المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم الأستهزاء بالدين واهل العلم والصلاح


كيف حالك ؟

ابواسامة
02-24-2008, 04:59 PM
موضوع الفتوى: حكم الاستهزاء بأمور الدين والعلماء والصالحين
المفتي: عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل
رقم الفتوى: 2
الفتوى: نص السؤال:

رجل ركب مع جماعة في سيارة ، فسمعهم يتهكمون بالعلماء وأهل الدين ، ويضحكون منهم حال صلاتهم ، ويشيرون إلى لحاهم ، وهيئاتهم ، واستعمالهم المسواك ، وأفاضوا في أشياء من هذا ، قال: فأنكرتُ عليهم ذلك؛ فلم يقبلوا مني ، وتكلموا بكلام قبيح ، وقالوا لي: أنت ما تفهم الكلام ، ونحن نمزح مع بعضنا.

ويسأل عن حكم هؤلاء ، ومن يتكلم بمثل هذا الكلام ، ويستهزئ بأهل العلم والدين وأئمة المسلمين؟.

الجواب:

الذي يهزل ويستهزئ بعلماء المسلمين ، وأهل الدين والصلاح ، ويتهكم بهم ، ويضحك منهم ـ لاسيما حال أدائهم عباداتهم التي شرعها الله لهم ـ فهو كافر ، سواء كان جادًا ، أو هازلاً ، أو مازحًا ، ومما يستدل به لما ذكرنا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29 ، 30]. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 ، 66].

قال المفسرون[6] في تفسير هذه الآية عن ابن عمر ، ومحمد بن كعب ، وزيد بن أسلم ، وقتادة ـ دَخَل حديث بعضهم في بعض ـ: إن رجلاً قال في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ فذهب عوفٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره؛ فوجد القرآن قد سبقه ، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال: يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق.

قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الحجارة تنكب رجليه ، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يلتفت إليه ، وما يزيده عليه. انتهى. وكذا ذكره المحدثون ، والمؤرخون.

ففي هذا دليل على أن هذا الصنيع منافٍ للإيمان بالكلية ، ومخرجٌ من الدين؛ لأن أصل الدين الإيمان بالله وكتبه ورسله ، ومن الإيمان تعظيم ذلك ، ومن المعلوم أن الاستهزاء والهزل بشيء من هذه أشد من الكفر المجرد؛ لأن هذا كفرٌ وزيادة احتقار ، فإن الكفار إما معرضون أو معارضون ، فالمُعرض معروف ، وأما المعارض فهو المحارب لله ، ورسوله ، القادح بالله ، وبدينه ، ورسوله ، وهو أغلظ كفرًا ، أو أعظم فسادًا من الأول ، والهازل بشيء مما ذُكر داخل في هذا النوع.

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الحنبلي المتوفى سنة 728هـ ـ رحمه الله ـ: وفي قولهم: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ما يدل على أنهم اعترفوا واعتذروا؛ ولهذا قيل لهم: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا ، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر ، فبين الله تعالى أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفرٌ يكفر به صاحبه بعد إيمانه ، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ، ولكن لم يظنوه كفرًا ، مع أنه في الحقيقة كفر ، فإنهم لم يعتقدوا جوازه[7].

قال: وفي الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يُعذر بذلك بل يكفر ، وعلى أن الساب كافر بطريق الأوْلى.

وقوله: أرغب بطونًا ، أي: أوسع ، يريد كثرة الأكل ، فكثرة الأكل وإن كانت مذمومة لكن هذا ذكروه في معرض الاستهزاء.

وقد كذب هذا الرجل ، فإن الصحابة رضي الله عنهم ـ أحسن الناس اقتصادًا في الأكل وغيره ، بل المنافقون والكفار ـ من أضراب هذا ـ أوسع بطونًا وأكثر أكلاً ـ كما صحت بذلك الأحاديث ـ وهم ـ أيضًا ـ أشد الناس جبنًا ، وأكذب خلق الله حديثًا ـ كما وصفهم الله بذلك في كتابه ـ ولهذا قال له عوف: كذبت ، ولكنك منافق.

وفي قوله تعالى: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ ...} الآية ، اعتبار المقاصد؛ لأنهم لم يذكروا الله ولا رسوله ولا كتابه بشيء ، وإنما فُهم هذا من مقصدهم الخبيث ، فإن قيل: كيف لم يقتلهم؟ قيل: مخافة أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه ، كما علل بذلك صلى الله عليه وسلم .

ويُلحق بذلك: الاستهزاء بالأفعال والإشارات ، مثل مد الشفة ، أو الشفتين ، وإخراج اللسان ، والرمز بالعين بإغضائها ، وغير ذلك من كل ما عده الناس احتقارًا واستهزاء.

من هذا يتبين أن بعض الاعتذارات لا ينبغي أن يقبل؛ لأن هذه الأشياء لا تأتي إلا ممن انشرح صدره لها ، ولو كان الإيمان قد وقر في قلبه لمنعه من التفوه بذلك لدى الناس ، ولكفه عما يضاده ويخالفه ، فإيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بمقتضاه؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [النور: 47] ، فنفى سبحانه وتعالى الإيمان عمن يتولى عن طاعة الرسول ... إلى آخر كلامه ـ رحمه الله ـ.

وفي هذا دليل على أن الإنسان قد يكفر ـ بكلمة يتكلم بها ، أو عمل يسيرٍ يعمله ـ وهو لا يشعر ، كما قال تعالى في آية أخرى: {...أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2] ، وفي الحديث: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا))[8]. أو كما قال صلى الله عليه وسلم . ومن أشد ذلك خطرًا إرادات القلوب ، فهي كالبحر الذي لا ساحل له.

وفي هذا دليل على الخوف من النفاق الأكبر ، فإن الله تعالى أثبت لهؤلاء إيمانًا قبل أن يقولوا ما قالوه ، كما قال ابن أبي مُليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه. نسأل الله العفو والعافية.

فعلى الإنسان الحذر من هذه الأقوال والأفعال القبيحة ، وليكف نفسه ولسانه عن الانطلاق في هذا الميدان ، فقد ورد في الحديث: ((وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم))[9]. اللهم عفوًا وغفرًا ، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا ورحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

( )












جميع الحقوق محفوظة للوزارة إلا لأغراض بحثية أو دعوية

ابوفالح الاثري السلفي
02-25-2008, 03:07 PM
جزاك الله خيرا وبارك فيك ياابااسامة .

ابواسامة
02-25-2008, 04:39 PM
بارك الله فيك واحسن الله اليك

12d8c7a34f47c2e9d3==