المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعظيمه


كيف حالك ؟

خالد الردادي
12-26-2003, 07:48 PM
وجوب الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعظيمه



الحمد لله وحده والصلاة على من لانبي بعده
وبعد :
فإن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أجل ّ وأكرم وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم ،والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ،وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة ،فهدانا به لأمر إذ أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم ،فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن.
ثم إنه جلّ ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار ،ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة ،وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة .
فحق علينا إذاً أن حبه ونجلّه ونعظمه ونهابه ،فبهذا نكون من المفلحين { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[لأعراف: من الآية157]
فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولاخلاف أن التعزير هنا التعظيم .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }[الفتح:8و9] وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الضمير في قوله جل ّشأنه :{وتعزروه وتوقروه}راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومعناه : تعظموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته.
فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه .
واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ،وتوقيره وتعظيمه ،لازم كما كان حال حياته ؛وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم ،وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ،وتعظيم أهل بيته وصحابته .
قال أبو إبراهيم التجيبي :"واجب على كل مؤمن متى ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به ".(1)
ولقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في صدق وتمام المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للعباس : "إن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب ؛لأن ذلك أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" .(2)
وسئل على بن أبي طالب رضي الله عنه :كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال :" كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا،ومن الماء البارد على الظمأ"(3).
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول:"ماكان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلّ في عيني منه إجلالاً له،ولوسئلت أن أصفه ماأطقت ؛لأني لم أكن أملأ عيني منه "(4) .
قال ابن تيمية: " ومن حقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن حقه أن يحب أن يؤثره العطشان بالماء ، والجائع بالطعام ،وأنه يحب أن يوقى بالأنفس والأموال ،كما قال سبحانه وتعالى :{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ }[التوبة: من الآية120] فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام "(5).
وقال ابن قيم الجوزية :"فرأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم :كمال التسليم له والانقياد لأمره ،وتلقي خبره بالقبول والتصديق ،دون أن يحمله معارضة بخيال باطل ،يسميه معقولاً ،أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال ،وزبالات أذهانهم ،فيوحد بالتحكيم والتسليم ،والانقياد والإذعان ،كما وحّد المرسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل "(6).
وقال أيضاً : "ومن الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :أن لايستشكل قوله ، بل تستشكل الآراء لقوله ،ولايعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ،ولايوقف قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على موافقة أحد "(7).
وإذا كانت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره من أجل أعمال القلوب ،وأفضل شعب الإيمان ،فإن بغضه من أشنع الذنوب واخطرها ،لقد قال الله تعالى :{ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] فأخبر تعالى أن شانئه (أي مبغضه) هو الأبتر ، والبتر: القطع ، فبيّن سبحانه أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد ،"وأن الله تعالى بترشانيء رسوله من كل خير ،فيبتر ذكره وأهله وماله ،فيخسر ذلك في الآخرة ،ويبتر حياته فلا ينتفع بها ،ولايتزود فيها صالحاً لمعاده ،ويبتر قلبه فلا يعي الخير ،ولايؤهله لمعرفته ومحبته ،والإيمان برسله ،ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة ،ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً،ولاعوناً ،ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلايذوق لها طعماً،ولايجد لها حلاوة،وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها .
ولذا قال أبو بكر بن عيّاش: أهل السنة يموتون،ويحى ذكرهم،وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم ،لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4]،وأهل البدعة شنأوا ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب منقوله تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } "(8).
قال القاضي عياض :" اعلم ـ وفقنا الله وإيّاك ـ أنّ جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم ،أو عابه ،أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه ،أو خصلة من خصاله ، أو عرّض به ،أو شبهه بشيء على طريق السب له ، أو الإزراء عليه ،أو التصغير لشأنه ،أو الغض منه ،والعيب له؛فهو سابٌّ له؛ والحكم فيه حكم الساب ،يقتل ...
وكذلك من لعنه أو دعا عليه ،أو تمنى مضرة له،أونسب إليه مالايليق بمنصبه على طريق الذّم ،أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر ، ومنكر من القول وزور ،أو عيَره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه،أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه .
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرّاً "(9).
وإذا تقرر وجوب القيام بحقه صلى الله عليه وسلم ،وطاعته ومحبته والتسليم والانقياد له ،ووجوب توقيره وتعظيمه ،والحذر من سوء الأدب معه ،فإنه يتعين في نفس الوقت عدم الغلو فيه ،ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إيّاها ،فلايشرك مع الله تعالى في أيّ نوع من أنواع العبادة ..ولايستغاث به ،ولايجعل قبره وثناً يعبد من دون الله .. فهو صلوات ربي وسلامه عليه عبد الله ورسوله ، والحق وسط بين الغالي والجافي .
ولاريب أن علينا تجاه هذا النبي الكريم صلوات ربي وتسليمه عليه حقوقاً كثيرة يجب القيام بها وتحقيقها ،فلابد من تصديقه فيما أخبر ،وطاعته فيما أمر ،واجتناب مانهى عنه وزجر ،وأن لايعبد الله إلا بما شرع .
وإن من أهم مايجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ،ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، والله الموفق والمعين .



.................................................. .................................................. ..
(1) "الشفا " للقاضي عياض (2/588).
(2) المصدر السابق (2/568).
(3) السابق .
(4) أخرجه مسلم في الإيمان (1/114) ،ح(192).
(5) "الصارم المسلول"(ص421).
(6) "مدارج السالكين"(2/387).
(7) السابق (2/390).
(8) "مجموع فتاوى ابن تيمية" (16/526،528)،وانظر بعض العقوبات والمثلات التي وقعت وحصلت في حق من أبغض الرسول أو تنقصه في : "الصارم المسلول"(ص117).
(9) "الشفا"(2/932).



__________________

الكاسر
01-11-2004, 08:02 PM
قال أبو إبراهيم التجيبي :"واجب على كل مؤمن متى ذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به ".

جزاك الله خير ياشيخ خالد

أبوالمجد
01-12-2004, 07:18 PM
توفيق الازهري
وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم والبعد عن أذيته ..


الحمد لله ، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ... أما بعد:
فقد دارت دائرة أهل السنة والجماعة على الحث والتأدب والإجلال والتبجيل والتعظيم لشأن الرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفق مرضات الله تعالى لا إفراط ولا تفريط , وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية قرآنية كريمة وجوب تعظيم هذا النبي الكريم الشأن قال تعالى : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )
( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد تعظموه ( وتوقروه ) من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام ( وتسبحوه ) أي تسبحون الله ( بكرة وأصيلا ) أي في أول النهار وآخره ثم قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما ( تفسير ابن كثير الآية 9 - سورة الفتح ) وقال السعدي في تفسير نفس الآية :
(({ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، { وَتُسَبِّحُوهُ } أي: تسبحوا لله { بُكْرَةً وَأَصِيلًا } أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها. ))

وإن من تمام توقير نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه هو كيفية التخاطب معه , ولا يخفى لذي عينين أن إصلاح اللسان مع ذوي الشأن والشرف يتحتم وجوبه لئلا يحصل من بعده مفسده كخطاب الولاة والعلماء وكذا الأبوين, ويتأكد الوجوب أكثر ويتحتم الإلزام إذا وصل الأمر إلى جناب التوحيد والعقيدة ويدخل فيها مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة .
فإن العلماء من قبل ومن بعد قد تفننوا في الرد على جهالات كثير من أهل البدع لسوء معاملتهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن هذا الأمر من أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فكلنا يعلم أن مخاطبة نبي هذه الأمة يحتاج إلى كثير من الأدب , لأن التأدب معه هو تأدب مع الرب جل جلاله والإساءة إليه حتماً إساءة للرب جل وعلا ..
قال العلامة السعدي في تفسيره ( سورة الحجرات الآية 1-2) :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))
هذا متضمن للأدب، مع الله تعالى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتعظيم له ، واحترامه، وإكرامه، فأمر [الله] عباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان، بالله وبرسوله، من امتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وأن يكونوا ماشين، خلف أوامر الله، متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع أمورهم، و [أن] لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا يقولوا، حتى يقول، ولا يأمروا، حتى يأمر، فإن هذا، حقيقة الأدب الواجب، مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته، تفوته السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وفي هذا، النهي [الشديد] عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم، على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب اتباعها، وتقديمها على غيرها، كائنا ما كان ))
فلو لاحظت أخي القارئ أن الأمر ارتفع مقامه بمقام الوحي الإلهي حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكرم من ربه جل وعلا ومعظم من قبله فلابد لمن دون النبي مقابلة هذا النبي بكافة أنواع التعظيم ومنه حبه والولاء له في الله وبغض من شانئه والبراء منه في الله تعالى ..
ومن الآداب أيضاً لتعظيم هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هو عدم رفع الأصوات عنده لأنه يعتبر من اذيّة هذا النبي صلى الله عليه وسلم . قال العلامة السعدي في تفسيره :
ثم قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } وهذا أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خطابه، أي: لا يرفع المخاطب له، صوته معه، فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين، وتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، ولا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم، كما تميز عن غيره، في وجوب حقه على الأمة، ووجوب الإيمان به، والحب الذي لا يتم الإيمان إلا به، فإن في عدم القيام بذلك، محذورًا، وخشية أن يحبط عمل العبد وهو لا يشعر، كما أن الأدب معه، من أسباب [حصول الثواب و] قبول الأعمال.
ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها واختبرها، فظهرت نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى، وفي الأجر العظيم وجود المحبوب وفي هذا، دليل على أن الله يمتحن القلوب، بالأمر والنهي والمحن، فمن لازم أمر الله، واتبع رضاه، وسارع إلى ذلك، وقدمه على هواه، تمحض وتمحص للتقوى، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك، علم أنه لا يصلح للتقوى.

{ 4-5 } { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
نزلت هذه الآيات الكريمة، في أناس من الأعراب، الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، قدموا وافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدوه في بيته وحجرات نسائه، فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج، بل نادوه: يا محمد يا محمد، [أي: اخرج إلينا]، فذمهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب.
فأدب العبد، عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات.))

فلو تأملت أخي الكريم قول السعدي : ( فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج، بل نادوه: يا محمد يا محمد، [أي: اخرج إلينا]، فذمهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب ) .
وتقارنه بقول القائل :
محمداً أخطأ وأدبه ربه وتكررها أكثر من مرة ؟
أو أن تٌسأل عن المواضع التي أخطأ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجيب السائل أخطأ النبي في كذا وفي كذا وفي كذا ويسترسل في تعداد الخطأ ؟
ماذا يحصل للسامع يا ترى ؟
بالتأكيد قد يحصل عنده نتيجة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل له أخطاء كثيرة , بل ربما يحصل عند السامع الجاهل أن النبي تعمّد الخطأ , والمعروف أن بعض كلام الدعاة قد يكون مدعاة للفتنة في بعض الأحيان ..

وكل هذا من أذية الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا ريب , ومن المقدم عند أهل السنة والجماعة أن ذكر محاسن الصحابة رضي الله عنهم أولى من ذكر معايبهم بل الكف عنهم هو الواجب فكيف إذا كان باب النبوة بين أيدينا !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول ص 55:
(( فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يٌخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك , وأنه مظنة لذلك وسبب فيه فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له , واستخفاف به , وإن لم يقصد الرافعٌ ذلك , فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سؤ الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفراً , فالأذى والاستخفافٌ المقصود المتعمّدٌ كفر بطريق أولى )) انتهى.د
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره سبب نزول هذه الآية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } وبيّن تأديب الله للمؤمنين فاقرأ يا منصف وتمعن في العلم :
قال ابن كثير رحمه الله تعالى وغفر الله له :
هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنه وقال البخاري < 4845 > حدثنا يسرة بن صفوان اللخمي حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع وأشار الآخر قال نافع لا أحفظ أسمه فقال أبو بكر لعمر ما أردت إلا خلافي قال ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنت لا تشعرون ) قال ابن الزبير رضي الله عنه فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر رضي الله عنه انفرد به البخاري دون مسلم ثم قال البخاري < 4847 > حدثنا الحسن بن محمد حدثنا حجاج عن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمر القعقاع بن معبد وقال عمر رضي الله عنه بل أمر الأقرع ابن حابس فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أردت إلا خلافي فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) حتى انقضت الآية ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم )
ثم ذكر رحمه الله تعالى – ابن كثير - :
((قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) إلى آخر الآية جلس ثابت رضي الله عنه في بيته قال أنا من أهل النار واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد ابن معاذ يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى فقال سعد رضي الله عنه إنه لجاري وما علمت له بشكوى قال فأتاه سعد رضي الله عنه فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت رضي الله عنه أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار فذكر ذلك سعد رضي الله عنه للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآلهه وسلم بل هو من أهل الجنة )) انتهى .
فانظر كيف أن الله جل وعلا عاتب عباده الصالحين الصديق والفاروق رضي الله عنهما بعدما اشتد الأمر بينهما رغم أنه ليس فيه شأن لرسول الله فيه شيئاً , ولكنهما تناقشا رضي الله عنهما وارتفع صوتيهما , وحتى لا يكون ذلك من الأذية على رسول الله دون أن يشعرا منه بذلك , وانظروا إلى الصحابي الجليل ثابت بن قيس رضي الله عنهم الذي تأثر بهذه الآية أيما تأثر فخشى أن يكون قد حلت عليه لعنة الله أو غضبه وحُق عليه العذاب فغاب عن مجلس أحب الناس إليه بأبي هو وأمي فافتقده الحبيب المصطفى والخليل المجتبى صلوات الله عليه وسلامه فسئل عنه إلى نهاية ما كان الحديث المشار إليه آنفاً ..
فانظر يا عبدالله المؤمن .. انظر إلى توقير الصحب والآل لهذه الرسول الكريم وكيف كانوا وقّافين عند حدود الله إذا علموها بعد إذ كانوا جاهلين بحكمها فأراد الله أن يؤدب هؤلاء الرفاق الكرام وليكونوا عبرة في العلم والعمل ويكونوا قصة لمن بعدهم من المسلمين ..
ومن الأذية أيضاً ما بيّنه الله في كتابه الكريم إذ قال تبارك وتعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ – إلى قوله تعالى - إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ )) قال شيخ الاسم ابن تيمية رحمه الله تعالى في الصارم المسلول ص 58 تعليقاً على هذه الآية الكريمة :
" فإن المؤذي له هنا إطالتهم الجلوس في المنزل و وإستئناسهم للحديث لا أنهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم والفعل إذا آذى النبي من غير أن يعلم صاحبه أنه يؤذيه ولم يقصد صاحبه أذاه فإنه يُنهى عنه ويكون معصيةً كرفع الصوت فوق صوته , فأما إذا قَصَد أذاه وكان مما يؤذيه وصاحبه يعلم أنه يؤذيه وأقدمَ عليه مع استحضاره هذا العلم فهذا الذي يوجب الكفر وحبوط العمل والله سبحانه أعلم .) انتهى.
فإذا كان جلوس بعض الصحب الأخيار دون قصد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والتأخر عنده كان من الأذية التي نهى الله عنها فلقد نبههم الله سبحانه وتعالى عن هذا الأمر لينزل الأدب الرباني والعلم القرآني على خير البرية بعد الأنبياء عليهم السلام , فمن باب أولى ألّا يُذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير مع التبجيل والتعظيم والصلاة عليه والتسليم وحتى وصل الأمر إلى أن الوحي الكريم جبريل عليه السلام أن يدعوا على من لم يصلي على هذا الرسول وطلبه من النبي أن يؤمّن على دعائه ..

أفلا يدل كل هذا الأمر على وجوب التوقير والتعظيم والإنتباه في الإسترسال في أخطاء الأنبياء والوقوف عند أقوال العلماء والأخذ بفهمهم ..

وأما القول بالعصمة لهم , فقولنا قول الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذ يقول في فتاواه 4/319 :
" القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف وحتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء , بل ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول .."

والحمد الله رب العالمين ..

ذم التعصب للرجال وخاصة الأصاغر
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (( ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن , وإن كفر كفر , فإنه لا إسوة في البشر ))
أخرجه اللالكائي في الاعتقاد ج1 ص93 وابن عبدالبر في جامع بيان العلم تعليقاً ج 2 ص989 وهو اثر صحيح بإسناد صحيح .
كل فتنة يظهر على رأسها عنقود ! كل فتنة ويكون عليها طويليب ! كل فتنة ويقود زمامها صعلوك !
ومع ذلك تجد لهم ذيولاً ينشرون عناقيدهم وأفخاخهم وفراخهم بين الصفوف فيهلك من هلك ويبقى الواضحين على منهاج العلماء لا يزيغ عنهم إلا هالك والله المستعان ..

موضوع لاخينا توفيق الازهري حفظه الله

أبو عمر العتيبي
01-14-2004, 02:48 AM
جزاك الله خيراً وبارك فيك يا شيخ خالد .

أبو علي السلفي
01-15-2004, 01:32 PM
جزاك الله خير ياشيخ خالد وحفظك الله موضوع بالصميم

عا دل
01-17-2004, 09:45 PM
جزاك الله خيرا واحسن اليك ويحفظك ربي من كل سوء 0

عا دل
01-17-2004, 09:45 PM
جزاك الله خيرا واحسن اليك ويحفظك ربي من كل سوء 0

ناصح
01-19-2004, 06:54 AM
جزاك الله خيرا يا أخانا خالد


وجعلنا الله وإياك ممن يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف له قدره ويتأدب معه

عبدالله العامري
01-20-2004, 12:49 AM
كاتب الرسالة الأصلية أبو علي السلفي
جزاك الله خير ياشيخ خالد وحفظك الله موضوع بالصميم

توفيق الازهري
01-20-2004, 09:27 AM
الأخ الشيخ خالد حفظه الله تعالى ..

أقدم إلى شخصكم الكريمة فائق تقديري لما خطته بنانكم , وتقبل مني سلاماً عطراً ..

وأحسنتم بما نقلتم من قول القاضي عياض رحمه الله تعالى :
قال القاضي عياض :" اعلم ـ وفقنا الله وإيّاك ـ أنّ جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم ،أو عابه ،أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه ،أو خصلة من خصاله ، أو عرّض به ،أو شبهه بشيء على طريق السب له ، أو الإزراء عليه ،أو التصغير لشأنه ،أو الغض منه ،والعيب له؛فهو سابٌّ له؛ والحكم فيه حكم الساب ،يقتل ...
وكذلك من لعنه أو دعا عليه ،أو تمنى مضرة له،أونسب إليه مالايليق بمنصبه على طريق الذّم ،أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر ، ومنكر من القول وزور ،أو عيَره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه،أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه .
وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرّاً "(9).

12d8c7a34f47c2e9d3==