المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منزلة الزكاة في الإسلام وبعض أحكامها


كيف حالك ؟

هادي بن علي
06-20-2008, 07:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
منزلة الزكاة في الإسلام وبعض أحكامها
لسماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبيـاء وأشرف المرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله ، وعلى آلـه وأصحابـه وأتباعـه إلى يوم الدين . أما بعد :
فإن الزكاة لها منزلة عظيمة ومكانة كبيرة في الإسلام ، إذ هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد الشهادتـين والصـلاة ، ولا أدل على أهميتهـا مـن أن الله قرنهـا في كتابـه العزيز بـالصلاة غالبـا ، وكذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهمـا في أحـاديث كثـيرة . ومـن رحمـة الله بخلقه أن شرعها الله تزكية للمـال وطهرة للمزكـي ومراعـاة لحاجـة الفقراء ومصالح العباد . وقـد اقتضت حكمـة الله سبحانه أن ينعـم على بعض عباده بالمال تفضلا ونعمـة ، فيشـكر المؤمن هـذه النعمـة ويؤدي حقها بأداء الزكاة الواجبة عليه ، فينال بذلك الثواب العظيـم والدرجات العلى من الجنة . كما اقتضت حكـمته سبحانه أن يبتلـي بعض عباده بالفقر والحاجة والمصـائب ، فيصـبر على بلائـه ويرضـى بقدره ؛ فيلجأ إلى الله ويتضرع إليه وينيب إليـه ؛ فينال بذلـك ثـواب الصابرين ويجزيه علـى ذلـك الأجـر العظيـم . ورحمـة الله واسـعة في السراء والضراء ، قال الله تعالى سورة وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
وقد دلت الآيات والأحاديث الكثـيرة على وجوبها وركنيتها ، ومـن ذلـك قـول الله تعـالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ، وقوله تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ الآيـة ، وقال تعـالى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .
ومن السنة ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهمـا قال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت متفق عليـه ، ومـا ورد عـن ابـن عبـاس رضـي الله عنهمـا أن النـبي صلى الله عليه وسلم بعـث معـاذا إلى اليمن فقـال : . . . ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض
عليهم صدقة في أموآله م ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم رواه البخاري . والآيات والأحاديث في وجوبها كثيرة .

ومن وجبـت عليـه الزكـاة فـامتنع عـن أدائهـا عالمـا بوجوبهـا جاحدا لفرضيتها فهو مرتد كافر مخلد في النار والعياذ بـالله ، ويـدل لذلك قول الله تعـالى : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ، وقال تعالى : وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَالَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وقال تعـالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ .

ومـن السنة قوله صلى الله عليه وسلم :أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكـاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموآله ـم إلا بحـق الإسـلام ، وحسابهم على الله متفق عليه .

وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم ؛ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله ، إما إلى الجنة وإما إلى النار الحديـث . ثـم ذكـر صـاحب الإبل وصاحب البقر والغنم ، وذكر أنه يعذب بها يـوم القيامة ، وهـذا تهديد شديد ، ووعيد عظيـم يـدل على أن مـانع الزكـاة على خطر عظيم ، وأن ماله يكون شرا ووبالا عليه في الدنيا والآخرة .

وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا : وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رواه البخاري في ( الزكاة ) باب إثم مانع الزكاة . فكل مـال لا تؤدى زكاتـه فهو كنز يعذب به صاحبه .
وقد حدث في عهد أبي بكر الصديق الخليفة الراشد الأول أن كفر بعض قبائل العرب ، فامتنعوا عن أداء الزكاة ، فعزم أبو بكـر علـى
قتالهم ، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كيـف تقـاتل النـاس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : " والله ، لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله ، لو منعوني عناقـا كـانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر رضـي الله عنه : فوالله ، ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفـت أنه الحق " رواه الجماعة إلا ابن ماجه .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : رحـم الله أبـا بكـر مـا كـان أفقهه .
أما مـن امتنـع عـن أداء الزكـاة بخـلا بهـا وتهاونـا ولم يجحـد وجوبها فإنه آثم ، وقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ، وعرض نفسـه لعذاب الله وعقابه وسخطه ، وتؤخذ منه الزكاة قهرا ، كدين الآدمي ، بل هي أولى منه ؛ لأنها حق لله تعالى لا تبرأ الذمة إلا بأدائها ولو بعد الموت ، فتخرج من تركته بالنية عن صاحبها ، إذ الزكاة تشترط فيهـا النية عند دفعها . ويجب أن تكون نية الإنسان عند دفع زكاته خالصـة لله وحده ، لا لقصد الرياء أو السمعة ، ولا ليحمي مالـه بالزكـاة ، أو يجلب بها نفعا ، ولا يحابي بها أحدا لأغراض دنيوية . كما يجب علـى المزكي أن يخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه ، من غير تضجر بها أو منة بها على الفقير ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية .
وعلى المزكي أن لا يخرج الرديء والخبيث في زكاته ؛ قال الله تعالى : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ، وقال تعالى : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ الآية ، وقال تعالى : وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ الآية .
ومن توفر عنده مال تجب فيه الزكاة وعليه دين فلا يمنع الدين من وجوب الزكاة على الصحيح من قولي العلماء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل عماله لخرص الحبوب والثمار وجبايتها ، ولم يقل : انظروا هل على أصحابها دين أم لا ؟

ويشترط لوجوب الزكاة خمسة شروط :

الأول : الإسلام ، فلا تجب على الكافر .
المال المسروق والمغصوب حتى يرجع إليه ، ولا زكـاة في المـال الـذي اشتراه ولم يتمكن من قبضه من البائع ، ولا زكـاة على السيد في مـال المكاتبة ؛ لأن المكاتب يملك تعجيز نفسه .

الخامس : مضي الحول ، إلا في الخارج من الأرض ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهمـا أن النـبي صلى الله عليه وسلم قـال : سنن ابن ماجه الزكاة (1792). لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول أخرجه التـرمذي وابن ماجه . أما الخارج مـن الأرض كـالحبوب والثمار فـتزكى وقـت حصادهـا ولا يشـترط لهـا مضي الحول ؛ لقول الله تعالى : سورة الأنعام الآية 141 وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ .

والأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف ، هي :

الصنف الأول : سائمة بهيمة الأنعـام ، وهـي الإبـل والبقـر والغنـم ، وهـي الـتي ترعـى الحـول أو أكـثره واتخـذت للـدر والنسل ؛ فتجب فيها الزكاة إذا حال عليها الحـول وبلغـت نصابـا ، وقد بينت السنة المطهرة نصاب كل منها .

الصنف الثاني : الخارج من الأرض ، وهـي الحبـوب والثمـار ، وتخرج منها الزكاة إذا تم حصادهـا وعلـم كيلهـا ؛ لقوله تعالى : سورة الأنعام الآية 141 وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وتجب فيها الزكاة إذا
بلغت نصابا ، ومقدار نصابها خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ، أي ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومقدار الصاع أربعة أمـداد ، كـل مـد ملء كفي الرجل المعتدل .
ويجب فيها العشـر إذا سـقيت بـلا مؤونة ولا كلفة كالأمطار والأنهار والعيـون الجاريـة ونحـو ذلـك ، ونصـف العشر إذا سقيت بمؤونة وكلفة كالسواني والمكـائن الرافعة للماء ، وإن كانت تسـقى بهمـا جميعـا ففيها ثلاثـة أربـاع العشر ، وإن تفـاوت السقي فبأكثرها نفعا ونمـوا ، ومـع الجهل بذلـك يخـرج منهـا العشر احتياطا .
والحبوب هي : البر والقمح والشعير والأرز والدخـن والعـدس والحمص ، وسائر الحبوب ولو لم تكن قوتا . وأما الثمـار فمثـل : التمر والزبيب واللوز والفستق والبندق ، وكل ثمر يكال ويدخر . فأمـا سـائر الثمار التي لا تكال ولا تدخر ، كالفواكه والخضروات والبقـول ، فـلا تجب الزكاة فيها .
الصنف الثالث : النقـدان ، وهمـا الذهـب والفضـة . ونصـاب الذهب عشرون مثقـالا ، ومقـداره بالجنيهـات السعودية أحـد عشـر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه ، أي اثنان وتسعون غراما . ونصاب الفضـة مائة وأربعون مثقالا ، وتقدر بالدراهم العربية السعودية بستة وخمسين ريالا عربيـا ( أي فضيـا ) . فمن ملك منهما أو من أحدهمـا نصابـا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ربع العشر .
والعملة الورقية التي يتعامل بها الناس اليوم كـالريال السـعودي والدينـار والدرهـم والـدولار فهي في حكـم الذهـب والفضـة ، وإذا بلغت قيمتها نصاب الذهب أو الفضة وحال عليها الحول وجب فيها
الزكاة ربع العشر .
وأما حلي النساء المعتاد لبسـه المعـد للاسـتعمال والعاريـة فـلا زكـاة فيه على الصحيح مـن قـولي العلمـاء ؛ لأنـه مرصـد للاسـتعمال المباح ، وليس للنماء والتجارة ، والزكاة إنما شرعت في الأموال الناميـة . قال الإمام أحمد : خمسة مـن الصحابـة رضي الله عنهـم لا يرون في الحلي زكاة وهم : عبد الله بن عمر وعائشة وأسماء ابنتـا أبـي بكـر الصديق وجابر بن عبد الله وأنـس بن مـالك رضي الله عنهـم وغـيرهـم من جمهور العلماء . أما إن أعد للتجارة أو الإيجار فتجب فيه الزكاة إذا بلغ نصابا - كما سبق - وحال عليه الحول .
الصنف الرابع : عـروض التجـارة ، وهـي كـل مـا أعـد للبيـع والشراء من العقارات والسيارات والسلع ، فإذا حال عليها الحول من نيتها للتجارة وبلغت قيمتها نصابا ؛ فإن الزكاة تجب فيها ، فتقـوم عنـد تمام الحول ، ويخرج ربع عشر قيمتها ، ويدل لذلك مـا رواه سمـرة بـن جنـدب رضـي الله عنـه قـال : سنن أبو داود الزكاة (1562). إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنـا أن نخـرج الصدقة مما نعده للبيع أخرجه أبو داود .
أما السيارات والعمارات المعدة للإيجـار فـلا زكـاة في أصولهـا ، وإنما يزكى ما تحصل من أجرتها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحـول من حـين عقد الإيجار .
فيجب على كل مسلم ومسلمة أن يحرص على إحصاء أموالـه إحصاء تبرأ به الذمة ، وأن يحتاط في ذلك ويصرفها في مصارفهـا الـتي شرعها الله وذكرها في كتابه العزيز ، فهو العليـم بمصـالح عبـاده ومـا يصلحهم ، وهو العليم بمن يستحق الصدقة . وعلى الإنسان أن يتحرى
وأن يتأكد ممن يبذل له زكاة ماله فيتفقد أحوال المحتـاجـين والضعفـاء ويتحسس آلامهم وحاجاتهم فيبذل لهم زكاتـه حتـى تقـع زكـاتـه في محلها وأهلها الذين ذكرهم الله في قول تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ .
فالله سبحانه العليم الحكيم الذي يضـع الأشياء في مواضعهـا اللائقة بها حدد مصارف الزكـاة في ثمانيـة أصنـاف لا يجـوز صرفهـا لغيرهم ، وهم :
الأول : الفقير ، وهو من يجد أقل من نصف كفايته وهـو أشـد حاجة من المسكيـن ؛ لأن الله بدأ به .
الثاني : المسكين ، وهو من يجد نصـف كفايتـه أو أكثرهـا ولا يجد كفايته كاملة .
الثالث : العاملون عليها ، وهم الذين يوكلهم ولي الأمر لجبايـة الزكاة ، ويدخل فيهم الكتاب والخـراص والحفـاظ ، فـإذا لم يعطـوا مـن بيت المال ، فإنهم يعطون أجرتهم من الزكاة .
الرابع : المؤلفة قلوبهم ، وهم السادة والكـبراء والرؤسـاء الذيـن يطاعون في أقوامهم ممن يرجى بعطيته إسلامه أو كـف شره أو قـوة إيمانه ، أو يرجى بعطيتهم إسلام نظرائهم أو الدفاع عن المسلمين .
الخامس : وفي الرقاب ، وهـم العبيـد المكـاتبون الـذي يشرون أنفسـهم من سـادتهم ، ولا يجـدون وفـاء لفـك رقـابهم مـن الـرق
فيعطون ما يفك رقابهم . ويجوز أن يشرى من الزكاة أرقاء فيعتقـون ، ويدخل في ذلك فداء الأسير المسلم على الصحيح من أقوال العلمـاء ؛ لما في ذلك من فك رقبته من الأسر .
السادس : الغارم ، وهو من يتحمـل دينـا لإصـلاح ذات البـين من خـصومة أو شحناء أو فتنة ، أو يستدين دينا لحاجتـه وحاجـة من يعول ؛ فيعطى من الزكـاة ما يفي دينه .
السابع : المجاهدون في سبيل الله الذين لا يصرف لهم شيء من بيت المال فيعطون ما يكفيهم من سلاح ومركب ونفقـة لكف أذى أعداء الله عن المسلمين .
الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر الغريب المنقطع في غير بلـده إذا نفدت نفقته ، أو فقدت بسرقة أو تلف ، ويشق عليه أن يتزود من ماله الذي ببلده ؛ فيعطى من الزكاة ما يسد حاجته إلى أن يصل بلـده ولو كان غنيا في بلده .
ولا يجوز دفع الزكاة للكافر غـير المؤلف ؛ لقولـه صلى الله عليه وسلم : تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، ولا يجوز دفعهـا لمـن تـلزم دافـع الزكاة نفقتهم كالزوجة والأبوين وإن علوا والأولاد وإن سفلوا ؛ لأن دفـع الزكـاة إذا دفعها إليهم أغناهم ذلك عن نفقته الواجبة عليه ، فعاد نفع زكاته إليه ، وذلك لا يجوز .
وأما الزوج فيجوز للزوجة أن تدفـع زكاتها له علـى الصحيـح من قولي العلماء ؛ لأنها لا تلزمها نفقتـه ؛ فجـاز إعطـاؤه من زكاتهـا . ويسن لدافع الزكاة أن يعطي أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم ولا يعولهم من زكاته ، بل هم أولى من غـيرهم إذا كـانوا من أهـل الزكـاة ، فإن
الصدقة عليهم صدقـة وصلـة ؛ لقولـه صلى الله عليه وسلم : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة أخرجـه الـترمذي والنسـائي وابـن ماجه . وقولـه صلى الله عليه وسلم : إن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح أخرجـه الإمـام أحمـد في مسنده .
وبذلك يتبين أن الزكـاة فيها خـير عظيم ومصالح كثيرة للعبـاد . فمن آثارها الطيبة على آخذ الزكـاة وعلى المجتمع : أنهـا تسـد حاجـة الفقراء والمحتاجين والضعفاء ، وتعينهـم علـى مـا أوجـب الله عليهـم ، وتخفف من همومهم ، وتفرج كربتهم ، وتدخل السرور عليهم وعلـى من يعولـون مـن أطفـال وعجـائز وشـيوخ كبـار ومرضـى وأيتـام ، فيعيشون في سعادة وهدوء بال ، وتصان كرامتهـم ، وتـزول الفـوارق الطبقية بينهم وبين الأغنياء أو تقل ، وتقوى أواصر المحبة بينهـم ، فـإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها .
كـما أن الزكاة تطهرهم من الحسـد والبغضـاء تجـاه أصحـاب الأموال ، وبالتالي تقل جرائم السرقات والتخريـب والقتـل مـن أجـل الاستيلاء على الأموال والحصول على لقمـة العيـش ، وبذلـك تصلـح أحوال المجتمع الإسلامي ، وتصلح حياة الناس الاجتماعية والاقتصاديـة ؛
فيعيـش جميـع أفـراد المجتمـع حيـاة مسـتقرة تسود بـين أفـراده المحبـة والأخـوة الإسـلامية والتعـاون ، ويتماسـك المجتمـع بتماسـك أفـراده ويصمد أمام أعدائه وأمام مشاكل الحياة .
ونصيحتي لكل مسلم ومسلمة يأخذ الزكاة : أن لا يأخذ منهـا أكثر من حاجته ، وأن لا يتخذ المسألة وسيلة للاستكثار من الأموال ، فيأخذ من الزكاة وهو ليس من أهلهـا . فقد ورد الوعيـد الشديد والترهيب فيمن سأل الناس من دون حاجة ، ومن ذلـك مـا رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : من سأل الناس تكثرا ، فإنما يسأل جمرا ؛ فليستقل أو ليستكثر رواه مسـلم وابن ماجه ، وقال صلى الله عليه وسلم : إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي ، إلا لذي فقر مدقع ، أو غرم مفظع . ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة ، ورضفا يأكله من جهنم ، فمن شاء فليقلل ومن شاء فليكثر أخرجه الترمذي .

كما ينبغي لآخذ الزكاة أن يشكر الله على أن فـرض لـه من الزكاة ما يكفيه هم الحاجة والفقر ، ثم يشكر المعطي لـه مـن الزكـاة ويدعو له ويثني عليه . فقد صح عـن النـبي صلى الله عليه وسلم أنـه قـال :لا يشكر
الله من لا يشكر الناس أخرجـه الإمـام أحمد بهـذا اللفـظ ، وأخرجه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . ومن تمـام الشـكر لله تعالى أن لا يحتقر ما يعطى وإن قل ، ولا يدعوه ذلك إلى ذم الناس أو سبهم ؛ فالله سبحانه يقول : مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ . وعلى دافـع الزكـاة إذا ثبتـت لـه حاجـة الفقير والمسكين أن يعطيه ما يسد حاجته ؛ فإنها حق فرضه الله لهم .
ونصيحتي لك يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة ، يا من أنعم الله عليـه بالمـال والغنى : أن تـبرئ ذمتـك ممـا وجـب عليـك ، وأن تنقـذ نفسك مـن النـار ؛ فتبـادر بـأداء الزكـاة في وقتهـا دون تأخيـر ، فتقـي نفسك شر مالك ما دمت صحيحا ، والمال في يدك ، وأنت قادر علـى البذل والعطاء ، وهي يسيرة على من يسرها الله عليه ، فنسـبة الزكـاة بالنسـبة للمـال قليلـة ، بـل هـي سـبب لنمـاء المـال وبركتـه وتزكيتـه وتطهـيره من الآفات وحمايته مـن الهـلاك بـإذن الله . قـال الله تعـالى : خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ، وقـال تعـالى : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ، وقال تعـالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى : وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى : فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى : وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ، وقال صلى الله عليه وسلم : ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل رواه الإمام مسلم والترمذي . كما أنهـا سبب لتوفيـق الله ورضائه عن عبده وحبه له ، فإن بـذل الزكـاة ابتغـاء وجـه الله دليل على إيمان دافعها وعلى حبه لله حيـث آثر حـب الله وامتثـال أمره على حب المال والدنيا الفانية ؛ فإن النفـوس مجبولـة على حـب المـال ، كما أن أداءها سبب لنزول المطر وحلول البركـات ، ومنعهـا سبب للقحط ومنع المطر ، وسبب لهلاك المال ومحق بركتـه وفسـاده ، ويـدل لذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :ولم يمنعوا زكاة أموآله م إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا والحديث لـه شـواهد تقويه ، كـما أن أداء الزكاة سبب للقضاء على الربا أو تقليلـه ، حيـث إن منع الزكاة أو بخس بعضها تجعل المحتاج والفقير يضطر إلى الارتماء

في أحضان المرابين .
فيحسن بك أخـي المسلم أن تكـون معـول بنـاء وإصلاح في مجتمعك لا معـول هـدم وإفسـاد في الأرض ، وحـري بـك أن تطهـر نفسك من البخـل والشـح ، وأن تـدرب نفسـك علـى خلـق البذل والسخاء والكرم والعطف على المساكين والرحمـة بهـم ؛ فتـؤدي حـق الله في ماله الذي وهبه لك ورزقك إياه ، فالمـال في الحقيقـة مـال الله جعله وديعة عندك واستخلفك فيه اختبارا وامتحانا منـه ، وعليـك أن تتحرى الأيـام الفاضلـة كشهر رمضـان ؛ فتؤدي زكـاتك فيها ، فـإن الأعمال الصالحة تضاعف فيه ، وذلك بشرط أن لا يترتب على ذلـك تأخير دفـع الزكاة عن وقـت وجوبهـا ، ولا مـانع مـن تقديـم الزكـاة مسارعة لامتثال أمر الله واغتناما لمواسم الخيرات ، وحري بـك أخي المسلم ، أن تحمد الله وتشكره على أن جعلك صاحب يـد عليـا تنفـق وتعطي وتجود على عباده وتحسن إليهم ، ولم يجعلك في موقف المحتاج الذليل الآخذ للزكاة . ومن شكره سبحانه أداء ما وجـب عليـك من الزكاة وغيرها ، وترك ما نهاك عنه . قال صلى الله عليه وسلم : اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول ، وخير الصدقة عن ظهر غنى ، ومن يستعف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله متفق عليه .
وعليـك أخـي المسـلم أن تقـابل إحسـان الله عليـك وجـوده وكرمه بـالجود والإحسـان على الفقـراء والمسـاكين والمحتـاجين ، ولا يقف إحسانك علـى بـذل الزكـاة الواجبـة ، بـل تسـابق إلى نوافـل الطاعات ، فتتصدق من مـالك صدقـة التطوع ؛ فإنهـا سبب للنجـاة والفلاح في الدنيا والآخرة ، كما أنها تقي مصارع السوء وتدفـع ميتـة السوء ، وتطفئ غضب الرب سبحانه ، ويظل الله صاحبها في ظله يـوم لا ظل إلا ظله ، وسببا لمضاعفة الحسنات ، قـال الله تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً .

وقـال صلى الله عليه وسلم :الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسـن صحيـح . وقال صلى الله عليه وسلم : صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ، وصلة الرحم تزيد في العمر رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال انتهيت إلى النـبي صلى الله عليه وسلم وهو جـالس في ظل الكعبـة ، فلمـا رآنـي قـال : هـم الأخسرون ورب الكعبة فقلت : فداك أبي وأمي ، مـن هـم ؟ قـال : هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن
خلفه ، وعن يمينه وشماله وقليل ما هم متفق عليه .
وختاما أسأل الله سبحانه أن يوفقني وسائر المسلمين للعمل بما يرضيه ، وأن يرزقنا التنافس في الأعمـال الصالحـة ، وأن يجعل مـا مـن الله علينا به من نعمة المال وسيلة إلى عز الإسـلام والمسلمين وبلاغـا إلى رضا الله وجنته ، كما أسأله أن يثبتنا على الحـق وأن يتقبـل منـا صالح أعمالنـا ، كمـا أسـأله سبحانه أن يصلـح ولاة أمور المسلمين جميعا ، وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يوفقهم للعمل بكتابه وتطبيق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن يمتع خادم الحرمين الشريفـين بالصحة والعافيـة ويطيـل في عمره ويحسن عمله . إنه سميع قريب مجيب .

منقول من مجلة البحوث الإسلامية العدد الثامن والخمسون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1420هـ

12d8c7a34f47c2e9d3==