هادي بن علي
05-15-2008, 06:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
الجزء الثاني
س : هل يجوز الدعاء في السجود بأمور الدنيا ؟
ج : السنة أن يبدأ المصلي في سجوده بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيبدأ بقول : سبحان ربي الأعلى ، يقولها عشر مرات هذا هو الكمال ، قال العلماء وأدنى الكمال في ذلك تكرارها ثلاث مرات ، والمجزئ منها مرة واحدة .
ودليل هذا ما جاء عند الخمسة إلا الترمذي ، عن حذيفة رضي الله عنه في حديث صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده : سبحان ربي الأعلى . . . الحديث . وفي حديث عقبة بن عامر قال : لما نزلت : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم . ودليل كون الكمال عشرا ما رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي عن سعيد بن جبير عن أنس قال : ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى-
يعني عمر بن عبد العزيز - قال : فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات ، وفي سجوده عشر تسبيحات .
ثم إذا زاد العبد بعد ذلك دعاء مأثورا أو ذكرا يشرع في السجود فحسن ومن ذلك قول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ومثل قول : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي . ومثل أن يقول العبد : اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله وأوله وآخره وسره وعلانيته . ولا بأس أن يدعو العبد ربه بما شاء من حوائجه فإن الطلب من الله والتذلل له مقتضى الألوهية والتعبد لله عز وجل ، وإجابة الداعي من مقتضى ربوبية الله سبحانه لجميع خلقه ، ومتى استشعر العبد ذلك عظم في قلبه نور التوحيد والإيمان وفزع إلى ربه في كل ما يهمه من أمور دينه ودنياه ومن كانت هذه حاله فليبشر وليؤمل خيرا .
والسجود موضع من المواضع التي يرجى فيها الإجابة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .
س : لدينا إمام مسجد يجهر بالقراءة في جميع أوقات الصلوات كالظهر والعصر وأواخر المغرب والعشاء فما حكم عمله هذا؟
ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الخلف عن السلف أنه كان يسر في صلاتي الظهر والعصر ، ويجهر في الأوليين المغرب والعشاء ، وكذلك يجهر في ركعتي الفجر .
ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة ، ويسمعنا الآية أحيانا .
وله أيضا عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة قال قلت لخباب بن الأرت : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال : نعم . قلت : بأي شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قال : باضطراب لحيته .
وفي الصحيح أيضا عن جبير بن مطعم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور . وهذا يدل على جهره بها صلى الله عليه وسلم . وفي العشاء صح الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : والتين والزيتون في العشاء ، وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة . وفي الفجر أيضا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجهر بالقراءة فيها .
ومن جهر أحيانا في موضع الإسرار أو أسر أحيانا في موضع الجهر كره له ذلك ، وصحت صلاته .
وما ذكر في السؤال من أن الإمام مواظب على الجهر في جميع الصلوات هذا بدعة ؛ لمخالفته الواضحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه عمل المسلمين من الصحابة فمن بعدهم ، والواجب على الإمام الانكفاف عن هذا ، وإلا فالواجـب
عزله وعدم تمكينه من هذا الفعل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .
س : نرى بعض الناس إذا أراد قطع صلاته لعارض ما كمتابعة الإمام أو لفساد هذه الصلاة ، نراهم يسلمون ، فهل هذا العمل صحيح ، أم يكتفي بالنية ؟
ج : إذا عرض للمصلي عارض وهو في صلاته يقتضي منه الانفتال من صلاته ، كمن شرع في صلاة نفل فأقيمت الصلاة فإنه في هذه الحالة يكتفي بنية قطع الصلاة ، ولا يسلم ؛ لأن محل السلام هو آخر الصلاة ؛ لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قـال النبي صلى الله عليـه وسلـم مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم رواه أصحاب السنن إلا النسائي ، بسند صحيح .
أما من فسدت صلاته فإنه ينصرف من صلاته بلا سلام ولا نية ؛ لأن الصلاة قد فسدت .
س : أثناء صلاة الجمعة وفي بداية الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فتوقف الصوت ، بحيث إن من خارج المسجد ومن في ساحة المسجد لا يسمعونه ، فتوقف بعض المصلين عن متابعة الإمام ثم صلوها ظهرا على أن صلاة الجمعة قد فاتتهم ، فما حكم هذا الفعل؟ جزاكم الله خيرا .
ج : من أدرك من هؤلاء ومن كان في مثل حالهم ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه ، فإنه يتمها جمعة منفردا بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم ؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة . وفي الترمذي وابن ماجه وعند مالك في الموطأ : من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى .
والركعة إنما تدرك بالركوع ، ومن لم يدرك الركوع الإمام فإنه غير مدرك للركعة ، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا .
س : هل تجب على المهاجر في إحدى الدول الأجنبية صلاة جمعة خاصة أن المسجد يبعد نحو (10 كم) عن مقر السكن؟
ج : من شروط الجمعة الاستيطان ، بمعنى أن يكون المسلم مستوطنا أو مقيما في البلد ، والذي يظهر من حالك أنك مقيم إقامة دائمة أو طويلة في بلد تقام فيه الجمعة ، فتجب عليك صلاة الجمعة ويلزمك السعي لها .
س : إذا دخل المسجد عدة أشخاص ووجدوا شخصا يصلي منفردا وقد مضى بعض صلاته ، هل يقتدون به إماما لهم أو يتقدمهم واحد منهم ويصلون جماعة ؟
ج : كلا الأمرين سائغ جائز ، فإن صلوا جماعة فهذا جائز وأدلته واضحة من عمومات صلاة الجماعة .
وإن دخلوا مع هذا المنفرد فصاروا جماعة وهو إمامهم فإن هذا جائز أيضا ، إذا كان الرجل أهلا للإمامة .
ولا يشكل على هذا أن المنفرد دخل الصلاة بغير نية الإمامة ، فإنه وإن كانت النية شرط ؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه - لكن لهذا المنفرد أن ينوي الإمامة من حين أن يصف معه من يأتم به ، هذا هو الصواب لأدلة منها :
ما أخرجه الإمام أحمد والدارمي وأبو داود وغيرهم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاء وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه .
وعن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت خلفه ، وجاء رجل فقام إلى جنبي ، ثم جاء آخر حتى كنا رهطا ، فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ، ثم قام فدخل منزله فصلى صلاة لم يصلها عندنا ، فلما أصبحنا قلنا : يا رسول الله أفطنت بنا الليلة ؟ قال : نعم ، فذلك الذي حملني على ما صنعت أخرجه الإمام أحمد ومسلم .
وهذا وإن كان في النفل ، فإنه يعم الفرض أيضا على الصحيح . والله أعلم .
س : صليت مع الإمام وبعد الصلاة تذكر الإمام أنه على غير طهارة فما العمل ؟
ج : إذا صلى الإمام بالجماعة ولم يذكر أنه على غير طهارة إلا بعد انقضاء الصلاة ؛ فإنه يجب عليه إعادة صلاته ؛ لما رواه
مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل صلاة بغير طهور .
أما المأمومين فصلاتهم صحيحة ولا تجب عليهم الإعادة .
س : ما حكـم صلاة الرغائب وصلاة التسابيح وما كيفيتهما ؟
ج : الأصل في العبادات التوقيف ، بمعنى أن المسلم لا يتعبد بعبادة لله إلا إذا ثبت عنده مشروعيتها بالنقل الثابت ، فالعبادات في ديننا مبناها على المنقول لا على ما تستحسنه الأهواء والعقول .
ثم إن صلاة الرغائب لم يأت في مشروعيتها نقل ثابت ، ولا فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ولا أئمة السلف رحمهم الله .
وما جاء فيها إنما هو كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة ، وقد أنكرها الأئمة وبينوا بدعيتها ، وكذلك كذب الحديث الوارد بها ، أما صفتها فهي أن يصلي المصلي في أول ليلة جمعة من رجب اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعشاء .
وأما صلاة التسابيح فقد جاء بها حديث ، لكنه لا يصح ، بل هو منكر ؛ فإن الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن صلاة التسابيح قال : ما تعجبني ، قيل له : لم ؟ قال : ليس فيها شيء يصح ونفض يده كالمنكر . وصفتها : أنها أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغ قال : سبحان
الله والحمد لله ولا إلـه إلا الله والله أكبر ، خمس عشرة مرة ، ثم يركع ويقول مثل ذلك عشر مرات ، ثم يرفع ويقول مثل ذلك عشر مرات ، ثم يسجد ويقولها عشرا ، ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ثم يسجد ويقولها عشرا ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ، فيكون المجموع خمسا وسبعين مرة في الركعة الواحدة .
قالوا : وتفعل هذه الصلاة في كل يوم مرة ، وإلا ففي كل أسبوع مرة ، وإلا ففي كل شهر مرة وإلا ففي كل سنة مرة ، وإلا ففي العمر مرة .
ولا شك أن صفتها هذه شاذة خارجة عن صفات الصلوات المعهودة ، وكذلك تحديد وقتها ، ففي متنها نكارة ، ثم إن الإمام أحمد وهو إمام في هذا الفن أنكرها ولم يثبتها ، بل ضعفها ، والتعبد لله بما لم يثبت أنه مشروع يكون من البدع . والله أعلم .
س : تتعرض ملابسي لبعض البلل والماء المتناثر الناتج من جريان بعض الماء في الشارع ، ولا أدري هل هذا الماء نجس أم لا ، فما الحكم ؟ وخاصة أنا أكون في طريقي للمسجد وليس لدي وقت لغسله أو استبداله؟ جزاكم الله خيرا .
ج : الأصل في الماء أنه طاهر؟ يقول الله عز وجل:وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويقول سبحانه : سورة الفرقان الآية 48 وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا وأخرج الثلاثة والإمام أحمد
من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الماء طهور لا ينجسه شيء . هذا هو الأصل في الماء ، وإذا أصابك شيء من الماء الجاري في الشارع ونحوه ، فإنه طاهر بناء على الأصل ، إلا إذا تيقنت نجاسته ؛ فإنك حينئذ تغسل ما أصابه النجاسة من بدنك أو ثوبك ، ولا يؤثر ذلك على صحة وضوئك . فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بإسناد ثابت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه ، فوضعهما عن يساره ، فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم ، فلما قضى صلاته قال : ما بالكم ألقيتم نعالكم ، قالوا : رأيناك ألقيت نعليك ، فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جبريل أتاني ، فأخبرني أن فيهما قذرا ، أو قال : أذى ، فألقيتها ، فإذا جاء أحدكم المسجد ، فلينظر في نعليه ، فإن رأى فيهما قـذرا ، أو قـال : أذى ، فليمسحهما ، وليصـل فيهما .
وهذا دليل على أن النجاسة لا تنقض الوضوء وأن حملها في الصلاة بغير علم لا يؤثر في الصلاة .
س : أشعر بين الحين والآخر بطعم الأكل والاسترجاع في حلقي ولكني أعيد بلعه مرة أخرى . فهل هذا من القيء الذي ينقض الوضوء؟ جزاكم الله خيرا .
ج : القيء إذا خرج من الإنسان ، فإن العلماء اختلفوا فيه - على قولين : القول الأول : أنه إن كان كثيرا نقض الوضوء . وهذا هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد وقول كثير من الفقهاء من التابعين وجملة من الصحابة رضي الله عنهم ، واستدلوا بأدلة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ، قال الراوي : فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك ، فقال ثوبان : صدق ، أنا صببت له وضوءه رواه أحمد والترمذي وقال هو أصح شيء في هذا الباب .
ومنها : ما رواه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى عليه وسلم من أصابه قيء ، أو رعاف ، أو قلس ، أو مذي ، فلينصرف ، فليتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ، وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجه والدارقطني ، وقال : الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .
قالوا : وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ولا نعلم لهم مخالفا من الصحابة ، فكان إجماعا . قال ذلك ابن قدامة رحمه الله .
وأيضا قالوا : إن هذا خارج نجس خرج إلى محل يلحقه حكم التطهير . فكان ناقضا للوضوء كالخارج من السبيلين .
والقول الثاني : أنها لا تنقض الوضوء ، وهو قول المالكية
والشافعية ، وجمع من الصحابة والتابعين دليلهم حديث أنس رضي الله عنه قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يتوضأ . ولم يزد على غسل محاجمه ، رواه الدارقطني . ووجهه أن الدم والقيء ونحوهما من النجاسات الخارجة من غير السبيلين لها نفس الحكم وهنا لم يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من الدم الخارج بالحجامة . قالوا : وعدم الوضوء من ذلك مروي عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : أيضا إن الأصل عدم النقض إلا بما ثبت به الدليل ، ولا دليل مع من رأوا نقض الوضوء بالقيء ونحوه .
وأجابوا عن حديث ثوبان بأنه مضطرب قاله البيهقي وغيره ونقل ذلك عنه النووي .
وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها ، بأنه ضعيف من وجهين :
الأول : أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية ابن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة .
أما ما نقل عن الصحابة ، فإنه قد نقل عن غيرهم خلافه .
وأما القياس فلا يقبل لأن العلة في المقيس عليه تعبدية ، غير معقولة .
وأصحاب القول الأول أجابوا عن حديث أنس بالضعف وبكل حال فإنه ينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه وعبادته ، والوضوء أمره يسير لا يكلفه كثيرا ، فالذي ينبغي له الحزم ، خصوصا إذا
علمنا أن الإمام أحمد وهو من أئمة الحديث قد سئل عن حديث ثوبان هل ثبت عندك ؟ فقال : نعم .
أما ما ذكر السائل في سؤاله فإنه يظهر أن القيء الذي يخرج منه قليل وعلى هذا فلا ينقض وضوءه . وحد الكثير هو ما فحش في النفس ، وقال بعضهم : ينبغي أن يقال : ما فحش في نفس أوساط الناس لا الموسوسين ولا المبتذلين وهذا الحد جيد . والله أعلم .
س: سمعت أن من يصلي بثوب طويل لا تقبل صلاته سواء كان عن كبر وخيلاء ، وعادة من هذا طبعه ، وإذا صليت بثوب قصير إلى حد الكعبين ، وبعد الصلاة ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين في المناسبات وغيرها ، هل يجوز ذلك ؟ أم لا بد من لبس الثوب القصير بجميع أحوال الشخص ؟
ج : إسبال الثياب محرم ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة رواه الجماعة .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا .
ولأحمد والبخاري ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار .
والواجب على المسلم أن يبتعد عن أسباب غضب الله وسخطـه ، وإذا كـان الإسبـال للثوب أو القميـص أو الإزار أو السراويل لكبر في نفس المسبل فهذا أشد إثما وأعظم خطرا فإن الله لا يحب من هذا وصفه ، وهو داخل في عموم قوله تعالى:وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا : كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا .
والواجـب على المسلـم أن يكـون لباسـه فـوق كعبيـه ، ويستحب له أن يبلغ به أنصاف ساقيه ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ، لا جناح- أو لا حرج- عليه - فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار ، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا . أخرجه الإمام أحمد ، بسند صحيح .
وفي صحيح مسلم ، وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال : يا عبد الله ارفع إزارك ، فرفعته ، ثم قال : أزد فزدت ، فما زلت أتحراها بعد ، فقال بعض القوم إلى أين ، فقال : أنصاف الساقين .
وهذا هو اللباس الشرعي للرجل المسلم في كل أحيانه ليس في الصلاة وحدها ، ولا يشرع له أن يجعل ثوبا لصلاته وثوبا لسائر أحواله ، ثم إن ما ذكره في سؤاله من قوله : وبعد الصلاة
ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين ، فإن هذا كلام لا يستقيم ، ولا ينبغي أن يصدر من المسلم فالثوب المعتاد الشرعي هو ما بيناه سابقا ويكون ما بين نصف الساق إلى ما فوق الكعب ، أما ما نزل عن ذلك فهو ثوب محرم لبسه ، مخالف للشرع .
ثم إن الصحيح أن صلاة من كان على هذه الحالة صحيحة مع كونه آثم فيما فعل متعد لحدود الله ، يجب عليه التوبة من فعله هذا ، والمؤمن ينبغي له أن يكون أحرص ما يكون على صلاته وسائر الطاعات ، والبعد عن كل ما ينقص ثوابها فإن الله بمنه وفضله قد شرع لنا من نوافل العبادات ما هو من جنس الفرائض لنكمل بها النقص والخلل في العبادة . وحثنا سبحانه على استباق الخيرات والتنافس في الطاعات واجتناب المحرمات ، لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على تكميل نفسه بالعمل الصالح ، والبعد عن المحرمات ، والتنزه عن المكروهات . حتى يكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين الذين أثنى الله عليهم وبين فضلهم فقال سبحانه : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
وفقنا الله وإياكم لعمل الصالحات والبعد عن المحرمات .
مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والستون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1421
فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
الجزء الثاني
س : هل يجوز الدعاء في السجود بأمور الدنيا ؟
ج : السنة أن يبدأ المصلي في سجوده بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فيبدأ بقول : سبحان ربي الأعلى ، يقولها عشر مرات هذا هو الكمال ، قال العلماء وأدنى الكمال في ذلك تكرارها ثلاث مرات ، والمجزئ منها مرة واحدة .
ودليل هذا ما جاء عند الخمسة إلا الترمذي ، عن حذيفة رضي الله عنه في حديث صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده : سبحان ربي الأعلى . . . الحديث . وفي حديث عقبة بن عامر قال : لما نزلت : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم . ودليل كون الكمال عشرا ما رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي عن سعيد بن جبير عن أنس قال : ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى-
يعني عمر بن عبد العزيز - قال : فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات ، وفي سجوده عشر تسبيحات .
ثم إذا زاد العبد بعد ذلك دعاء مأثورا أو ذكرا يشرع في السجود فحسن ومن ذلك قول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ومثل قول : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي . ومثل أن يقول العبد : اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله وأوله وآخره وسره وعلانيته . ولا بأس أن يدعو العبد ربه بما شاء من حوائجه فإن الطلب من الله والتذلل له مقتضى الألوهية والتعبد لله عز وجل ، وإجابة الداعي من مقتضى ربوبية الله سبحانه لجميع خلقه ، ومتى استشعر العبد ذلك عظم في قلبه نور التوحيد والإيمان وفزع إلى ربه في كل ما يهمه من أمور دينه ودنياه ومن كانت هذه حاله فليبشر وليؤمل خيرا .
والسجود موضع من المواضع التي يرجى فيها الإجابة فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم .
س : لدينا إمام مسجد يجهر بالقراءة في جميع أوقات الصلوات كالظهر والعصر وأواخر المغرب والعشاء فما حكم عمله هذا؟
ج : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الخلف عن السلف أنه كان يسر في صلاتي الظهر والعصر ، ويجهر في الأوليين المغرب والعشاء ، وكذلك يجهر في ركعتي الفجر .
ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة ، ويسمعنا الآية أحيانا .
وله أيضا عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة قال قلت لخباب بن الأرت : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال : نعم . قلت : بأي شيء كنتم تعلمون قراءته؟ قال : باضطراب لحيته .
وفي الصحيح أيضا عن جبير بن مطعم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور . وهذا يدل على جهره بها صلى الله عليه وسلم . وفي العشاء صح الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : والتين والزيتون في العشاء ، وما سمعت أحدا أحسن صوتا منه أو قراءة . وفي الفجر أيضا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجهر بالقراءة فيها .
ومن جهر أحيانا في موضع الإسرار أو أسر أحيانا في موضع الجهر كره له ذلك ، وصحت صلاته .
وما ذكر في السؤال من أن الإمام مواظب على الجهر في جميع الصلوات هذا بدعة ؛ لمخالفته الواضحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه عمل المسلمين من الصحابة فمن بعدهم ، والواجب على الإمام الانكفاف عن هذا ، وإلا فالواجـب
عزله وعدم تمكينه من هذا الفعل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .
س : نرى بعض الناس إذا أراد قطع صلاته لعارض ما كمتابعة الإمام أو لفساد هذه الصلاة ، نراهم يسلمون ، فهل هذا العمل صحيح ، أم يكتفي بالنية ؟
ج : إذا عرض للمصلي عارض وهو في صلاته يقتضي منه الانفتال من صلاته ، كمن شرع في صلاة نفل فأقيمت الصلاة فإنه في هذه الحالة يكتفي بنية قطع الصلاة ، ولا يسلم ؛ لأن محل السلام هو آخر الصلاة ؛ لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : قـال النبي صلى الله عليـه وسلـم مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم رواه أصحاب السنن إلا النسائي ، بسند صحيح .
أما من فسدت صلاته فإنه ينصرف من صلاته بلا سلام ولا نية ؛ لأن الصلاة قد فسدت .
س : أثناء صلاة الجمعة وفي بداية الركعة الأولى انقطعت الكهرباء فتوقف الصوت ، بحيث إن من خارج المسجد ومن في ساحة المسجد لا يسمعونه ، فتوقف بعض المصلين عن متابعة الإمام ثم صلوها ظهرا على أن صلاة الجمعة قد فاتتهم ، فما حكم هذا الفعل؟ جزاكم الله خيرا .
ج : من أدرك من هؤلاء ومن كان في مثل حالهم ركعة من الجمعة ثم عرض عارض كانقطاع الكهرباء ونحوه ، فإنه يتمها جمعة منفردا بمعنى أنه يصلي الركعة الثانية ثم يسلم ؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة . وفي الترمذي وابن ماجه وعند مالك في الموطأ : من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى .
والركعة إنما تدرك بالركوع ، ومن لم يدرك الركوع الإمام فإنه غير مدرك للركعة ، وعلى هذا فإذا كان من ذكروا في السؤال لم يدركوا مع الإمام إلا تكبيرة الإحرام فقط فإنهم يصلونها ظهرا .
س : هل تجب على المهاجر في إحدى الدول الأجنبية صلاة جمعة خاصة أن المسجد يبعد نحو (10 كم) عن مقر السكن؟
ج : من شروط الجمعة الاستيطان ، بمعنى أن يكون المسلم مستوطنا أو مقيما في البلد ، والذي يظهر من حالك أنك مقيم إقامة دائمة أو طويلة في بلد تقام فيه الجمعة ، فتجب عليك صلاة الجمعة ويلزمك السعي لها .
س : إذا دخل المسجد عدة أشخاص ووجدوا شخصا يصلي منفردا وقد مضى بعض صلاته ، هل يقتدون به إماما لهم أو يتقدمهم واحد منهم ويصلون جماعة ؟
ج : كلا الأمرين سائغ جائز ، فإن صلوا جماعة فهذا جائز وأدلته واضحة من عمومات صلاة الجماعة .
وإن دخلوا مع هذا المنفرد فصاروا جماعة وهو إمامهم فإن هذا جائز أيضا ، إذا كان الرجل أهلا للإمامة .
ولا يشكل على هذا أن المنفرد دخل الصلاة بغير نية الإمامة ، فإنه وإن كانت النية شرط ؛ لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى متفق عليه - لكن لهذا المنفرد أن ينوي الإمامة من حين أن يصف معه من يأتم به ، هذا هو الصواب لأدلة منها :
ما أخرجه الإمام أحمد والدارمي وأبو داود وغيرهم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاء وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه .
وعن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت خلفه ، وجاء رجل فقام إلى جنبي ، ثم جاء آخر حتى كنا رهطا ، فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ، ثم قام فدخل منزله فصلى صلاة لم يصلها عندنا ، فلما أصبحنا قلنا : يا رسول الله أفطنت بنا الليلة ؟ قال : نعم ، فذلك الذي حملني على ما صنعت أخرجه الإمام أحمد ومسلم .
وهذا وإن كان في النفل ، فإنه يعم الفرض أيضا على الصحيح . والله أعلم .
س : صليت مع الإمام وبعد الصلاة تذكر الإمام أنه على غير طهارة فما العمل ؟
ج : إذا صلى الإمام بالجماعة ولم يذكر أنه على غير طهارة إلا بعد انقضاء الصلاة ؛ فإنه يجب عليه إعادة صلاته ؛ لما رواه
مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل صلاة بغير طهور .
أما المأمومين فصلاتهم صحيحة ولا تجب عليهم الإعادة .
س : ما حكـم صلاة الرغائب وصلاة التسابيح وما كيفيتهما ؟
ج : الأصل في العبادات التوقيف ، بمعنى أن المسلم لا يتعبد بعبادة لله إلا إذا ثبت عنده مشروعيتها بالنقل الثابت ، فالعبادات في ديننا مبناها على المنقول لا على ما تستحسنه الأهواء والعقول .
ثم إن صلاة الرغائب لم يأت في مشروعيتها نقل ثابت ، ولا فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ولا أئمة السلف رحمهم الله .
وما جاء فيها إنما هو كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة ، وقد أنكرها الأئمة وبينوا بدعيتها ، وكذلك كذب الحديث الوارد بها ، أما صفتها فهي أن يصلي المصلي في أول ليلة جمعة من رجب اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعشاء .
وأما صلاة التسابيح فقد جاء بها حديث ، لكنه لا يصح ، بل هو منكر ؛ فإن الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن صلاة التسابيح قال : ما تعجبني ، قيل له : لم ؟ قال : ليس فيها شيء يصح ونفض يده كالمنكر . وصفتها : أنها أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة ، فإذا فرغ قال : سبحان
الله والحمد لله ولا إلـه إلا الله والله أكبر ، خمس عشرة مرة ، ثم يركع ويقول مثل ذلك عشر مرات ، ثم يرفع ويقول مثل ذلك عشر مرات ، ثم يسجد ويقولها عشرا ، ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ثم يسجد ويقولها عشرا ثم يرفع رأسه ويقولها عشرا ، فيكون المجموع خمسا وسبعين مرة في الركعة الواحدة .
قالوا : وتفعل هذه الصلاة في كل يوم مرة ، وإلا ففي كل أسبوع مرة ، وإلا ففي كل شهر مرة وإلا ففي كل سنة مرة ، وإلا ففي العمر مرة .
ولا شك أن صفتها هذه شاذة خارجة عن صفات الصلوات المعهودة ، وكذلك تحديد وقتها ، ففي متنها نكارة ، ثم إن الإمام أحمد وهو إمام في هذا الفن أنكرها ولم يثبتها ، بل ضعفها ، والتعبد لله بما لم يثبت أنه مشروع يكون من البدع . والله أعلم .
س : تتعرض ملابسي لبعض البلل والماء المتناثر الناتج من جريان بعض الماء في الشارع ، ولا أدري هل هذا الماء نجس أم لا ، فما الحكم ؟ وخاصة أنا أكون في طريقي للمسجد وليس لدي وقت لغسله أو استبداله؟ جزاكم الله خيرا .
ج : الأصل في الماء أنه طاهر؟ يقول الله عز وجل:وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويقول سبحانه : سورة الفرقان الآية 48 وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا وأخرج الثلاثة والإمام أحمد
من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الماء طهور لا ينجسه شيء . هذا هو الأصل في الماء ، وإذا أصابك شيء من الماء الجاري في الشارع ونحوه ، فإنه طاهر بناء على الأصل ، إلا إذا تيقنت نجاسته ؛ فإنك حينئذ تغسل ما أصابه النجاسة من بدنك أو ثوبك ، ولا يؤثر ذلك على صحة وضوئك . فقد أخرج الإمام أحمد وغيره بإسناد ثابت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه ، فوضعهما عن يساره ، فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم ، فلما قضى صلاته قال : ما بالكم ألقيتم نعالكم ، قالوا : رأيناك ألقيت نعليك ، فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جبريل أتاني ، فأخبرني أن فيهما قذرا ، أو قال : أذى ، فألقيتها ، فإذا جاء أحدكم المسجد ، فلينظر في نعليه ، فإن رأى فيهما قـذرا ، أو قـال : أذى ، فليمسحهما ، وليصـل فيهما .
وهذا دليل على أن النجاسة لا تنقض الوضوء وأن حملها في الصلاة بغير علم لا يؤثر في الصلاة .
س : أشعر بين الحين والآخر بطعم الأكل والاسترجاع في حلقي ولكني أعيد بلعه مرة أخرى . فهل هذا من القيء الذي ينقض الوضوء؟ جزاكم الله خيرا .
ج : القيء إذا خرج من الإنسان ، فإن العلماء اختلفوا فيه - على قولين : القول الأول : أنه إن كان كثيرا نقض الوضوء . وهذا هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد وقول كثير من الفقهاء من التابعين وجملة من الصحابة رضي الله عنهم ، واستدلوا بأدلة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ، قال الراوي : فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك ، فقال ثوبان : صدق ، أنا صببت له وضوءه رواه أحمد والترمذي وقال هو أصح شيء في هذا الباب .
ومنها : ما رواه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى عليه وسلم من أصابه قيء ، أو رعاف ، أو قلس ، أو مذي ، فلينصرف ، فليتوضأ ، ثم ليبن على صلاته ، وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجه والدارقطني ، وقال : الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .
قالوا : وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ولا نعلم لهم مخالفا من الصحابة ، فكان إجماعا . قال ذلك ابن قدامة رحمه الله .
وأيضا قالوا : إن هذا خارج نجس خرج إلى محل يلحقه حكم التطهير . فكان ناقضا للوضوء كالخارج من السبيلين .
والقول الثاني : أنها لا تنقض الوضوء ، وهو قول المالكية
والشافعية ، وجمع من الصحابة والتابعين دليلهم حديث أنس رضي الله عنه قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ولم يتوضأ . ولم يزد على غسل محاجمه ، رواه الدارقطني . ووجهه أن الدم والقيء ونحوهما من النجاسات الخارجة من غير السبيلين لها نفس الحكم وهنا لم يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم من الدم الخارج بالحجامة . قالوا : وعدم الوضوء من ذلك مروي عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم وقالوا : أيضا إن الأصل عدم النقض إلا بما ثبت به الدليل ، ولا دليل مع من رأوا نقض الوضوء بالقيء ونحوه .
وأجابوا عن حديث ثوبان بأنه مضطرب قاله البيهقي وغيره ونقل ذلك عنه النووي .
وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها ، بأنه ضعيف من وجهين :
الأول : أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية ابن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة .
أما ما نقل عن الصحابة ، فإنه قد نقل عن غيرهم خلافه .
وأما القياس فلا يقبل لأن العلة في المقيس عليه تعبدية ، غير معقولة .
وأصحاب القول الأول أجابوا عن حديث أنس بالضعف وبكل حال فإنه ينبغي للمسلم أن يحتاط لنفسه وعبادته ، والوضوء أمره يسير لا يكلفه كثيرا ، فالذي ينبغي له الحزم ، خصوصا إذا
علمنا أن الإمام أحمد وهو من أئمة الحديث قد سئل عن حديث ثوبان هل ثبت عندك ؟ فقال : نعم .
أما ما ذكر السائل في سؤاله فإنه يظهر أن القيء الذي يخرج منه قليل وعلى هذا فلا ينقض وضوءه . وحد الكثير هو ما فحش في النفس ، وقال بعضهم : ينبغي أن يقال : ما فحش في نفس أوساط الناس لا الموسوسين ولا المبتذلين وهذا الحد جيد . والله أعلم .
س: سمعت أن من يصلي بثوب طويل لا تقبل صلاته سواء كان عن كبر وخيلاء ، وعادة من هذا طبعه ، وإذا صليت بثوب قصير إلى حد الكعبين ، وبعد الصلاة ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين في المناسبات وغيرها ، هل يجوز ذلك ؟ أم لا بد من لبس الثوب القصير بجميع أحوال الشخص ؟
ج : إسبال الثياب محرم ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة رواه الجماعة .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا .
ولأحمد والبخاري ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار .
والواجب على المسلم أن يبتعد عن أسباب غضب الله وسخطـه ، وإذا كـان الإسبـال للثوب أو القميـص أو الإزار أو السراويل لكبر في نفس المسبل فهذا أشد إثما وأعظم خطرا فإن الله لا يحب من هذا وصفه ، وهو داخل في عموم قوله تعالى:وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا : كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا .
والواجـب على المسلـم أن يكـون لباسـه فـوق كعبيـه ، ويستحب له أن يبلغ به أنصاف ساقيه ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين ، لا جناح- أو لا حرج- عليه - فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من ذلك فهو في النار ، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا . أخرجه الإمام أحمد ، بسند صحيح .
وفي صحيح مسلم ، وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال : يا عبد الله ارفع إزارك ، فرفعته ، ثم قال : أزد فزدت ، فما زلت أتحراها بعد ، فقال بعض القوم إلى أين ، فقال : أنصاف الساقين .
وهذا هو اللباس الشرعي للرجل المسلم في كل أحيانه ليس في الصلاة وحدها ، ولا يشرع له أن يجعل ثوبا لصلاته وثوبا لسائر أحواله ، ثم إن ما ذكره في سؤاله من قوله : وبعد الصلاة
ألبس ثوبا عاديا تحت القدمين ، فإن هذا كلام لا يستقيم ، ولا ينبغي أن يصدر من المسلم فالثوب المعتاد الشرعي هو ما بيناه سابقا ويكون ما بين نصف الساق إلى ما فوق الكعب ، أما ما نزل عن ذلك فهو ثوب محرم لبسه ، مخالف للشرع .
ثم إن الصحيح أن صلاة من كان على هذه الحالة صحيحة مع كونه آثم فيما فعل متعد لحدود الله ، يجب عليه التوبة من فعله هذا ، والمؤمن ينبغي له أن يكون أحرص ما يكون على صلاته وسائر الطاعات ، والبعد عن كل ما ينقص ثوابها فإن الله بمنه وفضله قد شرع لنا من نوافل العبادات ما هو من جنس الفرائض لنكمل بها النقص والخلل في العبادة . وحثنا سبحانه على استباق الخيرات والتنافس في الطاعات واجتناب المحرمات ، لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على تكميل نفسه بالعمل الصالح ، والبعد عن المحرمات ، والتنزه عن المكروهات . حتى يكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين الذين أثنى الله عليهم وبين فضلهم فقال سبحانه : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
وفقنا الله وإياكم لعمل الصالحات والبعد عن المحرمات .
مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والستون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1421