المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان في القرآن الكريم بقلم فضيلة العلامة الشيخ صالح فوزان الفوزان


كيف حالك ؟

البلوشي
02-29-2008, 06:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


1 - تمهيد في بيان مراتب الدين

الإسلام والإيمان والإحسان : مراتب للدين ، كما بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - .

المرتبة الأولى : الإسلام ، وله خمسة أركان ، وقد تقدم بيانها بالتفصيل .

المرتبة الثانية : الإيمان ، وله ستة أركان ، وهي مذكورة في القرآن الكريم في آيات كثيرة .

المرتبة الثالثة - وهي أعلاها - : الإحسان .

كما بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام لما سأله عن هذه المراتب الثلاث ، بيَّنها واحدة واحدة

2 - تعريف الإيمان

الإيمان في اللغة العربية معناه : التصديق ، أي : التصديق بالإخبار عن شيء غائب ، ويكون معه ائتمان للمخبر ، أي يكون المصدق قد أمن المصدق فيما أخبر به .

أما الإيمان في الشرع فهو : " القول باللسان ، والتصديق بالقلب ، والعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية " ، فليس هو مجرد التصديق كما هو في اللغة .

والذين يقولون : الإيمان هو التصديق فقط ، هم المرجئة ، وهؤلاء غالطون ، فالإيمان في الشرع يتكون من هذه الأمور المأخوذة من الأدلة ، وليس هو تعريفًا اصطلاحيًّا أو فكريًّا ، وإنما هو مأخوذ من الأدلة ، مستقرأ منها .

ومعنى القول باللسان : أن ينطق بلسانه بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ينطق بذلك ويعلن به ، ويدخل فيه أيضًا كل ما ينطق به اللسان من العبادات القولية ، كالتسبيح والتهليل ، وتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، هذا كله قول باللسان ، وهو إيمان .

وهو كذلك اعتقاد بالقلب ، فلا يكفي النطق باللسان ، فإن كان ينطق بلسانه ولا يعتقد بقلبه فهذا إيمان المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وكذلك من صدق بقلبه ولم ينطق بلسانه فهذا ليس بمؤمن ؛ لأن المشركين والكفار يعتقدون بقلوبهم صدق الرسول -عليه الصلاة والسلام- ، لكن أبوا أن ينطقوا بألسنتهم لغرض من الأغراض ، إما لحمية على دينهم ، كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفار قريش أن يقولوا لا إله إلا الله فقالوا : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا فهم أبوا أن يقولوا لا إله إلا الله ويشهدوا بها حمية لدينهم وعبادتهم للأوثان ! !

فالتصديق بالقلب بدون نطق اللسان لا يكفي ، وليس هو الإيمان ، إنما هذا عند المرجئة ، والمرجئة طائفة مخالفة لأهل السنة والجماعة ، لا عبرة بقولها .

وكذلك من نطق بلسانه ، وصدق بقلبه ، ولم يعمل بجوارحه ، فليس بمؤمن إلا عند المرجئة أيضًا ؛ لأن بعض المرجئة -وهم مرجئة الفقهاء - يقولون : الإيمان هو : القول باللسان والتصديق بالقلب . ولا يدخلون أعمال الجوارح في الإيمان .

والمرجئة أربع فرق :

أ - فرقة يقولون : الإيمان هو ؛ القول باللسان فقط وهؤلاء هم الكرامية .

ب - وفرقة يقولون : الإيمان هو : التصديق بالقلب فقط ، ولو لم ينطق ، وهذا قول الأشاعرة .

ج - وفرقة يقولون : الإيمان : مجرد المعرفة بالقلب ولو لم يصدق ، فإذا عرف بقلبه ولو لم يصدق ، فإنه مؤمن وهذا قول الجهمية ، وهم شر فرق المرجئة .

د - الفرقة الرابعة : الذين يقولون هو : القول باللسان ، والاعتقاد بالقلب ، وهؤلاء أخف فرق المرجئة ، ولذلك يسمون بمرجئة الفقهاء .

أما جمهور أهل السنة والجماعة فإنه لا بد من هذه الحقائق في الإيمان :

قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فكلما عمل المرء طاعة زاد إيمانه ، وكلما عمل معصية نقص إيمانه ، فإذا أردت أن يزيد إيمانك فعليك بالطاعات ، فذكر الله يزيد في الإيمان ، وسماع القرآن يزيد في الإيمان ؛ قال تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وقال تعالى : وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى .

وقال تعالى : وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا فدل على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . كلما عصى الإنسان ربه نقص إيمانه ، حتى ربما أدى ذلك إلى أن يكون إيمانه ضعيفًا جدًا ، يكون إيمانه مثقال ذرة أو أقل ، فيضعف الإيمان حتى يكون قريبًا من الكفر ؛ كما قال تعالى : هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ .

فالمعاصي تنقص الإيمان ، فمن خاف على إيمانه من النقص تجنب المعاصي ، وإلا فليعلم أنها كلها على حساب الإيمان ، كلما عمل معصية فإنه ينقص إيمانه بذلك حتى ربما لا يبقى منه إلا القليل ، بل ربما يزول بالكلية ؛ لأن بعض المعاصي يزيل الإيمان بالكلية ، لا يبقى معه إيمان ، مثل الشرك بالله -عز وجل- والكفر به ، وترك الصلاة ، هذا يزيل الإيمان بالكلية .

فهذا هو تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة .

3 - أركان الإيمان

الإيمان له أركان ، يعني : دعائم وأعمدة يقوم عليها ، لا يقوم بدونها ، فإذا وجدت هذه الأركان ، وهذه الدعائم قام الإيمان . وهذه الأركان بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبريل قال : أخبرني عن الإيمان ، فقال : الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره .

هذه أركان الإيمان وهي ستة أركان :

الركن الأول : الإيمان بالله ، وهذا يشمل التوحيد بأنواعه الثلاثة ، فلا يصح الإيمان بالله إلا باعتقاد أنواع التوحيد الثلاثة .

الركن الثاني : الإيمان بالملائكة ، فتؤمن بأن لله ملائكة خلقهم لعبادته ، وخلقهم لتنفيذ أوامره في مخلوقاته ، منهم الموكل بالوحي ، ومنهم الموكل بالقطر والنبات ، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور ، ومنهم الموكل بقبض الأرواح عند الممات ، ومنهم الموكل بالأجنة في البطون ، كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات ؛ بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد .

ومن الملائكة نوع موكل بحفظ أعمال بني آدم ؛ كما قال تعالى : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ يحفظون علينا أعمالنا ، خيرها وشرها ، قال تعالى : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ، تابعون لابن آدم ، يكتبون ما يصدر منه من قول أو فعل ، أو قصد أو نية ، يتعاقبون في الليل والنهار : ملائكة ينزلون يلازمون ابن آدم في الليل من صلاة العصر إلى صلاة الفجر ، وينزل ملائكة آخرون من صلاة الفجر إلى صلاة العصر ، ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر يحضرونها ، كما قال تعالى : إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ويجتمعون في صلاة العصر ، ويشهدونها مع المسلمين ولذلك صار لهاتين الصلاتين العظيمتين مزية عظيمة على غيرهما من الصلوات .

ومنهم ملائكة موكلون بالجنة لتنفيذ ما يأمرهم الله فيها من غرس الأشجار ، وخدمة أهلها وغير ذلك .

وملائكة موكلون بالنار ، وهم خزنتها ، ومالك رئيسهم ( رئيس الخزنة ) .

ومنهم حملة العرش ؛ كما قال تعالى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ، والذين حول العرش هؤلاء من الملائكة أيضًا ، فالملائكة أصناف .

والسماوات مملوءة بالملائكة ، وينزلون بأمر الله سبحانه وتعالى إلى الأرض لتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى .

فيجب الإيمان بالملائكة ، ومن جحد الملائكة فإنه كافر ؛ لأنه جحد ركنًا من أركان الإيمان وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة .

وفي الإيمان بالملائكة فائدة للإنسان وهي : أنه يتحفظ منهم ، ويحسن القول والعمل ؛ لأنهم يسجلون عليه ويحفظون عليه ما يصدر عنه ، فعليه أن يستحيي منهم : فيتجنب المنكرات ، ويتجنب إدخال الكلب أو الصورة في بيته ؛ لأن الملائكة ( أي : ملائكة الرحمة ) لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا يجوز للمسلم أن يفعل كما يفعل الغربيون والمتشبهون بهم من اتخاذ الكلاب في البيوت ؛ لأن هذا يسبب ابتعاد الملائكة عن بيته .

الركن الثالث : الإيمان بكتب الله المنزلة ، كما قال تعالى : وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ، أي : جميع الكتب ، ما سمى الله منها : كالتوراة والإنجيل والزبور ، وصحف إبراهيم وموسى ، والقرآن ، وهو أعظمها . وما لم يسم الله منها ، فنؤمن بجميع ما أنزل الله من الكتب ، ولا يتم إيمان العبد مع جحدها وإنكارها .

الركن الرابع : الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام ، من أولهم إلى آخرهم ، من سمى الله في القرآن والسنة ، ومن لم يسم منهم ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، ومن جحد نبيًّا واحدًا فإنه كافر بالجميع .

والرسل هم ؛ الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ الشرائع والأوامر والنواهي ، والدعوة إلى الله عز وجل .

الركن الخامس : الإيمان باليوم الآخر ، يوم القيامة ، يوم البعث ، يوم يعيد الله الخلائق جميعًا كما خلقهم أول مرة ويحشرهم جميعًا في مكان واحد من أولهم إلى آخرهم ، ويحاسبهم على أعمالهم ، وتخرج لهم كتبهم التي كتبت عليهم في الدنيا ، فالمؤمن يعطي كتابه بيمينه ، والكافر يعطى كتابه بشماله وراء ظهره -والعياذ بالله - إهانة له .

وكل هذا وغيره مما يكون في اليوم الآخر : من وزن الأعمال ، ومن الحوض ، والصراط ، والجنة والنار ، وكل ما أخبر الله تعالى به أو أخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما يكون في اليوم الآخر ، فالإيمان به ركن ، لا يكون العبد مؤمنًا مع التكذيب به .

ويدخل في ذلك -أيضًا - ما يكون بعد الموت من عذاب القبر أو نعيمه ، وغير ذلك مما يكون بعد الموت ، إلى أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار .

فمن جحد البعث كفر بالله عز وجل ؛ قال تعالى : زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا وكذلك من أنكر ما ثبت بالضرورة من أمور الآخرة ، فإنه يكون كافرًا ، فمن أنكر الجنة أو النار ، أو أنكر الحساب ، أو إعطاء الصحائف ، أو أنكر وزن الأعمال ؛ فهو كافر ، فلا بد من الإيمان باليوم الآخر ، وبكل ما يجري فيه مما صح الخبر به عن الله جل وعلا أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

الركن السادس : الإيمان بالقدر ، وهو : أن كل ما يجري في هذا الكون من خير أو شر ، أو كفر أو إيمان ، أو مرض أو صحة ، أو غنى أو فقر ، أو شدة أو يسر ، فإنه بتقدير الله وعلمه . فالله علم كل شيء ، وكتبه في اللوح المحفوظ ، وشاءه ، وخلقه وأوجده سبحانه وتعالى ، فلا بد أن تؤمن بهذه الدرجات الأربع :

أ - العلم السابق من الله -عز وجل وعلا - بكل ما كان وما يكون .

ب - كتابة ذلك كله في اللوح المحفوظ .

ج - مشيئة الله لكل ما يجري وما يقع ، وأنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله .

د - أن الله -جل وعلا- خلق كل شيء ؛ قال تعالى : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ .

فمن جحد القدر ، أو جحد شيئًا من مراتب القدر ، فإنه لا يكون مؤمنًا ؛ لأنه جحد ركنًا من أركان الإيمان الستة .

وهناك شعب غير هذه الأركان تسمى شعب الإيمان ، قال - صلى الله عليه وسلم - : الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة ، أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان .

وهذه الشعب تختلف من حيث أهميتها فمنها ما يزول الإيمان بزواله ومنها ما ينقص الإيمان بزواله ، ولذلك عد العلماء الأعمال من الإيمان فقالوا في تعريفه : ... وعمل بالجوارح ...

وهذه الأركان ذكرها جل وعلا في القرآن الكريم في آيات كثيرة : منها قوله تعالى : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ، ذكر في هذه الآية خمسة أركان ، وذكر القدر في آية أخرى فقال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ .

وكذلك ذكر الله هذه الأركان في قوله تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فهذه أربعة أركان .

واليوم الآخر تكرر ذكره في القرآن بكثرة ، بل إن الله جل وعلا يقرن الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان به سبحانه وتعالى كثيرًا ، مثل قوله : مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا

وذكر الله -جل وعلا - الإيمان بالرسل وبالكتب في قوله تعالى : قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ، فلا بد من الإيمان بهذا كله .

ولقد مدح الله -سبحانه وتعالى- المؤمنين الذين يؤمنون بهذه الحقائق ، وأثنى عليهم ، وذكر صفاتهم ، وكثيرًا ما يناديهم باسم الإيمان يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، ثم يأمرهم أو ينهاهم ، كقوله : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ، وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ، وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، إلى غير ذلك .

وتارة يذكر صفات من صفات المؤمنين ، كقوله سبحانه وتعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ، وهذه من أعظم الصفات التي خص بها المؤمنين .

وقوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ .

وقوله : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ

وقوله : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ

وقال تعالى واصفًا لهم بولاية بعضهم بعضًا : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

قوله : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ أي : ذكورًا وإناثًا ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ : أي : كل واحد ولي للآخر بالمحبة والمناصرة والإعانة على الخير ، فهو يتولى أموره ، وينصره إذا أهين وأوذي ، ويعينه إذا احتاج ، ويذكره إذا نسي ، ويحب له ما يحب لنفسه ، فهو وليه ، أي : بينهم ولاية ، يعني : محبة ونصرة .

قوله : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي : يأمر بعضهم بعضًا بالمعروف وينهاه عن المنكر ، ويأمرون غيرهم أيضًا من الكفار والمشركين والمنافقين ، يأمرونهم بالدخول في الإسلام ، ويدعونهم إلى توحيد الله عز وجل ، وينهون عن المنكر من الشرك والكفر والمعاصي والمخالفات .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم صفات المؤمنين ، ولذلك كان ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليلا على ضعف الإيمان أو عدمه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : من رأى منكم منكرًا ؛ فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان وفي رواية : وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل .

قوله : وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ : أي يؤدونها في أوقاتها مع الجماعة ، ويقيمونها ظاهرًا وباطنًا ، وإقامتها ظاهرًا تكون بأداء شروطها وأركانها وواجباتها ومستحباتها ، ويقيمونها باطنًا بالخشوع وحضور القلب ، وبهذه الإقامة مدحهم الله بقوله : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، إنما قال : وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ولم يقل : يصلون ؛ لأنه ليس المقصود بالصلاة الصورة فقط ؛ بل لا بد أن يقيموا الصلاة على حسب ما أمر الله سبحانه وتعالى ، لا على حسب شهوة الإنسان ورغبته ، فيصلي متى ما أراد ، ويصلي كيفما أراد ، بل لا بد أن يصلي كما أمر الله .

قوله : وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ أي : زكاة أموالهم ؛ لأنها قرينة الصلاة ، ولا يمنعهم من إخراجها البخل والشح ، وفي إعطائهم الزكاة مواساة للفقراء والمساكين .

قوله : وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ : هذا عام في جميع ما أمر الله به ، أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وفي هذا دليل على وجوب العمل بالسنة ؛ لأن من لم يعمل بالسنة فإنه ليس مطيعًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فالذي يقول : إنني لا أعمل إلا بالقرآن فقط ! ! هذا ليس مؤمنًا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل ولا مؤمنًا بالقرآن أيضًا لأن الله أمر في القرآن باتباع السنة وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، قال تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، وقال تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا

قوله : أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ : يعمهم الله برحمته ، وإذا رحمهم سعدوا سعادة لا يشقون بعدها أبدًا .

وهذه الصفات المذكورة للمؤمنين هي مضادة تمامًا لصفات المنافقين ؛ كما قال تعالى عنهم في الآيات التي قبل هذه : الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ .

والإيمان منَّة من الله - جل وعلا - ومنحة ؛ قال تعالى : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فلذا لا يضعه إلا فيمن يستحقه ؛ لأنه سبحانه وتعالى حكيم ، يضع الأمور في مواضعها ، فلا يضع الإيمان إلا فيمن يصلح له ، فَيَمُنُّ به سبحانه على من يشاء ، لا سيما من بذل الأسباب ؛ كما قال تعالى : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ، وقال تعالى : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .

ومن ثمرات الإيمان ما ذكره الله سبحانه بقوله : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وذلك أنه إذا دخل المؤمنون في الجنة وكان الآباء في منزلة ، والأولاد في منزلة أخرى ، فإن الله يجمع بينهم حتى تقر أعين بعضهم ببعض ، وهذا هو معنى قوله : أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، فضلا منه سبحانه بسبب الإيمان ، وذلك من تمام النعيم .

يتبع

البلوشي
02-29-2008, 06:32 PM
4 - مسائل في الإسلام والإيمان

المسألة الأولى : الفرق بين الإسلام والإيمان :

إذا ذكر الإسلام والإيمان في موضع واحد من النصوص الشرعية أو ذكر كل واحد منهما في موضع ، فقد ذكر العلماء لذلك قاعدة وهي : " أنهما إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا " ، أي : إذا اجتمعا في الذكر افترقا في المعنى ، فكان الإسلام معناه الأعمال الظاهرة ، والإيمان معناه الأعمال الباطنة ، أعمال القلوب ، كما ذكر في حديث جبريل ، حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة .

وإذا ذكر الإسلام منفردًا دخل فيه الإيمان ، وإذا ذكر الإيمان منفردًا دخل فيه الإسلام ؛ لأنه لا يصلح الإسلام إلا بالإيمان ، ولا يصلح الإيمان إلا بالإسلام .

هذا هو الإيمان في الكتاب والسنة ، ومذهب أهل السنة والجماعة .

المسألة الثانية : ما يزول به الإيمان بالكلية وما ينقص به الإيمان .

وهذه مسألة مهمة جدًّا . والإيمان يزول بالكلية بأمور ، منها :

أ - الشرك بالله عز وجل ، والكفر به ، سواء كان الكفر بالجحود ، أو التكذيب ، أو بالشك ، أو بالاستهزاء بما أنزل الله ، أو بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو بالقرآن أو بالسنة ، أو بشعائر الدين ، أو بفعل الكفر أو النطق به ، فهذه الأمور يزول بها الإيمان زوالا كليًّا ، ولهذا تسمى نواقض الإيمان ، وتسمى بخصال الردة .

والمراد بالشرك : الشرك الأكبر ، وكذا الكفر الأكبر ، ومثله النفاق الاعتقادي ، فيزول الإيمان بالأقوال والأفعال والاعتقادات الكفرية والشركية .

ب - ويزول أيضًا بترك الصلاة ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة وقال : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ومراده بالكفر هنا : الكفر الأكبر ؛ كما قال الله تعالى عن المجرمين : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ فالسبب الأول لدخولهم سقر هو تركهم الصلاة ، فمن ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر ، سواء كان جاحدًا لوجوبها أم غير جاحد ، أما من تركها جاهلا ، أو تركها ناسيًا ، أو تركها نائمًا أو تركها بزوال عقله ، فهؤلاء لا تشملهم نصوص الوعيد على تركها .

ج - كذلك يزول الإيمان بتعلم السحر وتعليمه .

د - ويزول الإيمان بادعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى .

هـ - ويزول الإيمان بالحكم بغير ما أنزل الله ، إذا اعتقد أنه أحسن من الحكم بما أنزل الله ، أو مساو له ، أو أنه مخير أن يحكم بهذا أو هذا ، فهذا يكفر الكفر الأكبر الذي يخرج من الملة . وللإيمان نواقض كثيرة ذكرها العلماء في كتب الاعتقاد وكتب الفقه ، وبعضهم أفردها بالتأليف .

أما المعاصي التي هي دون الشرك ودون الكفر ، فهذه ينقص الإيمان بها ولا يزول بالكلية ، وذلك كشرب الخمر والسرقة ، والزنا ، وأكل الربا من غير استحلال له ، والكذب ، والغيبة ، والنميمة ، فهذه كبائر ينقص الإيمان بها لكن لا يزول ، ينقص حتى ربما وصل إلى مثقال ذرة أو أقل من ذلك كما سبق بيانه ، ولكنه لا يخرج الإنسان من الدين ؛ لقوله سبحانه وتعالى : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ، وقوله تعالى : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، ثم قال : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ سماهم مؤمنين مع أنهم يقتل بعضهم بعضًا ، وقتل المؤمن بغير حق كبيرة من كبائر الذنوب ، ومع هذا لم يخرجهم من الإيمان ، فالكبائر التي دون الشرك تنقص الإيمان نقصًا ظاهرًا لكنها لا تخرج صاحبها من الدين ، هكذا يقول أهل السنة .

خلافًا لما يقوله الخوارج والمعتزلة والمرجئة :

فالخوارج والمعتزلة ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ، وأنه خارج من الإيمان بمعصيته .

والمرجئة قالوا : لا يضر مع الإيمان ذنب ، ولا ينقص الإيمان بالمعاصي ، وكلا القولين باطل مخالف للحق ، وهما قولان على طرفي نقيض .

والحق هو الوسط ، وهو مذهب السلف أهل السنة والجماعة ، وهو أن يقال : مرتكب الكبيرة إن لم يكن مستحلا لها فإنه ينقص إيمانه ، لكنه لا يخرج من الإيمان ، فهو مؤمن ناقص الإيمان ، أو يقال : هو مؤمن فاسق : مؤمن بإيمانه ، فاسق بكبيرته ، اجتمع فيه الإيمان والفسوق ، هذا مذهب أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة ، ولذلك شرع الله إقامة الحدود على مرتكب بعض الجرائم الكبيرة ، فشرع حد الزنا والسرقة ونحو ذلك .

وشرع القصاص من القاتل ، وخيَّر أولياء الدم بين أن يعفوا عن القصاص ، أو يقتصوا ، ولو كان مرتكب القتل كافرًا بذلك لوجب قتله على كل حال ، ولا يفوض الأمر إلى أولياء الدم ؛ لأن المرتد يجب قتله ، ولو عفى عنه الخلق جميعًا ، وإذا قتل القاتل فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ، ويدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه مسلم .

كذلك الزاني إذا كان الزاني ثيبًا يرجم بالحجارة حتى يموت ، فإذا رجم ومات ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين .

كذلك إذا كان الزاني بكرًا فإنه يجلد ويعامل معاملة المسلمين ، فلا ينفسخ نكاحه من زوجته ، ولا يؤخذ ماله ، لكنه مع إيمانه يكون فاسقًا بزناه .

كذلك القاذف الذي يقذف الأبرياء بالزنا ، هذا يجلد ثمانين جلدة ، ويثبت عليه وصف الفسق ، كما نص القرآن على ذلك : وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لكن لا يعامل معاملة الكفار ، وهذا يدل على أنه مسلم .

كذلك شارب الخمر يجلد ، كما جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر ، وأجمع الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنه يجلد ثمانين جلدة ، ويعامل معاملة المسلمين ، لو مات فإنه يصلى عليه ، وميراثه يكون لأقاربه . ولو مات مرتدًّا أو كافرًا لصار ماله فيئًا لبيت المال ، لا يرثه أقاربه .

وكل المعاصي تنقص الإيمان ، ولكن بعضها ليس عليه حد في الدنيا ، بل عليه وعيد من الله عز وجل ، كالكذب ، والغيبة والغش في البيع والشراء ، وأكل الربا إذا لم يستحله ، أما إن استحله فهو كافر حتى ولو لم يأكله ؛ لأن استحلال المحرم ردة وكفر ، لكن إذا أكله وهو يعتقد تحريمه ، مثل أن تغلبه محبة المال والطمع ، فهذا يكون فاسقًا مرتكبًا لكبيرة من كبائر الذنوب ، لكن ليس عليه حد ، وإنما عليه وعيد شديد حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى .

فالمعاصي تنقص الإيمان إذا كانت دون الشرك ، سواء كانت كبائر أم صغائر ، والكبائر على قسمين : قسم رتب عليه الحدود ، وقسم رتب عليه الوعيد ، وليس فيه حد ، والمعاصي في نقصها للإيمان تتفاوت : بعضها ينقص الإيمان نقصًا كثيرًا ، وبعضها دون ذلك ، وإذا تاب إلى الله -جل وعلا- توبة صحيحة غفر الله له ذنبه ، ومحاه عنه ؛ قال تعالى : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا .

وبالله التوفيق .
منقول من كتاب دروس من القرآن

بو زيد الأثري
02-29-2008, 07:02 PM
جزاك الله خيرا على النقل الطيب

البلوشي
05-20-2008, 06:25 PM
وياك أخي الكريم بوزيد

بن حمد الأثري
05-20-2008, 06:33 PM
** مشكور أخي الفاضل **

12d8c7a34f47c2e9d3==