المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اتقفت الأئمة المذاهب الأربعة على تحريم اتخاذ المساجد على القبور


كيف حالك ؟

قاسم علي
11-05-2007, 11:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ محمد ناصر الدين الإلباني رحمه الله مذاهب العلماء في ذلك وقد اتقفت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك ، ومنهم من صرح بأنه كبيرة
وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك :
1ـ مذهب الشافعية انه كبيرة
قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر
(1/120) :
" الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون
اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها ".
ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها ، ثم قال ( ص111):
" [ تنبيه ] : عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية ، وكأنه
أخذ ذلك مما ذكرته من الأحاديث ، ووجه اتخاذ القبر مسجداً منها واضح ، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه ، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية : " يحذر ما صنعوا " أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا ، ومن ثم قال أصحابنا : تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً ، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت ، فقال بعض الحنابلة :
" قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ولرسوله صلى
الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله ، للنهي عنها ثم إجماعاً ، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها ، واتخاذها مساجد ، أو بناؤها عليها والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ، ويجب المبادرة لهدمها ، وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار ، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه نهى عن ذلك ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ، ولا يصح وقفه ونذره . انتهى " .
هذا كله كلام الفقيه ابن حجر الهيتمي ، وأقره عليه المحقق الآلوسي في " روح المعاني " (5/31) ، وهو كلام يدل على فهم وفقه في الدين ، وقوله فيما نقله عن بعض الحنابلة :
" والقول بالكراهة محمول على غير ذلك "
كأنه يشير إلى قول الشافعي " وأكره أن يبنى على القبر مسجد .. " الخ كلامه الذي نقلته بتمامه فيما سبق (ص27) ، وعلى هذا أتباعه من الشافعية كما في " التهذيب " وشرحه " المجموع " ومن الغريب أنهم يحتجون على ذلك ببعض الأحاديث المتقدمة ، مع أنها صريحة في تحريم ذلك ، ولعن فاعله ، ولو أن الكراهة كانت عندهم للتحريم لقرب الأمر ، ولكنها لديهم للتنزيه فكيف يتفق القول ب( الكراهة ) مع تلك الأحاديث التي يستدلون بها عليها ؟!
أقول هذا ، وإن كنت لا أستبعد حمل الكراهة في عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية ؛ لأنه هو المعنى الشرعي المقصود في الاستعمال القرآني ، ولا شك أن الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر ، فإذا وقفنا في كلامه على لفظ له معنى خاص في القرآن الكريم وجب حمله عليه ، لا على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين ، فقد قال تعالى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان }1 وهذه كلها محرمات ، فهذا المعنى ـ والله اعلم ـ هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله المتقدم " وأكره " ، ويؤيده انه قال عقب ذلك :" وإن صلى إليه أجزأه ، وقد أساء" فإن قوله " أساء " معناه ارتكب سيئة ، أي حراماً ، فإنه هو المراد بالسيئة في أسلوب القرآن أيضاً ، فقد قال تعالى في سورة (الإسراء ) بعد أن نهى عن قتل الأولاد ، وقربان الزنى ، وقتل النفس وغير ذلك : ( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً )1 أي محرماً .
ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلام الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الأصل في النهي التحريم ، إلا ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر ، كما صرح بذلك في رسالته " جماع العلم " (ص125) ونحوه في كتابه " الرسالة " (ص343) ، ومن المعلوم لدى كل من درس هذه المسألة بأدلتها أنه لا يوجد أي دليل يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق ؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي ، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " كما تقدم فلا غرابة إذن إن صرح الحافظ العراقي ـ وهو شافعي المذهب ـ بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم والله أعلم .
ولهذا نقول : لقد اخطأ من نسب إلى الإمام الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنى بحجة أن صرح بكراهة ذلك والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه ! قال ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/47ـ48) :
" نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنى ، ولم يقل قط أنه مباح ولا جائز ، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم ، وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله } وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه . . . ) 1 إلى قوله }ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق . . . )2 إلى قوله }ولا تقف ما ليس لك به علم {3
إلى آخر الآيات ثم قال :} كل ذلك كان سيئه عند ركب مكروهاً{ 4 وفي الصحيح " أن الله عزوجل كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال " . فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم ، وتركه أرجح من فعله ، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحاديث ، فغلط في ذلك ، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة ، أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على المعنى الاصطلاحي الحاديث !".
وبهذه المناسبة نقول:
إن من الواجب على أهل العلم ، أن ينتبهوا للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية التي تحمل معاني خاصة معروفة عند العرب ، هي غير هذه المعاني الحديثة ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، فيجب أن تفهم مفرادته وجمله في حدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل عليهم القرآن ، ولا يجوز أن تفسر بهذه المعاني الاصطلاحية الطارئة التي اصطلح عليها المتأخرون ، و إلا وقع المفسر بهذه المعاني في الخطأ ، والتقول على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حيث يشعر ،و قدقدمت مثلاً على ذلك لفظ ( الكراهة ) ، وإليك مثالاً آخر :
لفظ ( السنة ) : . فإنه في اللغة الطريقة وهذا يشمل كل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى والنور فرضاً كان أو نفلاً ، وأما اصطلاحاً فهو خاص بما ليس فرضاً من هديه صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز أن يفسر بهذا المعنى الاصطلاحي لفظ ( السنة ) الذي ورد في بعض الأحاديث الكريمة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " . . . وعليكم بسنتي . . . " وقوله صلى الله عليه وسلم " . . . فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، ومثله الحديث الذي يورده بعض المشايخ المتأخرين في الحض على التمسك بالسنة بمعناها الاصطلاحي وهو :" من ترك سنتي لم تنله شفاعتي " ، فأخطأوا مرتين .
الأولى : نسبتهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم و لا أصل له فيما نعلم .
الثانية : تفسيرهم للسنة بالمعنى الاصطلاحي ، غفلة منهم عن معناها الشرعي ، وما أكثر ما يخطئ الناس فيما نحن فيه بسبب مثل هذه الغفلة !
ولهذا أكثر ما نبه شيخ الإسلاوم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على ذلك ، وأمروا في تفسير الألفاظ الشرعية بالرجوع إلى اللغة لا العرف ، وهذا في الحقيقة أصل لما يسمونه اليوم ب" الدراسة التاريخية للإلفاظ " .
ويحسن بنا ان نشير إلى أن من أهم أغراض مجمع اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة في مصر " وضع معجم تاريخي للغة العربية ، ونشر بحوث دقيقة في تاريخ بعض الكلمات ، وما طرأ على مدلولاتها من تغيير " كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون ذي الرقم (434) (1955) الخاص بشأن تنظيم مجمع اللغة العربية (انظر " مجلة المجتمع " ج8ص5) . فعسى أن يقوم المجمع بهذا العمل العظيم ، ويعهد به إلى أيد عربية مسلمة ، فإن أهل مكة أدرى بشعابها ، وصاحب الدار أدرى بما فيها ، وبذلك يسلم هذا المشروع من كيد المستشرقين ، ومكر المستعمرين .

2ـ مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه " الآثار" (ص45) :
" لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً " .
والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ، كما هو معروف لديهم ، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي .

3ـ مذهب المالكية التحريم
وقال القرطبي في تفسيره ( 10/38) بعد أن ذكر الحديث الخامس :
" قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ".

4ـ مذهب الحنابلة التحريم
ومذهب الحنابلة التحريم أيضاً كما في " شرح المنتهى " (1/353) وغيره ، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، ووجوب هدهما ، فقال ابن القيم في " زاد المعاد " (3/22) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه ، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال :
" ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها ، مسجد يصلى فيه ، ويذكر اسم الله فيه ، لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين ، ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام1 تعطيله ، إما بهدم أو تحريق ، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له ، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار؛ فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك ، وأوجب ، وكذلك محال المعاصي والفسوق ، كالحانات ، وبيوت الخمارين ، وأرباب المنكرات ، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر ، وحرق حانوت رويشد الثقفي 2 وسماه
فويسقاً ، وحرق قصر1 سعد لما احتجب عن الرعية ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة 2 ، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك 3 . ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ، ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد ، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق ، فلو وضعا معاً لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجداً ، أو أوقد عليه سراجاً 4 فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى !".
فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة ، من تحريم بناء المساجد على القبور . وقد اتفاق العلماء على ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ، ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد سئل رحمه الله بما نصه :
" هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر ؛ والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا ؟ وهل يمهد القبر ، أو يعمل عليه حاجز أو حائط ؟ فأجاب :
الحمدلله ، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ؛ فإني أنهاكم عن ذلك " . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيّر ، إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديداً ، وإن كان المسجد بني على بعد القبر ، فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر ، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ، فإنه منهي عنه " كذا في الفتاوى له (1/107/ ، 2/192) .
وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه ، فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد ، فليراجعها من شاء في " مجلة الأزهر " (ج112ص501و503) 1
وقال ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص52) :
" يحرم الإسراج على القبور ، واتخاذ القبور المساجد عليها ، وبينها ، ويتعين إزالتها ، ولا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ".
ونقله ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " (2/244/1) وأقره .
وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم ، والخروج عن طريقتهم ، خشية أن يشملهم وعيد قوله عز وجل }ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ 2
و} إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد {3 .
منقول من كتاب تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد
بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني
الطبعة الرابعة
المكتب الإسلامي

12d8c7a34f47c2e9d3==