المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصايا للطلبة والطالبات لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ


كيف حالك ؟

البلوشي
04-03-2008, 10:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

وصايا للطلبة والطالبات

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى الإخوة والأبناء من الطلاب والطالبات . . .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :

فإن الله تعالى يقول : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ، ويقول سبحانه : فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ، ويقول عز وجل : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، ويقول صلى الله عليه وسلم : الدين النصيحة .

إخوتي وأبنائي يقول الله عز وجل : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ،


فتعاقب الليل والنهار ومرور الأيام والشهور والأعوام فيه عبرة عظيمة للمعتبرين ، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر فيستعتب من ذنوبه ويستأنف عملا صالحا ، وفيه فسحة لمن أراد أن يستغلهما في شكر الله بدوام طاعته والخضوع له .

إخوتي وأبنائي . . . ها نحن الآن في استقبال عام دراسي جديد قد طوينا قبله أعواما ، فحري بنا أن نقف أولا وقفة تذكر وتفكر واعتبار بمضي الأيام والأعوام ، ثم هذا التذكر والتفكر في الحال والمال لا بد أن يورث فينا توبة صادقة مما سلف منا من ذنوب وآثام ؛ لأن الله تعالى يقول : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، ومع التوبة يكون منا الاستعداد والاجتهاد في عبادة الله عز وجل ، والتقرب إليه بأنواع القربات والطاعات التي تكون لنا زلفى عند ربنا عز وجل .

وأجل أنواع الطاعات وأعظم القربات أداء الفرائض من توحيد الله عز وجـل ، وإخـلاص الدين لـه سبحانه ، والمحافظة على الصلوات الخمس جماعة في المساجد ، وأداء الزكاة على من وجبت عليه متى حل وقـتها وإيصالها لمستحقها ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا ، وكذلـك أيضا بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والأمر بالمعروف ،

والنهي عن المنكر .

وبعد الفرائض تأتي النوافل ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل : يقول الله تعالى : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، . . . " الحديث .

ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه طلب العلم ، وذلك أنه وسيلة الوصول إلى معـرفة الله عـز وجـل ، ومعرفة حقه سبحانه وعبادته حق العبادة ، وأداء حقه على عباده .

والعلم كما ذكر ابن الجوزي وغيـره من الأئمة منه ما هو فرض عين ، ومنه ما هو فرض كفاية ، ومنه المباح ، ومنه المذموم ، فالعلم المفروض منه ما هو فرض عين ، وهو ما يتعين وجوبه على الشخص من توحيد الله ، ومعرفة أوامره ، وحدوده في العبادات والمعاملات التي يحتاج إليها .

ومن العلوم ما هو فرض كفاية ، وهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام الدنيا كالطب والحساب ، وأصـول الصناعات كالفلاحة والحياكة والحجامة ، ويدخـل في ذلك أيضا العلوم الحديثة التقنية والمهنية ونحوها مما يكون به تقدم المسلمين واكتفاؤهم بأنفسهم ،


فلو خلا البلد عمن يقوم بهذه العلوم والصناعات أثم أهل البلد جميعا ، وإذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين .

ومن العلوم ما يكون مباحا كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها ، ومنها ما يكون مذموما كعلم السحر والطلسمات .

والمقصود أن طلب العلم في الأصل فريضة حتى يكون المسلم عابدا لربه على بصيرة ، وقد جاءت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حاثة على طلب ، العلم مثنية على أهله ، مشيدة به وبأدواته ، يقول الله تعالى : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ، ويقول سبحانه : الرَّحْمَنُ سورة الرحمن الآية 2 عَلَّمَ الْقُرْآنَ سورة الرحمن الآية 3 خَلَقَ الْإِنْسَانَ سورة الرحمن الآية 4 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، ويقول عز وجل : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ، ويقول سبحانه : هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وقال عز وجل : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ، وقال سبحانه : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .

والرسل عليهم الصلاة والسلام هم قدوة العلماء والمربين ، فرسالتهم رسالة تطهير وتزكية وتعليم ، يقول عز وجل : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .

والنبي صلى الله عليه وسلم حث على طلب العلم فقال :من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر .

. وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود ، قال : " إني والله ما آمن يهود على كتاب " ، قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له ، قال : فلمـا تعلمته كـان إذا كتـب إلـى يهـود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا

إليه قرأت له كتابهم " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله علما نافعا ، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع .

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( اغد عالما أو متعلما ، ولا تغد بين ذلك ) ، ويقول أيضا رضي الله عنه : ( إن أحدا لا يولد عالما ، وإنما العلم بالتعلم ) .

ويقول علي رضي الله عنه لرجل من أصحابه : ( يا كميل العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو بالإنفاق ) .

ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه : ( العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتوق الشر يوقه ) .

ويقول عبد الله بن الشخير : ( فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع ) .

ويقول الشافعي رحمه الله : ( طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ) .

وقال أبو بكر البصري : دخلت على سهل بن عبد الله ومعي المحبرة فقال لي : تكتب ؟ قلت : نعم ، قال : " اكتب ، فإن استطعت أن تلقى الله عز وجل ومعك المحبرة فافعل " .

والإمام أبو بكر بن السني رحمه الله حين حضرته الوفاة كانت المحبرة بين يديه فتركها ورفع يديه ودعا ثم مات .

والآيات والأحاديث وكلام السلف في هذا المعنى أكثر من أن أحصيه ، وإنما قصدت الإشارة إلى طرف من فضل العلم والحث عليه مما يبين أن ديننا دين العلم ، يقول تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم : سورة يوسف الآية 108 قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، وقد أشار الله سبحانه بأدوات التعلم من القلم وما يكتب عليه ، فأقسم الله سبحانه بها لتعظيم شأنها ، يقول عز وجل : سورة القلم الآية 1 ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ .

والذي ينبغي التنبيه له أن النصوص التي في فضل العلم إنما يقصد بها العلم الشرعي في المقام الأول ، وقد يلحق به في بعض النصوص العلوم التي بها قوام دنيا الناس ؛ لأن صلاح دنيا المسلمين واستقامة معاشهم عز لهم وذل لأعدائهم ، وهذا من مقاصد الشارع الحكيم ، فكان لزاما على أهل الإسلام أن يعتنوا بالعلم الشرعي ويؤصلوه في مناهجهم الدراسية ، ويعلموه لأبنائهم ويربوهم عليه ؛ لأنه هو العلم النافع ، وأن يكون العلم الشرعي هو ركيزة سائر العلوم والحاكم عليها ، وليعلم المسلمون أنه لا تعارض بين العلوم المادية النظرية التي فيها مصالح العباد في دنياهم وبين العلوم الشرعية ؛ إذ إن الشرع جاء باعتبار ما يكون فيه صلاح دنيا الناس وحثهم على

السعي في ذلك ، يقول سبحانه : وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ، ويقول سبحانه : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، ويقول سبحانه : فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ .

وغير ذلك من النصوص ، وهذا لا يتحقق إلا بتعلم الوسائل الموصلة إليه ، فكان العلم بأمور الدنيا علما معتبرا ، والله تعالى قد حث المؤمنين على التوازن بين طلب الآخرة والسعي في هذه الدنيا بما يكون معه عزهم ورفعتهم ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

فالواجب أن يكون التعليم في بلاد المسلمين موجها لأهداف عظمى أهمها :

- توثيق الصلة بين العبد وربه من خلال تعليمه التوحيد ، وما يجب عليه من حق الله تعالى ، وتعليمه كيف يعبد ربه .

- التركيز على ما به نهوض الأمة الإسلامية في شتى المجالات ، وليكن الانطلاق والارتكاز على العلم الشرعي الذي يرشد لباقي العلوم ، ويحقق الفائدة المرجوة منها .

- بعث التفاؤل في نفوس الأبناء وأن دين الله باق ومنصور مهما كاد له الأعداء ، فما كيدهم إلا في تباب وخسار ، وما مكرهم إلا عائد عليهم ، والأمر كما قال تعالى : سورة التوبة الآية 32 يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ .

ثم الوصية لإخواني وأبنائي الطلاب والطالبات بإخلاص النية لله عز وجل في طلب العلم ، واستحضار أن هذا العمل عبادة لله عز وجل ، والله تعالى يقول : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى .

وكذلك أيضا عليكم بالجد في الطلب ، فإن العلم ثقيل ، يقول الله تعالى : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ، ويقول سبحانه : يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ،


ويقول صلى الله عليه وسلم : منهومان لا يشبعان : منهوم في علم لا يشبع ، ومنهوم في دنيا لا يشبع .

وأيضا ينبغي للطالب أن يحذر من أن يكون همه من التعلم طلب الدنيا والظهور والبروز والحصول على المناصب ، خاصة في العلوم التي يبتغى بها وجه الله تعالى ، يقول صلى الله عليه وسلم : ، من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا ، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة .

وينبغي للطالب والطالبة أن يبتعدوا عن الذنوب ، فإنها سبب لعذاب الله ، وهي من أسباب نسيان العلم ، يقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : ( إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها ) .

وينبغي للطالب والطالبة التواضع في حال التحصيل وعدم التكبر عن العلم أو على المعلمين ، وكذلك أيضا الجرأة بأدب وعدم الحياء ، يقول مجاهد بن جبر رحمه الله : " لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر " .

وينبغي للطالب والطالبة أيضا عدم المماراة والمجادلة والمباهاة بالعلم والدخول في الصراعات الفكرية التي لا طائل تحتها ، بل تفرق ولا تجمع ، وتضر ولا تنفع ، يقول الله تعالى : وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ،

ويقول عز وجل : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، ويقول صلى الله عليه وسلم : لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، ولا لتماروا به السفهاء ، ولا تخيروا به المجالس ، فمن فعل ذلك فالنار النار .

وينبغي للطالب والطالبة أن يجلوا معلميهم ومعلماتهم ، ولا يرفعوا عليهم أصواتهم ، بل يحترمونهم ويقدرونهم ؛ لأنهم هم السبب الذي يوصل إليهم الخير ، ويقربهم إلى الله تعالى إن أحسنوا النية واحتسبوا الأجر ، كما أوصي أخواتي وبناتي الطالبات بالتصون والتستر وعدم التعطر حال الخروج إلى المدرسة أو منها ؛ لأن هذا محرم ومنكر .

أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه ، وأن يصلح أحوال المسلمين ، ويجنبنا الشرور والآفات ، وأن يبارك في أبنائنا وبناتنا ويصلحهم ويوفقهم لكل خير ، إنه سبحانه سميع مجيب .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المفتي العام للمملكة العربية السعودية

مجلة البحوث الإسلامية العدد السادس والسبعون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1426هـ

ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

12d8c7a34f47c2e9d3==