المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب ... الحلقة الثانية


كيف حالك ؟

محب الأثري
12-26-2003, 08:20 PM
نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب ... الحلقة الثانية



بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------






اتجاهات الناس في تفسير القرآن




أهل السنة يتفقهون في كتاب الله وسنة رسوله على طريقة الصحابة والتابعين في العقائد والعبادات والمعاملات ويردون النصوص المتشابهة إلى النصوص المحكمة .
وأهل الأهواء يفسرون القرآن والسنة حسب أهوائهم ويقدمون المتشابهات على المحكمات .
وكل طائفة تفسر القرآن ونصوص السنة على حسب أهوائها وتدعي أنها على الحق
فالجهمي يفسر القرآن حسب أصول الجهمية الفلسفية ، والمعتزلي حسب أصوله الاعتزالية .
والخوارج والروافض يفسرون القرآن والسنة حسب أهوائهم وأصولهم الخارجية والرافضية .
والصوفية يفسرون القرآن والسنة حسب أهوائهم وأصولهم الصوفية .
وجاء في هذا العصر سيد قطب وفسر القرآن بحسب هواه وبحسب الأصول الفنية من تصوير وموسيقى وقواعدهما وعلى أصول السينما وأصول المسرحيات وما يتبعها من تمثيليات ومشاهد ولوحات وريشات ونظارة ومفاجآت ويرى نفسه أنه اهتدى في هذا التفسير على هذه الوجوه إلى ما لم يسبق إليه ، أضف إلى ذلك ما ورثه من أصول أهل الضلال على اختلافهم .



1- الدين والفن والقصة




هذا عنوان أحد فصول كتاب " التصوير الفني" ص (171 ) .
قال سيد قطب تحت هذا العنوان :
" قلنا إن خضوع القصة للغرض الديني لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها ، فالآن نقول : إنه كان من أثر هذا الخضوع بروز خصائص فنية بعينها تحسب في الرصيد الفني للقصة في عالم الفنون الطليق ".
قال في تفسير قوله تعالى : [ كَلَّآ إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكَّاً دَكَّاً ][الفجر:21] إلى قوله تعالى : [ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ][الفجر:26] قال : ""في وسط هذا الروع الذي يبثه العرض العسكري الذي تشترك فيه جهنم بموسيقاه العسكرية المنتظمة الدقات المنبثقة من البناء اللفظي الشديد الأسر وبين العذاب الفذ والوثاق النموذجي يقال لمن آمن { يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي }" فسرها سيد قطب باسلوبه إلى قوله :" بهذا الانسجام الذي يعمر الجو كله بالرضى والتعاطف ( فادخلي في عبادي ) ممتزجة بهم متوادة معهم (وادخلي جنتي ) المضافة لي ، والموسيقى حول المشهد مطمئنة متموجة رخية في مقابل تلك الموسيقى القوية العسكرية ".
قال :" فأما تنوع أسلوب الموسيقى وإيقاعها بتنوع الأجزاء التي تطلق فيها فعندنا ما نعتمد عليه في الجزم بأنه يتبع نظاماً خاصاً وينسجم مع الجو العام باطراد لا يستثنى .وقد نحتاج في ضبط هذه الفروق وتوضيحها إلى قواعد موسيقية خاصة وإلى اصطلاحات في الموسيقى لا يتهيأ العلم بها لكل قارئ ولا لنا نحن أيضاً، ولكننا نحسب المسألة أيسر من ذلك إذا نحن اخترنا ألواناً متباعدة وأساليب متباينة من هذه الموسيقى في سورة النازعات أسلوبان موسيقيان وإيقاعان ينسجمان مع جوَّيْن فيهما تمام الانسجام ....." التصوير الفني ص(110-111) ثم واصل بذكر أنواع الموسيقى وتموجها وإيقاعها وأن الموسيقى واضحة في بعض الآيات قد تستغني لوضوحها عن معرفة قواعد الموسيقى ص(112-113) وفي ص(114-115) تحدث عن التصوير وتناسق الصور والرسم (وهو التصوير ) فقال :" هذا اللون من التناسق هو مفتاح الطريق إلى التناسق الذي نعنيه هنا بالذات . والذي نعنيـــه هو :

أولاً : ما يسمى" بوحدة الرسم "وحتى المبتدؤن في القواعد يعرفون شيئاً عن هذه الوحدة ،فلسنا في حاجة إلى شرحها ويكفى أن نقول: أن القواعد الأولية للرسم تحتم أن يكون هناك وحدة بين أجزاء الصورة فلا تتنافر جزئياتها .

ثانياً : توزيع أجزاء الصورة – بعد تناسبها –على الرقعة بنسب معينة حتى لا يزحم بعضها بعضاً، ولا تفقد تناسقها في مجموعها.

ثالثاً : اللون الذي ترسم به ، والتدرج في الظلال بما يحقق الجو العام المتسق مع الفكرة والموضوع .
والتصوير بالألوان يلاحظ هذا التناسق كما يلاحظه " التوزيع في المشاهد المسرحية والسينمائية ، والتصوير في القرآن يقوم على أساسه ، وإن كانت وسيلته الوحيدة هي الألفاظ ، وبذلك يسمو الإعجاز فيه على تلك المحاولات " .

قال سيد قطب في ص ( 114) من كتاب التصوير الفني في القرآن :" تفضل الأستاذ الفنان " ضياء الدين محمد " مفتش الرسم بوزارة المعارف بمراجعة هذا القسم الخاص بتناسق التصوير ، ثم قال : "خذ سورة من السور الصغيرة التي ربما يحسب البعض أنها شبيهة بسجع الكهان أو حكمة السجاع" وخذ سورة الفلق فما الجو المراد إطلاقه فيها ؟ إنه جو التعويذة بما فيه من خفاء وهيمنة وغموض وإيهام ".
وما أظن أحداً مسلماً يقول مثل هذا الكلام في تفسير القرآن ولكنه الانفلات من العقيدة ثم فسر السورة على قاعدته من الصور والتصوير والتقابل والأجزاء والمشاهد .

ثم قال في ص ( 117 ) :" وهذه الأجزاء موزعة على الرقعة توزيعاً متناسقاً متقابلة في اللوحة ذلك التقابل الدقيق ، وكلها ذات لون واحد ، فهي أشياء غامضة مرهوبة يلفها الغموض والظلام والجو العام قائم على أساس هذه الوحدة في الأجزاء والألوان . ليس في هذا البيان شيء من التمحل ، وليست هذه الدقة كلها بلا هدف ، وليس هذا الهدف حلية عابرة ، فالمسألة ليست مسألة ألفاظ أو تقابلات ذهنية إنما هي لوحة وجو وتنسيق وتقابلات تصويرية يعد فناً رفيعاً في التصوير وهي إعجاز إذا أداه مجرد التعبير " .

وأقول : إنه هجوم عجيب على كتاب الله وإساءة عظيمة إلى رب العالمين وتمحل فعلاً وكأن الله تعالى وجل وتنـزه فنان لا غايةله إلا أن يحرز إعجاب الفنانين والرسامين وكأن القرآن لا يكون معجزاً إلا إذا كان على منهج سيد قطب وقاعدته الضالة الفاسدة التي انفلت بها من العقيدة وسهلت عليه الجرأة على مكانة القرآن وقداسته وعظم من تكلم به وأوحاه لهداية عباده .

قال :" سيد قطب في فصل التناسق الفني " ص(87) حينما نقول : "إن التصوير هو القاعدة الأساسية في أسلوب القرآن وإن التخييل والتجسيم هما الظاهرتان البارزتان في هذا التصوير لا نكون قد بلغنا المدى في بيان الخصائص القرآنية بصفة عامة ولا خصائص التصوير القرآني بصفة خاصة ووراء هذا وذاك أفاق أخرى يبلغ إليها النسق القرآني وبها تقويمه منها الصحيح من ناحية الأداء الفني ومنها ذلك الإيقاع الموسيقي الناشئ من تخيير الألفاظ ونظمها في نسق خاص . ومع أن هذه الظاهرة واضحة جد الوضوح في القرآن وعميقة كل العمق في بنائه الفني فإن حديثهم عنها لم يتجاوز ذلك الإيقاع الظاهري ، ولم يرتق إلى إدراك التعدد في الأساليب الموسيقية ، وتناسق ذلك كله مع الجو الذي تطلق فيه هذه الموسيقى ، ووظيفتها التي تؤديها في كل سياق " .
ثم ساق خصائص أخرى ثم قال في ص ( 89 ) :" ومع أن الخصائص التي طرقوها حقيقية وقيمة ، فإنها لاتزال أولى مظاهر التناسق التي يلمحها الباحث في القرآن ووراءها آفاق أخرى لم يتعرضوا لها أصلاً فيما عدا ظاهرة الإيقاع الموسيقي فهي أحد هذه الآفاق العالية ولكنهم كما قلت ، وقفوا عند مظاهرها الخارجية ولما كان التصوير في القرآن مسألة لم يعرضوا لها بوصفها أساساً للتعبير القرآني جملة فقد بقي التناسق الفني في هذا التصوير بعيداً عن آفاق بحثهم بطبيعة الحال"

أقول : الحمدلله الذي عافاهم وأبعدهم مما ابتلاك به من الجرأة والانطلاق بغير عقيدة في التقول على كتاب الله العظيم الذي جعلته ميداناً لأحط الفنون . وهل الفنانون أو غيرهم من البشر لهم حق تقويم القرآن تقويماً صحيحاً ؟
يقول سيد قطب في " فصل القصة في القرآن " ص(143-144 ) :" حقيقة القرآن الكبرى في التعبيرهي التصوير " ويقول :" والفن والدين صنوان في أعماق النفس " .

نقول : لو كان الأمر كما ذكرت لما فرق الإسلام بين الدين والفن فحرم الغناء وآلات اللهو ومنها الموسيقى والطبول وحرم التصوير وأخبر أن المصورين أشد الناس عذاباً يوم القيامة ولعن المصورين .
ولو كان الأمر كما ذكرت لكان الأنبياء والصحابة وخيار هذه الأمة العلماء أشد الناس اهتماماً بالفن وحاشا الدين أن يعتبر الفن صنوه وحاشا خيار هذه الأمة بل وشرارها أن يعتبروا الدين والفن صنوان .
ولو كان الأمر كما ذكر سيد قطب لرأيت مدارس الفن إلى جانب مدارس الدين ولكان علماء الأمة أبرع الناس فيه لكن أعاذهم الله من وساوس الشياطين شياطين الإنس والجن .




2- التخييل الحسي والتجسيم




هذا أحد عناوين سيد قطب في كتاب التصوير الفني في القرآن ص ( 71-72 ) قال سيد قطب تحت هذا العنوان : "التخييل الحسي والتجسيم " حينما نقول : إن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن ،والقاعدة الأولى فيه للبيان ،لانكون قد انتهينا من الحديث عن هذه الظاهرة الشاملة .فإن وراء ذلك بقية تستحق أن نفرد لها هذا الفصل الخاص فعلى أية قاعدة يقوم هذا التصوير ؟
لقد ألمعنا إلى شيء من ذلك في مفتتح الفصل السابق ، حينما قلنا " إنه يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية ، كما يعبر بها عن الحادث المحسوس ، والمشهد المنظور ، ثم يرتقي إلى الصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة ، أو الحركة المتجددة ، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة ، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد ، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، فأما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر ، فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة وفيها الحركة فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل " .
وكل ما تقدم من الأمثلة في الفصل السابق يصلح برهاناً على هذه الظاهرة ، وإن تكن سياقته في ذلك الفصل كانت سريعة لمجرد البرهنة على أن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن ولكننا في هذا الفصل لا نكتفي بالإحالة على تلك الأمثلة ، فالقرآن بين أيدينا حافل بالأمثلة الجديدة . ونحن نختار منها بعض ماله دلالة خاصة على هذه الطريقة المعينة : ظاهرة التخييل الحسي والتجسيم في ذلك التصوير ......" ثم قال :" وظاهرة أخرى تتضح في تصوير القرآن وهي التجسيم " تجسيم المعنويات المجردة وإبرازها أجساماً أو محسوسات على العموم ، وإنه ليصل في هذا إلى مدى بعيد حتى ليعبر به في مواضع حساسة جد الحساسية ، يحرص الدين الإسلامي على تجريدها كالذات الإلهية وصفاتها ، ولهذا دلالته الحاسمة أكثر من كل دلالة أخرى على أن طريقة "التجسيم " هي الأسلوب المفضل في تصوير القرآن مع الاحتراس والتنبيه إلى خطورة التجسيم في الأوهام ، والآن فلنأخذ في الأمثلة ".

ثم شرع يعدد أنواع التخييل والتجسيم في القرآن حسب تصوره إلى أن قال في ص ( 83 ):" 7- ثم لما كان هذا التجسيم خطة عامة صور الحساب في الآخرة كما لو كان مجسماً للحسنات والسيئات { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } { فأما من ثقلت موازينه ....وأما من خفت موازينه....} وكل ذلك تمشياً مع تجسيم القرآن "
فالميزان عنده شيء ٌ معنوي مجرد وليس شيئاً محسوساً يحصل به الوزن الحقيقي الذي قرره القرآن والسنة فهو سائر في هذا على المنهج العقلاني الاعتزالي إلى أن قال في هذا الفصل فصل التخييل والتجسيم في النوع السابع منه ص (85) :" بهذه الطريقة المفضلة في التعبير عن المعاني المجردة سار الأسلوب القرآني في أخص شأن يوجب فيه التجريد المطلق والتنزيه الكامل فقال:{ يد الله فوق أيديهم} {وكان عرشه على الماء } { وسع كرسيه السماوات والأرض } { ثم استوى على العرش } { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه } {ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى } { والله يقبض ويبسط }{ وجاء ربك والملك صفاً صفاً } { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } { إني متوفيك ورافعك إلي}.........إلخ " .
وثار ما ثار من الجدل حول هذه الكلمات، حينما أصبح الجدل صناعة والكلام زينة . وإن هي إلا جارية على نسق متبع في التعبير ، يرمي إلى توضيح المعاني المجردة وتثبيتها ، ويجري على سنن مطرد لاتخلف فيه ولا عوج . سنن التخييل الحسي والتجسيم في كل عمل من أعمال التصوير .

ولكن اتباع هذا السنن في هذا الموضع بالذات ، قاطع في الدلالة – كما قلنا – على أن هذه الطريقة في القرآن أساسية في التصوير ، كما أن "" التصوير هو القاعدة الأولى في التعبير" .
وهكذا يسلك الرجل مسلك غلاة المعطلة في تعطيل صفات الله عزوجل وغيرها فليس لله يد ولا عرش ولا ماء وليس لله يمين يطوي بها السماوات ولا يقبض الأرض ولا قبض ولا بسط فالله منزه في نظره عن ذلك ولا يجيء ربنا يوم القيامة وليس له يدان وعيسى لم يرفع إلى الله .
وقد عطل ما تيسرله تعطيله من صفات الله ومنها تعطيل صفة استواء الله على عرشه والقول بأن القرآن مصنوع و هو يريد مخلوق وإنكار أن الله كلم موسى بطريقة ملتوية وإنكار رؤية الله في كتاب الظلال والمشاهد .
وهنا يرى القارئ ماذا فعل تجاه صفات الله وغيرها بناءً على الأصل الجهمي وعلى أصله في التصوير والتخييل وعلى الأصل الجهمي الذي يدعي التنـزيه توصلاً إلى تعطيل صفات الله .
ويرى انحياز سيد قطب إلى الجهمية المعطلة ورده للمذهب الحق مذهب أهل السنة والجماعة القائم على النصوص الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة والتابعين .
ويرى كيف يموه ويتظاهر بإنكار الجدل الذي ثار حول هذه القضايا بعد انحيازه إلى الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ليدحضوا به الحق .




3-العرض السينمائي في القرآن في نظر سيد قطب



وفي فصل التصوير في القصة بعد هذا العنوان ص(190-191) يقول :
" وأخيراً نخصص هذا العنوان للخصيصة الرابعة أبرز الخصائص الفنية في القصة وأشدها اتصالا بموضوع هذا الكتاب .
فلقد سبق أن قلنا : إن التعبير القرآني يتناول القصة بريشة التصوير المبدعة التي يتناول بها جميع المشاهد والمناظر التي يعرضها فتستحيل القصة حادثاً ويقع مشهداً يجري لا قصة تروى ولا حادثاً قد مضى ".
انظر هذه العبارات لترى أن العرض في القران في نظر سيد قطب إنما هو عرض سينمائي تلقاه وأمثاله عن أعداء الإسلام ثم طبقه بكل جرأة على كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وصدق الله تعالى إذ يقول : قال تعالى : [ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَابَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ  لَو أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذناَهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ  بَل نَقْذِفُ بَالحَقِ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغَهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ  ] [الأنبياء:16-18] .
فها نحن نقذف أباطيل سيد قطب بالقرآن فيدمغها بما فيها من ألاعيب ولهو سينمائي ومسرحي بمشاهدهما ومناظرهما ونقول له ولأساتذته الأوربيين [ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ] [الأنبياء:18] ولا أعرف أحداً تجرأ على القرآن مثل سيد قطب في قوالب دينية وفنية " فالفن عنده صنو الدين " .
ثم قال سيد قطب بعد ما سبق :
" والآن نقول : إن هذا التصوير في مشاهد القصة ألوان لون يبدو في قوة العرض والإحياء ولون يبدو في تخييل العواطف والانفعالات ولون يبدو في رسم الشخصيات وليست هذه الألوان منفصلة ولكن أحدها يبرز في بعض المواقف ويظهر على اللونين الآخرين فيسمى باسمه . أما الحق فإن هذه اللمسات الفنية كلها تبدو في مشاهد القصص جميعاً .. وهنا يوضح المثال مالا يوضحه المقال استعرضنا من قبل قصة أصحاب الجنة . ومشهد إبراهيم وإسماعيل أمام الكعبة ومشهد نوح وابنه في الطوفان .. وكلها أمثلة لقوة العرض والإحياء ، حتى ليظن القارئ أن المشهد حاضر يحس ويرى على نحو مابينا . أما الآن فنضيف مثلاً جديداً .
هانحن أولاء نشهد " أهل الكهف " يتشاورون في أمرهم بعد ما اهتدوا إلى الله بين قوم مشركين : { نحن نقص عليك نبأهم بالحق ، إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلاهاً لقد قلنا إذاً شططا ، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهةً ، لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا، وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا }
بهذا ينتهي المشهد ويسدل الستار أو تنقطع الحلقة على أحدث الطرق التي اهتدى إليها المسرح والسينما في القرن العشرين فإذا رفع الستار مرة أخرى وجدناهم قد نفذوا ما استقر عليه رأيهم فها هم أولآء في الكهف ها هم أولآء نراهم رأي العين فما يدع التعبير هنا شكاً في أننا نراهم يقيناً ".
انظر كيف يتحدث عن الآيات القرآنية حديث فنان درس فنون الغرب الكافر ومارس أساليب القصاصين والروائيين الذين تعرض قصصهم في دور السينما والمسارح بحلقاتها وفصولها ومشاهدها ونظارتها.
انظر إليه كيف يدعي أنه مع غيره يشهدون أهل الكهف فهل هو حقاً شهدهم فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله له [ لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرَاراً وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعْباً ] [الكهف:18] ، فرسول الله وأصحابه لم يروهم فكيف يصح قول سيد " هؤلاء نحن نشهد أهل الكهف يتشاورون في أمرهم .فإذا رفع الستار مرة أخرى وجدناهم قد نفذوا ما استقر عليه رأيهم فها هم نراهم في الكهف نراهم رأي العين فما يدع التعبير شكاً في أننا نراهم " .
وهذا كذب واضح في تفسير كتاب الله وفي أحسن القصص .

وانظر كيف يقذر تفسير كتاب الله بأقذار أبغض بقاع الأرض إلى الله التي تمارس في المسارح ودور السينما التي يزعم أنه اهتدى إليها المسرح والسينما في القرن العشرين ومن هداهم إليها إنه الشيطان ومن هم المهتدون هذه الهداية إنهم دعار اليهود والنصارى والشيوعيون .
أيجوز أن نفسر كتا الله العظيم بأحط واقذر ما انتجته العقول العفنة الشريرة في القرن العشرين ألا بعداً وسحقاً لأهل الأهواء والضلال الذين يقلدون اليهود والنصارى تقليد الببغاوات ويدعون أنهم أصحاب أفكار متحررة وعقول نيرة .




4- كيف نفهم القرآن




هذا أحد عناوين سيد قطب في كتاب التصوير الفن في القرآني ص(25):
تحدث سيد قطب في هذا الفصل عن التفسير والمفسرين وعن الباحثين والمباحث البلاغية مع إبداء ما فيها من قصور من وجهة نظره ثم قال في ص( 34 ) : " وأياً ما كانت تلك الجهود التي بذلت في التفسير وفي مباحث البلاغة والإعجاز ، فإنها وقفت عند حدود عقلية النقد العربي القديمة تلك العقلية الجزئية التي تتناول كل نص على حدة فتحلله وتبرز الجمال الفني فيه إلى الحد الذي تستطيع دون أن تتجاوز هذا إلى إدراك الخصائص العامة في العمل الفني كله . هذه الظاهرة قد برزت في البحث عن بلاغة القرآن فلم يحاول أحد أن يجاوز النص الواحد إلى الخصائص الفنية العامة ، اللهم إلا ما قيل في تناسق تراكيب القرآن وألفاظه أو استيفاء نظمه لشروط الفصاحة والبلاغة – وهذه - ميزات – كما قال عبد القاهر بحق – لا تذكر في مجال الإعجاز ، لأنها ميسرة لكل شاعر وكاتب شب عن الطوق وبوقوف الباحثين في بلاغة القرآن عند خصائص النصوص المفردة وعدم تجاوزها إلى الخصائص العامة وصلوا إلى المرحلة الثانية من مراحل النظر في الآثار الفنية ، وهي مرحلة الإدراك لمواضع الجمال المتفرقة وتعليل كل موضع منها تعليلاً منفرداً ذلك مع ما قدمنا من أن هذا الإدراك كان بدائياً ناقصاً " .

أقول :
1- إذا كان هذا هو حال أهل المرحلة الثانية إدراكهم بدائي ناقص فما هو حال أهل المرحلة الأولى بل ما حال من قبلهم من الصحابة والتابعين ؟ ولا يسعنا إلا أن نقول : إنا لله وإنا إليه راجعون .
2- كأن سيداً لا يرى ما ذكر عن القرآن من فصاحة وبلاغة وتناسق في التركيب والألفاظ إعجازاً وإنما الإعجاز فيما اكتشفه هو من ألوان التصوير الفني وأساليب الفن الحديثة التي تروجها دور السينما والمسارح .

اكتشاف سيد قطب لمنهج جديد لم تصل إليه الأمة بعلمائها قبله :
3- ثم قال : " أما المرحلة الثالثة – مرحلة إدراك الخصائص العامة – فلم يصلوا إليها أبداً لا في الأدب ، ولا في القرآن . وبذلك بقي أهم مزايا القرآن الفنية مغفلاً خافياً وأصبح من الضروري لدراسة هذا الكتاب المعجز من منهج للدراسة جديد ومن بحث عن الأصول العامة للجمال الفني فيه ومن بيان للسمات المطردة التي تميز هذا الجمال عن سائر ما عرفته اللغة العربية من أدب ، وتفسر الإعجاز الفني تفسيراً يستمد من تلك السمات المنفردة في القرآن الكريم " ص ( 34 ) .
وهو منهج جديد ومبتدع استمده من البيئة التي عاشها والحياة المحيطة به بما فيها من مسرحيات وسينما وملاهٍ وغيرها مما وفد على بلاده أو بلاد غيره من أوروبا وأمريكا وإذا كان الأمر كذلك فلم يكن ليخطر ببال أحد هذا المنهج الجديد ولو بعثهم الله لتبرؤا منه وحاربوه لما فيه من إهانة للقرآن الكريم ونزول به عن منزلته الرفيعة إلى موائمة أحط الحضارات وأردئها كما سيتجلى للقاريء من متابعة هذا المنهج الجديد .
القاعدة الكبيرة التي انطلق منها سيد قطب في هذا الكتاب وفي الظلال ومشاهد القيامة :
" هي التصوير الفني " فالتصوير عنده هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن. يقول سيد قطب في ص ( 36 ):" والأمثلة على هذا الذي نقول هي القرآن كله … ويجب أن نتوسع في معنى التصوير حتى ندرك آفاق التصوير الفني في القرآن ، فهو تصوير باللون وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل ، وكثيراً ما يشترك الوصف والحوار وجرس الكلمات ، ونغم العبارات ، وموسيقى السياق في إبراز صورة من الصور تتملاها العين والأذن والحس والخيال والفكر والوجدان " .
على هذه القاعدة الخطيرة وعلى قاعدته الثانية وهي الانفلات من العقيدة وعلى قاعدته الثالثة " أن الدين والفن صنوان" وعلى أمور أخرى حوَّل آيات القرآن إلى مشاهد ونظارة ومسارح وسينما وموسيقى وتصفيق إلى آخر الأساليب التي يعرفها رواد السينما والمسارح لا ذوي العقول والنهى الذين يخاطبهم القرآن قال تعالى : [ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَأَيَاتٍ لِّأُ ولِى النُّهَى] [طه:54] قال تعالى : [ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَأَيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ][النحل:12] ، وقال تعالى : [إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ][ق:37]، وهم أهل الإيمان والخشية والتقى لا أصحاب المتع الشهوانية من رواد المسارح والسينما والراقصين على نغمات الموسيقى فلننظر كيف عملت فيه وفي عقله وتصرفاته هذه القواعد بالإضافة إلى ما سبق ولا يمكننا أن نستقصي آثار هذه القواعد في هذا الكتاب فكله تطبيق لها ولكننا سنكتفي ببعض الأمثلة ومنها يدرك اللبيب العاقل مدى جرأة هذا الرجل على كتاب الله وعلى بعض أنبيائه وأصفيائه .


ويتبعه الحلقة الثالثة إن شاء الله

12d8c7a34f47c2e9d3==