المفرق
02-16-2008, 02:57 PM
قال أبي إسحاق الحويني في مقدمة تحقيقه لكتاب ( الديباج شرح صحيح مسلم / للسيوطي رحمه الله )صفحة 1/ 10:
(فقد طلب مني صاحبنا الصادق الود أبو محمد خالد بن حسين لبني حفظه الله ، وهو من إلي مذهب السلف في مدينة جدة بالمملكة السعودية أن ألقي دروسا في مصطلح الحديث في مسجد الانوار بحي الصفا على بعض طلبة العلم هناك ، وأجبت طلبته شاكرا إياه ، وبعد انتها درس أحد الايام جاءني من يسألني : ما تقول في قول عبد العزيز الكناني في
" كتاب الحيدة " وهو يعني ما قاله المأمون لعبد العزيز : أتقول ، أو كما قال.
فقلت للسائل : ما قاله عبد العزيز له وجد ثم رأيت بعض أهل بلدني قد جاءوا للسلام علي فانشغلت معههم وانفض المجلس ، ونسيت الامر.
ووقفنا على باب المسجد فترة ليست بالطويلة ، ونحن نهم بالانصراف قال لي أبو محمد : إن بعض إخواننا يريد أن يقرء عليك شيئا ، فظننت أنه يريد أن يقرأ جزء أو نحوه ، فاعتذرت بأنني مجهد ، ولعل ذلك يكون في وقت آخر ، فاعتذر أبو محمد لذلك الاخ ، وركبنا السيارة وانطلقنا إلى منزل أبي محمد ، فقال لي : كنت أن تعطي أخانا الفرصة ليقرأ عليك حتى تزول الشبهة من عنده.
فقلت له : وأي شبهة تعني ؟ فقال لي : إنه أتى بكتب لشيخ الاسلام ابن تيمية تثبت أن اعتقاد السلف أن الله سميع بسمع بصير ببصر.
فقلت له : ومن يقول بغير ذلك ، إن قول القائل : سميع بلا سمع بصير بلا بصر هو عين التعطيل.
فقال لي أبو محمد : إن صاحبنا يقول : إنك تقول بذلك ، فإحب أن يقرأ عليك ، فقلت له ارجع بنا إلى المسجد.
فرجعنا إلى المسجد فلم نجد صاحبنا ، قلت له : انطلق بنا إلى منزله ، فذهبنا إلى منزله فأخبرونا أنه لم يأت ، فرجعنا إلى منزل أبي محمد ، واتصلنا بالهاتف ، فأخبرونا أنه لم يأت.
فقلت لابي محمد : أخبر صاحبنا أنني أعتقد أن الله سميع بسمع ، بصير ببصر ، عليم بعلم ، قدير بقدرة ، وذكرت له قول عائشة : " سبحان من
وسع سمعه الاصوات " وكذلك حديث أبي موسى مرفوعا : " حجابه النور ، لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره " ثم قلت لابي محمد : قد سئلت الليلة سؤالا ، ظننت أن صاحبك هو الذي أرسل من يسأل عنه ، فقد جاءني هذا السائل يسألني عن قول عبد العزيز الكناني في " كتاب الحيدة " فقلت له : إن قول عبد العزيز له وجه ، وانقطع الكلام ، فربما التبس على السامع فظنني أقول به ، وأنا أوضح لك مرادي لتنقله إلى صاحبك.
فقد ذكر في هذا الكتاب - إن ثبت - أن عبد العزيز الكناني قال للمأمون : يا أمير المؤمنين ! لك علي أن أقطعه بنص التنزيل - يعني ابن أبي داود - ثم قال المأمون بعد ذلك : يا عبد العزيز ! أتقول سميع بسمع بصير ببصر ؟ فقال عبد العزيز : يا أمير المؤمنين ؟ لا أقول إلا بما في التنزيل.
وليس في " التنزيل " ما سأل عنه المأمون.
فأصبحت عبارة عبد العزيز محتملة للتعطيل ، لكن لا تقضي عليه بذلك ، لاحتمال أن يكون له مسلك آخر يستطيع أن يقيم به الحجة.
ويحتمل أنه لو احتج بالاحاديث ، اعترض عليه بأنها أحاديث آحاد ، ويحتمل أنه تنزل مع الخصم من باب المناظرة ، فأقره على قوله ليثبت له فساده ، ولا ينبغي أن تؤخذ عقائد الناس من المناظرات لهذا الاحتمال القائم ، ولذلك قالوا : إن لازم المذهب ليس بمذهب ومن هنا غلط الغالطون على شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله إذ ظنوا أنه يغض من منصب علي بن أبي طالب ، وأنه تكلم عنه بكلام لا يليق في " منهاج السنة النبوية " ، وحاشا ابن تيمية أن يصدر منه هذا ، وقد صرح بفضل علي وجلالته وسابقته في مواضع شتى من الكتاب ، لكن شيخ الاسلام كان يرد على
رافضي محترق ، لا يرى إثبات فضيلة لعلي بن أبي طالب إلا بالحط على مثل أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة فكان يأتي بأشياء يعيب بها أبا بكر والصحابة فيرد عليه ابن تيمية قائلا : لئن جاز أن يعاب أبو بكر بهذا ، فلئن يعاب علي بكذا وكذا أولى ثم يسرد حجته ، فأين غض ابن تيمية من منصب علي رضي الله عنه.
وحاصل الكلام إنني وجهت كلام عبد العزيز بما يتلاءم مع بقية عقيدته ، وهذا هو الواجب ، إذا أتاك لفظ مشترك عن أحد ، فتحمله على اعتقاد قائله ، فلو قرأت في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية مثلا " إن الله في جهة " فينبغي حمل كلامه على أن الله في السماء ، لا علي الجسمية.
وانقضى ذلك اليوم ، وأنا لا أشعر بالشر ، فمضي يومان ، وإذا بأبي محمد يخبرني أن صاحبنا اتصل بشيخنا الالباني حفظه الله وسأله : ما تقول فيمن يقول : إن الله سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ؟ فقال شيخنا : هذا جهمي ضال واتصل صاحبنا بشيوخ المدينة مثل الشيخ محمد أمان الجامي ، والشيخ فالح بن نافع الحربي ، وبعض طلبة العلم هناك يخبرهم أن أبا إسحاق الحويني يقول : إن الله سميع بلا سمع بصير بلا بصر ، وبدأوا يكلمون طلبة العلم في أماكن شتى ، يحتسبون الاجر عند الله بفضيحة أخيهم في الله ! ! وزرت المدينة النبوية في هذه الايام وأنا لا أشعر بشئ ، فكان ممن زرته في بيته : الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله ، واستقبلني هاشا باشا ، وتكلمنا في مسائل شتى أذكر منها ما ذكره الشافعي رحمه الله في بعض مناظراته : إذ تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال ، وما هو ضابط الاحتمال الذي عناه الشافعي ، إذ كل دليل يمكن أن يطرقه الاحتمال ، وأمضينا الليلة ، ولم أشعر منه بأدني تغير ، ولما ذهبت إلى الفندق جاءني بعض إخواننا وسألني عن حقيقة ما يشاع عني أقول : إن الله سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ؟ فكذبت القول وشرحت الأمر على نحو ما ذكرت ، فقال لي : أن فلانا اتصل بى وأخبرني بذلك ، واتصل بالشيخ محمد أمان والشيخ فالح وغيرهم يخبرهم بمقالتك ، وقال لي : الحق بهؤلاء وأخبرهم حقيقة اعتقادك.
فعجبت أشد العجب ، وقلت في نفسي : لماذا لم يفاتحني الشيخ فالح في هذا الامر ؟ ودارت بي الظنون فقلت : لعله لم يصدق ؟ أو لعله كره أن يستقبلني بمثل هذا الكلام لضيافته إياي ؟ أو لعله...إلى آخر هذه الخطرات.
ولما أصبحت قلت لابي محمد وكان يصحبني في هذه الرحلة : أريد أن ألقي المشايخ ، وخرجنا إلى الجامعة الاسلامية ، فلقيت الشيخ فالح الحربي في مكتبة البخاري فسألته عما بلغه عني ولماذا لم يفاتحني ؟ فقال لي : شعرت كأن هناك خطأ في النقل.
ثم سألني عن حقيقة قولي ، فشرحته على نحو ما حكيت آنفا ، فقال لي : لست وحدك الذي علقت علي قول عبد العزيز الكناني بهذا القول ، فقد قاله أيضا الدكتور الفقيهي ، ثم نادي موظفا في المكتبة وقال له : ائتني بكتاب الحيدة الطبعة الجديدة ، وما كنت رأيتها فجئ بها فقرء علي تعليق الدكتور الفقيهي الذي كاد أن يطابق قولي ، فطلبت من الشيخ فالح أن يبلغ الشيخ محمد أمان بحقيقة الامر ، وأن يدفع عني إذا بلغه شئ فوعدني خير)
و كان هذا بتاريخ محرم 1416 هــ
(فقد طلب مني صاحبنا الصادق الود أبو محمد خالد بن حسين لبني حفظه الله ، وهو من إلي مذهب السلف في مدينة جدة بالمملكة السعودية أن ألقي دروسا في مصطلح الحديث في مسجد الانوار بحي الصفا على بعض طلبة العلم هناك ، وأجبت طلبته شاكرا إياه ، وبعد انتها درس أحد الايام جاءني من يسألني : ما تقول في قول عبد العزيز الكناني في
" كتاب الحيدة " وهو يعني ما قاله المأمون لعبد العزيز : أتقول ، أو كما قال.
فقلت للسائل : ما قاله عبد العزيز له وجد ثم رأيت بعض أهل بلدني قد جاءوا للسلام علي فانشغلت معههم وانفض المجلس ، ونسيت الامر.
ووقفنا على باب المسجد فترة ليست بالطويلة ، ونحن نهم بالانصراف قال لي أبو محمد : إن بعض إخواننا يريد أن يقرء عليك شيئا ، فظننت أنه يريد أن يقرأ جزء أو نحوه ، فاعتذرت بأنني مجهد ، ولعل ذلك يكون في وقت آخر ، فاعتذر أبو محمد لذلك الاخ ، وركبنا السيارة وانطلقنا إلى منزل أبي محمد ، فقال لي : كنت أن تعطي أخانا الفرصة ليقرأ عليك حتى تزول الشبهة من عنده.
فقلت له : وأي شبهة تعني ؟ فقال لي : إنه أتى بكتب لشيخ الاسلام ابن تيمية تثبت أن اعتقاد السلف أن الله سميع بسمع بصير ببصر.
فقلت له : ومن يقول بغير ذلك ، إن قول القائل : سميع بلا سمع بصير بلا بصر هو عين التعطيل.
فقال لي أبو محمد : إن صاحبنا يقول : إنك تقول بذلك ، فإحب أن يقرأ عليك ، فقلت له ارجع بنا إلى المسجد.
فرجعنا إلى المسجد فلم نجد صاحبنا ، قلت له : انطلق بنا إلى منزله ، فذهبنا إلى منزله فأخبرونا أنه لم يأت ، فرجعنا إلى منزل أبي محمد ، واتصلنا بالهاتف ، فأخبرونا أنه لم يأت.
فقلت لابي محمد : أخبر صاحبنا أنني أعتقد أن الله سميع بسمع ، بصير ببصر ، عليم بعلم ، قدير بقدرة ، وذكرت له قول عائشة : " سبحان من
وسع سمعه الاصوات " وكذلك حديث أبي موسى مرفوعا : " حجابه النور ، لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهي إليه بصره " ثم قلت لابي محمد : قد سئلت الليلة سؤالا ، ظننت أن صاحبك هو الذي أرسل من يسأل عنه ، فقد جاءني هذا السائل يسألني عن قول عبد العزيز الكناني في " كتاب الحيدة " فقلت له : إن قول عبد العزيز له وجه ، وانقطع الكلام ، فربما التبس على السامع فظنني أقول به ، وأنا أوضح لك مرادي لتنقله إلى صاحبك.
فقد ذكر في هذا الكتاب - إن ثبت - أن عبد العزيز الكناني قال للمأمون : يا أمير المؤمنين ! لك علي أن أقطعه بنص التنزيل - يعني ابن أبي داود - ثم قال المأمون بعد ذلك : يا عبد العزيز ! أتقول سميع بسمع بصير ببصر ؟ فقال عبد العزيز : يا أمير المؤمنين ؟ لا أقول إلا بما في التنزيل.
وليس في " التنزيل " ما سأل عنه المأمون.
فأصبحت عبارة عبد العزيز محتملة للتعطيل ، لكن لا تقضي عليه بذلك ، لاحتمال أن يكون له مسلك آخر يستطيع أن يقيم به الحجة.
ويحتمل أنه لو احتج بالاحاديث ، اعترض عليه بأنها أحاديث آحاد ، ويحتمل أنه تنزل مع الخصم من باب المناظرة ، فأقره على قوله ليثبت له فساده ، ولا ينبغي أن تؤخذ عقائد الناس من المناظرات لهذا الاحتمال القائم ، ولذلك قالوا : إن لازم المذهب ليس بمذهب ومن هنا غلط الغالطون على شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله إذ ظنوا أنه يغض من منصب علي بن أبي طالب ، وأنه تكلم عنه بكلام لا يليق في " منهاج السنة النبوية " ، وحاشا ابن تيمية أن يصدر منه هذا ، وقد صرح بفضل علي وجلالته وسابقته في مواضع شتى من الكتاب ، لكن شيخ الاسلام كان يرد على
رافضي محترق ، لا يرى إثبات فضيلة لعلي بن أبي طالب إلا بالحط على مثل أبي بكر وعمر وطائفة من الصحابة فكان يأتي بأشياء يعيب بها أبا بكر والصحابة فيرد عليه ابن تيمية قائلا : لئن جاز أن يعاب أبو بكر بهذا ، فلئن يعاب علي بكذا وكذا أولى ثم يسرد حجته ، فأين غض ابن تيمية من منصب علي رضي الله عنه.
وحاصل الكلام إنني وجهت كلام عبد العزيز بما يتلاءم مع بقية عقيدته ، وهذا هو الواجب ، إذا أتاك لفظ مشترك عن أحد ، فتحمله على اعتقاد قائله ، فلو قرأت في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية مثلا " إن الله في جهة " فينبغي حمل كلامه على أن الله في السماء ، لا علي الجسمية.
وانقضى ذلك اليوم ، وأنا لا أشعر بالشر ، فمضي يومان ، وإذا بأبي محمد يخبرني أن صاحبنا اتصل بشيخنا الالباني حفظه الله وسأله : ما تقول فيمن يقول : إن الله سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ؟ فقال شيخنا : هذا جهمي ضال واتصل صاحبنا بشيوخ المدينة مثل الشيخ محمد أمان الجامي ، والشيخ فالح بن نافع الحربي ، وبعض طلبة العلم هناك يخبرهم أن أبا إسحاق الحويني يقول : إن الله سميع بلا سمع بصير بلا بصر ، وبدأوا يكلمون طلبة العلم في أماكن شتى ، يحتسبون الاجر عند الله بفضيحة أخيهم في الله ! ! وزرت المدينة النبوية في هذه الايام وأنا لا أشعر بشئ ، فكان ممن زرته في بيته : الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله ، واستقبلني هاشا باشا ، وتكلمنا في مسائل شتى أذكر منها ما ذكره الشافعي رحمه الله في بعض مناظراته : إذ تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال ، وما هو ضابط الاحتمال الذي عناه الشافعي ، إذ كل دليل يمكن أن يطرقه الاحتمال ، وأمضينا الليلة ، ولم أشعر منه بأدني تغير ، ولما ذهبت إلى الفندق جاءني بعض إخواننا وسألني عن حقيقة ما يشاع عني أقول : إن الله سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ؟ فكذبت القول وشرحت الأمر على نحو ما ذكرت ، فقال لي : أن فلانا اتصل بى وأخبرني بذلك ، واتصل بالشيخ محمد أمان والشيخ فالح وغيرهم يخبرهم بمقالتك ، وقال لي : الحق بهؤلاء وأخبرهم حقيقة اعتقادك.
فعجبت أشد العجب ، وقلت في نفسي : لماذا لم يفاتحني الشيخ فالح في هذا الامر ؟ ودارت بي الظنون فقلت : لعله لم يصدق ؟ أو لعله كره أن يستقبلني بمثل هذا الكلام لضيافته إياي ؟ أو لعله...إلى آخر هذه الخطرات.
ولما أصبحت قلت لابي محمد وكان يصحبني في هذه الرحلة : أريد أن ألقي المشايخ ، وخرجنا إلى الجامعة الاسلامية ، فلقيت الشيخ فالح الحربي في مكتبة البخاري فسألته عما بلغه عني ولماذا لم يفاتحني ؟ فقال لي : شعرت كأن هناك خطأ في النقل.
ثم سألني عن حقيقة قولي ، فشرحته على نحو ما حكيت آنفا ، فقال لي : لست وحدك الذي علقت علي قول عبد العزيز الكناني بهذا القول ، فقد قاله أيضا الدكتور الفقيهي ، ثم نادي موظفا في المكتبة وقال له : ائتني بكتاب الحيدة الطبعة الجديدة ، وما كنت رأيتها فجئ بها فقرء علي تعليق الدكتور الفقيهي الذي كاد أن يطابق قولي ، فطلبت من الشيخ فالح أن يبلغ الشيخ محمد أمان بحقيقة الامر ، وأن يدفع عني إذا بلغه شئ فوعدني خير)
و كان هذا بتاريخ محرم 1416 هــ