يعني: المصورين فليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة وهذا تعجيز لهم، فدل على أن المصورين هم شرار الخلق، سواء "كانوا يصورون ببناء التماثيل، أو يصورون بالرسم، أو يصورون بالتقاط الصور بالآلة الفوتوغرافية، كل ذلك داخل في الوعيد والنهي الشديد، وأنهم شرار الخلق عند الله، ومن أخرج التصوير بالكاميرا عن حكم التصوير المنهي عنه، فليس له دليل ولا عبرة بقوله .

المسألة التاسعة: في الحديث دليل على وجوب الاهتمام بأمر العقيدة، والدعوة إليها قبل كل شيء من أنواع الفساد نبدأ بإصلاح العقيدة قبل إصلاح الأمور الأخرى؛ لأن هذا منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .

المسألة العاشرة: في الحديث دليل على كمال حرصه -صلى الله عليه وسلم- على أمته، ونصيحته لأمته وأنه بلغ البلاغ المبين حتى في آخر لحظة من حياته -صلى الله عليه وسلم- بل في حالة حرجة، وهي حالة الاحتضار .

المسألة الحادية عشرة: فيه دليل على بيان الحكمة من دفنه -صلى الله عليه وسلم- في بيته .

وعدم دفنه في المقبرة العامة، وأن ذلك لأجل الحفاظ على عقيدة المسلمين من الغلو في حقه -صلى الله عليه وسلم- وأن يفعل عند قبره كما فعل عند قبور الأنبياء والصالحين في بني إسرائيل ، هذا هو بيان الحكمة .
وهذا فيه بيان الإشكال الذي لا يزال يتردد عند بعض الناس، ويقولون: إن مسجد الرسول مبني على القبر، فهذا دليل على جواز البناء على القبور بزعمهم، ونقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدفن في المسجد، وإنما دفن في بيته خارج المسجد، والحكمة في ذلك ما ذكرته أم المؤمنين: أنه خشي أن يتخذ مسجدا، فالبيت منفرد عن المسجد، وفي معزل عن المسجد، وإنما أدخل البيت في المسجد بعد عهد الخلفاء الراشدين في وقت الوليد بن عبد الملك ؛ لما أراد أن يوسع المسجد عمم التوسعة من جهة المشرق .
فأدخل حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن هذا بمشورة أهل العلم، وإنما هذا عمل الخليفة بدون مشورة أهل العلم، ولكن مع هذا فالبيت لا يزال على شكله وحيازته، والمسجد لا يزال على وضعه والحمد لله، وما يحصل من الناس الجهال إنما يكون في مسجد الرسول وليس عند القبر؛ لأن القبر بعيد عنهم، ومصون عنهم، ولا يرونه؛ ولهذا لما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد استجاب الله دعاءه، فصانه في بيته؛ ولهذا يقول العلامة ابن القيم :

فأجاب رب العالمين دعاءه وأحاطــه بثلاثــة الجــدران
يعني: صار القبر داخل الجدران، فلا يرى أبدا، وذلك صيانة له عن الغلو عليه الصلاة والسلام .

12d8c7a34f47c2e9d3==