المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمة وسطا....


كيف حالك ؟

الونشريسي07
01-21-2008, 12:52 AM
وسطية أهل السنة والجماعة





إن أهم ما يميز العقيدة الإسلامية، مع كونها محكمة وعادلة وإلهية التشريع، فإنه مع ذلك كله وغيره، تتميز بالعدل والوسطية والإنصاف لأتباعها وغيرهم، ولذا أحببت المشاركة ببيان بعض جوانب وسطية أهل السنة والجماعة، في أبواب الاعتقاد والتشريع وأثر ذلك على أهل السنة والجماعة وعلى المسلمين عموماً، وغيرهم ممن يتأثرون بهم، وهو أمر ذو بال يشغل جزءا كبيرا من هم الأمة الإسلامية، ويمس شرائع وطبقات عريضة من بني آدم! وفي هذا البحث أحاول إبراز معالجة الإسلام لمشكلة الغلو في باب الاعتقاد وفي الأحكام العلمية مبرزا آثار الموضوع وسلبياته، ومناهج العلماء من السلف الصالح في كيفية علاج بعض هاتيكم الظواهر.
أولاً: وسطية أهل السنة وأثرها :لقد أكد القرآن على منهج أهل السنة والجماعة، فهم وسط بين الأمم، ووسط بين الفرق الغالية، ووسط بين الـمُفرطين المتساهلين والمتشددين، كما قال تعالى: -وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس- البقرة: 143 ، وقال: -وأن هذا صراطي مستقيما فتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله- الأنعام 153.
قال ابن تيمية رحمه الله في الواسطية مقررا هذا: بل هم الوسط في فرق الأمة كما أن الأمة هي الوسط في الأمم؛ فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية وغيرهما، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرور ية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج.
- وسبب هذه الوسطية المعتدلة: هو تمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمها على فهم الصحابة على بصيرة وفقه وحكمة، ومن منطلقات مدلولات اللسان العربي الفصيح، فهم الذين كانوا ومازالوا على الجماعة: على ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ويدل لذلك أنهم لم يخالفوا ما في الكتاب والسنة أبداً. وإن وقعت خلافات فهي قليلة، لهم فيها العذر. - وهم الذين يذودون عن كتاب الله غلو الغالين وانحرافات المنحرفين.
- وهم الذين يخدمون سنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية بأفضل مقاييس القبول والرد بما لا يُعرف عند من قبلهم ولا يكون فيمن بعدهم. - وهم على منهج واحد لم يتغير منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى لا يبقى على وجه الأرض مسلم يقول: الله الله.
ولا يزال متأخروهم يعتمدون أقوال علمائهم السابقين لهم، وفي تبيين الألفاظ وتفسير النصوص، ما كان الدليل موافقاً لهم، ولم يردوا المعارض لأقوالهم بالدليل. وأما غيرهم من أصحاب الفرق والنحل، فلا يزالون في فرقة واختلاف، في مناهج وتطور أفكار ومعتقدات، ما يظن الباحثين معه انفصال متأخري الفرقة الواحدة عن متقدميهم. كما أن بعض الفرق قد انقرضت كغلاة القدرية، حيث لم تستطع المواصلة أمام رفض العقول الصحيحة والنظر السليم لتلك المبادئ، فذهبت بذهاب أصحابها. كما أنهم الذين اعتبروا الإجماع مصدراً من مصادر الشريعة؛ لأنه كان بمستند من كتاب أو سنة، ولم يُعرف إجماعهم على مخالفة نص أبداً. فهم يثبتون لله صفاته على ما يليق بجلاله وعظمته، ومن غير أن يحرفوها عما وضعت له أو يمثلوا بها صفات المخلوقين، على حد قوله تعالى في سورة الشورى: -ليس كمثله شيء وهو السميع البصير- الشورى: 11. وأن كل ما ثبت للمخلوق من كمال لا نقص فيه بوجه فلله أكمله، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص لا كمال فيه بوجه من الوجوه فالله أولى بالتنزه عنه، وهم في ذلك بين اليهود المشبهة الخالق بصفات المخلوقين: كالفقر والتعب والنصب..، والنصارى الواصفين المخلوقين بصفات الخالق، كما في عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام.
وهم يؤمنون بكل أنبياء الله تعالى قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يفرقون بين أحد منهم؛ لأنهم كلهم جاؤوا بدعوة من مشكاة واحدة، وكلهم إخوة لعلات علموهم وعرفوهم بأسمائهم أو لا، مادام ذكرهم الله في كتابه، أو أشار إليهم رسوله صلى الله عليه وسلم .
وينكرون ويكذبون كل مدع للنبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعتقدون أنه كذاب دجّال مُفتر على الله وعلى نفسه، وأنه ظالم لها بدعواه هذا، سواء كان هازلا أم جادا.
ثانيا: آثار الغلو :
أقول ابتداء: إن البحث في الغلو والغلاة، وأسباب الغلو، ونشأته، لعلاج هذه الآثار والنتائج الحاصلة من الغلو، وتأمل كيفية ضلال الناس عن صراط الله المستقيم للعظة والعبرة.
والغلو في مسائل الدين مما يسيء في الحقيقة إلى عقيدة الإسلام ومحاسنه، فالغلو في العبادات أو الأفكار أو العقائد أو التصرفات، ومعارضة قواعد الشريعة في التسهيل في مواضعه مما يُستقبح حصوله في المجتمع المسلم القصد المتوسط، فمثلاً: التبتل وعدم النكاح، أو الاعتزال وطول العبادة، أو صيام الدهر كله، كل هذه نماذج من الغلو والزيادة والإفراط في العبادة بما لم يأذن به الله، بل هو قدح في الشريعة وواضعها الذي شرع للناس عبادتهم؛ لأنه يتهم الشريعة بالنقص، فلهذا طلب الزيادة بالغلو.
- أثر الغلو في الصفات: فالمعطلة طلبوا تنزيه الله فردوا النصوص أو حرفوها، وعبدوا إلهاً لا يعرفون له صفة إلا أنه حي موجود، اعتمادا على مقررات عقولهم ومناطقهم، وهي لا تنفرد بتقرير المغيبات، إذ المعول فيها على السمعيات من الكتاب والسنة.
وقدموا المنهج العقلي على الأحكام الشرعية فعملوا ما هو عنده حسناً وتركوا ما اعتقدوه قبيحاً ـ ولو كان ثابتاً العمل به عند المسلمين من أصل شرعهم ـ فارتكبوا المحرمات وعللوا فعلهم لها بالتأويل والمجاز. والمشبهة قد وصفوا الله تعالى بصفات النقص والتشبيه والتمثيل فعبدوا ربا كالبشر في حقيقته، فهو محتاج لمخلوقاته: كالعرش والسرير الذي يجلس عليه المخلوق، والجمل الذي يركبه يوم عرفة ـ تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
- أثر الغلو في القضاء والقدر:
فعند الجبرية: لا حرج على العبد في فعل ما يشاء حلالاً أو حراماً؛ لأنه مجبور على فعله لا اختيار له ولا إرادة، وعليه يعطل أهم أصول شرائع الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تكون الدعوة إلى الله بل تعطل الشرائع كلها بما فيها من أمر ونهي وحساب وجزاء؛ لأن العبد حسب ما أجبره عليه ربه ويسره له. فإذا رأيت العاصي يمارس معصيته والكافر يكفر، فلا ينكر قلبك ولا يتمعر وجهك، لأنه ليس له إرادة في فعله، وإن أنكرت عليه قال: هذا جبر جُبرت عليه!.
أما القدرية: فوصفوا الله تعالى بالعجز عن خلق فعل عبده، ووصفوا العبد بالمقابل بالقدرة على خلق فعل نفسه، وأنه يخلق ما لا يقدر الله على فعله.
- وأهل السنة وسط بينهما: فيقررون للعبد قدرة واختياراً ومشيئة، لا يجبره على فعله أحد؛ بل يفعل ما يفعله بمحض إرادته وحسب مشيئته، لكن فعله هذا وإ رادته هذه داخلة في خلق الله تعالى له، كما أنها مسبوقة بعلم الله بها، فلا يعمل عملاً إلا وقد سبق تقديره وإرادته في علم الله الأزلي، وكتبه عنده في كتابه الذي جرى بما كان ويكون إلى قيام الساعة.
وهم يفرقون بين إ رادة الله العامة للشيء، وبين محبته له، ورضاه به؛ فالأولى: إرادة كونية قدرية عامة تُظهر علم الله وكمال قدرته، والثانية: إرادة شرعية دينية، من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، ليهدي من هدى على بينة، ويضل من ضل عن بينة، وعليه فلا مستمسك لما يفعله العباد من خير وشر بالقدر أبداً عند أهل القرآن والسنة والاجتماع.
- أثر العقيدة في الأشخاص: من الغلو رفعهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله فيها، الذي يؤدي إلى الاعتقاد فيهم بفعل الخير والشر، ومن ثم عبادتهم ودعاؤهم والاستعانة بهم..، مما هو صريح الشرك الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى نبذه والتحذير منه، دعوة ونذارة -ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى- الزمر: 3.
ومن ذلك أيضاً التلبيس على الناس والعوام الجهلة بدين الله، والافتراء عليهم، لأخذ أموالهم وابتزازها منهم بدعوى القربات إلى الأولياء والصالحين، وربط قلوب الناس بهم طمعا وتسلطا وترؤسا. وأعظم من ذلك تعطيل ألوهية الله على خلقه واستحقاقه العبادة وحده لا شريك له منهم، بوجوده عند هؤلاء الغلاة في ذوات من اتبوعهم، واعتقادهم واسطتهم إلى الله، فاكتفوا بهم عند الله وعن الله، واستغنوا عن الاتصال بالله مباشرة بعبادته ودعائه، فكانت القبور والأضرحة والمشاهد، سمة الشرك الأكبر، فانظر إلى مجتمع تكون فيه الفوضى العقدية كيف يكون وصفه؟!، فضلاً عما قد يكون من المتبوعين لأولئك الأشخاص من المصادمات ما يستلزمه واقعهم.
- أثر الغلو في الاعتقاد بالنبوة: سيأتي كل مدع للنبوة أو الرسالة أو حتى مرتبة فوق منزلتهما بشرع يخالف ما عليه سابقه لا محالة، فكم تكون في الأرض من شريعة يتعبد الناس بها؟ وأيّ منها سيـكون الأحـق بالاتباع والعمل؟!!. ما سيحصل من تنافس بين هؤلاء المدعين للنبوة، مما ينتج عنه سفك دماء وأخذ أموال بغير حق وفوضى، أو قل: غابة لا نظام يحكمها ولا عدل، كما وقع بين أتباع البابية ومؤسس البهائية محمد حسين المازنداري في مواقفه.

12d8c7a34f47c2e9d3==