المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام ابن قتيبة يثبت صفة اليدين في كتابه"الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبه


كيف حالك ؟

أبو معاوية الأثري
12-13-2007, 12:00 AM
قال الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - في كتابه

الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبه ( 40 ):



( الرد على متأوَّلي الصفات )

( الرد على القائلين أن اليد هي النعمة )


وفعلوا في كتاب الله أكثر مما فعل الأولون في تحريف التأويل عن جهته فقالوا في قول الله: ] وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [ أن اليد ههنا النعمة وما ننكر أن اليد قد تتصرف على ثلاثة وجوه من التأويل:

أحدها: النعمة.

والآخر: القوة من الله ] أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ يريد أولي القوة في دين الله والبصائر ومنه يقول الناس: ( مالي بهذا الأمر يد ) يعنون مالي به من طاقة.

الوجه الثالث: اليد بعينها.

ولكنه لا يجوز أن يكون أراد في هذا الموضع النعمة لأنه قال: ] وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [ والنعم لا تغل وقال: ] غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [ معارضة بمثل ما قالوا ولا يجوز أن يكون أراد غلت نعمهم ثم قال: ] بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [ ولا يجوز أن يريد نعمتاه مبسوطتان.

وكان مما احتجوا به للنعمة قوله: ] غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [ لو أراد اليد بعينها لم يكن في الأرض يهودي غير مغلول اليد ، فما أعجب هذا الجهل والتعسف في القول بغير علم.

ألم يسمعوا بقول الله - تعالى -: ] قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [ وبقوله: ] قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [ وقوله: ] وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [ واللعن الطرد. فهل قتل الله الناس جميعاً وهل قتل قوماً وطرد آخرين ولم يسمعوا بقول العرب: قاتله الله ما أبطشه ، وأخزاه الله ما أشعره ، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل: ] تَرِبَتْ يَدَاهُ [ أي افتقر ولم يفتقر.

ولا مرأة ] عَقْرَى حَلْقَى [ ولم يعقرها الله ولا أصاب حلقها بوجع.
فإن قال لنا: ما اليدان ههنا قلنا هما اليدان اللتان تعرف الناس كذلك قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في هذه الآية: ] اليدان اليدان [ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ] وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ [ فهل يجوز لأحد أن يجعل اليدين ههنا نعمة أو نعمتين وقال ] لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ فنحن نقول كما قال الله تعالى وكما قال رسوله ولا نتجاهل ولا يحملنا ما نحن فيه من نفي التشبيه على أن ننكر ما وصف به نفسه ولكنا لا نقول كيف اليدان وإن سئلنا نقتصر على جملة ما قال ونمسك عما لم يقل.

وتأويل الآية: أن اليهود قالت: يد الله مغلولة أي ممسكة عن العطاء فضرب الغل في اليد مثلاً لأنه يقبض اليد عن أن تمتد وتنبسط كما تقبض يد البخيل ، فقال الله تعالى ] غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [ أي قبضت عن العطاء والإنفاق في الخير والبر ] وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [ بالعطاء ] يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [ ومثله قوله ] إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ [ أي قبضنا أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع الأغلال.

وما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ] كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ [ فإنه أراد معنى التمام والكمال لأن كل شيء مياسره تنقص عن ميمنه في القوة والبطش والتمام وكانت العرب تحب التيامن وتكره التياسر لما في اليمين من التمام وفي اليسار من النقص ولذلك قيل اليمن والشؤم.
فاليمن في اليد اليمنى ، والشؤم في اليد الشؤمى وهي اليسار.

وقالوا فلان ميمون من اليمين ومشؤوم من الشؤمى وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – في الإبل: ( إن أدبرت أدبرت وإن أقبلت أدبرت ولا يأتي نفعها من جانبها الأشأم ) يعني: الأيسر.

ويمكن أيضاً أن يريد العطاء باليدين جميعاً لأن اليمنى هي المعطية فإذا كانت اليدان يمينين كان العطاء بهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يمين الله سخاء لا يغيضها شي الليل والنهار ) أي: تصب العطاء ولا ينقصها ذلك وإلى هذا المعنى ذهب المرار حيث يقول:
وإن على الأوانة من عقيل فتى كلتا اليدين له يمين

طبعة: دار الراية للنشر والتوزيع 1412هـ

بو زيد الأثري
02-29-2012, 02:10 PM
جزاك الله خيرا أخي أبا معاوية

12d8c7a34f47c2e9d3==