المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "لو" من عمل الشيطان


كيف حالك ؟

السلفيه
12-28-2003, 03:07 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


هل يُعتبر التحسُّر والتأسُّف على ما مضى مما لم يُدرك أمرًا مذمومًا؟ وما حكمة منع استعمال كلمة (لو)؟

لا يجوز التحسُّر والتأسُّفُ على ما لم يدرك الإنسان إذا كان عمل السبب لحصوله ولم يحصل؛ فإنه لا يدري؛ لعل عدم حصوله خير له، ولأن هذا يدل على التسخُّط على قضاء الله وقدره؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22-23.].
أما قوله: لو أني فعلت كذا؛ لكان كذا! فقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ففي "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احرص على ما ينفعُك، واستعن بالله، ولا تَعجِزَن، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل: لو أني فعلتُ؛ لكان كذا وكذا، ولكن قُل: قدَّرَ الله، وما شاء فعل. فإنَّ (لو) تفتحُ عمل الشيطان" [رواه مسلم في "صحيحه" (4/2052) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.].
فكلمة (لو) تفتح عمل الشيطان لما فيها من التأسُّف على ما فات والتحسُّر ولوم القدر، وذلك ينافي الصَّبر والرِّضى بالقضاء والقدر.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ ما سُقت الهديَ" [رواه مسلم في "صحيحه" (2/879) من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو جزء من الحديث.]؛ فهو إخبار عن مستقبل، وليس فيه اعتراض على قدر؛ فهو إخبار عمَّا سيفعل في المستقبل لو حصل.

من فتاوى الشيخ صالح الفوزان حفظه الله

الأثرية
12-28-2003, 06:04 PM
جزاك الله خير وكثرالله من امثالك

أم أسماء
01-05-2004, 01:11 AM
كاتب الرسالة الأصلية الأثرية
جزاك الله خير وكثرالله من امثالك

الكاسر
01-06-2004, 09:28 PM
جزاك الله خير

السلفيه
01-06-2004, 10:16 PM
جزاكم الله خير
وبارك الله فيكم

salah alsalafy
01-14-2004, 01:44 PM
فتح الباري شرح صحيح البخاري
2*كِتَاب التَّمَنِّي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب التمني‏)‏ ‏.‏

كذا لأبي ذر عن المستملي، وكذا لابن بطال لكن ‏"‏ بغير بسملة ‏"‏ وأثبتها ابن التين لكن حذف لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وللنسفي ‏"‏ بعد البسملة ما جاء في التمني ‏"‏ وللقابسي ‏"‏ بحذف الواو والبسملة وكتاب ‏"‏ ومثله لأبي نعيم عن الجرجاني ولكن أثبت ‏"‏ الواو ‏"‏ وزاد بعد قوله كتاب التمني ‏"‏ والأماني ‏"‏ واقتصر الإسماعيلي على ‏"‏ باب ما جاء في تمني الشهادة ‏"‏ والتمني تفعل من الأمنية والجمع أماني، والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كانت في خير من غير أن تتعلق بحسد فهي مطلوبة وإلا فهي مذمومة‏.‏

وقد قيل أن بين التمني والترجي عموما وخصوصا، فالترجي في الممكن، والتمني في أعم من ذلك، وقيل التمني يتعلق بما فات وعبر عنه بعضهم بطلب ما لا يمكن حصوله وقال الراغب قد يتضمن التمني معنى الود، لأنه يتمنى حصول ما يود، وقوله ‏"‏عبد الرحمن بن خالد ‏"‏ هو ابن مسافر الفهمي المصري ونصف السند مصريون ونصفه الأعلى مدنيون، والمقصود منه هنا قوله ‏"‏ لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ‏"‏ ووقع في الطريق الثانية ‏"‏ وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ‏"‏ وهي أبين، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ لأقاتل ‏"‏ بزيادة لام التأكيد، و ‏"‏ وددت ‏"‏ من الودادة وهي إرادة وقوع الشيء على وجه مخصوص يراد وقال الراغب ‏"‏ الود‏:‏ محبة الشيء وتمني حصوله ‏"‏ فمن الأول ‏(‏قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى‏)‏ الآية ومن الثاني ‏(‏ودت طائفة من أهل الكتاب‏)‏ الآية‏.‏

وقد تقدم شرح حديث الباب وتوجيه تمني الشهادة مع ما يشكل على ذلك في ‏"‏ باب تمني الشهادة من كتاب الجهاد ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3* بَاب مَا جَاءَ فِي التَّمَنِّي وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنَّ رِجَالًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ مَا تَخَلَّفْتُ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏‏.‏

*3* باب تَمَنِّي الْخَيْرِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَبًا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تمني الخير‏)‏ هذه الترجمة أعم من التي قبلها لأن ‏"‏ تمني الشهادة في سبيل الله تعالى من جملة الخير ‏"‏ وأشار بذلك إلى أن التمني المطلوب لا ينحصر في طلب الشهادة وقوله ‏"‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم لو كان لي أحد ذهبا ‏"‏ أسنده في الباب بلفظ ‏"‏ لو كان عندي ‏"‏ واللفظ المعلق وصله في الرقاق بلفظ ‏"‏ لو كان لي مثل أحد ذهبا ‏"‏ وقوله في الموصول ‏"‏ وعندي منه دينار ليس شيء أرصده في دين علي أجد من يقبله ‏"‏ كذا وقع، وذكر الصغاني أن الصواب ‏"‏ ليس شيئا ‏"‏ بالنصب‏.‏

وقال عياض‏:‏ في هذا السياق نظر، والصواب تقديم ‏"‏ أجد من يقبله ‏"‏ وتأخير ‏"‏ ليس ‏"‏ وما بعدها، وقد اعترض الإسماعيلي فقال هذا لا يشبه التمني، وغفل عن قوله في سياق رواية همام عن أبي هريرة ‏"‏ لأحببت ‏"‏ فإنها بمعنى وددت، وقد جرت عادة البخاري أن يترجم ببعض ما ورد من طرق بعض الحديث المذكور، وتقدم شرح الحديث مستوفى في ‏"‏ كتاب الرقاق ‏"‏ وتقدم كلام ابن مالك في ذلك هناك‏.‏

*3* باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة بلفظه وبعده ‏"‏ ما سقت الهدي ‏"‏ وقد مضى من وجه آخر أتم من هذا في ‏"‏ كتاب الحج ‏"‏ ثم ذكر بعده حديث جابر وفيه ‏"‏ إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت ‏"‏ وحبيب في السند هو ابن أبي قريبة واسمه زيد وقيل غير ذلك وهو المعروف بالعلم، وتقدم شرح الحديث مستوفى في ‏"‏ كتاب الحج ‏"‏ وقد وقع فيه ‏"‏ لو ‏"‏ مجردة عن النفي ومعقبة بالنفي حيث جاء فيه ‏"‏ لو أني استقبلت ‏"‏ وقال بعده ‏"‏ ولولا أن معي الهدي لأحللت ‏"‏ وسيأتي ما قيل فيهما بعد أربعة أبواب‏.‏

*3* باب قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْتَ كَذَا وَكَذَا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ليت كذا وكذا‏)‏ ليت حرف من حروف التمني يتعلق بالمستحيل غالبا وبالممكن قليلا، ومنه حديث الباب فإن كلا من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ فَنَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ بِلَالٌ أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أرق‏)‏ بفتح أوله وكسر الراء أي ‏"‏ سهر ‏"‏ وزنه ومعناه وقد تقدم بيانه في باب الحراسة في الغزو مع شرحه، وقوله ‏"‏من هذا‏؟‏ قيل سعد ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ قال سعد ‏"‏ وهو أولى فقد تقدم في الجهاد بلفظ ‏"‏ فقال أنا سعد بن أبي وقاص ‏"‏ ويستفاد منه تعيينه‏.‏

تنبيه‏:‏ ذكرت في ‏"‏ باب الحراسة ‏"‏ من ‏"‏ كتاب الجهاد ‏"‏ ما أخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ‏"‏ عن عائشة قالت‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت‏:‏ والله يعصمك من الناس ‏"‏ وهو يقتضي أنه لم يحرس بعد ذلك بناء على سبق نزول الآية لكن ورد في عدة أخبار أنه حرس في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي رجوعه من خيبر وفي وادي القرى وفي عمرة القضية وفي حنين، فكأن الآية نزلت متراخية عن وقعة حنين، ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الصغير من حديث أبي سعيد ‏"‏ كان العباس فيمن يحرس النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية ترك ‏"‏ والعباس إنما لازمه بعد فتح مكة، فيحمل على أنها نزلت بعد حنين، وحديث حراسته ليلة حنين أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث سهل بن الحنظلية أن أنس بن أبي مرثد حرس النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وتتبع بعضهم أسماء من حرس النبي صلى الله عليه وسلم فجمع منهم سعد بن معاذ ومحمد ابن مسلمة والزبير وأبو أيوب وذكوان بن عبد القيس والأدرع السلمي وابن الأدرع واسمه محجن ويقال سلمة وعباد ابن بشر والعباس وأبو ريحانة وليس كل واحد من هؤلاء في الوقائع التي تقدم ذكرها حرس النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل ذكر في مطلق الحرس فأمكن أن يكون خاصا به كأبي أيوب حين بنائه بصفية بعد الرجوع من خيبر وأمكن أن يكون حرس أهل تلك الغزوة كأنس بن أبي مرثد، والعلم عند الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏وقالت عائشة قال بلال‏:‏ ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، إلخ‏)‏ هذا حديث آخر تقدم موصولا بتمامه في مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من ‏"‏ كتاب الهجرة ‏"‏ وموضع الدلالة منه قولها فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك اقتصر من الحديث عليها والذي في الرواية الموصولة قالت عائشة‏:‏ فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته‏.‏

*3* باب تَمَنِّي الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تمني القرآن والعلم‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ لا تحاسد إلا في اثنتين ‏"‏ وهو ظاهر في تمني القرآن وأضاف العلم إليه بطريق الإلحاق به في الحكم، وقد تقدم في العلم من وجه آخر عن الأعمش وتقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ وقوله هنا ‏"‏ فهو يتلوه آناء الليل ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ من آناء الليل ‏"‏ بزيادة ‏"‏ من‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسُدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يقول لو أوتيت‏)‏ كذا فيه بحذف القائل وظاهره الذي أوتي القرآن وليس كذلك بل هو السامع وأفصح به في الرواية التي في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ ولفظه؛ فسمعه جار له فقال‏:‏ ليتني أوتيت إلخ، ولفظ هذه الرواية أدخل في التمني لكنه جرى على عادته في الإشارة‏.‏

*3* باب مَا يُكْرَهُ مِنْ التَّمَنِّي
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من التمني‏)‏ قال ابن عطية‏:‏ يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير أي مما يباح وعلى هذا فالنهي عن التمني بخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا محصل قول الشافعي ‏"‏ لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا ‏"‏ ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم‏.‏

قوله ‏(‏ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض - إلى قوله - إن الله كان بكل شيء عليما‏)‏ كذا لأبي ذر وساق في رواية كريمة الآية كلها، ذكر فيه ثلاثة أحاديث كلها في الزجر عن تمني الموت، وفي مناسبتها للآية غموض، إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث، وحاصل ما في الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما له في الحديث الحث على الصبر‏)‏ لأن تمني الموت غالبا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به الموت على الحياة، فإذا نهى عن تمني الموت كأن أمر بالصبر على ما نزل به، ويجمع الحديث والآية الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى‏.‏

ووقع في حديث أنس من طريق ثابت عنه في ‏"‏ باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى ‏"‏ بعد النهي عن تمني الموت؛ فإن كان لا بد فاعلا فليقل ‏"‏ اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، الحديث ولا يرد على ذلك مشروعية الدعاء بالعافية مثلا، لأن الدعاء بتحصيل الأمور الأخروية يتضمن الإيمان بالغيب مع ما فيه من إظهار الافتقار إلى الله تعالى والتذلل له والاحتياج والمسكنة بين يديه، والدعاء بتحصيل الأمور الدنيوية لاحتياج الداعي إليها فقد تكون قدرت له إن دعا بها فكل من الأسباب والمسببات مقدر، وهذا كله بخلاف الدعاء بالموت فليست فيه مصلحة ظاهرة بل فيه مفسدة‏.‏

وهي طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد، لا سيما لمن يكون مؤمنا، فإن استمرار الإيمان من أفضل الأعمال، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ

الشرح‏:‏

وقوله ‏"‏عاصم ‏"‏ هو ابن سليمان المعروف بالأحول وقد سمع من أنس، وربما أدخل بينهما واسطة كهذا، ووقع عند مسلم في هذا الحديث من رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم عن النضر بن أنس قال قال أنس، وأنس يومئذ حي، فذكره‏.‏

وقوله ‏"‏لا تمنوا ‏"‏ بفتح أوله وثانيه وثالثه مشددا وهي على حذف إحدى التاءين، وثبتت في رواية الكشميهني ‏"‏ لا تتمنوا ‏"‏ وزاد في رواية ثابت المذكورة عن أنس ‏"‏ لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد مضى الكلام عليه في ‏"‏ كتاب المرضى ‏"‏ وأورد نحوه من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس في ‏"‏ كتاب الدعوات ‏"‏ و ‏"‏ محمد‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ نَعُودُهُ وَقَدْ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ

الشرح‏:‏

‏"‏ محمد ‏"‏ هو ابن سلام و ‏"‏ عبدة ‏"‏ هو ابن سليمان و ‏"‏ ابن أبي خالد ‏"‏ هو إسماعيل و ‏"‏ قيس ‏"‏ هو ابن أبي حازم، والسند كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد مضى الكلام عليه في ‏"‏ كتاب المرضى‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ

الشرح‏:‏

وقوله ‏"‏عن الزهري ‏"‏ كذا لهشام بن يوسف عن معمر‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة أخرجه مسلم والطريقان محفوظان لمعمر، وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وتابعه فيه عن الزهري، شعيب وابن أبي حفصة ويونس بن يزيد، وقوله ‏"‏عن أبي عبيد ‏"‏ هو سعد بن عبيد مولى ابن أزهر وقد أخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق إبراهيم ابن سعد عبد الزهري فقال‏:‏ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، لكن قال النسائي إن الأول هو الصواب‏.‏

قوله ‏(‏لا يتمنى‏)‏ كذا للأكثر بلفظ النفي، والمراد به النهي أو هو للنهي وأشبعت الفتحة، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ لا يتمنين ‏"‏ بزيادة نون التأكيد، ووقع في رواية همام المشار إليها لا يتمن أحدكم الموت، ولا يدع به قبل أن يأتيه ‏"‏ فجمع في النهي عن ذلك بين القصد والنطق‏.‏

وفي قوله ‏"‏ قبل أن يأتيه ‏"‏ إشارة إلى الزجر عن كراهيته إذا حضر لئلا يدخل فيمن كره لقاء الله تعالى، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم عند حضور أجله ‏"‏ اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى ‏"‏ وكلامه صلى الله عليه وسلم بعدما خير بين، البقاء في الدنيا والموت فاختار ما عند الله وقد خطب بذلك وفهمه عنه أبو بكر الصديق كما تقدم بيانه في المناقب، وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قيل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص، فإن تمنى الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه، وقد تقدم في ‏"‏ كتاب الفتن ‏"‏ ما يدل عل ذم ذلك في حديث أبي هريرة ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل يقول يا ليتني مكانه ‏"‏ وليس به الدين إلا البلاء، وقد تقدم شرح ذلك مستوفى في ‏"‏ باب تمني المريض الموت من كتاب المرضى ‏"‏ قال النووي في الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدو ونحوه من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضررا أو فتنة في دينه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث، وقد فعله خلائق من السلف بذلك وفيه أن من خالف فلم يصبر على الضر وتمنى الموت لضر نزل به فليقل الدعاء المذكور‏.‏

قلت‏:‏ ظاهر الحديث المنع مطلقا والاقتصار على الدعاء مطلقا، لكن الذي قاله الشيخ لا بأس به لمن وقع منه التمني ليكون عونا على ترك التمني‏.‏

قوله ‏(‏إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب‏)‏ كذا لهم بالنصب فيهما وهو على تقدير عامل نصب نحو يكون، ووقع في رواية أحمد عن عبد الرزاق بالرفع فيهما، وكذا في رواية إبراهيم بن سعد المذكورة وهي واضحة، وقوله ‏"‏يستعتب ‏"‏ أي يسترضى الله بالإقلاع والاستغفار والاستعتاب طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أي يطلب إزالة العتاب، عاتبه‏:‏ لامه، وأعتبه‏:‏ أزال عتابه‏:‏ قال الكرماني وهو مما جاء على غير القياس إذ الاستفعال إنما ينبني من الثلاثي لا من المزيد فيه انتهى، وظاهر الحديث انحصار حال المكلف في هاتين الحالتين، وبقي قسم ثالث وهو أن يكون مخلطا فيستمر على ذلك أو يزيد إحسانا أو يزيد إساءة أو يكون محسنا فينقلب مسيئا أو يكون مسيئا فيزداد إساءة، والجواب أن ذلك خرج مخرج الغالب لأن غالب حال المؤمنين ذلك، ولا سيما والمخاطب بذلك شفاها الصحابة، وقد تقدم بيان ذلك مبسوطا مع شرحه هناك، وقد خطر لي في معنى الحديث أن فيه إشارة إلى تغبيط المحسن بإحسانه وتحذير المسيء من إساءته، فكأنه يقول‏:‏ من كان محسنا فليترك تمني الموت وليستمر على إحسانه والازدياد منه، ومن كان مسيئا فليترك تمني الموت وليقلع عن الإساءة لئلا يموت على إساءته فيكون على خطر، وأما من عدا ذلك ممن تضمنه التقسيم فيؤخذ حكمه من هاتين الحالتين إذ لا انفكاك عن أحدهما والله أعلم‏.‏

تنبيه‏:‏ أورد البخاري في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ في هذه الترجمة حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يعطي وهو عنده ‏"‏ من رواية عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس على شرطه فلم يعرج عليه في الصحيح‏.‏

*3* باب قَوْلِ الرَّجُلِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا حذف التشكيل

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الرجل‏)‏ كذا للأكثر وللمستملي والسرخسي ‏"‏ قول النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لولا أنت ما اهتدينا‏)‏ إشارة إلى رواية مختصرة أوردها في ‏"‏ باب حفر الخندق ‏"‏ في أوائل الجهاد من وجه آخر عن شعبة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل ويقول ‏"‏ لولا أنت ما اهتدينا ‏"‏ وأورده في ‏"‏ غزوة الخندق ‏"‏ من وجه آخر عن شعبة أتم سياقا وقوله هنا ‏"‏ لولا أنت ما اهتدينا ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ لو لا الله ‏"‏ هكذا وقع بحذف بعض الجزء الأول ويسمى ‏"‏ الخرم ‏"‏ بالخاء المعجمة والراء الساكنة، وتقدم في ‏"‏ غزوة الخندق ‏"‏ من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ والله لولا الله ما اهتدينا ‏"‏ وهو موافق للفظ الترجمة؛ ومن وجه آخر عن أبي إسحاق ‏"‏ اللهم لولا أنت ما اهتدينا ‏"‏ وفي أول هذا الجزء زيادة سبب خفيف وهو ‏"‏ الخزم ‏"‏ بالزاي، وتقدمت الإشارة إلى هذا في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ والرواية الوسطى سالمة من الخرم والخزم معا‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ إن الألى ‏"‏ وربما قال ‏"‏ إن الملأ قد بغوا علينا ‏"‏ تقدم في غزوة الخندق ‏"‏ إن الألى قد بغوا علينا ‏"‏ ولم يتردد و ‏"‏ الألى ‏"‏ بهمزة مضموما غير ممدودة واللام بعدها مفتوحة وهي بمعنى ‏"‏ الذين ‏"‏ وإنما يتزن بلفظ الذين فكأن أحد الرواة ذكرها بالمعنى، ومضى في الجهاد من وجه آخر عن أبي إسحاق بلفظ إن العدا ‏"‏ وهو غير موزون أيضا ولو كان الأعادي ‏"‏ لا تزن، وعند النسائي من وجه آخر عن سلمة بن الأكوع ‏"‏ والمشركون قد بغوا علينا ‏"‏ وهذا موزون، ذكره في رجز عامر بن الأكوع، وتقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ غزوه خيبر‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا نَحْنُ وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الْأُلَى وَرُبَّمَا قَالَ الْمَلَا قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قبل ذلك ولقد رأيته وأرى التراب‏)‏ بسكون الألف وفتح الراء بلفظ الفعل الماضي من المواراة، أي ‏"‏ غطى ‏"‏ وزنه ومعناه كذا للجميع إلا الكشميهني فوقع في روايته ‏"‏ وإن التراب لموار‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏بياض بطنه‏)‏ كذا للجميع إلا الكشميهني فقال ‏"‏ بياض إبطيه ‏"‏ تثنية الإبط ووقع في الرواية التي في المغازي حتى ‏"‏ اغبر بطنه ‏"‏ وفي الرواية الأخرى ‏"‏ رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وأرى عني التراب جلدة بطنه ‏"‏ فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، يعني عبد الله الشاعر الأنصاري الصحابي المشهور، وقد تقدم في غزوة خيبر أنه من شعر عامر بن الأكوع، وذكرت وجه الجمع بينهما هناك وما في الأبيات المذكورة من زحاف وتوجيهه‏.‏

وتقدم ما يتعلق بحكم الشعر إنشادا وإنشاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي حق من دونه في أواخر ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ بحمد الله تعالى، قال ابن بطال ‏"‏ لولا ‏"‏ عند العرب يمتنع بها الشيء لوجود غيره تقول ‏"‏ لولا زيد ما صرت إليك ‏"‏ أي كان مصيري إليك من أجل زيد وكذلك ‏"‏ لولا الله ما اهتدينا ‏"‏ أي كانت هدايتنا من قبل الله تعالى وقال الراغب لوقوع غيره، ويلزم خبره الحذف ويستغنى بجوابه عن الخبر ‏"‏ قال ‏"‏ وتجيء بمعنى ‏"‏ هلا ‏"‏ نحو ‏"‏ لولا أرسلت إلينا رسولا ‏"‏ ومثله ‏"‏ لوما ‏"‏ بالميم بدل اللام وقال ابن هشام ‏"‏ لولا ‏"‏ تجيء على ثلاثة أوجه أحدها‏:‏ أن تدخل على جملة لتربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو ‏"‏ لولا زيد لأكرمتك ‏"‏ أي لولا وجوده، وأما حديث ‏"‏ لو لا أن أشق ‏"‏ فالتقدير ‏"‏ لولا مخافة أن أشق ‏"‏ لأمرت أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها، إذ الممتنع المشقة؛ والموجود الأمر‏.‏

والوجه الثاني‏:‏ أنها تجيء ‏"‏ للحض ‏"‏ وهو طلب بحث وإزعاج و ‏"‏ للعرض ‏"‏ وهو طلب بلين وأدب، فتختص بالمضارع نحو ‏(‏لولا تستغفرون الله‏)‏ والوجه الثالث‏:‏ أنها تجيء ‏"‏ للتوبيخ والتندم ‏"‏ فتختص بالماضي نحو ‏(‏لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء‏)‏ أي ‏"‏ هلا ‏"‏ انتهى، وذكر أبو عبيد الهروي في الغريبين أنها تجيء بمعنى ‏"‏ لم لا ‏"‏ وجعل منه قوله تعالى ‏(‏فلولا كانت قوية آمنت‏)‏ والجمهور أنها من القسم الثالث وموقع الحديث من الترجمة أن هذه الصيغة إذا علق بها القول الحق، لا يمنع بخلاف ما لو علق بها ما ليس بحق، كمن يفعل شيئا فيقع في محذور فيقول‏:‏ لولا فعلت كذا ما كان كذا، فلو حقق لعلم أن الذي قدره الله لا بد من وقوعه، سواء فعل أم ترك فقولها واعتقاد معناها يفضي إلى التكذيب بالقدر‏.‏
باب كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ حذف التشكيل

وَرَوَاهُ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كراهية تمني لقاء العدو‏)‏ تقدم في أواخر الجهاد ‏"‏ باب لا تتمنوا لقاء العدو ‏"‏ وتقدم هناك توجيهه مع جواز تمني الشهادة، وطريق الجمع بينهما لأن ظاهرهما التعارض، لأن تمني الشهادة محبوب، فكيف ينهي عن تمني لقاء العدو وهو يفضي إلى المحبوب‏؟‏ وحاصل الجواب أن حصول الشهادة أخص من اللقاء لإمكان تحصيل الشهادة مع نصرة الإسلام ودوام عزه بكسرة الكفار، واللقاء قد يفضي إلى عكس ذلك فنهى عن تمنيه ولا ينافي ذلك تمني الشهادة، أو لعل الكراهية مختصة بمن يثق بقوته ويعجب بنفسه ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ورواه الأعرج عن أبي هريرة‏)‏ علقه في الجهاد لأبي عامر وهو العقدي عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج، وقد ذكرت هناك من وصله ثم ذكرت حديث عبد الله بن أبي أوفى موصولا مختصرا، وتقدم هناك موصولا تاما في ‏"‏ كتاب الجهاد‏"‏

*3* باب مَا يَجُوزُ مِنْ اللَّوْ حذف التشكيل

وَقَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يجوز من اللو‏)‏ قال القاضي عياض يريد ‏"‏ ما يجوز من قول الراضي بقضاء الله لو كان كذا لكان كذا ‏"‏ فأدخل على ‏"‏ لو ‏"‏ الألف واللام التي للعهد وذلك غير جائز عند أهل العربية، لأن لو حرف وهما لا يدخلان على الحروف، وكذا وقع عند بعض رواة مسلم ‏"‏ إياك واللو فإن اللو من الشيطان ‏"‏ والمحفوظ ‏"‏ إياك ولو فإن لو ‏"‏ بغير ألف ولام فيهما، قال‏:‏ ووقع لبعض الشعراء تشديد واو ‏"‏ لو ‏"‏ وذلك لضرورة الشعر انتهى‏.‏

وقال صاحب المطالع‏:‏ لما أقامها مقام الاسم صرفها فصارت عنده كالندم والتمني‏.‏

وقال صاحب النهاية‏:‏ الأصل لو ساكنة الواو، وهي حرف من حروف المعاني، يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبا، فلما سمي بها زيد فيها فلما أراد إعرابها أتى فيها بالتعريف ليكون علامة لذلك، ومن ثم شدد الواو وقد سمع بالتشديد منونا قال الشاعر‏:‏

ألام على لو ولو كنت عالما * بأدبار لو لم تفتني أوائله

وقال آخر‏:‏

ليت شعري وأين منى ليت * إن ليتا وإن لوا عناء

وقال آخر‏:‏

حاولت لوا فقلت لها * إن لوا ذاك أعيانا

وقال ابن مالك إذا نسب إلى حرف أو غيره حكم هو للفظه دون معناه، جاز أن يحكي وجاز أن يعرب بما يقتضيه العامل، وإن كانت على حرفين ثانيهما حرف لين وجعلت اسما ضعف ثانيهما، فمن ثم قيل في ‏"‏ لو لو ‏"‏ وفي ‏"‏ في في ‏"‏ وقال ابن مالك‏:‏ أيضا الأداة التي حكم لها بالاسمية في هذا الاستعمال إن أولت ‏"‏ بكلمة ‏"‏ منع صرفها إلا إن كانت ثلاثية ساكنة الوسط فيجوز صرفها وإن أولت ‏"‏ بلفظ ‏"‏ صرفت قولا واحدا‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في بعض النسخ المعتمدة من رواية أبي ذر عن مشايخه ما يجوز من أن لو فجعل أصلها ‏"‏ أن لو ‏"‏ بهمزة مفتوحة بعدها نون ساكنة ثم حرف لو فأدغمت النون في اللام وسهلت همزة أن فصارت تشبه أداة التعريف‏.‏

وذكر الكرماني أن في بعض النسخ ما يجوز من لو بغير ألف ولام ولا تشديد على الأصل، والتقدير ما يجوز من قول ‏"‏ لو ثم رأيته ‏"‏ في شرح ابن التين، كذلك فلعله من إصلاح بعض الرواة لكونه لم يعرف وجهه، وإلا فالنسخ المعتمدة من الصحيح وشروحه متواردة على الأول‏.‏

وقال السبكي الكبير ‏"‏ لو ‏"‏ إنما لا تدخلها الألف ولا اللام إذا بقيت على الحرفية، أما إذا سمي بها فهي من جملة الحروف التي سمعت التسمية بها من حروف الهجاء وحروف المعاني ومن شواهده قوله‏:‏

وقدما أهلكته لو كثيرا * وقبل اليوم عالجها قدار

فأضاف إليها واوا أخرى وأدغمها وجعلها فاعلا، وحكى سيبويه أن بعض العرب يهمز لوا أي سواء كانت باقية على حرفيتها أو سمي بها، وأما حديث ‏"‏ إياك ولو فإن لو تفتح عمل الشيطان ‏"‏ فلا يلزم من جعلها اسم ‏"‏ إن ‏"‏ أن تكون خرجت عن الحرفية بل هو إخبار لفظي يقع في الاسم والفعل والحرف؛ كقولهم حرف عن ثنائي، وحرف إلى ثلاثي هو إخبار عن اللفظ على سبيل الحكاية، وأما إذا أضيف إليها الألف واللام فإنها تصير اسما أو تكون إخبارا عن المعنى المسمى بذلك اللفظ‏.‏

قال ابن بطال ‏"‏ لو ‏"‏ تدل عند العرب على امتناع الشيء لامتناع غيره تقول ‏"‏ لو جاءني زيد لأكرمتك ‏"‏ معناه إني امتنعت من إكرامك لامتناع مجيء زيد، وعلى هذا جرى أكثر المتقدمين‏.‏

وقال سيبويه ‏"‏ لو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ‏"‏ أي يقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره فلم يقع وإنما عبر بقوله‏:‏ لما كان سيقع دون قوله‏:‏ لما لم يقع مع أنه أخصر، لأن ‏"‏ كان ‏"‏ للماضي و ‏"‏ لو ‏"‏ للامتناع و ‏"‏ لما ‏"‏ للوجوب و ‏"‏ السين ‏"‏ للتوقع‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هي لمجرد الربط في الماضي مثل ‏"‏ إن ‏"‏ في المستقبل وقد تجيء بمعنى إن الشرطية نحو ‏(‏ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم‏)‏ أي ‏"‏ وإن أعجبتكم ‏"‏ وترد للتقليل، نحو ‏"‏ التمس ولو خاتما من حديد ‏"‏ قاله صاحب المطالع وتبعه ابن هشام الخضراوي، ومثل ‏"‏ فاتقوا النار ولو بشق تمرة ‏"‏ وتبعه ابن السمعاني في القواطع، ومثل بقوله ‏"‏ ولو بظلف محرق ‏"‏ وهو أبلغ في التقليل، وترد للعرض نحو ‏"‏ لو تنزل عندنا فتصيب خيرا ‏"‏ وللحض نحو ‏"‏ لو فعلت كذا ‏"‏ بمعنى افعل، والأول طلب بأدب ولين، والثاني طلب بقوة وشدة، وذكر ابن التين عن الداودي أنها تأتي بمعنى ‏"‏ هلا ‏"‏ ومثل بقوله ‏(‏لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏)‏ وتعقب بأنه تفسير معنى لأن اللفظ لا يساعده، وتأتي بمعنى ‏"‏ التمني ‏"‏ نحو ‏(‏فلو أن لنا كرة‏)‏ أي فليت لنا، ولهذا نصب فتكون في جوابها كما انتصب فأفوز في جواب ليت، واختلفوا هل هي الامتناعية أشربت معنى التمني أو المصدرية أو قسم برأسه، رجح الأخير ابن مالك ولا يعكر عليه ورودها مع فعل التمني، لأن محل مجيئها للتمني أن لا يصحبها فعل التمني، قال القاضي شهاب الدين الخوبي لو الشرطية لتعليق الثاني بالأول في الماضي، فتدل على انتفاء الأول إذ لو كان ثابتا للزم ثبوت الثاني لأنها لثبوت الثاني على تقدير الأول، فمتى كان الأول لازما للثاني دل على امتناع الثاني لامتناع الأول ضرورة انتقاء الملزوم، وإن لم يكن الأول لازما للثاني لم يدل إلا على مجرد الشرط وقال التفتازاني قد تستعمل للدلالة على أن الجزاء لازم الوجود دائما في قصد المتكلم وذلك إذا كان الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء، ويكون نقيض ذلك الشرط المثبت أولى باستلزامه ذلك الجزاء، فيلزم وجود استمرار الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه نحو ‏"‏ لو لم تكن تكرمني لأثني عليك ‏"‏ فإذا ادعى لزوم وجود الجزاء لهذا الشرط مع استبعاد لزومه له فوجوده عند عدم هذا الشرط بالطريق الأولى انتهى‏.‏

ومن أمثلة ذلك الشعرية قول المعري‏.‏

لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ‏"‏ البيت فإن الإحسان يستدعي استدامة الزيارة لا تركها لكنه أراد المبالغة في وصف الممدوح بالكرم، ووصف نفسه بالعجز عن شكره‏.‏

قوله ‏(‏وقوله تعالى لو أن لي بكم قوة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ جواب ‏"‏ لو ‏"‏ محذوف كأنه قال ‏"‏ لحلت بينكم وبين ما جئتم له من الفساد ‏"‏ قال‏:‏ وحذفه أبلغ لأنه يحصر بالنفي ضروب المنع، وإنما أراد لوط عليه السلام العدة من الرجال، وإلا فهو يعلم أن له من الله ركنا شديدا؛ ولكنه جرى على الحكم الظاهر، قال وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المؤمن إذا رأى منكرا لا يقدر على إزالته، أنه يتحسر على فقد المعين على دفعه، ويتمنى وجوده حرصا على طاعة ربه وجزعا من استمرار معصيته، ومن ثم وجب أن ينكر بلسانه ثم بقلبه إذا لم يطلق الدفع انتهى‏.‏

والحديث الذي ذكره السبكي هو الذي رمز إليه البخاري بقوله ما يجوز من اللو فإن فيه إشارة إلى أنها في الأصل ‏"‏ لا يجوز إلا ما استثنى، وهو مخرج عند النسائي وابن ماجه والطحاوي من طريق محمد بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير‏.‏

احرص على ما ينفعك، ولا تعجز فإن غلبك أمر فقل قدر الله وما شاء الله، وإياك واللو فإن اللو تفتح عمل الشيطان ‏"‏ لفظ ابن ماجه ولفظ النسائي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والباقي سواء إلا أنه قال ‏"‏ وما شاء وإياك واللو ‏"‏ وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ احرص ‏"‏ إلخ ولم يذكر ما قبله‏.‏

وقال ‏"‏فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، لكن قدر الله وما شاء فعل، فإن لو مفتاح الشيطان ‏"‏ وأخرجه النسائي والطبري من طريق فضيل بن سليمان عن ابن عجلان فأدخل بينه وبين الأعرج أبا الزناد، ولفظه ‏"‏ مؤمن قوي خير وأحب ‏"‏ وفيه ‏"‏ فقل قدر الله وما شاء صنع ‏"‏ قال النسائي فضيل بن سليمان ليس بقوي، وأخرجه النسائي والطبري والطحاوي من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن عجلان فأدخل بينه وبين الأعرج ربيعة بن عثمان ولفظ النسائي كالأول، لكن قال ‏"‏ وأفضل ‏"‏ وقال ‏"‏ وما شاء صنع ‏"‏ وأخرجه من وجه آخر عن ابن المبارك عن ربيعة قال‏:‏ سمعته من ربيعة وحفظي له عن ابن عجلان عن ربيعة، وكذا أخرجه الطحاوي وقال‏:‏ دلسه ابن عجلان عن الأعرج وإنما سمعه من ربيعة ثم رواه الثلاثة أيضا من طريق عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان، فقال‏:‏ عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج بدل محمد بن عجلان ولفظ النسائي ‏"‏ وفي كل خير ‏"‏ وفيه ‏"‏ احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ‏"‏ وهذه الطريق أصح طرق هذا الحديث، وقد أخرجها مسلم من طريق عبد الله ابن إدريس أيضا، واقتصر عليها ولم يخرج بقية الطرق من أجل الاختلاف على ابن عجلان في سنده، ويحتمل أن يكون ربيعة سمعه من ابن حبان ومن ابن عجلان، فإن ابن المبارك حافظ كابن إدريس، وليس في هذه الرواية لفظ ‏"‏ اللو ‏"‏ بالتشديد‏.‏

قال الطبري طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز، أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى‏:‏ لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله تعالى، وما ورد من قول ‏"‏ لو ‏"‏ محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته، وهو كقول أبي بكر في الغار ‏"‏ لو أن أحدكم رفع قدمه لأبصرنا ‏"‏ فجزم بذلك مع تيقنه أن الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى أو غيره، لكن جرى على حكم العادة الظاهرة وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إلا بمشيئة الله تعالى، انتهى ملخصا‏.‏

وقال عياض الذي يفهم من ترجمة البخاري ومما ذكره في الباب من الأحاديث أنه يجوز استعمال ‏"‏ لو ولولا ‏"‏ فيما يكون للاستقبال مما فعله لوجود غيره وهو من باب لو لكونه لم يدخل في الباب إلا ما هو للاستقبال، وما هو حق صحيح متيقن، بخلاف الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق‏.‏

قال‏:‏ والنهي إنما هو حيث قاله معتقدا ذلك حتما وأنه لو فعل ذلك لم يصبه ما أصابه قطعا، فأما من رد ذلك إلى مشيئة الله تعالى، وأنه لولا أن الله أراد ذلك ما وقع فليس من هذا قال والذي عندي في معنى الحديث أن النهي على ظاهره وعمومه لكنه نهي تنزيه، ويدل عليه قوله‏:‏ ‏"‏ فإن لو تفتح عمل الشيطان ‏"‏ أي يلقي في القلب معارضة القدر فيوسوس به الشيطان، وتعقبه النووي بأنه جاء من استعمال لو في الماضي مثل قوله ‏"‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ‏"‏ فالظاهر أن النهي عنه إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، وأما من قاله تأسفا على ما فات من طاعة الله أو ما هو معتذر عليه منه ونحو هذا فلا بأس به، وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث‏.‏

وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ المراد من الحديث الذي أخرجه مسلم أن الذي يتعين بعد وقوع المقدور التسليم لأمر الله والرضى بما قدر والإعراض عن الالتفات لما فات، فإنه إذا ذكر فيما فاته من ذلك فقال لو أني فعلت كذا لكان كذا، جاءته وساوس الشيطان فلا تزال به حتى يفضي إلى الخسران، فيعارض بتوهم التدبير سابق المقادير، وهذا هو عمل الشيطان المنهي عن تعاطي أسبابه بقوله‏:‏ ‏"‏ فلا تقل لو فإن لو تفتح عمل الشيطان ‏"‏ وليس المراد ترك النطق بلو مطلقا إذ قد نطق النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث، ولكن محل النهي عن إطلاقها إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر، مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور، لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه، وليس فيه فتح لعمل الشيطان ولا ما يفضي إلى تحريم‏.‏

وذكر المصنف في هذا الباب تسعة أحاديث في بعضها النطق بلو وفي بعضها بلولا فمن الأول الحديث الأول والثاني والثالث والسادس والثامن والتاسع ومن الثاني‏:‏ الرابع والخامس والسابع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ قَالَ لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ

الشرح‏:‏

حديث القاسم بن محمد قال‏:‏ ‏"‏ ذكر ابن عباس المتلاعنين ‏"‏ الحديث وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب اللعان ‏"‏ والمراد منه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لو كنت راجما أحدا بغير بينة ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِشَاءِ فَخَرَجَ عُمَرُ فَقَالَ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّلَاةَ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَقَدَ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَخَرَجَ وَهُوَ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ يَقُولُ إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا عَطَاءٌ لَيْسَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ رَأْسُهُ يَقْطُرُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَمْسَحُ الْمَاءَ عَنْ شِقِّهِ وَقَالَ عَمْرٌو لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ إِنَّهُ لَلْوَقْتُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن عبد الله بن المديني ‏"‏ وسفيان ‏"‏ هو ابن عيينة و ‏"‏ عمرو ‏"‏ هو ابن دينار و ‏"‏ عطاء ‏"‏ هو ابن أبي رباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم شرح المتن في ‏"‏ كتاب الصلاة ‏"‏ مستوفى وهو من رواية عمرو عن عطاء مرسل، ومن رواية ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مسند؛ كما بينه سفيان وهو القائل‏:‏ قال ابن جريج عن عطاء إلخ، وهو موصول بالسند المذكور وليس بمعلق، وسياق الحميدي له في مسنده أوضح من سياق علي بن المديني، فإنه أخرجه عن سفيان قال‏:‏ حدثنا عمرو عن عطاء، قال سفيان وحدثناه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، فساق الحديث ثم قال الحميدي‏:‏ كان سفيان ربما حدث بهذا الحديث عن عمرو وابن جريج فأدرجه عن ابن عباس، فإذا ذكر فيه الخبر فقال‏:‏ حدثنا أو سمعت أخبر بهذا يعني عن عمرو عن عطاء مرسلا وعن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موصولا‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه علي هنا بالعنعنة ومع ذلك فصله فلم يدرجه، وزاد فيه تفصيل سياق المتن عنهما أيضا حيث قال أما عمرو فقال‏:‏ ‏"‏ رأسه يقطر ‏"‏ وقال ابن جريج ‏"‏ يمسح الماء عن شقه ‏"‏ إلخ، وقوله‏:‏ وقال إبراهيم بن المنذر إلخ يريد أن محمد بن مسلم وهو الطائفي رواه عن عمرو، وهو ابن دينار عن عطاء موصولا بذكر ابن عباس فيه، وهو مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بأن حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس فهذا يعد من أوهام الطائفي، وهو موصوف بسوء الحفظ وقد وصل حديثه الإسماعيلي من وجهين عنه هكذا، وذكر أن من جملة من حدث به عن سفيان مدرجا كما قال الحميدي‏:‏ عبد الأعلى بن حماد وأحمد بن عبدة الضبي وأبو خيثمة، وأن عبدة بن عبد الرحيم وعمار بن الحسن روياه عن سفيان فاقتصرا على طريق عمرو وذكرا فيه ابن عباس فوهما في ذلك أشد من وهم عبد الأعلى‏.‏

وأن ابن أبي عمر رواه في موضعين عن ابن عيينة مفصلا على الصواب‏.‏

قلت‏:‏ وكذلك أخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان مفصلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ‏"‏ هكذا ذكره مختصرا من رواية جعفر بن ربيعة وهو المصري، عن عبد الرحمن وهو الأعرج، ونسبه الإسماعيلي في رواية شعيب بن الليث عن أبيه ولم يزد على ما هناك؛ فدل على أن هذا القدر هو الذي وقع في هذه الطريق‏.‏

وقد أورده المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ فزاد فيه ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ ولم أر هذه الزيادة في هذه الطريق عند أحد ممن أخرجها وإنما ثبتت عند البخاري في رواية مالك عن أبي الزناد عن الأعرج، أورده في ‏"‏ كتاب الجمعة ‏"‏ ونسبه المزي إلى الصلاة بغير قيد الجمعة وهو مما يتعقب عليه أيضا، وعنده فيه مع بدل ‏"‏ عند ‏"‏ وثبت عند مسلم بلفظ عند من رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، وقد تقدم الكلام على هذا المتن مستوفى هناك ولله الحمد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا في نسخة الصغاني‏:‏ تابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وهو خطأ‏.‏

والصواب ما وقع عند غيره ذكر هذا عقب حديث أنس المذكور عقبه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَاصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنْ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ في النهي عن الوصال ‏"‏ ذكر من طريق حميد وهو الطويل عن ثابت عن أنس، وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ كتاب الصيام ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ تابعه سليمان بن المغيرة عن ثابت ‏"‏ إلخ‏.‏

وصله مسلم من طريق أبي النضر عن سليمان بن المغيرة ‏"‏ ووقع لنا بعلو في مسند عبد بن حميد ‏"‏ ووقع هذا التعليق في رواية كريمة سابقا على حديث حميد عن أنس فصار كأنه طريق أخرى معلقة لحديث ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ وهو غلط فاحش، والصواب ثبوته هنا كما وقع في رواية الباقين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ قَالُوا فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ أَيُّكُمْ مِثْلِي إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ فَقَالَ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في المعنى وفيه‏:‏ ‏"‏ فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ الصيام ‏"‏ أيضا‏.‏

وقوله في السند وقال الليث ‏"‏ حدثني عبد الرحمن بن خالد ‏"‏ يعني ابن مسافر الفهمي أمير مصر وطريقه المذكورة وصلها الدار قطني في بعض فوائده من طريق أبي صالح عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْتُ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أَلْصِقْ بَابَهُ فِي الْأَرْضِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في الجدر بفتح الجيم وسكون الدال والمراد الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الحج ‏"‏ مستوفى‏.‏

والمراد منه هنا ‏"‏ ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية وأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت ‏"‏ كذا وقع محذوف الجواب وتقديره ‏"‏ لفعلت‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ ولو سلك الناس واديا أو شعبا ‏"‏ وقد تقدم شرحه في غزوة حنين عند شرح حديث عبد الله بن زيد المذكور هنا بعده، وهو الحديث الثامن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في بعض ذلك أورده مختصرا معلقا قائلا تابعه أبو التياح عن أنس في الشعب؛ يعني في قوله‏:‏ ‏"‏ لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم ‏"‏ وقد تقدم موصولا في غزوة حنين أيضا بعد حديث عبد الله بن زيد المشار إليه مع الكلام عليه، وتقدم شيء من ذلك في مناقب الأنصار ولله الحمد‏.‏

قال السبكي الكبير مقصود البخاري بالترجمة وأحاديثها أن النطق بلو لا يكره على الإطلاق، وإنما يكره في شيء مخصوص يؤخذ ذلك من قوله ‏"‏ من اللو ‏"‏ فأشار إلى ‏"‏ التبعيض ‏"‏ وورودها في الأحاديث الصحيحة ولذا قال الطحاوي بعد ذكر حديث ‏"‏ وإياك واللو ‏"‏ دل قول الله تعالى لنبيه أن يقول ‏(‏ولو كنت أعلم الغيب‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو استقبلت من أمري ما استدبرت ‏"‏ وقوله في الحديث الآخر ‏"‏ ورجل يقول لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لعملت مثل ما عمل ‏"‏ على أن ‏"‏ لو ‏"‏ ليست مكروهة في كل الأشياء ودل قوله تعالى عن المنافقين ‏(‏لو كان لنا من الأمر شيء‏)‏ ورده عليهم بقوله ‏(‏لو كنتم في بيوتكم‏)‏ على ما يباح من ذلك قال ‏"‏ ووجدنا العرب تذم اللو وتحذر منه ‏"‏ فتقول أحذر اللو وإياك ولو، يريدون قوله ‏"‏ لو علمت أن هذا خير لعملته ‏"‏ وفي حديث سلمان ‏"‏ الإيمان بالقدر‏:‏ أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تقولن لشيء أصابك لو فعلت كذا ‏"‏ أي لكان كذا‏.‏

قال السبكي‏:‏ وقد تأملت اقتران قوله ‏"‏ احرص على ما ينفعك ‏"‏ بقوله ‏"‏ وإياك واللو ‏"‏ فوجدت الإشارة إلى محل لو المذمومة وهي نوعان‏:‏ أحدهما في الحال ما دام فعل الخير ممكنا فلا يترك لأجل فقد شيء آخر، فلا تقول ‏"‏ لو أن كذا كان موجودا لفعلت كذا ‏"‏ مع قدرته على فعله ولو لم يوجد ذاك، بل يفعل الخير ويحرص على عدم فواته والثاني من فاته أمر من أمور الدنيا فلا يشغل نفسه بالتلهف عليه لما في ذلك من الاعتراض على المقادير وتعجيل تحسر لا يغني شيئا ويشتغل به عن استدراك ما لعله يجدي، فالذم راجع فيما يؤل في الحال إلى التفريط وفيما يؤل في الماضي إلى الاعتراض على القدر وهو أقبح من الأول، فإن انضم إليه الكذب فهو أقبح، مثل قول المنافقين ‏(‏لو استطعنا لخرجنا معكم‏)‏ وقولهم ‏(‏لو نعلم قتالا لا تبعناكم‏)‏ وكذا قولهم ‏(‏لو أطاعونا ما قتلوا‏)‏ ثم قال وكل ما في القرآن من لو التي من كلام الله تعالى كقوله تعالى ‏(‏قل لو كنتم في بيوتكم‏)‏ ، ‏(‏ولو كنتم في بروج مشيدة‏)‏ ونحوهما فهو صحيح لأنه تعالى عالم به، وأما التي للربط فليس الكلام فيها ولا المصدرية إلا أن كان متعلقها مذموما كقوله تعالى ‏(‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا‏)‏ لأن الذي ودوه وقع خلافه‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

12d8c7a34f47c2e9d3==