المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأفكار الخبيثة / للشيخ الجليل المحقق عبدالله عبدالرحمن الجربوع


كيف حالك ؟

البلوشي
04-15-2008, 08:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الأفكار الخبيثة / للشيخ الجليل المحقق عبدالله عبدالرحمن الجربوع حفظه الله

والأفكار الخبيثة التي غرت أصحابها، ويغرون بها الناس، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
وكان حظ دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على مدى عصورها المتعاقبة من كيد هذه الدعوات الفكرية المسعورة أكبر من غيرها.
وقد اشتدت في هذا القرن حيث تنوعت وتطورت الوسائل الناقلة لها، وفرضت المبادئ الإلحادية على كثير من الشعوب الإسلامية، ووضعت أسس العلوم الإنسانية والمادية على أيدي غير المسلمين فأقيمت على قواعد إلحادية في معظمها، ونظريات جاهلية، تهدف إلى حرف العقائد والسلوك، وتسير بمن يتعلمها -إلا من رحم الله- ليلتقي من حيث
لا يشعر مع طريق اليهود والنصارى أو الملحدين في فكره ومنهج حياته، وتصوراته في الكون والحياة.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن المروجين للأفكار الهدامة، والشبهات المضللة من أعظم المفسدين في الأرض، وإفسادهم المؤدي إلى الفتنة عن الدين أعظم من إفساد المحاربين الذين يتلفون الأموال أو يزهقون الأرواح، حيث تقرر ذلك بقوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:191].
لذلك كان إيقاع العقاب المناسب عليهم من أعظم الحصون الاجتماعية، الحافظة للمجتمع من الفكر الخبيث.
وعقاب المفسدين في الأرض بترويج الفساد الفكري واجب إيقاعه والصرامة في تنفيذه، سواء كان حداً يشمله عموم المحاربة لله ولرسوله، وعموم الإفساد في الأرض، في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...} الآية، أو كان ذلك من باب قياس الأولى، لأن إفسادهم أشد وخطرهم أعظم، فكان إنزال العقاب بهم أوجب، أو كان ذلك من باب التعزير، فقد نص طائفة من أهل العلم على قتل الداعي إلى البدع1.
وليس المقصد تحقيق هذه المسألة من الناحية الفقهية، وإنما الإشارة
إلى أهمية إقامة هذه العقوبة، والجد في قمع المضللين، وأثر ذلك في حماية المجتمع من شرهم، وتحصنه بهذه الشعيرة الإيمانية من الشرور الفكرية.
أما حد الردة القاضي بقتل المرتد عن دينه لقوله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه "2فهو حصن من حصون المجتمع المسلم يسد ثغرة يتسلل منها المفسدون لإضلال الناس وحملهم على المجاهرة بالردة، والمجادلة بالباطل، والمعارضة بالشبهات، فيتجرأ على التمرد على الدين من لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وينقاد إليهم ويتابعهم بعض المغرورين الجاهلين، فيبدأ بنيان المجتمع بالانحلال، وتسري فيه عدوى الضلال.
قال عبد الكريم زيدان: "إن المرتد مع إخلاله بالتزامه يقوم بجريمة أخرى، هي الاستهزاء بدين الدولة، والاستخفاف بعقيدة سكانها المسلمين، وتجريء لغيره من المنافقين ليظهروا نفاقهم، وتشكيك لضعاف العقيدة في عقيدتهم، وهذه كلها جرائم خطيرة يستحق معها المرتد استئصال روحه وتخليص الناس من شره، وإنما قلنا: إن المرتد من يرتكب هذه الأمور، لأنه لا يعرف ارتداده إلا بالتصريح، وإلا لو أخفى ردته لما عرف"2.
وهذا الأسلوب بعينه قد استخدم في مجابهة هذا الدين في عصر النبوة
في محاولة إخراج أهله منه، وخاصة من لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، ولم تشرب العلم نفوسهم، فيدخل فرد أو جماعة في الدين، وقد يكونون من الذين وصفهم الله بقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4]، ممن يعجب بهم كثير من السذج والرعاع ويعظمونهم، فإذا دخلوا فيه لم يلبثوا أن يرجعوا عنه، فيظن من يعجب بهم أنهم إنما رجعوا لما تبين لهم من عدم صلاحه، أو لأنهم لم يجدوا فيه شيئاً مهماً، فتضعف الثقة في نفوسهم بدينهم، ويسري إليهم الشك، وقد يتابعهم بعض من أحبهم وأعجب بهم. قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران:72].
ولذلك كانت إقامة هذا الحد حصناً يقي المجتمع المسلم من هذا المكر الخبيث، بالغ التأثير في الإفساد لو أتيح له المجال، وهذا من محاسن الإسلام ودقة تشريعاته وشمولها لكل ما فيه سلامة المجتمع وحمايته.
ثانياً: النظام الاقتصادي:
النظام الاقتصادي الإسلامي كغيره من النظم الإسلامية يقوم على أساس العقيدة الإسلامية، فالملك لله، والأمور والمعاملات يجب أن تجري على أمره سبحانه.
وقد اعتنى الإسلام بتنظيم نشاط الناس الاقتصادي عناية كبيرة، بما وضعه من أحكام وقواعد دقيقة شاملة. وهذه العناية تتناسب مع أهمية النشاط الاقتصادي الذي يحتاج إليه الناس لتبادل منافعهم الدنيوية ومصالحهم الحيوية.
والنظام الاقتصادي الإسلامي يتجاوب مع الفطرة بإقراره حق التملك وحرية التصرف بضوابط تضمن حصول المنفعة للفرد والمجتمع وتمنع الضرر.
وهو يراعي الأخلاق الفاضلة، حيث يقوم على مبدأ التعامل النظيف الذي ينمي الحب، ويشد رابطة الأخوة الإيمانية بين أفراده، على حد قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وبهذا يقطع الإسلام جذور المعاملات الباعثة على الحسد والحقد والبغضاء والفساد الخلقي والاجتماعي، فيمنع الكذب والغش والخداع، والغدر والغرر، ويحرم الاتجار بالفاحشة والرذيلة والمتع السيئة، والمسكرات والمخدرات، ويشدد في تحريم الربا لما ينتج عنه من الغبن واستغلال الفقراء والاحتكار والكساد الاقتصادي. وفي الجملة فهو يمنع المتاجرة والتعامل بكل شيء يجر شراً أو فساداً خلقياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو فكرياً.
كما أن النظام الاقتصادي الإسلامي يعتني بسد حاجات الناس اللازمة للعيش. فالمجتمع المسلم متكامل متكافل متعاون على المستوى
الشعبي والحكومي، فكل قد سن له في هذا النظام دور يحقق هدف التكافل الاجتماعي؛ فحث الإسلام على العمل ورغب فيه، وأمر الأقارب بكفالة المحتاج والكبير والمريض، وشرع الصدقة والزكاة لسد حاجات الفقراء، وتحقيق بعض المصالح، وحمّل ولاة الأمر رعاية من لم يجدوا من يرعاهم من أقاربهم أو عجزوا عن رعايتهم.
ومما تقدم تبين أن الإسلام يقيم النظام الاقتصادي على أسس متينة تتمثل في استمداده من العقيدة الإسلامية، ومراعاة الفطرة الإنسانية، وقيامه على الأخلاق الفاضلة، والتزامه بسد حاجات الناس المعيشية1.
وإذا التزم المسلمون دولة وأفراداً بالنظام الاقتصادي، استقامت حياتهم، وانتظم تعاملهم، وانقطعت بوادر الشر والحقد والحسد والضغينة والبغضاء، وأمن الناس على أرزاقهم ومصالحهم، فتتماسك جبهتهم الداخلية.والإخلال بالمعاملات الاقتصادية، وتعدي حدود الله فيها يؤدي إلى اختلال المجتمع، وتغير القلوب، ويعتِب بعضهم على بعض، ثم يحقد ويحسد.
فباختلال هذا النظام تختل الأسوار الواقية للمجتمع والعاملة على تماسكه وسلامته، فيضطرب النظام الاجتماعي، وتضعف الرابطة الإيمانية،
ويحصل الشر بين المسلمين، ويصبح المناخ مهيأً لشياطين الإنس والجن للعمل على الإيقاع بينهم مستغلين ما بينهم من الضغائن.
واختلال النظام الاقتصادي مرده إلى شح الأغنياء، وما يقابله من ظلم واعتداء الأقوياء من الفقراء، وتفريط السلطة بالمحافظة عليه، والصرامة في تطبيقه.
ومما يمهد لانتشار الأفكار الضالة التهاون في منع المتاجرة بالمتع المحرمة والمخدرات والمسكرات، أو وسائل التأثير الفكري كالأفلام المنحرفة، فذلك يؤدي إلى ظهور الفواحش في المجتمع، وكثرة الخاملين الساقطين، وانحراف الأفكار وتغير مفاهيم المجتمع والتشكك في العقائد، بفعل ما تحدثه المعاصي من الظلمة في القلوب، وما تحدثه الأفلام والقصص والمجلات الزائفة من آثار فكرية هدامة.
أما أثر المعاملات المالية على العلاقات القريبة فظاهر جداً، فكم من عداوة نشأت بين الأقارب بسبب الظلم في المسائل المالية، وأصدق شاهد على ذلك حصول كثير من المنازعات بسبب الجور في قسمة الميراث بين الأقارب، مما يدل على أهمية الالتزام بأحكام الإسلام في تنظيم المال ومعاملاته، وضرورة الرضى بذلك حفاظاً على تلاحم أفراد المجتمع.
ويمكن القول أن النظام الاقتصادي الإسلامي يمثل أقوى دعامة -بعد رباط العقيدة- يتحصن بها المجتمع ويجابه بها مخططات أعدائه،
وخاصة في هذا العصر الذي قامت فيه حضارات الأمم الكافرة على مذاهب اقتصادية، وأصبحت مسألة الاقتصاد هي المحور الذي تدور عليه السياسات والعلاقات بين الدول، فقضايا المال وما يتصل بأرزاق الناس قضايا حساسة تقتضي من المجتمع العناية بها وإيجاد الوعي الكافي بأهميتها وخطورة التهاون بها. كما تستلزم من ولاة الأمر العمل على تحسين أوضاع الناس المالية، ورفع الظلم عنهم، وإيجاد المجالات المشروعة للعمل والاستثمار، والصرامة في تطبيق أحكام الشريعة.
فالناس مجبولون على الشح بالمال ومحبته وإمساكه، كما بيّن ربنا بقوله: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20].
وقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8].
وقوله: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} [المعارج:19-22].
وبين سبحانه أن الإنسان تخرج ضغينته إذا أخذ ماله، فقال: { إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:36-37].
قال ابن جرير -رحمه الله-: "قد علم الله أن في مسألته المال خروج
الأضغان"1، ومثل أخذ المال منع الحق كلاهما يخرج الضغينة.
فكم استغل أعداء الإسلام في الداخل والخارج الأوضاع الاقتصادية المضطربة، والضغائن الناتجة عنها في المجتمع المسلم لإثارة الرعية على الراعي، أو الدعوة إلى مذاهب اقتصادية قائمة على أفكار إلحادية كالشيوعية أو الاشتراكية أو الرأسمالية، وأعظم ثغرة يتسللون منها هي وجود الشحناء والبغضاء والحسد بين طبقات المجتمع نتيجة للإخلال بالنظام الاقتصادي، والتهاون في إيصال الحقوق إلى أهلها، وعدم العدل بين الناس فيها، فيَعِدُون الفقراء الكادحين بالعدل الذي فقدوه، أو الحق الذي سلب منهم، فينخدعون بهم، ويناصرونهم على ذلك، مع جهلهم بحقيقة ما يدعون إليه من الإلحاد، فتسير الشعوب خلف شعارات براقة، ودعاوى منسقة، وبذلك سقطت كثير من الشعوب الإسلامية تحت الحكم الشيوعي أو الاشتراكي القومي أو العلماني أو غير ذلك من الحكومات الفاسدة، وبذلك فرضت أفكار إلحادية ومبادئ كفرية خبيثة على الشعوب الإسلامية، وحُرفوا عن دينهم وصدوا عن طريق ربهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبهذا يتبين أن التزام النظام الاقتصادي الإسلامي حصن يحصن المجتمع من عوامل الفساد والفرقة والخلاف والعداوة والبغضاء، والتي هي
__________________________________________________ ___________
1 انظر: مجموع الفتاوى 28/108، 109.
2 أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، الصحيح مع الفتح 6/149، ح3017).
3 أصول الدعوة ص286.
كتاب {أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة}

أبومعاذ-النجدي
04-16-2008, 01:13 AM
جزيت خيراً على المجهود الطيب والمبارك وجزى الله الشيخ عبدالله الجربوع الفردوس الأعلى على الردود القوية على اهل البدع في الداخل والخارج.

بو زيد الأثري
04-16-2008, 10:09 AM
بارك الله فيك يا بلوشي

أبي التياح الضبعي
04-18-2008, 05:42 AM
جزاك الله خير

البلوشي
04-28-2008, 09:37 PM
جزاكم الله خيرا

أبوعكاشة الأثري
04-29-2008, 04:49 PM
جزاك الله خيرا

البلوشي
05-20-2008, 06:19 PM
وياك أخي الكريم أبوعكاشة الأثري

12d8c7a34f47c2e9d3==