المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخمر والكلونيا :إعداد : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء


كيف حالك ؟

هادي بن علي
04-13-2008, 10:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الخمر والكلونيا

إعداد : اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :

فبناء على ما تقرر في الدورة التاسعة لهيئة كبار العلماء من إدراج موضوع الخمر والكلونيا ، فقد أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في ذلك مشتملا على ما يأتي :

أولا : تعريف الخمر لغة وشرعا

ثانيا : عقوبة من ثبت عليه شرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين .

ثالثا : خلاف العلماء في أن العقوبة في شرب الخمر هل هي حد أو تعزير ؟ مع بيان ما يترتب على ذلك .

رابعا : هل تجوز تجزئة عقوبة شارب الخمر ؟

خامسا : ما يثبت به شربها ، من شهادة أو رائحة أو قيء ونحو ذلك .

سادسا : حكم من تكرر منه شربها " القتل أو الجلد " .

سابعا : نجاستها .

ثامنـا : هل ينطبق على الكلونيا تعريف الخمر أو لا ؟

وما حكم شربها واستعمالها على كل من التقديرين ؟

وهل يحكـم بنجاستها على تقدير أنها خمر أو لا ؟
أولا : معنى الخمر لغة وشرعا :

1 - المعنى اللغوي : ترجع مشتقات هذه المادة إلى التغطية والستر والإدراك ، ذكره أحمد بن فارس بن زكريا وابن الأثير والفيروزآبادي وغير هؤلاء من علماء اللغة .

أ - قال أحمد بن فارس : الخاء والميم والراء أصل واحد يدل على التغطية والمخالطة في ستر ، فالخمر الشراب المعروف . قال الخليل : الخمر معروفة واختمارها إدراكها وغليانها . . . ويقولون : دخل في خمار الناس وخمرهم أي زحمتهم . . . . والتخمير التغطية . ويقال في القوم إذا تواروا في خمر الشجر : قد أخمروا . . . . ويقال : خامره الداء إذا خالط جوفه معجم مقاييس اللغة 2 \ 215 . انتهى المقصود منه .

ب - قال ابن الأثير تحت مادة " خمر " : فيه صحيح البخاري. خمروا الإناء وأوكئوا السقاء التخمير التغطية ، ومنه حديث أويس القرني " أكون في خمار الناس " أي في زحمتهم حيث أخفى ولا أعرف . وفيه حديث أم سلمة قال لها وهي حائض : ناوليني الخمرة وسميت خمرة ؛ لأن خيوطها مستورة بسعفها ، وفيه : أنه كان يمسح على الخف والخمار ، أراد به العمامة ؛ لأن الرجل يغطي بها رأسه ، كما أن المرأة تغطيه بخمارها ، وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب ، فأدارها تحت الحنك فلا يستطيع نزعها كل وقت . . . . إلخ النهاية 1 \ 355 . .


ج - قال الفيروزآبادي تحت مادة " الخمر " : ما أسكر من عصير العنب أو عام ، كالخمرة . وقد يذكر ، والعموم أصح ؛ لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب ، وما كان شرابهم إلا البسر والتمر . سميت خمرا ؛ لأنها تخمر العقل وتستره ، أو لأنها تركت حتى أدركت واختمرت ، أو لأنها تخامر العقل ، أي تخالطه القاموس 2 \ 23 . انتهى المقصود منه .

وجاء هذا المعنى في لسان العرب لسان العرب 5 \ 338 وما بعدها . .

2 - تعريفها اصطلاحا : نذكر فيما يلي تعريفها في المذاهب الأربعة مرتبة :

أ - تعريفها عند الحنفية : قال الزيلعي : هي التي من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد .

وقال بعضهم : كل مسكر خمر ؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال : كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام رواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم .

وفي لفظ : كل مسكر خمر وكل خمر حرام رواه مسلم .

ولقوله عليه الصلاة والسلام : الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة رواه مسلم وأبو داود والترمذي وجماعة .

وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الحنطة خمرا ، وإن من الشعير خمرا ، ومن الزبيب خمرا ، ومن العسل خمرا رواه أبو داود والترمذي وجماعة أخر ؛ ولأنها سميت خمرا لمخامرتها العقل ، والسكر يوجد بشرب غيرها فكان خمرا . ولنا أن الخمر حقيقة اسم للنيء من ماء العنب المسكر باتفاق أهل اللغة ، وغيره يسمى مثلثا أو باذقا إلى غير ذلك من أسمائه ، وتسمية غيرها خمرا مجازا ، وعليه يحمل الحديث ، أو على بيان الحكم إن ثبت ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بعث له لا لبيان الحقائق .

ولا نسلـم أنها سميت خمرا لمخامرتها العقـل ، بل لتخمرها ، ولئن سلمنا أنها سميت بالخمر لمخامرتها العقل لا يلزم منه أن يسمى غيرها بالخمر قياسا عليها ؛ لأن القياس لإثبات الأسماء اللغوية باطل ، وإنما هو لتعدي الحكم الشرعي . . . . ألا ترى أن البرج سمي برجا لتبرجه وهو الظهور ، وكذا النجم سمي نجما لظهوره ، ثم لا يسمى كل ظاهر برجا ولا نجما . . .

وما ذكره في المختصر من تعريف الخمر هو قول أبي حنيفة رحمه الله ، وعندهما إذا اشتد صار خمرا ، ولا يشترط فيه القذف بالزبد ؛ لأن اللذة المطربة والقوة المسكرة تحصل به ، وهو المؤثر في إيقاع العداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وأما القذف بالزبد فهو وصف لا تأثير له في إحداث صفة السكر . وله أن الغليان بداية الشدة ، وكماله بقذف الزبدة ؛ لأنه يتميز به الصافي عن الكدر ، وأحكام الشرع المتعلقة بها قطعية كالحد وإكفار

مستحلها ونحو ذلك ، فتناط بالنهاية به .

وقيل : يؤخذ في حرمة الشرب بمجرد الاشتداد ، وفي وجوب الحد على الشارب بقذف الزبد احتياطا انظر كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ، وبهامشه حاشية الشبلي 6 \ 44 . .

ب - تعريفها عند المالكية :

أ - في المدونة : قلت لابن القاسم : هل كان مالك يكره المسكر من النبيذ ؟ قال : قال مالك : ما أسكر من الأشربة كلها فهو خمر المدونة 4 \ 410 . انتهى المقصود .

2 - وقال الزرقاني : وهي ما خامر العقل ، كما خطب بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة الصحابة الأكابر ولم ينكره أحد ، فشمل كل مسكر . سميت بذلك ؛ لأنها تخمر العقل ، أي تغطيه وتستره ، وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، كخمار المرأة ؛ لأنه يغطي رأسها ، ويقال للشجر الملتف : الخمر ؛ لأنه يغطي ما تحته ، أو لأنها تركت حتى أدركت ، كما يقال : خمر الرأي واختمر ، أي ترك حتى يتبين فيه الوجه ، واختمر الخبز إذا بلغ إدراكه . أو لأنها اشتقت من المخامرة التي هي المخالطة ؛ لأنها تخالط العقل ، وهذا قريب من الأول والثلاثة موجودة في الخمر ؛ لأنها تركت حتى أدركت الغليان وحد الإسكار وهي مخالطة للعقل ، وربما غلت عليه وغطته . قاله أبو عمر الزرقاني على الموطأ 4 \ 169 . .

ج - تعريفها عند الشافعية :

قال المزني : قال الشافعي : كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام مختصر المزني مع الأم 5 \ 174 ، والمهذب للشيرازي 2 \ 286 . . انتهى المقصود .

وقال الرملي : وحقيقة الخمر المسكر من عصر العنب وإن لم يقذف بالزبد ، وتحريم غيرها بنصوص دلت على ذلك نهاية المحتاج 8 \ 11 . .

د - تعريفها عند الحنابلة :

قال ابن قدامة : كل مسكر حرام قليله وكثيره ، وهو خمر حكمه حكـم عصير العنب في تحريمه ووجوب الحد على شاربه المغني 9 \ 139 . انتهى المقصود .

قال شيخ الإسلام : والخمرة التي حرمها الله ورسوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها : كل شراب مسكر من أي أصل كان ، سواء كان من الثمار كالعنب والرطب والتين ، أو الحبوب كالحنطة والشعير ، أو الطلول كالعسل ، أو الحيوان كلبن الخيل . بل لما أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر لم يكن عندهم في المدينة من خمر العنب شيء ؛ لأنه لم يكن في المدينة شجر عنب ، وإنما كانت تجلب من الشام ، وكان عامة شرابهم من نبيذ التمر ، وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه رضي الله عنهم أنه حرم كل مسكر وبين أنه خمر السياسة الشرعية ص 50 . .
ثانيا : عقوبة من ثبت عليه شرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد الخلفاء الراشدين :

1 - روى البخاري في الصحيح بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين .

وذكر ابن حجر أن هذا الحديث أخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري فيه بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر ، فضربه بجريدتين نحوا من أربعين ، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك ، فلما كان عمر استشار الناس ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون ، ففعله عمر . ولفظ رواية خالد التي ذكرتها رواية خالد بن الحارث عن شعبة هي المذكورة في الفتح 12 \ 63 . إلى قوله : " نحوا من أربعين " ، وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم ، إلا أنه قال : وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر - أي في خلافته - استشار الناس ، فقال عبد الرحمن - يعني ابن عوف - أخف الحدود ثمانون ، فأمر به عمر . وأخرج النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة : فضربه بالنعال نحوا من أربعين ، ثم أتي به أبو بكر فصنع به مثل ذلك . ورواه همام عن قتادة بلفظ : مسند أحمد بن حنبل (3/247). فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال أخرجه أحمد والبيهقي . وهذا يجمع ما اختلف فيه على شعبة ، وأن جملة الضربات كانت نحو أربعين ، لا أنه جلده بجريدتين

أربعين فتكون الجملة ثمانين كما أجاب به بعض الناس . ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ : جلد بالجريد والنعال أربعين علقه أبو داود بسند صحيح ، ووصله البيهقي ، وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع عن هشام بلفظ : كان يضرب في الخمر مثله انتهى المقصود .

2 - أخرج البخاري بسنده عن عقبة بن الحارث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بنعيمان - أو بابن نعيمان - وهو سكران ، فشق عليه ، وأمر من في البيت أن يضربوه ، فضربوه بالجريد والنعال ، وكنت فيمن ضربه .

3 - أخرج البخاري بسنده عن عمير بن سعيد النخعي ، قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر ، فإنه لو مات وديته ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه .

4 - أخرج البخاري بسنده عن السائب بن يزيد قال : كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر ، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا ، حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين ، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين .

وقد علق ابن حجر على قوله ؛ " حتى كان آخر خلافة عمر فجلد أربعين " : ظاهره أن التحديد بأربعين إنما وقع في آخر خلافة عمر ، وليس كذلك ؛ لما في قصة خالد بن الوليد وكتابته

إلى عمر رضي الله عنه ، فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته ؛ لأن خالدا مات في وسط خلافة عمر الفتح 12 \ 65 - 69 . انتهى المقصود .

5 - قال ابن حجر : أخرج النسائي بسند صحيح عن أبي سعيد : مسند أحمد بن حنبل (3/34). أتي النبي صلى الله عليه وسلم بنشوان ، فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال الحديث .

ولعبد الرزاق بسند صحيح عن عبيد بن عمير - أحد كبار التابعين - : كان الذي يشرب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وبعض إمارة عمر يضربونه بأيديهم ونعالهم ويصكونه الفتح 12 \ 67 . .

6 - قال ابن حجر : وقع في مرسل عبيد بن عمير - أحد كبار التابعين - فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه نحو حديث السائب ، وفيه أن عمر جعله أربعين سوطا ، فلما رآهم لا يتناهون جعله ستين سوطا ، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا ، وقال : هذا أدنى الحدود الفتح 12 \ 69 . .

7 - أخرج مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد ، أن عمر استشار في الخمر ، فقال له علي بن أبي طالب : " نرى أن تجعله ثمانين ، فإذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى " فجلد عمر في الخمر ثمانين .

قال ابن حجر الفتح 12 \ 69 وما بعدها . : وهذا معضل ، وقد وصله النسائي والطحاوي من طريق يحيى بن فليح عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مطولا ، ولفظه أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي ، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم ، فقال أبو بكر : لو فرضنا عليهم حدا ، فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فجلدهم أربعين حتى توفي ، ثم كان عمر فجلدهم كذلك حتى أتي برجل . . . فذكر قصة وأنه تأول قوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا وأن ابن عباس ناظره في ذلك واحتج ببقية الآية وهو قوله تعالى : إِذَا مَا اتَّقَوْا والذي يرتكب ما حرمه الله ليس بمتق ، فقال عمر : ما ترون ؟ فقال علي ، فذكره وزاد بعد قوله (وإذا هذى افترى) : وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر به عمر فجلده ثمانين " . ولهذا الأثر عن علي طرق أخرى ، منها ما أخرجه الطبراني والطحاوي والبيهقي من طريق أسامة بن زيد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن " أن رجلا من بني كلب يقال له : ابن دبرة أخبره أن أبا بكر كان يجلد في الخمر أربعين ، فكان عمر يجلد فيها أربعين ، قال : فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقلت : إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة ، فقال عمر لمن حوله : ما ترون ؟ قال : ووجدت عنده عليا وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في المسجد ، فقال

علي . . . " فذكر مثل رواية ثور الموصولة .

ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة " أن عمر شاور الناس في الخمر ، فقال له علي : إن السكران إذا سكر هذى . . . " الحديث . ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال : " شرب نفر من أهل الشام الخمر ، وتأولوا الآية المذكورة ، فاستشار عمر فيهم ، فقلت : أرى أن تستتيبهم ، فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين ، وإلا ضربت أعناقهم ؛ لأنهم استحلوا ما حرم الله ، فاستتابهم فتابوا ، فضربهم ثمانين ثمانين " . وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم بحنين وفيه : " فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد : إن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة - قال - : وعنده المهاجرون والأنصار ، فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين ، وقال علي . . . " فذكر مثله .

وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج ، ومعمر عن ابن شهاب ، قال : " فرض أبو بكر في الخمر أربعين سوطا ، وفرض فيها عمر ثمانين " قال الطحاوي : جاءت الأخبار متواترة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في الخمر شيئا ، ويؤيده . . . . فذكر الأحاديث التي ليس فيها تقييد بعدد ؛ حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن الحارث المتقدمين وحديث عبد الرحمن بن أزهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر ، فقال للناس : اضربوه . فمنهم من ضربه بالنعال ، ومنهم من ضربه بالعصا ، ومنهم من ضربه بالجريد ، ثم أخذ رسول الله صلى الله

عليه وسلم ترابا فرمى به في وجهه ، وتعقب بأنه قد ورد في بعض طرقه ما يخالف قوله ، وهو ما عند أبي داود والنسائي في هذا الحديث : " ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين ، ثم أتي عمر بسكران فضربه أربعين " ، فإنه يدل على أنه وإن لم يكن في الخبر تنصيص على عدد معين ففيما اعتمده أبو بكر حجة على ذلك ، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق حضير - بمهملة وضاد معجمة مصغر - ابن المنذر أن عثمان أمر عليا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر ، فقال لعبد الله بن جعفر : اجلده . فجلده ، فلما بلغ أربعين قال : أمسك ، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ، وجلد أبو بكر أربعين ، وجلد عمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي ، فإن فيه الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين ، وسائر الأخبار ليس فيها عدد إلا بعض الروايات الماضية عن أنس ففيها " نحو الأربعين " ، والجمع بينها أن عليا أطلق الأربعين ، فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب .

وادعى الطحاوي أن رواية أبي ساسان هذه ضعيفة ؛ لمخالفتها الآثار المذكورة ، ولأن راويها عبد الله بن فيروز المعروف بالداناج - بنون وجيم - ضعيف ، وتعقبه البيهقي بأنه حديث صحيح مخرج في المسانيد والسنن ، وأن الترمذي سأل البخاري عنه فقواه ، وقد صححه مسلم وتلقاه الناس بالقبول ، وقال ابن عبد البر : إنه أثبت شيء في هذا الباب . قال البيهقي : وصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله ، وقد عرفهم حفاظ الحديث وقبلوهم ، وتضعيفه

الداناج لا يقبل ؛ لأن الجرح بعد ثبوت التعديل لا يقبل إلا مفسرا ، ومخالفة الراوي غيره في بعض ألفاظ الحديث لا تقتضي تضعيفه ولا سيما مع ظهور الجمع . قلت : وثق الداناج المذكور : أبو زرعة والنسائي ، وقد ثبت عن علي في هذه القصة من وجه آخر أنه جلد الوليد أربعين ، ثم ساقه من طريق هشام بن يوسف عن معمر وقال : أخرجه البخاري ، وهو كما قال ، وقد تقدم في مناقب عثمان ، وأن بعض الرواة قال فيه : إنه جلد ثمانين ، وذكرت ما قيل في ذلك هناك ، وطعن الطحاوي ومن تبعه في رواية أبي ساسان أيضا بأن عليا قال : " وهذا أحب إلي " أي جلد أربعين ، مع أن عليا جلد النجاشي الشاعر في خلافته ثمانين ، وبأن ابن أبي شيبة أخرج من وجه آخر عن علي أن حد النبيذ ثمانون .

والجواب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أنه لا تصح أسانيد شيء من ذلك عن علي .

والثاني : على تقدير ثبوته فإنه يجوز أن ذلك يختلف بحال الشارب ، وأن حد الخمر لا ينقص عن الأربعين ولا يزاد على الثمانين ، والحجة إنما هي في جزمه بأنه صلى الله عليه وسلم جلد أربعين . وقد جمع الطحاوي بينهما بما أخرجه هو والطبري من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن عليا جلد الوليد بسوط له طرفان ، وأخرجه الطحاوي أيضا من طريق عروة مثله ، لكن قال : " له ذنبان ، أربعين جلدة في الخمر في زمن عثمان " . قال الطحاوي : ففي هذا الحديث أن عليا جلده ثمانين ؛ لأن كل سوط سوطان . وتعقب بأن السند الأول منقطع ؛ فإن أبا جعفر ولد بعد موت علي بأكثر من عشرين

سنة ، وبأن الثاني في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف ، وعروة لم يكن في الوقت المذكور مميزا ، وعلى تقدير ثبوته فليس في الطريقين أن الطرفين أصاباه في كل ضربة .

وقال البيهقي : يحتمل أن يكون ضربه بالطرفين عشرين ، فأراد بالأربعين ما اجتمع من عشرين وعشرين ، ويوضح ذلك قوله في بقية الخبر : " وكل سنة وهذا أحب إلي " ؛ لأنه لا يقتضي التغاير ، والتأويل المذكور يقتضي أن يكون كل من الفريقين جلد ثمانين ، فلا يبقى هناك عدد يقع التفاضل فيه . وأما دعوى من زعم أن المراد بقوله هذا الإشارة إلى الثمانين فيلزم من ذلك أن يكون علي رجح ما فعل عمر على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وهذا لا يظن به ، قاله البيهقي .

واستدل الطحاوي لضعف حديث أبي ساسان بما تقدم ذكره من قول علي : " إنه إذا سكر هذى . . . " إلخ ، قال : فلما اعتمد علي في ذلك على ضرب المثل واستخرج الحد بطريق الاستنباط دل على أنه لا توقيف عنده من الشارع في ذلك ، فيكون جزمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين غلطا من الراوي ؛ إذ لو كان عنده الحديث المرفوع لم يعدل عنه إلى القياس ، ولو كان عند من بحضرته من الصحابة كعمر وسائر من ذكر في ذلك شيء مرفوع لأنكروا عليه . وتعقب بأنه إنما يتجه الإنكار لو كان المنزع واحدا ، فأما مع الاختلاف فلا يتجه الإنكار . وبيان ذلك أن في سياق القصة ما يقتضي أنهم كانوا يعرفون أن الحد أربعون ، وإنما تشاوروا في أمر يحصل به الارتداع يزيد على ما كان مقررا . ويشير إلى ذلك ما وقع من

التصريح في بعض طرقه أنهم احتقروا العقوبة وانهمكوا ، فاقتضى رأيهم أن يضيفوا إلى الحد المذكور قدره ، إما اجتهادا بناء على جواز دخول القياس في الحدود ، فيكون الكل حدا ، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد لا النقصان منه ، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير تحذيرا وتخويفا ؛ لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه كان أقرب إلى ارتداعه ، فيحتمل أن يكونوا ارتدعوا بذلك ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك ، فرأى علي الرجوع إلى الحد المنصوص ، وأعرض عن الزيادة لانتفاء سببها ، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاصا بمن تمرد وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور ، ويدل على ذلك أن بعض طرق حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عند الدارقطني وغيره : " فكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف تكون منه الزلة جلده أربعين " قال : وكذلك عثمان جلد أربعين وثمانين . وقال المازري : لو فهم الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدا معينا لما قالوا فيه بالرأي ، كما لم يقولوا بالرأي في غيره ، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه . انتهى .

وقد وقع التصريح بالحد المعلوم فوجب المصير إليه ، ورجح القول بأن الذي اجتهدوا فيه زيادة على الحد إنما هو التعزير ، على القول بأنهم اجتهدوا في الحد المعين لما يلزم منه من المخالفة التي ذكرها كما سبق تقريره .

وقد أخرج عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، أنبأنا عطاء ، أنه سمع عبيد بن عمير يقول : كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم

ونعالهم ، فلما كان عمر فعل ذلك حتى خشي فجعله أربعين سوطا ، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطا وقال : هذا أخف الحدود .

والجمع بين حديث علي المصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وأنه سنة وبين حديثه المذكور في هذا الباب ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه بأن يحمل النفي على أنه لم يحد الثمانين ، أي لم يسن شيئا زائدا على الأربعين ، ويؤيده قوله : " وإنما هو شيء صنعناه نحن " لما يشير إلى ما أشار به على عمر ، وعلى هذا فقوله : " لو مات لوديته " أي في الأربعين الزائدة ، وبذلك جزم البيهقي وابن حزم .

ويحتمل أن يكون قوله : " لم يسنه " أي الثمانين ؛ لقوله في الرواية الأخرى : " وإنما هو شيء صنعناه " فكأنه خاف من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقا ، واختص هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك واستدل له ، ثم ظهر له أن الوقوف عند ما كان الأمر عليه أولا أولى ، فرجع إلى ترجيحه وأخبر بأنه لو أقام الحد ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة ، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله : " لم يسنه " لصفة الضرب ، ولكونها بسوط الجلد ، أي لم يسن الجلد بالسوط وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها مما تقدم ذكره ، أشار إلى ذلك البيهقي .

وقال ابن حزم أيضا : لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون وأنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر ، فضلا عن علي مع سعة علمه وقوة فهمه ، وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان فخبر أبي ساسان أولى بالقبول ؛ لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي ، وخبر عمير موقوف على علي ، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم

المرفوع ، وأما دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة ، والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصحيحة ، وعلى تقدير أن تكون إحدى الروايتين وهما فرواية الإثبات مقدمة على رواية النفي ، وقد ساعدتها رواية أنس على اختلاف ألفاظ النقلة عن قتادة ، وعلى تقدير أن يكون بينهما تمام التعارض ، فحديث أنس سالم من ذلك .

يتبع

بو زيد الأثري
04-14-2008, 08:38 AM
جزاك الله خيرا على جهودك الطيبة

أبومعاذ-النجدي
04-14-2008, 03:07 PM
جزاك الله خيرا على جهودك الطيبة

هادي بن علي
05-15-2008, 04:34 PM
بارك الله فيكم

سني يماني
05-16-2008, 12:04 PM
اين بقية الاجابة هل الكلونيا تحمل معنى الخمر

12d8c7a34f47c2e9d3==