المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المستقبل لهذا الدين /الشيخ الجليل العلامة محمد أمان الجامي


كيف حالك ؟

قاسم علي
02-10-2008, 06:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

المستقبل لهذا الدين /الشيخ الجليل العلامة محمد أمان الجامي

لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله صلى الله على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
{ ياأيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران : الآية : 102 ) .
{ ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسآءَلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ( سورة النساء : الآية : 1 ) .
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (سورة الأحزاب : الآية : 71-72 ) .
أما بعد :
أيها الأخوة المسلمون أحييكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
فحديثي معكم كما سمعتم المستقبل لهذا الدين فنحمد الله الذي هدانا لهذا الدين وأكرمنا به فنسأله تعالى الثبات عليه حتى نلقاه وهو راض عنا .

أيها الأخوة إن جهل كثير من المسلمين حقيقة دينهم وخصائص إسلامهم وسعة شريعتهم وسماحتها وصلاحها دائما وأبدا وإنها إنما أنزلت للبقاء ما بقية الدنيا وأنها ليست بتصورات بشرية ولا نظريات ولكنها تنزيل من رب العالمين وقد جاء بها الرسول الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
إن جهل كثير من المسلمين لهذه الحقائق من دينهم جعلهم لقمة سائغة لكثير من الاتجاهات الفكرية وكثيرا من الحركات المستحدثة التي تطلق على نفسها أحيانا الحركات الإسلامية لتروج وتقبل لدى السذج من الناس ولقمة سائغة للمذاهب المادية التي غزة العالم الإسلامي فاجتالة كثير من المسلمين من المذاهب الغربية والشرقية واستولت على تفكير كثير من الكتاب المحدثين وخاصة في المجال الدستوري والاقتصادي فرأينا منهم من يقدس الغرب ومنهم من يقدس الشرق كما لعبت الأفكار العقلانية الملحدة والماسونية العالمية الخفية دورها في صفوف شبابنا حتى شوشت عليهم ونتج من ذلك كله أن زل كثير من الكتاب وبعض المثقفين المنتمين إلى العلم زلة أرتبك بسببها كثير من المثقفين وقد قيل قديما زلة العالِم زلة العالَم ومن زلات هؤلاء المثقفين : تفسير بعضهم الشورى في الإسلام بالديمقراطية الغربية أو بالبرلمان الغربي أو مجلس الشعب

تخبطات تنبئ عن الجهل وسوف نفصل القول في هذه النقطة إن شاء الله
ومن زلاتهم : زعمهم أو زعم بعضهم أن الإسلام لا يقر نظام الطبقيات المتفاوتة بل يدعو للقضاء على الطبقية وإلى توزيع الثروات بين الناس حتى لا يكون هناك تفاوت بين الناس في أرزاقهم فيعتبرون التفاوت في الأرزاق ظلما ، ولا تكون هناك في زعمهم طبقة غنية مع وجود مسكين ذي متربة حتى قال قائلهم : إن الإسلام صيحة في وجه الطبقية . هكذا زعموا وهكذا ألصقوا بالإسلام ما ليس منه جهلاً منهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا – وسوف نتحدث عن هاتين النقطتين حديثا نحاول فيه بيان براءة الإسلام من هاتين التهمتين - :
(1) اتهامه بأنه نظام ديمقراطي ،(2) واتهامه بأنه صيحة في وجه الطبقية

فلنبدأ بالأولى منهما مستعينين بالله وحده :

إن الحاكمية في الإسلام لله وحده وهذا ما يؤمن به كل مسلم واع لم تتغير فطرته بالأفكار الغربية أو الشرقية ؛ لأن توحيد الحاكمية : هو توحيد التشريع نفسه ، وهو نوع من توحيد العبادة ولا عبادة إلا لله إذا فلا حاكمية إلا لله وحده لا لفرد أو لحزب أو لشعب

ومن يمعن النظر في واقع الأمم اليوم يدرك دون شك أن معظم الويلات التي تعيشها الشعوب أو أكثرها مرجعها إلى إخضاع الحاكمية لتشريع بشري زمني واعتقاد صحة سلطة تشريعية بشرية مهما اختلفت ألقابها فالديمقراطيون مثلاً : يجعلون الحاكمية للشعب ويزعمون أن الشعب الناضج هو مصدر السلطات التشريعية منه وإليه يعود كل أمر من أمور التشريع ويرون أن ذلك هو العدالة لأن المجتمع صار يحكم نفسه بنفسه وهي العدالة التي يتغنى بها عشاق الغرب أو المؤمنون بهم .

وأما النظام الشيوعي : فإنه يرى العدالة في حاكمية الحزب الحاكم الذي بيده أو يجب أن يكون بيده زمام السلطة التشريعية وعلى جميع الناس أفرادا وجماعات أن يخضعوا لما يفرضه عليهم هذا الحزب الحاكم المتسلط بصرف النظر عن وجود الحزب المعارض أو عدم وجوده ؛ لأنه الحزب المختار المتميز وهو الذي يسن القوانين ويقدر العقوبات ويشرع التشريعات المختلفة إذ لا معقب لحكمه ويصدق على تصرف هذا الحزب وصلاحيته الواسعة قول القائل : إذا قالت حزان فصدقوها فإن القول ما قالت حزان

وأما النظام الدكتاتوري الغربي : وهو النظام العسكري في الغالب فالحاكمية فيه لذلك الضابط المتسلط مع مجموعة من زملائه وهم يشرعون كما يشاءون حسب ما تملي لهم أهوائهم في نوع من قمع واستفزاز مع ما لديهم من الجهل بالنظم العامة القوانين العالمية ولكنهم يحكمون بقوة السلاح فأصحاب هذه النظم الجاهلية يعتبرون في الحكم الإسلامي أو في المنهج الإسلامي أربابا من دون الله وهم المعبودون لشعوبهم وأتباعهم أدركوا ذلك أو لم يدركوا وذلك كله كفر بالله وبدينه
أي إن النظم الديمقراطية والحزبية الشيوعية والدكتاتورية العسكرية القمعية ليست من الإسلام في شيء بل هي كفر بدين الله .

وأما في المنهج الإسلامي فالحاكمية إنما هي لله وحده وهو سبحانه هو خالق هذا الكون وحده ومالكه وهو العليم الخبير مدبر شؤون عباده الحكم العدل وهو الصمد الذي يصمد إليه كل شيء السيد الكامل في سؤديه الغني الكامل في غناه بيده مقاليد السماوات والأرض فلا يجوز أن يعتقد وجود العدل إلا في حكمه سبحانه اعني العدل الكامل لأن المخلوق ناقص بل النقص والفقر والعجز والظلم صفات ذاتية في المخلوق { إنَّ الإنَسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} ( سورة إبراهيم : الآية : 34 ) فأين يقع منه العدل الكامل مع اجتماع تلك الصفات ألازمة له . وقد يكمل الله بعض عباده كالأنبياء الكمال النسبي فيحصل منه العدل الكامل الكمال النسبي أيضا . وأما الكمال المطلق من كل وجه فإنما هو لله وحده
وبعد هذا ما يقرره قرآن الإسلام وهو الذي يجب أن يكون دستور المسلمين ومنظم حياتهم ومصدر أحكامهم وحده إذ يقول الله عز من قائل { إِنِ الحُكْمُ إلا للهِ } (سورة الأنعام : الآية : 57 ، و سورة يوسف : الآيتان : 40،67 )
{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ } ( سورة الشورى : الآية : 10 ) { إِنَّآ أنزَلنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَآ أَرَاك الله } ( سورة النساء : الآية : 105 ) { قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لله } ( سورة آل عمران : الآية : 154 ) فالحكم لله العلي الكبير وهو خير الحاكمين { وَ مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئكَ هُمُ الْكافِرُونَ } ( سورة المائدة : الآية : 44 ) هذا هو المنهج الإسلامي يحتم إفراد الله تعالى بالحاكمية والعبادة كما أنفرد سبحانه بالربوبية فتنحصر العدالة في شرع الله وحدها دونما سواها من النظم التشريعية البشرية ويكون الإسلام منهجاً متميزا في خصائصه فلا شيء ينافسه البتة لأنه منهج رباني منزل غير وضعي فلا يتهم بمحاباة أو بتممييز أو تحكم أو سطوة أو نقص وعيب وجميع عباد الله أمام شرعه العادل سواء فلنسمع مرة أخرى قول الله عز وجل : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . (سورة المائدة : الآية : 50 )
{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ } . ( سورة المائدة : الآية : 8 ) فهذه العدالة التي تحدث عنها القرآن بإسهاب كما رأيتم تجسدها قصة المرأة المخزومية المشهورة التي سرقت وعظم أمرها عند قومها لما لها من شرف عظيم عندهم فأرادوا إسقاط الحد عنها فقالوا من يكلم فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعله يضع عنها الحكم فلم يجدوا من يجرؤ على ذلك إلا أسامة بن زيد حب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما كلم أسامة رسول الله عليه الصلاة والسلام كان الجواب خلاف المتوقع إذ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو غاضب : " أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة " غضب شديد من رسول كريم وحليم الذي لا يغضب إلا لله واستفهام إنكاري شديد اللهجة ومثير ووقع أسامة في حيرة من أمره وفي ندم شديد ثم تبع ذلك أن خطب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الناس فقال : " يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " ( أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان رقم (6788) .

وهذه القصة لنموذج حي لمن يريد أن يتصور معنى العدالة في الإسلام وأنا لتلك المصطلحات البشرية شرقية أو غربية ما يقرب من هذه العدالة الإسلامية بل من الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه تسمية الديمقراطية الغربية عدالة

ومن الأخطاء المنتشرة بين المثقفين في هذه الأيام التي نريد أن نحاصرها قبل أن يستفحل دائها أكثر فأكثر توهم كثير من المثقفين أن الشورى في الإسلام المطلوبة ، أن الشورى المطلوبة في الإسلام هي تلك الديمقراطية الغربية ، وفي الواقع هما أمران متباينان ولا يلتقيان أبدا كالنور والظلام أو الليل والنهار لأن الديمقراطية لفظة أجنبية معناها : حكم الشعب أي أن الشعب هو الذي يسن القوانين لنفسه ويشرع التشريعات المناسبة له غير ملتفت لشرع الله بحيث يكون الشعب نفسه هو السلطة التشريعية وهو الإله المعبود ويتم ذلك بواسطة نواب البرلمان الممثلين للشعب .

وأما الشورى في الإسلام : فقد جعلها الله من صفات المؤمنين إذ يقول الله تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } ( سورة الشورى : الآية 38) بل قد أمر الله نبيه محمدا – صلى الله عليه وسلم – بها بقوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْكُنتَ فَظَّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الأمْرِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِلِينَ } . ( سورة آل عمران : الآية : 159 )
فحقيقة الشورى إبداء الرأي للمنصوح بطلب أو بدون طلب وهي غير ملزمة بالاتفاق – سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى قريبا –

ومن الأخطاء الجسيمة التي يجب التنبيه عليها : وقوع كثير من شبابنا في سوء الظن بالحكم القائم عندنا في هذا البلد الإسلامي حيث ظنوا بأنه حكم دكتاتوري يجب أن يتحول إلى حكم ديمقراطي كمستغيث بالرمضاء من النار بناء على إيحاء بعض قادة الحركات الإسلامية أي التي تطلق على نفسها الحركات الإسلامية والإسلام بريء من تصرفاتهم وهؤلاء الحركيون بفصائلهم المختلفة ينقسمون إلى قسمين :

(1) قسم جاهل يجهل حقيقة الديمقراطية وحقيقة الدكتاتورية معا وهذه هي الصفة الغالبة على قادة الجماعات لقلة دراستهم في الفقه الإسلامي ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) وهذا القسم لعله يعذر بجهله فيقال له تعلم أولاً العلم قبل القول والعمل ويقال له تصور قبل الحكم لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره ولا تهرف مالا تعرف .

(2) وهناك قسم آخر : قد يكون لديهم علم ومعرفة ويفرقون بين الحق والباطل ولكن يحملهم على هذا التضليل قلة النصح للناس بل سوء الظن أو سوء القصد كما يظهر جليل من تصرفاتهم والله المستعان

وهؤلاء يقال لهم لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون لأنهم يعلمون إن هذا المجتمع السعودي إنما يحكمه الإسلام ولا شيء غير الإسلام لا الديمقراطية ولا الدكتاتورية ولا الحزبية هذا ما تمتاز به هذه المملكة العربية السعودية الإسلامية ولله الحمد والمنة بل من ميزة هذا المجتمع السعودي أنه كله حزب واحد . فأي حزب يا ترى ؟ أهو الحزب الحاكم ؟ لا . إنما هو حزب محكوم أجل حزب محكوم تحكمه شريعة الله التي أنزلها في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أجل حزب ينفذ شرع الله ولا يشرع من عند نفسه شيء فمليك هذا البلد وأعوانه من وزراءه وأمراءه وعلماءه وقضاته وضباطه وجميع رجال حكومته كلهم حزب واحد وهم سلطة تنفيذية وليسوا بسلطة تشريعية ولا يوجد عندنا ولا يجوز شرعا أن يوجد عندنا سلطة تشريعية بل الشريعة التي تحكمنا هي شريعة الله كما أسلفنا ونحمد الله على ذلك الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله فنسأل الله المزيد من فضله سبحانه .

ثم إن هذا المجتمع كما آمن بشريعة الله تعالى واكتفى بها بل استغنى بها فإنه يكفر بأي تشريع آخر يكفر بالتشريع الديمقراطي وبالتشريع الدكتاتوري وبالتشريع الحزبي الشيوعي فلا يؤمن بشيء مغاير للإسلام إذ لا يصح الإيمان بالله تعالى وبشريعة الله إلا بالكفر بكل ما سواها من التشريعات المشار إليها وغيرها تطبيقا لقوله تعالى : { فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللهِ فَقَدِ استَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيم } . ( سورة البقرة : الآية : 256 ) { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . (سورة المائدة : الآية : 50 ) هما حكمان اثنان لا ثالث لهما (1) حكم الله (2) وحكم الجاهلية .

عليك أن ترضى وتختار أحدهما : إما حكم الله وهو في كتاب الله أو حكم الجاهلية وهو ما يخالف كتاب الله بل يحق لنا أن نعلن هنا بكل صراحة تحدثا بنعمة الله سبحانه إن هذا المجتمع قد رفع التوحيد هامته فلا يخضع لأي تشريع يتنافى والتوحيد فلا شك أن الخضوع للتشريعات البشرية أين كان نوعها يتنافى والتوحيد إذ لا حاكمية إلا لله فإذا فلا ديمقراطية ولا دكتاتورية ولا حزبية بل فإنه لا إله إلا هو ولا رب سواه ولا مشرع غيره ولا شرع غير شرع الله سبحانه هذا هو ديننا الذي ندين الله به وندعو إليه ونصبر على الأذى فيه لا لبس فيه ولا غموض ولله الحمد والمنة فنسأل الله تعالى المزيد من فضله .

أخطاء الحركيين :

ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المثقفين وبعض الكتاب المحدثين قولهم : إن المسلمين يعيشون اليوم في غياب الإسلام . يتهمون الإسلام بأنه غائب وفي الواقع إن الإسلام لم يغب قط ولن يغيب أبدا فمنذ أن بزغ فجر الإسلام وطلعت شمسه لم تغب شمسه بل الذي وقع بالفعل إن هؤلاء الكتاب هم الذين غابوا عن الإسلام لأنهم لم يدرسوا الإسلام ولم يتعلموا الشريعة الإسلامية بل إنهم لم يدرسوا العقيدة الإسلامية التي هي أساس الإسلام فمن لم يدرس الإسلام ولم يتعلم شريعته ولم يحي قلبه بعقيدته يعتبر غائب عن الإسلام ومعرض عنه لأن الإسلام دين الله الخالد الباقي أنزله الله تعالى ليبقى لا ليذهب أو يغيب يبقى ما بقيت الدنيا ولن يغيب أبدا بل هو ظاهر ومهيمن على جميع الأديان ومسيطر على جميع الملل لقوله تعالى في شأن رسوله ودينه الذي جاء به { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الّدِينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } . ( سورة الصف : الآية : 9 ) نعم وتصديقا لخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام : " لا تزال طائفة من أمتي منصورة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " ( متفق عليه )
فهذه الطائفة المنصورة هي التي تمثل المسلمين المتمسكين بالإسلام بمفهومه الصحيح في عقيدته وشريعته بل حتى في سياسته السلمية والحربية لأن السياسة الشرعية باب من أبواب الفقه الإسلامي وقد تعد السياسة الشرعية من العقيدة من بعض الحيثيات .

من حيث توحيد التشريع أو توحيد الحاكمية وهما بمعنى واحد

فالقول بأن الإسلام قد غاب يساوي بأنه رفع فهذا اتهام خطير مع أنه خلاف الواقع فمثل هؤلاء كمثل المرأة العوراء التي أقبلت على جارتها السليمة العينين في الصباح الباكر وهي جالسة تحت ظل خيمتها فقالت لها عمي صباحا يا عوراء . فكان جواب جارتها رمتني بدائها وانسلت
نعم إن الإسلام لم يغب ولن يغيب فالغياب الذي يكرره الكتاب المحدثون في كتاباتهم ومحاضراتهم إنما هو صفة لهم وليس صفة للإسلام فلينتبه لذلك اعني إنهم لهم الغائبون فليرجوا إلى الإسلام فليدرسوه دراسة فاحصة فليصححوا مفهومهم من جديد بل وليحسنوا علاقاتهم بإسلامهم العظيم فشجرة الإسلام غرسها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيده بإذن ربه غرسها في هذه الجزيرة العربية التي هي منبع النور ومنطلق الإسلام فارتفعت الشجرة وعلت ثم أرسلت أغصانها في الأفاق فجعلت الناس تجني ثمارها في كل الأقطار والقارات وقد تعتري هذه الشجرة أحيانا عواصف هوج تؤثر في وضعها وفي محصولها وعطائها فيقيض الله عند ذلك من يشاء من عباده ليسقيها ويتعهدها حتى تعود كما كانت أو أحسن مما كانت أحيانا ذلك هو التجديد الموعود به " إن الله يبعث لهذه الأمة على كل رأس مئة سنة من يجدد لها دينها " ففي المائة الثانية في عهد العباسيين تعرض الإسلام لفتنة عمياء وحنة صماء حتى تبنى الخليفة السابع من خلفاء بني العباس المأمون بن هارون الرشيد تبنا عقيدة المعتزلة وحاول أن يحمل عليها الناس قصرا والعقيدة لا تأتي قصرا مستغل سلطانه القوي ولكنه هلك قبل أن يتم له ما أراد بيد أن محنة القول بخلق القرآن ونفي الصفات أصبح من سياسة الدولة العباسية بعده حيث تولى امتحان المسلمين وعلماء المسلمين وقضاتهم الخليفة الثامن المعتصم بالله ثم الواثق بالله . ......
وقد غاب الناس عن حقيقة الإسلام عقيدة وشريعة في تلك الفترة ظهر فجأة في دمشق البطل المظلوم مجدد القرن السابع أحمد بن تيمية الحراني فصدع بالحق وانتصر لمنهج السلف الصالح واستعذب كل مر وتحمل كل ضر في سبيل إظهار منهج السلف والدعوة إليه ونشر علم السلف بين الناس تدريسا وتأليفا وفتوى فرمته كل الفرق والطوائف من قوس واحد فنازل الجهمية والمعتزلة والقدرية والجبرية والاشعرية الكلابية و الماترودية وناظرهم فأفحمهم ولذلك كثر أعدائه والمشنعون عليه وعلى الرغم من كل ما لاقاه من أعدائه قد ثبته الله على المنهج وجدد به الأمة في دينها عقيدة وشريعة وهو أمر معروف عند طلاب العلم فلست بحاجة إلى الشرح والبيان وأخيرا ففي القرن الثاني عشر بل قبله خيم الجهل بالإسلام عقيدة وشريعة على جميع أقطار المسلمين بما في ذلك الجزيرة العربية التي هي منبع النور ومنطلق الإسلام كما أسلفنا حتى أظلمت الجزيرة كغيرها وعمت الوثنية بأنواعها وجهل التوحيد حتى فسرت كلمة الإخلاص بتوحيد الربوبية الذي لم يجهله أبو جهل وأمثاله ووسط هذا الظلام المخيف أيد الله من أراد أن يكرمه ليقوم بمهمة تجديد الدين إذ تحرك شاب غيور من قلب نجد الإمام محمد بن عبد الوهاب فتطوف في البلدان المجاورة لطلب العلم ولدراسة أوضاع المسلمين الدينية والذي يبدو من هذا الشاب ومما ذكر من بعض من ترجم له أنه لم يقم بتلك الجولة العلمية والاستطلاعية الواسعة إلا بعد أن أطلع على كتب الإمامين الجليلين الإمام أحمد بن تيمية والإمام ابن القيم وأفاد منها لذلك رأيناه يسلك مسلك الإمامين في دعوته الصريحة القوية التي لا تداهن ولا تجاري فعمد الداعية إلى تلك الشجرة فسقاها وتعهدها حتى انتعشت وأورقت وأرسلت أغصانها في الأفاق من جديد فوصلت أغصانها حيث لم تصل من قبل بل ولا يظن أنها تصل إنها وصلت اليوم جميع القارات وهي تؤتي أكلها بكل سخاء حتى عم خيرها ونفعها العالم كله دون استثناء فلا تزال تؤتي كلها بإذن ربها وتجني الناس ثمارها فهي ثابتة غير قابلة للغياب فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وهنا أمر مهم جدا ينبغي أن يفطن له شبابنا والمهتمون بالدعوة الإسلامية إذ ثبت بالتجربة أن الحق لا يظهر ولا ينتشر بين الناس ليثبت في الأرض فيتبعه الناس إلا برجلين اثنين :

أحدهما : داعية شجاع يصدع بالحق ويجهر به
وثانيهما : مؤازر قوي شجاع صادق في مؤازرته يتبنى الدفاع عن الحق بل الدعوة إليه مهما كلفه ذلك ولا تأخذه في ذلك لومت لائم فإذا أنعمنا النظر في تجديد الأئمة الثلاثة المشاهير :
الإمام أحمد بن حنبل
والإمام أحمد بن تيمية
والإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله
نجد أنه لم يقيض لتجديد الإمام أحمد ولا لتجديد الإمام أحمد بن تيمية أيضا لم يقيض لهما مؤازرا كالذي قيض لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب
أما الإمام أحمد لقد كان خصمه هو الخليفة المأمون نفسه كما أسلفنا فلما هلك المأمون تبنا الدعوة إلى القول بخلق القرآن ونفي الصفات وتعذيب الإمام لرفضه عقيدة الاعتزال وثبوته على عقيدة السلف تبنا الخليفة الثامن المعتصم بالله وهو الذي تولى تعذيب الإمام أحمد ثم الواثق بالله ولم ترفع المحنة إلا في عصر المتوكل على الله الخليفة العاشر من خلفاء بني العباس
طول وقته يدعو وحده ويدافع وحده ويعذب وحده في سبيل الدعوة السلفية والثبات عليها رحمه الله ورضي عنه فضلا من أن يكون له مؤازر
وأما الإمام ابن تيمية وإن كان له قبول عظيم في أوساط عوام المسلمين لما عرف عنه من نصحه وتعليم الناس العلم وله هيبة وتقدير لدى السلاطين لما عرف عنه من بذل النصح والتحريض على الجهاد في سبيل الله في أيام التتار ولكن علماء السوء ضاقوا منه صدرا واتفقوا على عداوته ومقاومة دعوته السلفية مما جعله وحيد وقته مثل إمامه دون وجود مؤازرا لدعوته ولذلك لم يستفد من دعوتهما وتجديدهما وإنتاجهما في وقتهما على الوجه المطلوب بل هجرت مؤلفاتهما بل هاجرت بعضها إلى خارج بلاد المسلمين ولم تظهر لتطبع وتنتشر بين الناس إلا في عهد التجديد الثالث المبارك تجديد الإمام محمد بن عبد الوهاب الذي توافر له الأمران المذكوران

داعية يصدع بالحق ويجهر به وهو الإمام المجدد نفسه
ومؤازر شجاع قوي صادق وهو الإمام محمد بن سعود

هذه سنة الله في المصلحين دائما وأبدا سنة الله { سُنَّةَ اللهِ فيِ الَّذيِنَ خَلَوا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً } . ( سورة الأحزاب : الآية : 62 )
ويشهد لهذه الحقيقة التي أشرنا إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بداية دعوته يعرض نفسه على القبائل فيطلب من يحميه حتى يؤدي رسالة ربه وقد قيض الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من يحميه ويحمي دعوته ويؤازره حتى من بعض من لم يؤمن برسالته مثل عمه أبي طالب وقد كان أبو طالب ينافح ويدافع عنه صلى الله عليه وسلم وهو لم يؤمن بدينه ولكن بحكم المحبة الذاتية القرابية ويقول أبو طالب في ذلك :

ولقد علمت بأن دين محمدا **** من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذارى مسبة **** لوجدتني سمحا بذاك مدينا (1)

وبالمناسبة * هذا يؤكد لنا أن الإيمان أمر زائد على المعرفة وهو المذهب الحق * وكل الذي نريد توكيده أن قالت الحركيين أو بعضهم إن المسلمين يعيشون في غياب الإسلام ليلبسوا على الناس أمر دينهم وليوهموهم بأن ما نحن عليه ليس هو الإسلام إن هذه ..... وهذا التصرف خطأ محض بل تصرف خطير وعلى قائليه أن يرجعوا إلى رشدهم فنحن نعلن هنا بأن ما نحن عليه هو الإسلام نفسه بل لا إسلام غير هذا الذي نحن عليه ولا نعترف بأي مفهوم غير هذا المفهوم الذي نحن عليه لأنه هو الحق وحده ونحن على يقين في ذلك ويجب أن نكون على يقين في ذلك مع اعترافنا بتقصيرنا في العمل والتطبيق إذ لا ندعي الكمال ولا ندعي أن إيماننا كإيمان أبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ولكننا نرجو أن نكون من الذين اتبعوهم بإحسان لأننا ولله الحمد والمنة على منهجهم لم نغير ولم نبدل وإن كنا دونهم بكثير وبكثير عملاً وتطبيقا وقوة إيمان وهذا أمر معلوم لدى طلاب العلم فنحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله فليثبت شبابنا على دينهم الحق عقيدة وشريعة فليحمد الله على هذا التوفيق مع طلب المزيد من فضله سبحانه ومع الاعتراف بالتقصير كما قلنا ولا يجوز لهم أن يصغوا لتلبيس الملبسين *حقيقة الشورى في الإسلام : *

لقد كثر الكلام في هذه الآونة الأخيرة في الشورى في الإسلام وهي في حقيقتها لا تعدوا أن تكون بذل النصح للمنصوح بطلب أو بدون طلب وهي أمر مشروع في الإسلام ولا يختلف اثنان في مشروعية الشورى لأن الله سبحانه جعلها من صفات المؤمنين بل قد حث عليها القرآن حيث قال الله تعالى في تعداد كثير من صفات المؤمنين : { فَمَآ أُوتِيتُم من شَيء فَمَتَاعُ الحياةِ الدُّنيَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَبقى للذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبهِم يَتَوَكَّلُونَ * وَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائرَ الإثْمِ وَالفَوَاحِشَ وَإذا مَا غَضِبُوا هُم يَغْفِرُونَ * وَالذِينَ استَجَابُوا لِرَبهِم وَأقَاموا الصلاةَ وَأمرُهُم شُورَى بَينَهُم وَمما رَزَقناهُم يُنفقُونَ * والذين إذا أصابهمُ البغيُ هُم يَنتَصِرُونَ } ( سورة الشورى : الآيات : 36،37، 38 ،39 ) هذه مجموعة من صفات المؤمنين يعرضها القرآن الكريم حاثا عليها تتوسطها الشورى لأن المؤمن من دأبه أن يكون متواضعا غير متكبر فلا يمنعه التكبر من الاستشارة كما ينبغي أن يكون متأنيا في تصرفاته متزنا ومتريثا وذلك يعني ألا يقدم على عمل ما إلا على بصيرة والشورى هي السبيل إلى ذلك في الأمور الغامضة غير الواضحة لذلك ينبغي لولي الأمر بخاصة ولجميع المسئولين والعاملين بعامة الإكثار من الشورى في موضع الاستشارة الذي سبقت الإشارة إليه ويستشير في كل أمر أهل الاختصاص ففي المسائل الفقهية المتجددة التي تتطلب قياس العلة لإلحاق الفرع بالأصل للعلة لمعرفة حكم الله فيها يستشار الفقهاء وأهل العلم بالشريعة .

وفي الأمور الحربية العسكرية المعقدة يستشار الخبراء العسكريون المجربون وهكذا دواليك وبذلك يتم التعاون بين ولي الأمر ورعيته ولكن الذي نلحظه في هذه الأيام أنه كثر اللغط واختلط الأمر على بعض الكتاب المعاصرين بتأثير من النظم الدستورية الحديثة من غربية وشرقية حتى جهلوا حقيقة الشورى في الإسلام فأخذوا يفسرون الشورى بما يشبه الديمقراطية أو بها نفسها إذ كثيرا ما نسمع أو نقرأ لهم وهم يقولون الديمقراطية الإسلامية فالديمقراطية نظام أجنبي لفظا ومعنى فالإسلام أسمى وأرفع من أن تفسر عدالته بالديمقراطية لأن الإسلام رسالة الله العادلة الباقية والديمقراطية حكم البشر لأنها حكم الشعب الناضج الذي يحكم نفسه بنفسه كما يقولون بواسطة نواب البرلمان الذين يسنون القوانين ويشرعون التشريعات ويضعون العقوبات على حسب رغبة الشعب دون التفات إلى شرع الله العليم الحكيم وهم موظفون لدى الشعب ولكن دون أن يلتفتوا إلى شرع الله العليم الحكيم الذي أنزل شعره في كتابه على رسوله وأمينه على وحيه وأمره أن يحكم بين الناس بما أنزل الله .

فالإيمان بهذا النظام يتنافى والإيمان بالله وبرسوله وكتابه وقد تورقت في الإيمان بهذا النظام الغربي الجائر والعمل به بل والدعوة إليه بعض الجهات مع دعوى الإسلام تقليد للغرب وإذا كان الغرب أو الشعوب الغربية اتخذت رجال البرلمان أربابا من دون الله يحللون لهم ويحرمون عليهم فيتبعونهم في ذلك فتلك عبادتهم دون الرجوع لتحليل الله وتحريمه لكونهم لا يؤمنون بحاكمية الله تعالى وحده فهل يسوغ للمسلمين تقليد الغرب في هذا النوع من الكفر باتخاذ مصدر آخر للتشريع غير شريعة الله عز وجل ؟

وهذا يعني عدم الرضا بشرع الله وحكمه أو عدم الاقتناع بعدالة الإسلام وهو موقف في غاية الخطورة يقول الله تعالى مخاطب لرسوله عليه الصلاة والسلام ومبينا لحقيقة الإيمان بالحاكمية : { فلا وَرَبِك لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكَمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فَي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً ممَّا قَضَيْتَ وَيُسَلَمُوا تَسْلِيماَ } ( سورة النساء : الآية : 65 ) { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } . (سورة المائدة : الآية : 50 )

فعلى أولئك الذين يفسرون الشورى في الإسلام بهذا النظام الغربي الكافر أن يصححوا معلوماتهم بل عليهم أن يصححوا إيمانهم لأن الدعوة إلى البرلمان دعوة إلى اتخاذ أربابا من دون الله - كما أسلفنا – وإن كانوا يريدون أن الغرض من الشورى إيجاد هيئة أو سلطة منظمة برئيسها وأعضائها ولها استقلالها في تصرفاتها في الشؤون الداخلية والخارجية كما يزعمون وليس لسلطة الدولة أن تؤثر فيها في تخطيطها وتنظيمها فهذه دعوة إلى إيجاد حكومة داخل حكومة ولا نعلم لهذه الحكومة الداخلية مثيلاً أو نظيرا في التاريخ الإسلامي بيد أننا لا ننكر لو أن جهة من الجهات اتخذت مجلسا للشورى يعطى صلاحية محدودة ليقدم للسلطة آراء بناءة ومدروسة ويكون للمجلس رئيسه وأعضائه ويقدم آراء غير ملزمة بطلب أو بدون طلب من ولي الأمر لا ننكر هذا التنظيم لأنه يعد من المصالح المرسلة المعروفة عند أهل العلم وإن كانت آراء المجلس غير ملزمة قطعا كما كررنا بل الحاكم في المنهج الإسلامي فرد واحد
الحاكم في المنهج الإسلامي فرد واحد يبايع ويطاع مالم يأمر بمعصية الله تعالى هذا ما تدل عليه نصوص الكتاب والسنة ودرج عليه سلف هذه الأمة والمسألة معروفة في موضعها في كتب الفقه والسنة .
وأما الذين يتصورون أن الحكم في الإسلام يجب أن يصدر حكما جماعيا فتصورهم خطأ محض أعود فأقول إن الذين يتصورون أن الحكم في الإسلام يجب أن يصدر حكما جماعيا فتصورهم خطأ محض فلا يجدون دليلاً على تصورهم هذا لا من كتاب ولا من سنة أو من آثار سلفنا الصالح وهم الناس الذين يتأسى بهم ويستأنس بآثارهم فما كان كذلك فهو مرفوض فهذا التصور مرفوض إذا بل الإسلام يحث على وحدة الأمة ويجنب أسباب الفرقة والتشتت لذلك يمنع تعدد ولاة الأمور في وقت واحد بل فرد واحد يبايع فيطاع – كما أسلفنا – بل يضرب الإسلام بيد من حديد من ينافس ولي الأمر القائم في بيعته إذ يقول رسول الهدى ونبي الرحمة عليه الصلاة والسلام : ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )
والذي يسهل عليك أيها الطالب فهم ما أقوله إنما ... إصدار الحكم في الإسلام أو في المنهج الإسلامي هو إصدار تنفيذ لا إصدار تشريع وقد أوضحت هذا المعنى في هذه المحاضرة نفسها في عدة مواضع ولكن الذي جعلني أكرر القول فيه خشية أن يتساءل بعض المخدوعين أن حكم الحاكم المسلم الذي تحدثت عنه إذا كان حكما فرديا فما الفرق بين حكمه الفردي وبين حكم ما يسمى بالدكتاتورية الفرية وقد تحدثت عنها سابقا في معرض الذم انتبه ؟

الجواب :


إن الحكم الدكتاتوري الفردي والحكم العسكري غالبا حكم بشري وضعي يشرعه حاكم عسكري مع مجموعة من زملائه يشرعه من عند نفسه بهواه ويستخدم في التشريع والتنفيذ قوة السلاح وهو جاهل كما قلنا بالأحكام وهو جاهل بالقوانين العامة العالمية وإنما يعتمد على القمع والبطش هذه حقيقة الحكم الدكتاتوري فلا علاقة له بالإسلام
وأما الحاكم المسلم فلا يشرع أي تشريع أبدا وإنما هو منفذ لشرع الله وأحكامه - كما أسلفنا غير مرة – بعد الاستشارة إن دعة الحاجة إلى الاستشارة وإلا فبدون استشارة وربما يضطر الحاكم المسلم إلى رفض آراء المستشارين في مواقف طارئة - كما سنوضح ذلك – إذا فإن الحكمين لا يتشابهان ولا يتجانسان بل هما متباينان كما شرحنا فالحاكم المسلم عبد الله منفذ لشرعه واقف عند أحكامه دون أفتيات على الله

بينما الحاكم القانوني الوضعي متبع لهواه وهو معرض عن أحكام ربه بل كاره لها غير خاضع لها ففرق بين العبد الآبق العاصي وبين العبد المؤمن المطيع وإن كان مقصرا في طاعته نوعا ما ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن العبيد أمام مولاهم وسيدهم ثلاثة :

1-عبد مطيع لمولاه محب له بل متفان في محبته وطاعته غير مقصر في امتثال أوامره ونواهيه ولا يكاد يفتات عليه فهذا هو العبد الكامل النسبي البشري وهو المؤمن القوي وهو خير العبيد .
2-عبد محب لمولاه مطيع له طاعة صادقة مقبل عليه واقف عند أوامره ولا يحاول الخروج عليه ولكنه ضعيف عند الأداء قليل الامتثال كثير العثرات مع الاعتراف بالتقصير والندم الكثير وهو المؤمن الضعيف ولا يخلوا من خير . المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير
3-عبد آبق عاص معرض عن مولاه لا محبة ولا طاعة بل هو خارج على مولاه فهذا شر العبيد وهو محل سخط مولاه وغضبه مالم يتب

أما المؤمن القوي ،والمؤمن الضعيف ففي كل واحد منهما خير مع التفاوت بينهما كما علمت ومما يخفف على المؤمن الضعيف ويجبر كسره أنه حصل له شرف المشاركة مع المؤمن القوي في حصول الخير له في الجملة وهو أمر لا يستهان به إذ عنده أصل المحبة والطاعة وعدم الخروج على سيده ومولاه مع الضعف المشار إليه وحاله ما يشبه إلى حد ما حال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وحال التابعين لهم بإحسان إذ يحصل لكل من الصنفين من رضا الله تعالى وما وعد به من جنته مع تفاوت درجاتهم إذ يقول الله تعالى : {وَالسابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحَسانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداَ ذَلِك الفَوْزُ العَظِيمُ } ( سورة التوبة : الآية : 100 ) فينبغي للعاقل أن يحسن علاقته بربه ومولاه وولي نعمته بتحقيق عبوديته لله عز وجل بحيث لا يخرج على شرعه إلى تشريع مغاير لشرعه ولا يسلك غير منهجه الذي أنزله في كتابه ليبقى في عداد عباده المطيعين ... ولا يلحق بالآبقين المعرضين عن دينه وشريعته المتبعين لشرع غيره خشية أن يدخل في عموم قوله تعالى : { أَمْ لَهُم شُرَكَآؤُا شَرَعُوا لهُم منَ الدينِ مَالَمْ يَأذَن بِهِ اللهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصْلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَبُ ألِيمٌ } ( سورة الشورى : الآية : 21 ) .

*مواقف حازمة في التاريخ تدل على أن الشورى غير ملزمة *

إذا تبينا مما أسلفنا أن الشورى من صفات المؤمنين التي حث عليها القرآن الكريم بقي أن نعرف هل الشورى ملزمة أم لا ؟ وقبل أن نستعرض تلك المواقف الحازمة التي أشرنا إليها فإننا نجد في آية آل عمران ما يدل على أن الشورى غير ملزمة بل يجوز لولي الأمر أن يعرض عن الشورى أعراضا ويبت في الأمر أحيانا متوكلا على الله وحده إذ يقول الله تعالى مخاطبا لرسوله الأمين : { ِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِلِينَ } . ( سورة آل عمران : الآية : 159 ) فالآية صريحة في أن ولي الأمر إذا حصل لديه عزم على تنفيذ أمر ما لكونه واضح لا غموض فيه أو كان المقام مقام يتطلب الحزم والبت لخطورته ولديه قناعة كاملة بأن ذلك في صالح المجتمع المسلم فعليه أن يبت في الأمر وحده بحزم وثبات متوكلاً على الله ومعتمدا عليه في نجاح الأسباب دون استشارة بل دون قبول لقول المستشار لقدم رأيه ونصحه دون طلب من ولي الأمر وعلى هذا تدل المواقف الحازمة الآتية :
الموقف الأول :

موقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية يحدثنا الحافظ ابن كثير عن واقعة من وقائع صلح الحديبية إذ يقول : فلما انتهى سهيل ابن عمرو – أي مندوب قريش في المفاوضة – إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تكلم وأطال الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما ألتئم الأمر ولم يبقى إلا الكتابة وثب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر أليس هو برسول الله – عليه الصلاة والسلام – ؟
قال : بلى .
قال : ألسنا بالمسلمين ؟
قال : بلى .
قال : أليسوا بالمشركين ؟
قال : بلى .
قال : فعلا نعطى الدنية في ديننا .
قال أبو بكر : يا عمر ألزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله .
قال عمر : إني أشهد أنه رسول الله
ثم أتى عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقال : ألست برسول الله ؟
قال : ( بلى )
قال : ألسنا بالمسلمين ؟
قال : ( بلى )
قال : أليسوا بالمشركين ؟
قال : ( بلى )
قال : فعلام نعطى الدنية في ديننا .
قال : ( أنا عبد الله ورسوله لن أخالفه ولن يضيعني ) . أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشرط في الجهاد رقم (2731-2732)
وأنت تلحظ معي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرفض طلب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي يتضمنه تساؤله الكثير وهو عدم قبول شروط قريش القاسية التي قدمها سهيل ابن عمرو مندوب قريش ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قبل تلك الشروط مع شدتها متوكل على الله وحده ونفذ الصلح .
الموقف الثاني :
من المواقف الحازمة التي تدل على أن الشورى غير ملزمة موقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في غزوة الفتح حيث لم يعلن الرسول – صلى الله عليه وسلم - عنها لأصحابه بل أخفى خبرها عنه جميعا فضلا من أن يستشيرهم في أمرها ولم يعلم أمر الغزو وسببها من الصحابة غير أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – لأن الموقف يتطلب الكتمان والتحفظ الشديد ، وهذا الموقف يدل كالذي قبله على أن الشورى لا يجريها ولي الأمر في جميع الأمور بل عند الحاجة إليها وعندما يكون الموقف عاديا
أما عند عدم الحاجة أو عندما يكون الموقف حازما يتطلب الكتمان أو البت دون استشارة لأحد فعليه أن يتوكل على الله ويبت في الأمر مستعينا بالله وحده .
وقد يقول قائل : هذا رسول الله – عليه الصلاة والسلام – قد يأتيه وحي خفي فيعمل بموجبه فلا يقاس عليه غيره ممن لا يوحى إليهم من ولاة الأمور هذا السؤال وارد فلذلك فسوف لا نقف عند هذا الموقف النبوي الكريم كثيرا بل ننتقل لننقل بعض تلك المواقف الحازمة التاريخية لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وهي من أقوى الأدلة على أن الشورى غير ملزمة فنختار منها موقفين اثنين فنقتصر عليهما رغبة في الإيجاز :
الموقف الأول :
تنفيذه رضي الله عنه جيش أسامة إلى الروم والقصة معروفة لدى طلاب العلم والذي يهمنا منها أن الصحابة طلبوا من أبي بكر تأخير تنفيذ جيش أسامة لخطورة الموقف لأن المدينة النبوية أصبحت بعد وفاة النبي في وضع خطير جدا إذ ارتدت بعض قبائل العرب حول المدينة وفي بعض الجهات الأخرى كما منعت بعض القبائل الزكاة فصارت المدينة مهددة من داخل الجزيرة وخارجها فألح الصحابة بطلب تأخير تنفيذ الجيش حتى يتحسن الوضع الأمني الداخلي فأصر أبو بكر على التنفيذ واستخدم عبارات تدل على شدة
إصراره دون مبالاة بآراء المستشارين من الصحابة بل رافض لها فسمعت منه العبارات التالية :
أولا / والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت جيش أسامة .
ثانياَ / ولو لم يبقى في القرى غيري لأنفذت جيش أسامة .
ثالثاَ/ والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة .
رابعاَ / وهي من أصعب العبارات ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأنفذت جيش أسامة .
وبهذه العبارات الحارة دلل أبو بكر على رفضه لآراء المستشارين وإصراره على البت في الأمر الذي عزم عليه متأولا قوله تعالى : { ِ فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِلِينَ } . ( سورة آل عمران : الآية : 159 ) فدلالة هذا الموقف الشجاع الحازم من أبي بكر الصديق على أن الشورى غير ملزمة فأمر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح حوله كبشان - كما يقولون – فنفذ أبو بكر جيش أسامة والصحابة غير موافقين على ذلك ولكن الله العليم الحكيم جعل في تنفيذ ذلك الجيش خيرا وبركة للأمة إذ تذكر بعض روايات القصة أنه ما مر جيش أسامة بعدده الكبير بحي من أحياء العرب إلا أدخل الله فيهم الرعب فجعلوا يقولون : إن القوم الذي خرج من عندهم هذا الجيش لقوم لهم منعة إذا فلننتظر حتى يرجع هذا الجيش من بلاد الروم .
وقد أثر خروج جيش أسامة كما ترى في عزائم الذين كانوا يعتزمون الهجوم على المدينة وثنى عزائمهم وهذا خلاف ما كان يتوقعه الصحابة الذين كانوا يراجعون أبا بكر في أمر خروج الجيش ولله في خلقه شؤون
فرجع الجيش العظيم من بلاد الروم منتصرا ومظفرا فرجوع الجيش منتصرا أدخل الرعب مرة أخرى على أولائك الذين كانت تحدثهم أنفسهم بالهجوم على المدينة . من المرتدين ومن مانعي الزكاة هكذا تتعانق القصتان قصة أنفاذ جيش أسامة وقصة قتال مانعي الزكاة والمرتدين ولله الحمد والمنة فتنتجان نتيجة واحدة كما رأيت وهي النصر والثبات مع سلامة المدينة النبوية من أي سوء وقد صدق أبو بكر ربه سبحانه – إن شاء الله – في تقواه وتوكله عليه وفي محبة الله ومحبة رسوله – عليه الصلاة والسلام – وتعظيم عقدته التي عقدها لحبه أسامة فصدقه الله ونصره ورفع من شأنه وجعل له قبول بين عباده وهيبته في قلوب أعدائه إذ يقول الله تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخرَجاً * وَيَرزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حسبُهُ إنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُل شَيءٍ قَدراً } ( سورة الطلاق : الآية : 2 - 3 ) .
وأما الموقف الثاني : من موقف أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – إصراره رضي الله عنه على قتال أهل الردة وما نعي الزكاة وعدم التفاته إلى مشورة الصحابة وذلك ما يدل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – لما توفي رسول الله – عليه الصلاة والسلام – واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " .
نكمل إن شاء الله المحاضرة بعد الصلاة ثم الإجابة على ما تيسر من الأسئلة بتوفيق الله تعالى . .... والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :فنواصل حديثنا معكم حيث كنا نتحدث عن المواقف الحازمة لأبي بكر الصديق – رضي الله عنه – التي تدل على أن الشورى غير ملزمة تحدثنا عن الموقف الأول
وأما الموقف الثاني لأبي بكر – رضي الله عنه – إصراره – رضي الله عنه – على قتال أهل الردة ومانعي الزكاة وعدم التفاته – رضي الله عنه – إلى مشورة الصحابة وذلك ما يدل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه – إذ يقول : – لما توفي رسول الله – عليه الصلاة والسلام – واستخلف أبو بكر بعده كفر من كفر من العرب قال عمر لأبي بكر – عندما هم أبو بكر لقتالهم - كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله –عليه الصلاة والسلام – " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " .فقال أبو بكر : والله لأقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعون عقال كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – لقاتلتهم على منعه . فقال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق ولم يعلن أبو بكر بهذا الموقف الحازم الذي أكده بالقسم بالله تعالى إلا بعد أن استشارهم إذ جمع رضي الله عنه المهاجرين والأنصار وقال لهم : إن هذه العرب قد منعوا شاتهم وبعيرهم ورجعوا عن دينهم وإن هذه العجم – يعني الروم – قد تواعدوا ليجمعوا لقتالكم وزعموا أن هذا الرجل الذي كنتم تنتصرون به قد مات فأشيروا علي فما أنا إلا رجل منكم وإني أثقلكم حملاً لهذه البلية فأطرقوا طويلا ثم تكلم عمر بن الخطاب فقال : أرى والله يا خليفة رسول الله أن تقبل من العرب الصلاة وتضع عنهم الزكاة أو تدع لهم الزكاة فإنهم حديثو عهد بالجاهلية لم يعدهم الإسلام فإما أن يردهم الله إلى خير وإما أن يعز الله الإسلام فتقوى على قتالهم .....
فمال بقية المهاجرين والأنصار .... للعرب والعجم قاطبة فالتفت إلى عثمان رضي الله عنه فقال مثل ذلك ، فقال علي مثل ذلك وتابعهم المهاجرون ثم التفت إلى الأنصار فتابعوهم وأنتم تلحظون معي أن عمر بن الخطاب تكلم بكلام ملئ بالمعاني العظيمة والسياسة الحكيمة وتابعه في ذلك الخليفتان عثمان وعلي ثم تابعهما المهاجرون والأنصار ولكن الله شرح صدر أبي بكر للقتال وجعل في ذلك خيرا وبركة - كما أسلفنا –
والذي نريد أن نصل إليه في آخر حديثنا من ذكر هذه المواقف الحازمة أن لولي الأمر له أن يأخذ بالشورى وله أن لا يأخذها حسب مقتضيات الأحوال واختلاف المواقف في الحرب والسلم هكذا يثبت لدينا دون أدنى تردد أن الشورى غير ملزمة وبالله التوفيق والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
وبعد قبل أن نبدأ بالإجابة عن الأسئلة ذكر لي بعض الحضور بأني ذكرت أن الذي عذب في مسألة خلق القرآن هو الإمام ابن تيمية فإن كان ذلك صحيحا فهو سبق لسان فقط والمسألة مشهورة عند طلاب العلم أن الذي عذب بسبب الامتناع من القول بخلق القرآن ونفي صفات الله تعالى هو الإمام أحمد بن حنبل إن وقع شيء من ذلك فليصحح فإنما هو سبق لسان فنسأل الله لنا ولكم الثبات .

{{تفريغ محاضرة المستقبل لهذا الدين }}

12d8c7a34f47c2e9d3==