المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة محققة في اللحية ، لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الصمد ، رحمه الله تعالى


كيف حالك ؟

ميرزا حسن
04-21-2008, 10:14 AM
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأزواجه والتابعين .
أما بعد ،،،
فهذه أول رسالة كتبها فضيلة الشيخ أبي يوسف عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الصمد الفقيهي ، رحمه الله رحمة واسعة ، وهي نصيحة تتعلق باللحية والحث على اطلاقها وتركها ، والنهي عن حلقها ، وقد صنفها رحمه الله تعالى حينما كان بدرس بالمعهد العلمي بمدينة الرياض سنة 1377 هـ ، وقد أطلع عليها سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، رحمه الله رحمة واسعة وأعجب بها ، وأمر بطباعتها على نفقته الخاصة ، وقد قمت بكتابتها وضبطها وتخريج الأحاديث والأقوال فيها ، فإن أخطأت في شيء من ذلك فمن نفسي والشيطان فلا تبخلوا علينا بالنصح والإرشاد ، وإن أصبت فمنه وحده لا شريك له .
كما أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الكريم ، أنه ولي ذلك والقادر عليه .



رسالة في اللحية
الدين النصيحة
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (1)
" أما آن لكم أن تستحوا "



تأليف : أبي يوسف عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الصمد الفقيهي
تحت إشراف : البعثة السورية في المعهد العلمي بمدينة الرياض
طبعت على نفقة : سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، رحمه الله
نشرها : محمد عبد الرؤوف المليباري " صاحب المكتبة السلفية بمدينة الرياض "


أعاد كتابتها وتهذيبها وتخريج الآيات والأحاديث والأقوال فيها
عبد الله آل عريعر الخالدي
غفر الله له ولموتى المسلمين



الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله رحمة للعالمين ، وأمره ببيان ما أنزل إلينا ، فأوضح لنا الأمور كلها ، وما فيه خيرنا وسعادتنا في الدارين الدنيا والآخرة .
فالسعيد من أطاعه والشقي من عصاه . اللهم صلَّ عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد ،،،

فقد قال تعالى في كتابه العزيز : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ . (2)
وقال : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ . (3)
نعم ، والذي نفسي بيده لسوف تسألون عن هذا القرآن وماذا عملتم به ، وكيف كانت استجابتكم له ؟!
وقال تعالى : مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ . (4)
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم وهو يقول لكم : " خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب ، وأرخوا اللحى " . (5)
ويقول : " جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، وخالفوا المجوس " . (6)
ويقول : " عشرة خصال من الفطرة منها قص الشارب وإعفاء اللحية " . (7)
وهذه الخصال العشرة المذكورة في الحديث إذا فعلت اتصف صاحبها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها ، واستحثهم على العمل بها ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " أوفوا وأرخوا وأعفوا " كلها تفيد الترك المطلق وعدم التعرض لها البته لا بحلق ولا تقصير ولا أخذ عارض ونحوه .
وأما الذين يستدلون على جواز التقصير بفعل ابن عمر ، رضي الله عنه في الحج والعمرة فحجتهم لا شك داحضة ، لأن الشرائع السماوية والحمد لله قد تمت قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصلتنا كاملة وتامة بعد وفاته ، لأن الله سبحانه تكفل بحفظها ، فقال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . (8)
ولم ينقل إلينا بأخبار صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قصر لحيته أو أخذ شيئاً منها لا في حج ولا في عمرة أو غير ذلك .
ويحتجون بأن ابن عمر أدرى منا بالأحاديث وأعلم لأنه رضي الله عنه كان أشد الصحابة حرصاً على الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً .
فهذه الحجة الثانية أوهن من بيت العنكبوت لأن العبرة في الذي رواه ابن عمر نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فيما درى وعلم .
ولا سبيل للإحتجاج بدرايته لأنه يخطىء ويصيب ، وأما المشرع الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فمعصوم عن الخطأ في تبليغ الرسالة ، وهو أدرى وأعلم من ابن عمر بمقتضى العمل بالأحاديث وتفسيرها .
فالمقلد لابن عمر مما لا ريب فيه أنه متبع لهواه ومخالف لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لآن الله سبحانه ما تعبدنا باتباع ابن عمر وغيره .
وإنما تعبدنا بالذي أنزل على رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
ولكن ويا للأسف مع هذا النداء وهذه الأوامر المحتمة من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ترى أكثر الناس في عصرنا الحاضر وخاصة المثقفين ، أصبح مثلهم كمثل الذي قالوا : سمعنا وهم لا يسمعون ، أو كبني إسرائيل قالوا : سمعنا وعصينا ، أو كالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل بيمينه فقال : لا أستطيع فدعا عليه صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا استطعت ما منعه إلا الكبر " . (9)
فشلت يده وما رفعها إلى فيه ووصفه عياذاً بالله بأنه متكبر ، وما ذاك إلا لرده أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنأوا عن كتاب الله حتى كأنهم في معزل واتبعوا ما أسخط الله .
واجترحوا السيئات ، واقترفوا كبائر الذنوب ، وجاهروا بالمعاصي في رابعة النهار وبين ظهراني المسلمين بلا وجل ولا حياء ولا رهبة تنظر إلى أحدهم فتجده أبرع مقلد إلى الغرب ثم يا ترى ؟! أبالقنبلة الذرية والهيدروجينية أم بالطائرات النفاثة وحاملات الطائرات أم بالمدافع والدبابات ؟ لا والله لكنه أبرع مقلد لهم في الرذائل خاصة في شرب الخمر ولعب الميسر ، في ارتياد المقاهي والملاهي والسينما ومحلات الرقص والدعارة .
تراه في الشوارع والأسواق متزيياً بزي الكافر الغاشم ، حليق اللحية ، مختماً بالذهب بيده سوار من ذهب مشعلاً سيجارة يتكسر بحركاته لا مروءة ولا حياء ينثني بمشيته ، وتغشاه الميوعة ويتحكم فيه الدلال والتخنث ولم يبق إلا تلحق به تاء التأنيث ليكون في عداد النساء ومع هذا كله لا زالوا يزعمون أن الإسلام هو عنوان التأخر ورمز الجمود : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا . (10)
فكيف بهم إذا وقفوا بين يدي العلي الكبير ، وجاء القرآن الكريم يخاصمهم وما لهم من شفيع ولا ولي حميم ، فماذا تكون الحجة ؟ وماذا يكون الجواب ؟ .
وما أقبح ما جاهروا به حلق اللحية ، وتشويهها بالقص ونحوه ، وأخذ العارض أو ترقيقه وصبغها بالسواد ، فتشبهوا بالنساء بنعومة الخدود ، وأعظم تقريع قرع الله به المنافقين بقوله : رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ . (11)
وتشبهوا بالكفرة والمشركين بحلقها ، وبالمجوس بتقصيرها ، والذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس منا من تشبه بغيرنا " . (12)
وروي عنه أنه قال : " من تشبه بقوم فهو منهم " ، وفي رواية : " حشر معهم " . (13)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : " أقل أحوال هذا الحديث يقتضي تحريم التشبه وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم " . (14)
وقال ابن كثير ، رحمه الله : " فيه النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في الأقوال والأفعال واللباس والأعياد والعادات وغير ذلك مما لم يشرع لنا ولم نقر عليه " . (15)
وكتب عمر بن الخطاب إلي عتبة بن فرقد : " وإياك وزي أهل الشرك " . (16)
وأن حذيفة ، رضي الله عنه أتى بيتاً فرأى فيه شيئاً من زي الأعاجم فخرج وقال : " من تشبه بقوم فهو منهم " . (17)
وأن الإمام أحمد ، رحمه الله دُعي إلى وليمة فنظر إلى كرسي عليه فضة فخرج ولم يقعد ، فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وهو يقول : " زي المجوس زي المجوس " . (18)
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ، فقال : لأَتخَِِّذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ، وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ . (19)
حقاً لقد غيروا خلق الله ، والفطرة التي فطرهم عليها وارتضاها لهم .
وروى مسلم في صحيحه (20) ما منه : أن امرأة أتت ابن مسعود ، رضي الله عنه فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله ؟ فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ؟! فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فلم أجده ، فقال : لئن كنتي قرأتيه لقد وجدتيه قال عز وجل : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا . (21)
قولوا لي بربكم ماذا فعلت النامصة إلا أنها رققت حاجبها بأخذ شعرات منه ظناً منها أن جمالها يزداد بأخذها ، وماذا فعلت المتفلجة إلا أنها بردت شيئاً يسيراً من أسنانها لتباعد بعضها عن بعض زيادة في الحسن والجمال ، ومع كون المرأة أحرى من الرجل بالتجمل والزينة لم يقرها صلى الله عليه وسلم على فعلتها بل لعنها ووصفها بأنها غيرت خلق الله الذي أحسن كل شيء خلقه ولأنها عبثت بخلقها وتزينت بزينة ليست مشروعة .
فما بالنا عباد الله بالرجل الذي حلق اللحية حلق السنة المطهرة ، حلق شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام ، أزال معالم الرجولة ونزل إلى مستوى المرأة والمخانيث في الميوعة والنعومة وطراوة الملمس واستجاب لداعي الغرب وعصى داعي الله : وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء . (22)
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ . (23)
أيها الناس واقعنا اليوم مؤلم ومؤلم جداً تتفطر منه الأكباد ويندى له جبين كل مسلم ، فتحت عليكم أبواب الشر ورميتم بفتن كقطع الليل المظلم ، جعلت الحليم حيران والعاقل مخبولاً .
والمؤمن لا يلوي على شيء إلا أن يفرَّ بدينه من الفتن إلى شغف من الشغاف أو إلى بطن واد من الأودية يعبد ربه حتى يأتيه اليقين ، الدين انتهكت محارمه ، وديست كرامته وخالف السواد الأعظم أوامره ونواهيه وتعدوا حدوده واجترأ دعاة السوء والرذيلة أن يتظاهروا بفسوقهم ورذيلتهم ، ويجاهروا بمعصية الله ورسوله في الطرقات والشوارع والأسواق على السطوح والشرفات وفي كل مكان .
وحتى آل الأمر إلى أن الغريب والقريب والمواطن وغير المواطن استهزأ بالدين وأهله إذا أمرهم أحد بمعروف قالوا : اترك هذه التقاليد القديمة ، ودع عنك أقوال الرجعية ، عصرنا اليوم ليس كالأمس ، وإذا مرَّ صاحب اللحية يلمزونه بسخرية لاذعة يقول بعضهم لبعض : كأنها ذنب تيس ، كأنه عاضض على جاعد ، كأنها مكنسة بلدية .
وغير ذلك من الألفاظ البذيئة التي يترفع عنها كل من آمن بالله واليوم الآخر ، ويْحكم ؟! أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ . (24)
ناقشت بعض أولئك المثقفين عندما رأيته يحمل مجلة المصور وبعد أن أقنعته بأن لا خير فيها انتقلت معه في بحث حلق الذقن ، ويا للأسف حليق وإذا به يقول بغضب وحدة نافضاً يده في وجهي : دع عنك أقوال الرجعية نحن نريد أن نتقدم وأنت وأمثالك تريدون تأخيرنا ، اليوم ليس كالأمس ، الصديق أصبح يعيب صديقه بإعفاء اللحية وحتى ناقصات العقول - يعني النساء - لا يرضينها .
فكأنه أشعرني بكلامه بأن حلق اللحية وقراءة المجلات الخليعة الداعرة التي تهافتوا عليها تهافت الفراش على النار ، والراديو والسينما والتصوير والتدخين ونحوه من الضروريات التي تقتضيها مدنية العصر الحاضر ، والتي لا يمكن الإستغناء عنها لأنها عنوان العلم والحضارة والرقي ، وعلامة فارقة يعرف بها الشاب المثقف .
وأن إعفاء اللحية وعدم مطالعة المجلات الخليعة وترك التدخين والإقلاع عن الخمر والميسر وعدم الاستماع للراديو والمعازف والغناء الخليع واعتزال المقاهي والملاهي والسينما أصبحت من مخلفات العصور الغابرة ولا تتفق والحضارة العصرية وأنها تحط من قدر الشاب المثقف وبصحبة الناس بالجهل والتأخر والرجعية ، فيا سبحان الله العظيم : فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا . (25)
وإذا أمرت المدنية أمراً قالوا : سمعنا وأطعنا ولم يكن لهم الخيرة من أمرهم : إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا . (26)
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . (27)
أيخجلون مما يشرف ويبجل ويرفع الدرجات عند الله ، ولايخجلون بل ويفخرون بما يحقر ويسفل ويسخط الرب الكبير الجبال المتكبر ؟ وهو سبحانه وتعالى يقول : وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . (28)
ولا شك أن هؤلاء شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن يشاققه ويتبع غير سبيل المؤمنين أنه يهان عند الله : وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ . (29)
لكنني أقسم بالله غير حانث ، ما حصل هذا كله إلا لما تركنا الأمر والنهي ولم نأخذ على يد السفيه ، ولم نأطره على الحق أطراً ، ولما أعرضنا عن التعاليم السماوية ، وجعلنا القرآن وراءنا ظهرياً ، ولما شغلتنا أموالنا وأهلونا وفتنتنا الدنيا بزخارفها وزينتها ، وأرضينا الناس بسخط الله فانتقم الله منا وجازانا : وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . (30)
عباد الله كأنما نسينا أن الله سبحانه قصَّ علينا قصة بني إسرائيل كي لا نقع فيما وقعوا فيه ، بأنه لعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ . (31)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لتـامرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ، ولتأطرنه على الحق أطراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم " . (32)
وقوله : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " . (33)
روى مسلم في صحيحه : أن حذيفة بن اليمان قال : سمعت رسول الله يقول : " تعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين : على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً - أي منكوساً - لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه " . (34)
ما لشباب العصر انتكست قلوبهم وتحجرت عقولهم وتبلدت أذهانهم ، فاتبعوا غير سبيل المؤمنين وسلكوا مسلك الغربيين ونهجوا نهجهم ، وساروا على تقاليدهم النعل بالنعل ، وحذوا القذة بالقذة ، أفطال عليهم الأمد فقست قلوبهم أم يبتغون عندهم العزة ، والعزة لله جميعاً أم استهوتهم حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة أم استحوذت عليهم الشياطين أم غرتهم الحياة الدنيا أم غرهم بالله الغرور أم زاغت القلوب والأبصار ؟ يا الله ؟ : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا . (35)
أما علموا أن الله يراهم وهو معهم أينما كانوا ، وأنه جامع الناس ليوم لا ريب فيه ؟ أما فكروا هل هو راضٍ عنهم ، وهل تصوروا كيف يكون انتقامه منهم ؟ وهل يتفقوا أنه أعد لمن يعصيه ويتعدى حدوده ناراً خالداً فيها ، وله عذاب مهين ، وأن من وراءه جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ؟ فيا أيها الذين آمنوا أما آن لكم أن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر ؟ أما آن لكم أن تصرخوا في أولئك الهاوين الغافلين لعلهم يفيقون فيرجعون ؟
وأنتم أيها الشباب : أما آن لكم أن تستحوا ؟! أما آن لكم أن تتقوا ؟! أما آن لكم أن تخشع قلوبكم لذكر الله ؟! أما آن لكم أن تستمعوا القول فتتبعون أحسنه ؟! وتسارعوا إلى مغفرة من ربكم ورضوانه وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ؟! أما آن لكم أن تزيلوا أدران المدنية الزائفة التي جعلتكم في عداد النسوان ؟! أن آن لكم أن تمثلوا الرجولة الحقة في أسمى معانيها وتكونوا عدة المستقبل القريب ومن المرابطين في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذي كفروا السفلى ؟! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ . (36)
فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ . (37)
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ . (38)
يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ، وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ . (39)
فيا أيها الأباء ... يا أيها المسؤلون ؟؟ اتقوا الله في إسلامكم ، أتقوا الله في إيمانكم ، أتقوا الله في توحيدكم ، أتقوا الله في أبنائكم ، أتقوا الله في بناتكم ، أتقوا الله في نسائكم ، أتقوا الله في أوطانكم ، كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، وما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله ، لا حظوا أبنائكم ، راقبوا سكناتهم وحركاتهم ، فوالذي نفسي بيده لمستقبلهم لا يبشر بخير وهذا ما تقر به عين الغربي ويحبه ويرضاه ، ويجده مرتعاً خصباً لنشر مبادئه الهدامة ، وما يصبوا إليه من مطامع وأغراض ولا أقول إلا كما قال محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي البلاد السعودية عن انحراف الشبيبة : " أنها بادرة سوء وطالع نحس " .
فالله العظيم أسأل أن يصرف قلوبنا وقلوبهم إلى ما فيه رضاه ويأخذ بنواصينا إلى الحق ، ويوفق إمام المسلمين سعود بن عبد العزيز آل سعود ليقف أمام هذا التيار الجارف من الشر ويخمد نيران الثورة المتأججة في صدورهم لمحاربة الفضيلة ، ونشر مبادىء الرذيلة ولتحطيم السلاسل والأغلال التي يزعمون أنهم مكبلون بها .
والتمرد على النواميس السماوية ، وأن يضرب بيد من حديد على أيدي دعاة السوء والرذيلة ، والنافخين ببوق المدنية الزائفة ، الذين يغرسون بذور الإستعمار ، ويشقون الطريق أمام المستعمر الغاشم ليغزونا بخيله ورجله باسم المدنية والحضارة والرقي ، إنه سميع قريب مجيب ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .

تمت بعون الله
1/2/1377 هـ
مدينة الرياض
----------------------------------------------------
(1) سورة النور ، الآية : (15)
(2) سورة الأنفال ، الآيات : (20 ، 21 ، 22 ، 23)
(3) سورة الزخرف ، الآيات : 43 ، 44)
(4) سورة النساء ، الآية : (80)
(5) جاء الحديث بروايات وألفاظ عدة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " أحفوا الشوارب ، وأعفوا اللحى" أخرجه مسلم : (259) ، " وفروا " أخرجه البخاري : (5892) ، " أعفوا " أخرجه البخاري : (5893) ، ومسلم : (259 ، 260) ، " خالفوا المشركين " أخرجه البخاري : (5892) ، ومسلم (259) .
(6) أخرجه مسلم ، واللفظ له : (260) من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه .
(7) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، " باب خصال الفطرة " : ( حديث رقم : 384) من حديث أم المؤمنين عائشة بنت الصديق ، رضي الله عنهما .
(8) سورة الحجر ، الآية : (9)
(9) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة : " باب تحريم الكبر " : (2021) من حديث سلمة بن الأكوع ، رضي الله عنه .
(10) سورة الكهف ، الآية : (5)
(11) سورة التوبة ، الآية : (87)
(12) أخرجه الترمذي في الاستئذان والآداب : (2619 ، 2695) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنه .
(13) أخرجه أبو داود في (4/44 ، رقم الحديث : 4013 ) ، وأحمد (2/50 ، رقم الحديث : 4868) ، وابن أبي شيبة : (4/212) من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما .
(14) اقتضاء الصراط المستقيم : (1/83)
(15) تفسير ابن كثير : (1/149)
(16) أخرجه مسلم من حديث أبي عثمان النهدي : ((2069 .
(17) أخرجه أحمد في " الورع " ( ص 508 ) .
(18) اقتضاء الصراط المستقيم : (1/120)
(19) سورة النساء ، الآية : (119)
(20) أخرجه مسلم : (14/352) واللفظ له ، والبخاري : (8/630) ، وأبو داود : (11/225) بزيادة : " والوصلات " ، والترمذي : (8/67) بدون حكاية المرأة ، والنسائي مختصراً : (8/146 ، 148) ، وأحمد (6/21 ، 85) من حديث عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .
(21) سورة الحشر ، الآية : (7)
(22) سورة الأحقاف ، الآية : (32)
(23) سورة المائدة ، الآية (56)
(24) سورة التوبة ، الآية : (65)
(25) سورة النساء ، الآية : (78)
(26) سورة الأحزاب ، الآية : (36)
(27) سورة النور ، الآية : (16)
(28) سورة النساء ، الآية : (115)
(29) سورة الحج ، الآية : (18)
(30) سورة البقرة ، الآية : (57)
(31) سورة المائدة ، الآية : (79)
(32) أخرجه أبو داود : (4/122 حديث رقم : 4336 ، 4337) واللفظ له ، والترمذي (5/235 ، 236 حديث رقم : 3047 ، 3048) ، وقال : " حسن غريب " ، وابن ماجه (2/1327 حديث رقم : 4006) ، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " : (7/269) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيحين " ، من حديث عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .
(33) أخرجه الترمذي (4/406 حديث رقم : 2169) ، وقال : " حديث حسن " ، والبيهقي في " السنن الكبرى " : (10/93) ، وابن ماجه من حديث عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها باختلاف يسير (2/1327 حديث رقم : 4004) ، من حديث حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه .
(34) أخرجه مسلم : كتاب الإيمان : " باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً " ، حديث رقم : (144) ، من حديث حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه .
(35) سورة محمد ، الآية : (24)
(36) سورة التحريم ، الآية : (6)
(37) سورة البقرة ، الآية : (24)
(38) سورة إبراهيم ، الآية : (50)
(39) سورة الحج ، الآيات : (19 ، 20 ، 21 ، 22 ، 23

قاسم علي
04-21-2008, 10:56 PM
جزاك الله خيرا ورحم الله الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد

12d8c7a34f47c2e9d3==