البلوشي
01-01-2008, 07:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وقد علم الله مع ذلك أن الناس ثلاثة أقسام ، كل يدعى بالطريق التي تناسبه :
القسم الأول : المنقادون الملتزمون الراغبون في الخير ، الراهبون من الشر ، فهؤلاء لما عندهم من الاستعداد لفعل المأمورات وترك المنهيات ، والاشتياق إلى الاعتقاد الصحيح ، فقط يكتفى ببيان الأمور الدينية لهم والتعليم المحض .
والقسم الثاني : الذين عندهم غفلة وإعراض واشتغال بأمور صادَّة عن الحق ، فهؤلاء مع هذا التعليم يدعون بالموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ؛ لأن النفوس لا تلتفت إلى منافعها ، ولا تترك أغراضها الصادَّة لها عن الحق علما وعملا إلا مع البيان لها أن ترغب وترهب بذكر ما يترتب على الحق من المنافع وعلى الباطل من المضار ، والموازنة بين الأمور النافعة والضارة .
والقسم الثالث : المعارضون أو المعاندون المكابرون ، المتصدون لمقاومة الحق ونصرة الباطل ، فهؤلاء لا بد أن يسلك معهم طريق المجادلة بالتي هي أحسن بحسب ما يليق بالمجادِل والمجادَل وبتلك المقالة وما يقترن بها ، وإذا أردت تطبيق هذه الأمور الثلاثة تماما فانظر إلى دعوات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم التي حكاها في كتابه مع أممهم المستجيبين ، والمعرضين والمعارضين ، تجدها محتوية على غاية الحسن في كل أحوالها .
ثم انظر إلى دعوة سيدهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سلك من الطرق المتنوعة في دعاية الخلق عموما وخصوصا على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم وبحسب أحوالهم ، وبحسب الأقوال والأحكام التي يدعو إليها ، تجدْهُ قد فاق في ذلك الأولين والآخرين ، والآثار أكبر دليل على قوة المؤثر .
وجعل الله السبب لفصل الخصام المرضي للمتشاجرين المنصفين في جميع المقالات ، الذي هو خير في الحال ، وأحسن في المآل ، ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، شاهده قوله تعالى :
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
وجعل الله صلة ما أمر به أن يوصل من البر ، وصلة الأرحام ، والقيام بحق من له حق عليك سببا تُنال به مكارم الأخلاق ، ويتبوأ به المنازل العالية في جنات النعيم ، شاهده قوله تعالى :
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا
وجعل الله السوابق الحميدة للعبد وتعرفه لربه في حال الرخاء سببا للنجاة من الشدائد ، وحصول أعظم الفوائد ، شاهده قوله تعالى :
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
وقول أهل الجنة فيها :
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
وجعل الله لشرح الصدر ونعيمه وطمأنينته أسبابا متعددة : اليقين والإيمان والإكثار من ذكر الله وقوة الإنابة إليه ، والقناعة بما أعطى من الرزق ، وحصول العلم النافع ، وترك الذنوب والمبادرة بالتوبة مما وقع منها ، وشواهد هذا كثيرة ، منها قوله تعالى :
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
وشمول هذا النعيم لنعيم القلوب في الدنيا ظاهر :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
وجعل الله ضرب الأمثال في كتابه طريقا عظيما من طرق التعليم الذي تتبين وتتوضح به المطالب العالية والعقائد الصحيحة والفاسدة ، كما مثل كلمة التوحيد والعقيدة الحقة الصحيحة :
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا
ومثل ضد ذلك بالشجرة الخبيثة التي لا لها أصل ثابت ولا فرع نافع ، ومثل المشرك بربه كالعبد الذي يتنازعه شركاء متشاكسون ، والموحد المخلص لله السالم من تعلقه بغيره .
وكذلك مثَّل الشرك والمشرك واتخاذه وليا من دون الله يتعزز به وينتصر : كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ
ومثل وحيه بمنزلة الغيث النافع ، وقلوب الخلق بمنزلة الأراضي الطيبة القابلة والخبيثة ، وبيَّن ذلك ، وهي أمثلة محسوسة يوضح الله بها المطالب النافعة ، وهو يُقْسم تعالى على أصول الدين التي يجب على الخلق الإيمان بها : كالتوحيد والرسالة والمعاد ، وما يتفرع عنها ، وضرب الأمثال من تصريف الله الآيات لعباده بأعلى أساليب الكلام المؤثرة الموضحة للحقائق ، فتأمل إقسامات القرآن تجدها كذلك ، ولذلك حثَّ الله عليها ، ومدح من يتفكر فيها ويعقلها فقال :
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
وفي الآية الأخرى :
{ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }
منقول من تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام
للشيخ عبدالرحمن السعدي يرحمه الله
وقد علم الله مع ذلك أن الناس ثلاثة أقسام ، كل يدعى بالطريق التي تناسبه :
القسم الأول : المنقادون الملتزمون الراغبون في الخير ، الراهبون من الشر ، فهؤلاء لما عندهم من الاستعداد لفعل المأمورات وترك المنهيات ، والاشتياق إلى الاعتقاد الصحيح ، فقط يكتفى ببيان الأمور الدينية لهم والتعليم المحض .
والقسم الثاني : الذين عندهم غفلة وإعراض واشتغال بأمور صادَّة عن الحق ، فهؤلاء مع هذا التعليم يدعون بالموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ؛ لأن النفوس لا تلتفت إلى منافعها ، ولا تترك أغراضها الصادَّة لها عن الحق علما وعملا إلا مع البيان لها أن ترغب وترهب بذكر ما يترتب على الحق من المنافع وعلى الباطل من المضار ، والموازنة بين الأمور النافعة والضارة .
والقسم الثالث : المعارضون أو المعاندون المكابرون ، المتصدون لمقاومة الحق ونصرة الباطل ، فهؤلاء لا بد أن يسلك معهم طريق المجادلة بالتي هي أحسن بحسب ما يليق بالمجادِل والمجادَل وبتلك المقالة وما يقترن بها ، وإذا أردت تطبيق هذه الأمور الثلاثة تماما فانظر إلى دعوات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم التي حكاها في كتابه مع أممهم المستجيبين ، والمعرضين والمعارضين ، تجدها محتوية على غاية الحسن في كل أحوالها .
ثم انظر إلى دعوة سيدهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سلك من الطرق المتنوعة في دعاية الخلق عموما وخصوصا على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم وبحسب أحوالهم ، وبحسب الأقوال والأحكام التي يدعو إليها ، تجدْهُ قد فاق في ذلك الأولين والآخرين ، والآثار أكبر دليل على قوة المؤثر .
وجعل الله السبب لفصل الخصام المرضي للمتشاجرين المنصفين في جميع المقالات ، الذي هو خير في الحال ، وأحسن في المآل ، ردها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، شاهده قوله تعالى :
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
وجعل الله صلة ما أمر به أن يوصل من البر ، وصلة الأرحام ، والقيام بحق من له حق عليك سببا تُنال به مكارم الأخلاق ، ويتبوأ به المنازل العالية في جنات النعيم ، شاهده قوله تعالى :
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا
وجعل الله السوابق الحميدة للعبد وتعرفه لربه في حال الرخاء سببا للنجاة من الشدائد ، وحصول أعظم الفوائد ، شاهده قوله تعالى :
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
وقول أهل الجنة فيها :
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
وجعل الله لشرح الصدر ونعيمه وطمأنينته أسبابا متعددة : اليقين والإيمان والإكثار من ذكر الله وقوة الإنابة إليه ، والقناعة بما أعطى من الرزق ، وحصول العلم النافع ، وترك الذنوب والمبادرة بالتوبة مما وقع منها ، وشواهد هذا كثيرة ، منها قوله تعالى :
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
وشمول هذا النعيم لنعيم القلوب في الدنيا ظاهر :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ
وجعل الله ضرب الأمثال في كتابه طريقا عظيما من طرق التعليم الذي تتبين وتتوضح به المطالب العالية والعقائد الصحيحة والفاسدة ، كما مثل كلمة التوحيد والعقيدة الحقة الصحيحة :
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا
ومثل ضد ذلك بالشجرة الخبيثة التي لا لها أصل ثابت ولا فرع نافع ، ومثل المشرك بربه كالعبد الذي يتنازعه شركاء متشاكسون ، والموحد المخلص لله السالم من تعلقه بغيره .
وكذلك مثَّل الشرك والمشرك واتخاذه وليا من دون الله يتعزز به وينتصر : كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ
ومثل وحيه بمنزلة الغيث النافع ، وقلوب الخلق بمنزلة الأراضي الطيبة القابلة والخبيثة ، وبيَّن ذلك ، وهي أمثلة محسوسة يوضح الله بها المطالب النافعة ، وهو يُقْسم تعالى على أصول الدين التي يجب على الخلق الإيمان بها : كالتوحيد والرسالة والمعاد ، وما يتفرع عنها ، وضرب الأمثال من تصريف الله الآيات لعباده بأعلى أساليب الكلام المؤثرة الموضحة للحقائق ، فتأمل إقسامات القرآن تجدها كذلك ، ولذلك حثَّ الله عليها ، ومدح من يتفكر فيها ويعقلها فقال :
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
وفي الآية الأخرى :
{ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }
منقول من تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الأحكام
للشيخ عبدالرحمن السعدي يرحمه الله