المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ }


كيف حالك ؟

البلوشي
11-22-2007, 09:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ }

سئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، رحمهم الله، عن قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ } [سورة يونس آية : 18] ، وقال السائل: والرب تبارك وتعالى لا يخفى عليه شيء، وقد قال: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ } [سورة العنكبوت آية : 42] .
فأجاب: كلا الآيتين الكريمتين على عمومهما وإطلاقهما يصدق بعضها بعضا؛ فأما آية يونس ففيها الإخبار بنفي ما ادعاه المشركون، وزعموه من وجود شفيع يشفع بدون إذنه تبارك وتعالى، وأن هذا لا يعلم الله وجوده لا في السماوات ولا في الأرض، بل مجرد زعم وافتراء، وما لا يعلم وجوده مستحيل الوجود منفي غاية النفي; فالآية رد على المشركين الذين تعلقوا على الشركاء والأنداد، بقصد الشفاعة عند الله والتقرب إليه.
وأما آية العنكبوت ففيها إثبات علمه سبحانه لكل مدعو ومعبود من أي شيء كان، ولا يخفى عليه خافية; ولا يعزب عنه مثقال ذرة. ففي الأولى نفي العلم بوجود ما لا وجود له بحال، والآية الثانية فيها إثبات العلم بوجود ما عبدوه ودعوه مع الله، من الآلهة التي لا تضر ولا تنفع.
قال ابن جرير رحمه الله، في الكلام على آية يونس:
ص -210- يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون الذين وصفت صفتهم، الذي لا يضرهم شيئا، ولا ينفعهم في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك هؤلاء الآلهة والأصنام، التي كانوا يعبدونها رجاء شفاعتهم عند الله.
قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ } [سورة يونس آية : 18] ، يقول: أتخبرون الله بما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض؟ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض.
وكان المشركون يزعمون أنها تشفع لهم عند الله، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: أتخبرون الله بما لا يشفع في السماوات ولا في الأرض يشفع لكم فيها؟ وذلك باطل لا يعلم حقيقته وصحته، بل يعلم أن ذلك خلاف ما تقولون، وأنها لا تشفع لأحد ولا تنفع ولا تضر. انتهى.
وحاصله: أن النفي واقع على ما اعتقدوه وظنوه من وجود شفيع يشفع وينفع. ويقرب إلى الله؛ وذلك الظن والاعتقاد وهم وخيال باطل لا وجود له; وبنحو ذلك قال ابن كثير، حيث يقول: ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتها عند الله، وأخبر أنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملك شيئا، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها، ولا يكون هذا أبدا.
ولهذا قال تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ } [سورة يونس آية : 18] أي: أتخبرونه بما لا وجود له
أصلا، وهو كون الأصنام شفعاءهم عند الله، إذ لو كان ذلك لعلمه علام الغيوب.
وفيه: تقريع لهم وتهكم بهم، وبما يدعون من المحال، الذي لا يكاد يدخل تحت الصحة والإمكان; وقوله: { فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ } [سورة يونس آية : 18] : حال من العائد المحذوف في يعلم، مؤكدة للنفي؛ لأن ما لا يوجد فيها فهو منتف عادة.انتهى.
وقال العلامة ابن القيم، رحمه الله، في الكلام على هذه الآية: هذا نفي لما ادعاه المشركون من الشفعاء، كنفي علم الرب تعالى بهم المستلزم لنفي المعلوم; ولا يمكن أعداء الله المكابرة، وأن يقولوا: قد علم الله وجود ذلك، لأنه تعالى إنما يعلم وجود ما أوجده وكونه، ويعلم أن سيوجد ما يريد إيجاده، فهو يعلم نفسه وصفاته، ومخلوقاته التي دخلت في الوجود وانقطعت، والتي دخلت في الوجود وبقيت، والتي لم توجد بعد.
وأما وجود شيء آخر غير مخلوق له ولا مربوب، فالرب تعالى لا يعلمه، لأنه مستحيل في نفسه، فهو سبحانه يعلمه مستحيلا لا يعلمه واقعا، ولو علمه واقعا لكان العلم به عين الجهل، وذلك من أعظم المحال؛ فكذلك حجج الرب تبارك وتعالى على بطلان ما نسبه إليه أعداؤه المفترون، التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ فإذا وازنت بينهما ظهرت لك المفاضلة إن كنت بصيرا، {ومن كان
ص -212- في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} انتهى.
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
مجموعة رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام
جمع وترتيب : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله (1312-1392 هـ)
الجزء الثالث عشر ( التفسير )

12d8c7a34f47c2e9d3==