المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم خطبة الجمعة بغير اللغة العربية


كيف حالك ؟

خالد الردادي
12-26-2003, 07:54 PM
بسم الله الرحمـن الرحيـم
حكم خطبة الجمعة بغير اللغة العربية

الحمد لله وحده والصلاة على من لانبي بعده
أما بعد
فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنها لا تصح بغير العربية لغير الحاجة ، وتصح للحاجة.

وهذا قول عند الشافعية(1)، ومذهب الحنابلة(2)، وقول الصاحبين من الحنفية(3)، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية(4) .

القول الثاني : أنه تشترط الخطبة بالعربية ولا تصح بغيرها .

وهذا مذهب المالكية(5)، والشافعية(6)، والرواية الصحيحة عند الحنابلة(7).

القول الثالث : أنه يستحب الخطبة بالعربية ويصح بغيرها .

وهذا قول أبي حنيفة وهو المعتمد عند الحنفية(8)، وقول عند الشافعية(9)، ورواية عند الحنابلة(10) .

وإليك عرض أدلة كل فريق مع المناقشة :

أدلة القول الأول :

الدليل الأول :

أن الخطبة لا تكون إلاَّ بالعربية لمن يفهمها ويعرفها ويحصل الفائدة المرجوة منها ولكن إذا كان المستمعون لها لا يفهمونها ولا يعرفونها ولا يحصلون الفائدة المرجوة منها إذا كانت بالعربية فإنه يجوز أن تكون بلسانهم الذي يعرفونه لا بالعربية ، وذلك لأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد والتوجيه وهذا يأتي لمن لم يفهم الخطبة لكونها ألقيت بغير لسانه ولغته .

الدليل الثاني :

أن الخطبة بالعربية ليست مقصودة لذاتها حتى يمكن أن يقال بعدم صحتها بغيرها حتى ولو لم يفهمها الناس المستمعون بل هي مقصودة لما فيها من تعليم وتوجيه وإرشاد للمستمعين لها وهذا لا يحصل لمن لم يفهمها ويعرفها لكونها ألقيت بغير لغته التي يفهمها .

أدلة القول الثاني :

الدليل الأول :

عن مالك بن الحويرث قال : أتينا إلى النَّبِيّrونحن شببة متقاربون ، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة ، وكان رسول اللَّهrرحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أوقد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ، وعلموهم ومروهم ، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " (11) .

وجه الدلالة : أن النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم أمر في هذا الحديث بأن يصلي المسلم كما رأي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يصلي ويقتدي به في أحواله كلها وخاصة الصلاة ، وخطبة الجمعة جزء من الصلاة التي ينبغي أن يقتدي المسلم فيها بالنبيصلى الله عليه وسلم، وبما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة بالعربية فإنه ينبغي ألا تخطب الجمعة إلاَّ بالعربية ولا تصح بغيرها، اقتداء بالنبيصلى الله عليه وسلم.

يناقش : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إنما كان يخطب بالعربية لأنه عربي ويخطب بقوم عرب فلا حاجة للخطبة بغيرها ، وهذا ما نقول به عند عدم الحاجة للخطبة بغيرها ، وأما حينما يكون هناك حاجة للخطبة بغيرها كأن يكون الذين تلقى عليهم الخطبة غير عرب ولا يفهمون العربية فإنه يصح أن يخطب بهم بلغتهم من أجل تحصيل المقصود من الخطبة وهو الوعظ والإرشاد والنصح ، مما لا يتحصل لوقلنا بوجوب الخطبة بالعربية لهم .



الدليل الثاني :

أننا نقول بوجوب الخطبة باللغة العربية لاتباع السلف والخلف حيث لم يعهد منهم الخطبة بغير العربية(12) .

يناقش : أن السلف والخلف الذين ذكرتم إنما كانوا يخطبون باللغة العربية لأنهم كانوا يخطبون بأناس يعرفون العربية ، وهذا مما لا شك فيه أنه ينبغي الخطبة في مثل هذه الحالة باللغة العربية لعدم الحاجة للخطبة بغيرها.

الدليل الثالث :

أن الخطبة ذكر مفروض فيشترط فيها أن تكون باللغة العربية كتكبيرة الإحرام والتشهد ونحوها(13) .

يناقش : أنه لا يسلم لكم أنه يلزم أن تكون جميع الأذكار المفروضة باللغة العربية لأنه يلزم من هذا القول إثبات فرضية تعلم العربية على جميع المسلمين وهذا قول مرجوح لقول اللَّه تعالى : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فيالدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } (14) .

وبناء على هذا فإننا نقول بعدم وجوب تعلم العربية على جميع المسلمين فإذا قلنا بهذا القول فإننا نقول إنه يمكن أن تكون بعض الأذكار بغير العربية عند الحاجة لذلك ومنها الخطبة .

دليل القول الثالث :

أن المقصود من الخطبة الوعظ وهو حاصل بكل اللغات فتصح الخطبة بأي لغة كانت(15) .



يناقش : أن الأصل في الخطبة أن تكون باللغة العربية إذا كان المستمعون يفهمونها ويعرفونها ولا تصح بغيرها لفعل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ، وأما إن كان المستمعون لا يفهمون ولا يعرفون العربية فإنه لا بأس من الخطبة بغيرها للحاجة لذلك .

الترجيح :

وبعد النظر في الأقوال الواردة في هذه المسألة والاطلاع على أدلتها ومناقشة ما لم يستقم من هذه الأدلــة تبين لي - واللَّه أعلم بالصواب- أن القول الراجح فيها هو القول الأول وهو أن الأصل في الخطبة أن تكون بالعربية ولا تصح بغيرها عند عدم الحاجة لذلك ، وتصح بغيرها عند الحاجة لذلك بشرط قراءة الآيات باللغة العربية ثم ترجمة معانيها بلغة الخطبة . وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة ولضعف أدلة الأقوال الأخرى وعدم سلامتها من المناقشة، ولأن المقصود من الخطبة الوعظ والإرشاد وهذا إذا كان بلغة لا يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفوت المقصود منها وتكون عديمة الجدوى بخلاف ما إذا كانت بلغة يفهمها من ألقيت عليه فإنه يفهمها ويستفيد منها ويتعظ بها ، ثم إن كثير من المسلمين في العصر الحاضر لا يعرفون العربية وفي إلزامهم بتعلم العربية مشقة كبيرة عليهم قد لا يقدرون عليها وقد تكون سبباً في صدهم وأعراضهم عن الإسلام كما أنه لا يلزم من الإسلام أن يكون الإنسان متقناً للغة العربية ، فلا يعقل بعد هذا أن يمنع إلقاء الخطبة بغير العربية وتفويت فوائدها المرجوة منها بسبب أمر ليس في مقدور المسلم الأعجمي تعلمه وتحصيله.


ونختم بفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء ،فقد وجه لهاالسؤال التالي:


"هل يجوز أن يلقي الإمام الخطبة يوم الجمعة باللغة الإنجليزية إذا كان أكثر الحاضرين لا يفهمون اللغة العربية ؟.

فأجابت:

ذهب بعض أهل العلم إلى منع ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات الأعجمية ، رغبة منهم رحمهم الله في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها ، وتشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها .

وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظراً للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة وهو تفهيم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام وما نهاهم عنه من المعاصي ، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وتحذيرهم من خلافها ، ولاشك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ ، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثّر فيهم خطبة الخطيب ولا يدفعهم ذلك إلى تعلّم اللغة العربية والحرص عليها ، ( وخصوصا في هذا الوقت الذي تخلّف فيه المسلمون وتقدّم غيرهم انتشرت لغة الغالب وانحسرت لغة المغلوب في هذا العالم ) .

وإذا كان المقصود من إيصال العلم والشّريعة إلى الناس لا يتحقّق عند غير العرب إلا إذا تُرجمت الخُطب إلى لغتهم فإنّ القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين المخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى أحق بالإتباع ، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام ، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعيّنة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة .

وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون ، وبذلك يجمع بين المصلحتين وتنتفي المضرة كلها وينقطع النزاع بين المخاطبين .

ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة ، منها قوله عزّ وجلّ ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم ) ، ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة ، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي صلى الله عليه وسلم مرادهم ، ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة مترجمين ، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله سبحانه باللغة العربية وأمروا الناس بتعلمها ، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها فقامت بذلك الحجة ، ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان وعند غربة الإسلام وتمسّك كل قوم بلغتهم ، فالحاجة للترجمة الآن ماسّة ولا يُمكن أن تتم للداعي دعوته إلا بذلك .

ويُراعي الخطيب ما هو الأصلح للحاضرين فإن كان الأنفع هو تجزئة الخُطبة بالعربية وترجمة كلّ جزء بعده حتى تكتمل الخطبة فعل ذلك ، وإن كان الأنفع ترجمتها كلّها بعد الخطبة أو بعد الصلاة فعل ذلك والله تعالى أعلم".

والله الموفق والمعيــــــــــــن.


...........................................

(1) النووي ، روضة الطالبين 2/26 ، محمد الرملي ، نهاية المحتاج 2/317 ، أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/278.

(2) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 ، منصور البهوتي ، شرح منتهى الإرادات 1/298 .

(3) محمود العيني، البناية 2/206 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 1/249 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 1/249.

(4) اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، الفتاوى الإسلامية للجنة 1/405 .

(5) محمد الدسوقي ، حاشية الدسوقي 1/378 ، أحمد الدردير ، الشرح الكبير 1/378 ، الشيخ عليــش، تقريرات الشيخ عليش 1/378، محمد الخرشي ، شرح الخرشي 2/78 ، علي العدوي ، حاشية العدوي 2/78 .

(6) النووي ، روضة الطالبين 2/26، النووي ، المجموع 4/521 ، محمد الرملي ، نهاية المحتاج 2/317، محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286، سليمان الجمل ، حاشية الجمل 2/28، أحمد القليوبي ، حاشية قليوبي 1/278 .

(7) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 ، محمد بن مفلح ، الفروع 2/113 ، منصور البهوتي، شرح منتهى الإرادات 1/298 .

(8) محمود العيني ، البناية 2/206 ، ابن الهمام ، شرح فتح القدير 1/249 ، محمد البابرتي ، شرح العناية 1/249 .

(9) النووي ، روضة الطالبين 2/26 ، النووي ، المجموع 4/522 .

(10) علي المرداوي ، الإنصاف 5/219 .

(11) رواه البخاري ، صحيح البخاري 1/155 ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ، واللفظ له ، ورواه مسلم ، صحيح مسلم 1/465 ، 466 ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب من أحق بالإمامة .

(12) انظر : محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286 .

(13) انظر : النووي ، المجموع 4/522 ، محمد الشربيني ، مغني المحتاج 1/286 .

(14) سورة التوبة ، الآية 122 .

(15) انظر : النووي ، المجموع 4/522 .

12d8c7a34f47c2e9d3==