المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب التثبت في الاخبار واحترام العلماء وبيان مكانتهم في الأمة - للشيخ صالح الفوزان


كيف حالك ؟

بن حمد الأثري
10-25-2007, 03:31 PM
وجوب التثبت في الاخبار واحترام العلماء وبيان مكانتهم في الامة
محاضرة لمعالي للشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخاتم انبيائه ورسله نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى اله واصحابه وازواجه الطيبين الطاهرين وعلى التابعين ومن تبعهم واهتدى بهديهم واقتفى اثرهم الى يوم الدين‏.‏ امّا بعد‏:‏

يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَاَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اِذْ كُنتُمْ اَعْدَاء فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ اِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَاَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَاَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ اَكْفَرْتُم بَعْدَ اِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏}‏ ‏[‏ال عمران/ 102 -106‏]‏

في هذا الايات الكريمة يامر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين لانهم هم الذي يمتثلون اوامر الله سبحانه وتعالى، ويصغون لندائه‏:‏ ‏{‏اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}‏‏.‏

معنى التقوى‏:‏

التقوى معناها في اللغة‏:‏ ‏"‏ ان تتخذ بينك وبين ما تكره وقاية وحائلًا يحول بينك وبين ما تكره ‏"‏ كما يتخذ الانسان الثياب يتقي بها البرد والحر، ويتخذ الدروع ليتقي بها سهام الاعداء، ويبني الحصول ليتحصن بها من كيد الاعداء كما يلبس على رجليه ما يقيهما من حر الرمضاء ومن الشوك والحفاء‏.‏ من فعل ذلك فقد اتقى هذه المحاذير ولكن تقوى الله لا تكون لا باللباس ولا بالحصون ولا بالسلاح ولا بالجنود، وانما تكون تقوى الله عز وجل بطاعته وامتثال اوامره واجتناب ما نهى عنه سبحانه‏.‏

فتقوى الله معناها‏:‏ ان تفعل ما امرك سبحانه وتعالى به ورجاء ثوابه، وان تترك معصية الله خوفًا من عقابه‏.‏ و ‏{‏حَقَّ تُقَاتِهِ‏}‏ معناها‏:‏ ان الانسان لا يترك شيئًا مما امر الله به الا وَفَعَلَه‏,‏ وان لا يفعل شيئًا مما نهى الله عنه بان يتجنب كل ما نهى الله عنه‏.‏

تفسير ابن مسعود لحق تقاته‏:‏

ولهذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ اتقوا الله حق تقاته، ان يُطَاعَ فلا يُعْصَى، وان يُذْكَر فلا يُنْسَى، وان يُشْكَرَ فَلاَ يُكْفَر ‏"‏ (20) من فعل ذلك فقد اتقى الله حقا تقاته‏.‏

التقوى بحسب الاستطاعة‏:‏

ولكنّ احدًا لن يستطيع ان يقوم بهذا، لن يستطيع ان يفعل كل ما امر الله به ولا يترك شيئًا، وان يتجنب كل نما نهى الله عنه‏.‏ لذلك اشكلت هذه الاية على بعض الصحابة‏.‏ فانزل الله سبحانه وتعالى قوله‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن/ 16].‏

فكانت هذه الاية مبينة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}‏، فاذا قام الانسان بما يستطيع فقد اتقى الله حق تقاته لان الله سبحانه لا يكلف نفسًا الا وسعها وهذا من رحمته سبحانه وتعالى بعباده‏.‏ انه لا يكلفهم ما لا يطيقون‏.‏

فالانسان اذ بذل وسعه في طاعة الله عز وجل وتجنب ما نهى الله عنه فان الله يعفو عن ما لا يستطيعه الانسان‏.‏ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه‏)‏ (21)‏‏.‏ فالاوامر ياتي الانسان منها بما يستطيع، اما النواهي فالانسان يتجنبها كلها لان الاجتناب سهل على الانسان‏.‏

الحرص على الاسباب المؤدية لحسن الخاتمة‏:‏

‏{وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَاَنتُم مُّسْلِمُونَ‏}‏ ‏[‏ال عمران / 102].‏

هذا امر من الله سبحانه وتعالى بان المؤمن لا يموت الا وهو مسلم متمسك بدينه‏.‏

وهل الانسان يملك ان يموت مسلمًا او انّ هذا بيد الله سبحانه وتعالى هذا بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن معنى قوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَاَنتُم مُّسْلِمُونَ}‏، اي اثبتوا على الايمان وعلى الاسلام ومن ثبت على الايمان وعلى الاسلام فانه قد فعل السبب الذي يُسَبّبُ ان الله جل وعلا يُحْسن له الخاتمة لان من عاش على شيء مات عليه‏.‏

فهذا فيه حث للانسان ان يتمسك بدينه وان يصبر عليه من اجل ان لا تاتيه منيته وهو على المعاصي فيختم له بخاتمة السوء ومن عاش على شيء فانه يُخْتَمُ له به‏.‏

فمن عاش على الطاعة ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فانه قد فعل السبب الذي يُسَبّب له حسن الخاتمة‏.‏

واما من ارتكب المعاصي والمخالفات فانه قد فعل السبب الذي سبب له سوء الخاتمة - ليحذر الانسان من هذا -‏.‏

الدعوة الى الاعتصام بشرع الله وكتابه‏:‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏ال عمران/ 103 ‏]‏، هذا امر من الله لنا ان نعتصم بحبل الله بمعنى ان نتمسك بشرع الله‏.‏

وحبل الله هو القران ويُرَادُ به ايضًا الاسلام - ويُرَادُ به العهد - فحبل الله يراد به الاسلام والقران واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

فاذا تمسك به الانسان نجا، كالغريق، اذا كان في لُجّة الماء وتمسك بالحبل الذي ينجو به من الغرق فانه قد فعل السبب‏.‏ كذلك نحن في حياتنا وفي معترك الفتن والشرور اذا تمسكنا بحبل الله نجونا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فان يَعِشْ منكم فَسَيَرَى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعَضّوا عليه بالنواجذ، واياكم ومحدثات الامور‏)‏ (22).‏

واخبر صلى الله عليه وسلم انه ستكون فتن‏.‏ قالوا‏:‏ وما المخرج منها يا رسول الله ‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏كتاب الله‏)‏ (23)‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏انني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي - كتاب الله وسنتي‏)‏ (24).‏ وهذا هو حبل الله‏.‏

وجوب الاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة‏:‏

وقوله‏:‏ ‏{‏جميعًا}‏، ولاحظوا كلمة جميعًا فان الله يطلب منّا ان نجتمع على كتاب الله وان يكون لنا هو الهادي والمرشد الذي نسير عليه وان نترك الاهواء والمخالفات والاراء ونتمسك بحبل الله عز وجل مجتمعين فجماعة المسلمين كلها مرجعها شيء واحد هو كتاب الله عز وجل‏.‏

ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ان الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا، يرضى لكم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وان تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاّه الله امركم، ويكره لكم ثلاثًا‏:‏ القيل والقال، وكثرة السؤال، واضاعة المال‏)‏ ‏(25)‏

الامر باصلاح العقيدة ‏:‏

هذه الثلاث التي يكرهها الله لنا‏.‏‏.‏ فقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا‏)‏ هذا فيه اصلاح العقيدة من الشركيات والبدع والخرافات التي ما انزل الله بها من سلطان‏.‏ لا يكون هناك منهاج غير الكتاب والسنة‏,‏ ولا يكون لنا طرق لا يكون لنا متبعون غير الكتاب والسنة‏,‏ يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اَطِيعُواْ اللَّهَ وَاَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الاَمْرِ مِنكُمْ فَاِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ اِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ اِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَاَحْسَنُ تَاْوِيلاً}‏‏.‏ ‏[‏النساء / 59 ‏]‏

نرجع الى كتاب الله وسنة رسوله نرجع اليهما ونصدر عنهما‏.‏

اتباع الكتاب والسنة طريق للاجتماع ‏:‏

وهذا ضمان من الاختلاف والتفرق اما اذا احدثنا مناهج وطرقًا وسننًا مخالفة للكتاب والسنة فاننا نهلك‏.‏ كم قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَاَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏‏.‏ ‏[‏الانعام / 153‏]‏

(وقد خط النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مستقيمًا وخط عن يمينه وشماله خطوطًا معوجة - وقال للمستقيم ‏:‏هذا سبيل الله‏.‏ وقال للمعوجة ‏:‏هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو الناس اليها) (26)‏

هذا توضيح من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الايات الكريمة وبيان واضح ان من ترك الاعتصام بكتاب الله فانه يذهب مع الشياطين ومع الطرق المعوجة‏.‏

سبب نزول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الاية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اِذْ كُنتُمْ اَعْدَاء فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ اِخْوَانًا‏}‏ ‏[‏ال عمران/ 103‏]‏‏.‏

هذه الاية نزلت في حادثة وقعت بين الانصار بسبب افساد اليهود كان بين الانصار قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة حروب طاحنة فقد كانت بينهم حرب بعاث التي استمرت اكثر من مائة سنة وهي بين الاوس والخزرج وهم اولاد عم وفي بلد واحد‏.‏

فلما هاجر اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وامنوا بالله ورسوله طفئت هذه الحرب واصبحوا اخوانا متحابين يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة وكانوا يجتمعون ويتحادثون محادثة مودة‏.‏

حرص اليهود على اثارة الفتنة بين المسلمين ‏:‏

فلما راي اليهود ذلك غاظهم فجاء شيطان منهم وجلس بين الانصار وهم يتحادثون فيما بينهم‏,‏ فجعل يذكر لهم الحروب التي كانت بينهم في الجاهلية والثارات وجعل ينشد الاشعار التي يقولها بعضهم في بعض‏,‏ من اشعار السب والشتم‏.‏

فعند ذلك دبت الفتنة بين الانصار بسبب هذا اليهودي الذي اثار بينهم نعرة الجاهلية وصار في نفوس بعضهم على بعض ثم تثاور الحيان وامروا باحضار الاسلحة وتواعدوا في الحرة من الغد‏,‏ فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ بذلك جاء اليهم وجلس بينهم وقال صلى الله عليه وسلم ‏(‏ابدعوى الجاهلية وانا بين اظهركم ‏)‏‏,‏ ثم انزل الله تعالى هذه الاية‏:‏ ‏{‏اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ اِلاَّ وَاَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ اِذْ كُنتُمْ اَعْدَاء فَاَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَاَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ اِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَاَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏ال عمران / 102 ‏,‏103‏]‏‏).‏

فعند ذلك اذهب الله ما في قلوب الانصار من الحقد والبغضاء فيما بينهم وقام بعضهم وسلم على بعض وتعانقوا وذهب ما بينهم الذي اثاره هذا اليهودي (27).‏

حرص الاعداء على تفريق جماعة المسلمين ‏:‏

فانظروا يا عباد الله ماذا يصنع بنا الاعداء قديمًا وحديثًا يريدون ان يفرقوا جماعتنا‏,‏ يريدون ان يشتتوا شملنا - يريدون ان لا نجتمع على كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

هذا ما يريده لنا الاعداء‏.‏

وهذه الحادثة التي سمعتم شيئًا منها وسمعتم ما انزل الله فيها من قران فيها عبرة لنا في ان العداء يغيظهم اذا اجتمعنا على كتاب الله وعلى سنه رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فالاعداء يحاولون ان يلقوا بيننا العداوة والبغضاء وان يفرقوا جماعته وان يشتتوا شملنا وان يعيدوا بيننا النخوة الجاهلية‏.‏ فلنحذر من ذلك ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏‏,‏ فالتفرق شر وبلاء وفتنة ولا يحسم ذلك الشر الا بالرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم‏.‏

‏"‏ الامور التي يتحقق بها الاجتماع والقوة والائتلاف للمسلمين ‏"‏

وفي الحديث الذي سمعتم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا‏,‏ وان تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا‏,‏ وان تناصحوا من ولاء الله امركم‏)‏ (28)‏.‏

هذا الحديث امرنا فيه صلى الله عليه وسلم‏.‏‏,‏ بثلاثة اشياء‏:‏ -

بوحدة العقيدة‏:‏ في قوله‏:‏ ‏(‏ان تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا‏)‏‏.‏

وبوحدة المرجع والمصدر الذي نرجع اليه في حل مشاكلنا في قوله‏:‏ ‏{‏اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏‏.‏

وبوحدة القيادة في قوله‏:‏ ‏(‏وان تناصحوا من ولاه الله امركم‏)‏‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏الدين النصيحة ‏)‏‏,‏ قلنا‏:‏ لمن يا رسول الله ‏؟‏ قال‏:‏ (لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم)‏ (29).‏

مناصحة ولاة الامور والنصيحة لهم وطاعتهم في المعروف‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اَطِيعُواْ اللَّهَ وَاَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاُوْلِي الاَمْرِ مِنكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء /95‏]‏‏.‏

هذا مما يحصل به الاجتماع والائتلاف والقوة للمسلمين‏.‏

فهذه الامور الثلاثة‏:‏ وحدة العقيدة‏,‏ ووحدة المصدر‏,‏ ووحدة القيادة اذا تجمعت للمسلمين فانه قد اجتمع لهم الخير كله‏.‏‏.‏ وهذه الثلاث والحمد لله مجتمعة لنا الان‏,‏ عقيدتنا عقيدة التوحيد‏,‏ شهادة ان لا اله الا الله ‏,‏وان محمدًا رسول الله‏.‏

كون هذه البلاد بلاد التوحيد الخالص‏:‏ -

عقيدتنا عقيدة التوحيد الخالص فليس عندنا والحمد لله شيء من مظاهر الشرك التي توجد في البلاد الاخرى -بلادنا بلاد التوحيد وبلاد العقيدة وبلاد الدعوة كما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ ولا تزال ان شاء الله‏.‏

وكذلك عندنا وحدة المصدر وهو كتاب الله وسنته رسولنا صلى الله عليه وسلم على الصغيرة والكبيرة نطبق الحدود‏,‏ ونقيم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وننفذ الحدود‏.‏ وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالي‏.‏

قيادتنا والحمد لله مسلمة قامت على الكتاب والسنة وعلى الدعوة الى الله عز وجل لا اقول باننا قد كملنا من كل الوجوه‏.‏

علاج الخلل والنقص الموجود في مجتمعنا ‏:‏

عندنا نقص وعندنا خلل ولكن هذا يمكن اصلاحه بالتعاون على البر والتقوى والرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏,‏والتناصح والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏(‏الدين النصيحة‏,‏ قلنا لمن يا رسول ‏؟‏ قال‏:‏ لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم‏)‏ (30).‏

ومعني ذلك ان نتمسك بهذه النعمة وان نشكر عليها وان نعمل على بقائها وتنميتها وان نصلح ما يحصل فيها من الخلل بالطرق الصحيحة السليمة‏,‏ بطرق العلاج السليمة الصحيحة التي ارشد اليها نبينا‏,‏ هذه النعمة نعمة عظيمة فلنحافظ عليها وان لم نتمسك بها وان لم نحرص عليها فانها سوف تضيع من بين ايدينا‏.‏

‏"‏ اسباب التفرق ‏"‏

والتفرق له اسباب كثيرة من اعظمها ‏:‏

اولًا‏:‏ مخالفة منهج السلف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعهم فالسلف لهم منهج يسيرون عليه‏,‏ منهج في الاعتقاد ومنهج في الدعوة‏,‏ ومنهج في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ ومنهج في الحكم بين الناس‏,‏ وهذا المنهج كله متوحد على كتاب الله وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت هذه البلاد والحمد لله تسير على هذا النهج كما يعرف هذا القاصي والداني لا ينكره الا مكابد‏,‏ كانت هذه البلاد تسير على منهج سليم‏,‏ تسير على منهج السلف الصالح في العقيدة‏,‏ وفي الدعوى الى الله عز وجل‏,‏ وفي الامر بالمعرف والنهي عن المنكر وفي الحكم بين الناس بما انزل الله‏,‏ كل هذا موجود ولا يزال ولله الحمد في هذه البلاد لا ينكر ذلك الا مكابر‏.‏

خطورة المناهج المستوردة المخالفة للكتاب والسنة‏:‏ -

لكن اذا تنكرنا لهذا المنهج الذي كان عليه سلفنا الصالح واستوردنا مناهج من هنا وهناك تفرقنا وصار كل جماعة لها منهج يخالف منهج الجماعة الاخرى وكل جماعة تخطيء الجماعة الاخرى‏.‏

لماذا هذا يا عباد الله ‏؟‏‏!‏‏!‏‏!‏ السنا امة واحدة‏.‏

اليس ديننا الاسلام ‏؟‏ اليس منهجنا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ وصحابته ‏؟‏ اليس دليلنا ومرجعنا هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ اذن لماذا نستورد المبادئ والمناهج من هنا وهناك ‏,‏والواجب علينا ان نصدر هذا المنهج السليم الذي نحن عليه في بلاد العالم ‏,‏كما قال الله تعالى ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏}‏ ‏[‏ال عمران /110‏]‏‏.‏

تعدد المناهج سبب للتفرق ‏:‏

اما اذا تفرقنا فان هذا يرضي اعدائنا‏.‏ كما قال سبحانه‏:‏ ‏{‏اِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ اِنَّمَا اَمْرُهُمْ اِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الانعام / 159‏]‏‏.‏

وقال سبحانه تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَقَطَّعُوا اَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ‏}‏‏.‏ ‏[‏المؤمنون / 53‏]‏‏.‏

ان الله لا يرضي لنا هذا‏,‏ ورسولنا صلى الله عليه وسلم لا يرضي لنا هذا ‏,‏وكذلك سلفنا الصالح وائمتنا لا يرضون لنا هذا‏.‏

لا يليق بنا الا ان نكون جماعة واحدة متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏ الجماعات الاسلامية في خارج بلادنا ‏,‏لا يفسد شبابنا لا يزيل هذه النعمة التي نعيش فيها‏.‏

السبب الثاني من اسباب التفرق‏:‏ الاستماع الى الاكاذيب ونحوها ‏:‏

ثانيًا‏:‏ ومن اسباب هذا التفرق وهذا الاختلاف الاستماع الى الاكاذيب والى الوشايات والارجافات والترويجات التي يروجها بيننا ضعاف الايمان او المنافقون او المغرضون الذين لا يريدون لنا ان نجتمع على عقيدة واحدة وعلى دين واحد‏.‏

فالواجب علينا التثبت وعدم التسرع والله سبحانه امرنا بالتثبت فينا يختص بالعامة من الامة وجعل امور السلم والحرب والامور العامة جعل المرجع فيها الى ولاة الامور والى العلماء خاصة‏,‏ ولا يجوز لافراد الناس ان يتدخلوا فيها لان هذا يشتت الامر ويفرق الوحدة ويتيح الفرصة لاصحاب الاغراض الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر‏.‏

فهناك امور هي من اختصاص ولاة الامور ومن اختصاص علماء الامة اما افرادنا فانه لا ينبغي لهم ان يتدخلوا فيها لانها ليست من شؤونهم واذا تدخل فيها كل احد فسدت‏.‏

يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَاِذَا جَاءهُمْ اَمْرٌ مِّنَ الاَمْنِ اَوِ الْخَوْفِ اَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ اِلَى الرَّسُولِ وَاِلَى اُوْلِي الاَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ اِلاَّ قَلِيلاً‏}‏‏.‏ ‏[‏النساء /83‏]‏‏.‏

الرجوع فيما يشكل على الناس من امور الامن والخوف والحرب والسلم الى اولي الامر واهل الحل والعقد ‏:‏

فامور الامن وامور الخوف وامور الحرب والسلم والمعاهدات هذه من شؤون ولاة امور المسلمين‏,‏ ومن شؤون اهل الحل والعقد هم الذين يدرسونها وهم الذين يتولونها وفيهم الكفاية ولله الحمد ‏,‏اما اذا صارت مباحة لكل احد وتدخل فيها كل احد فان هذا مما يفسد الامر ومما يبلبل الافكار ومما يشغل الناس بعضهم ببعض ومما يفقد الثقة بين المسلمين وبين الراعي والرعية وبين الافراد والجماعات وتصبح شغل الناس الشاغل وفي النهاية لا يتوصلون الى شيء وهذا ما يريده الاعداء‏.‏

كذلكم الله جل وعلا امرنا بالتثبت حينما يبلغنا شيء عن جماعة من الجماعات او عن قبيلة من القبائل او عن فئة من المسلمين اذا بلغنا خبر سيئ يقتضي قتال هذه الجماعة‏,‏ امرنا الله جل وعلا ان لا نتسرع في هذا الامر حتى نتثبت‏.‏

يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاٍ فَتَبَيَّنُوا اَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‏}‏‏.‏ ‏[‏الحجرات / 6‏]‏‏.‏

يعني ان بلغكم خبر عن جماعة او قوم او عن قبيلة او عن فئة من الناس انها فعلت فعلًا تستحق به ان تقاتل فلا تتعجلوا في الامر ولا تعلنوا الحرب عليهم ‏,‏ولا تداهموهم حتى تتاكدوا من صحة الخبر‏.‏

سبب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الاية ‏:‏

وسبب نزول هذه الاية كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله وغيره ‏[‏نزلت هذه الاية في الوليد بن عقبة بن ابي معيط حين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ على صدقات بني المصطلق وقد روي ذلك من طرق ومن احسنها ما رواه الامام احمد في مسنده من طريق الحارث بن ابي ضرار والد جويرية بنت الحارث ام المؤمنين رضي الله عنها‏.‏(31)

انها نزلت في بني المصطلق قبيلة دخلت في الاسلام وارسل النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ اليهم من يجبي الزكاة منهم كغيرهم من المسلمين ولكن جاء الخبر ان هذه القبيلة منعت الزكاة وابت ان تسلمها لمندوب الرسول صلى الله عليه وسلم ‏,‏ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم‏,‏ لم يتسرع في الامر ولم يداهم القوم حتى انزل الله هذه الاية‏.‏

ثم جاء رئيس القبيلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏,‏ معتذرًا وبين للرسول صلى الله عليه وسلم ان مندوبه لم يصل اليهم واستبطئوه ‏,‏والله جل وعلا حمى نبيه صلى الله عليه وسلم ‏,‏ان يتعجل وان يتسرع وان يداهم القوم وهم لا ذنب لهم وانما الذي ارسل اليهم لم يصل اليهم لسبب من الاسباب الله اعلم به ‏,‏فهم لم يمتنعوا من اداء الزكاة وما خالفوا امر الله ورسوله‏,‏ وهذه الاية ليست مقصودة على هذه الحادثة لان العبرة بعموم اللفظ لا بخوص السبب فهي قاعدة يسير عليها المسلمون الى يوم القيامة‏.‏

وجوب التثبت‏:‏ -

فالتثبت واجب اذا بلغنا عن قوم او عن جماعة انهم ارتكبوا ما يستحقون به القتال - والله امر ولي الامر ومن بيده الحل والعقد ان يتثبت من شان هؤلاء لعل لهم عذرًا‏,‏ ولعله لم يصح ما نسب اليهم‏.‏ ولهذا قال تعالي ‏{‏اِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الاية

تعريف الفاسق ومفهومه عند اهل السنَّة ‏:‏

والفاسق معناه‏:‏ هو الخارج عن طاعة الله

لان الفسق في اللغة هو‏:‏ الخروج عن طاعة الله‏.‏

والفاسق عند اهل السنَّة والجماعة‏:‏ هو من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب دون الشرك فهو يسمى فاسقا ساقط العدالة‏,‏ لا تقبل شهادته ولا يقبل خبره‏.‏

وهو ليس بكافر بل هو مؤمن ولكنه ناقص الايمان‏,‏ لا تقبل شهادته ولا يعتبر عدلًا حتى يتوب الى الله عز وجل مما ارتكب ثم تعود اليه العدالة‏,‏ كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاْتُوا بِاَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً اَبَدًا وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ اِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَاَصْلَحُوا فَاِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏سورة النور اية رقم 4‏,‏ 5‏]‏‏.‏

حرص علماء الامة على التثبت في الرواية وقبولها ‏:‏

ولهذا كان علماء المسلمين وعلماء الرواية يقبلون الرواية الا ممن توفرت فيه شروط العدالة والضبط والاتقان‏.‏ فهم لا يقبلون الرواية من المجروح او المجهول الحال‏,‏ هذا من باب التثبت في اخبار الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

هذا شان هذه الامة‏:‏ التثبت في الرواة‏,‏ التثبت في المخبرين لان المخبر قد يكون فاسقًا لا يهمه الصدق‏,‏ او قد يكون كافرًا يريد الايقاع بين المسلمين ‏,‏او منافقًا‏,‏ او يكون رجلًا صالحًا ولكن فيه نزعة التسرع وشدة الغيرة فيبادر بالاخبار قبل ان يتثبت‏.‏ فالواجب علينا ان نتثبت من الخبر حتى ولو كان الذي جاء به من الصالحين‏.‏

هذا في حق ما يبلغنا عن الجماعات من المسلمين والقبائل‏.‏

وكذلك بالنسبة في حق الافراد يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏

‏{يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ اَلْقَى اِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ اِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء اية 94‏]‏‏.‏

سبب نزول قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الاية ‏:‏

هذه الاية نزلتن بسبب ان جماعة من الصحابة خرجوا للجهاد فالتقوا براعي غًنيمة يرعى غَنَمَه فلما راهم قال لهم‏:‏ السلام عليكم‏,‏ ولكنهم لم قبلوا منه السلام وقلتوه واَخذوا غُنَيْمَتَه وظنوا انه انما القى اليهم السلام من اجل ان يتستر على نفسه، وان يسلم على دمه وغنمه وانه ما القى عليهم السلام لانه مسلم وانما قال هذا من باب التستر‏.‏ (32).‏

فلله جل وعلا عاتبهم على ذلك‏.‏ وقال ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ اِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏‏.‏ يعني للجهاد ‏(‏فتبينوا‏)‏‏.‏ يعني تثبتوا‏.‏

‏{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ اَلْقَى اِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏[‏النساء /94‏]‏‏.‏

وما الذي يدركم انه ليس مؤمنًا ما دام انه اظهر الايمان واظهر الاسلام وسلم بتحية الاسلام، فالواجب ان تتثبتوا ولا تتعجلوا عليه بالحكم وتقولون‏:‏ ‏{‏لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏‏.‏ فما الذي ادراكم انه ليس بمؤمن‏.‏ هل شققتم عن قلبه‏؟‏‏.‏‏.‏

هذا التسرع لا يقره الله سبحانه وتعالى حتى من افضل خلقة بعد الانبياء وهم الصحابة رضوان الله عليهم لما تسرعوا عاتبهم الله‏.‏

قاعدة في عدم التسرع في الامور وان الحكم في الامور يكون بالظاهر‏:‏ وهذه قاعدة لهذه الامة الى ان تقوم الساعة انهم لا يتسرعون في الامور والاحكام ولا يحكمون على الانسان انه ليس بمسلم اذا اظهر الاسلام‏,‏ من الذي يدري‏؟‏‏!‏‏!‏ الله هو الذي يعلم، اما نحن فليس لنا الا الظاهر‏,‏ فمن اظهر لنا الخير تقبلناه منه ونكل باطن امره الى الله عز وجل ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم ‏(‏امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم واموالهم الاَّ بحقها وحسابهم على الله‏)‏ (33)

فلا يحكم على من اظهر الاسلام انه ليس مسلمًا الاَّ اذا تبين منه ما يدل على عدم صحة اسلامه من قول او فعل يقتضي الردة عن الاسلام‏.‏ وقيل ان هذه الاية نزلت في شان اسامة بن زيد رضي الله عنه وعن ابيه، وذلك ان اسامه طلب رجلًا من الكفار ليقتله فلما ادركه قال الكافر‏:‏ اشهد ان لا اله الاَّ الله‏,‏ ولكن اسامة رضي الله عنه تسرع فقتله بعدما قال لا اله الاَّ الله‏.‏

فلما عَلِمَ النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ بذلك انكر عليه وشدّد الانكار‏.‏ وقال له‏:‏ ‏(‏اقتلته بعدما قال لا اله الا الله‏.‏‏.‏‏.‏ وما زال يكررها فقال‏:‏ يا رسول الله انما قالها يتستر بها او يتقي بها السيف فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل شققت عن قلبه‏؟‏ فما زال يكررها ويقول‏:‏ اقتلته بعد ما قال لا اله الاَّ الله‏؟‏ وماذا تفعل بلا اله الاّ َالله اذا جاءت يوم القيامة فعند ذلك ندم اسامة ندمًا شديدًا، وقال‏:‏ تمنيت اني لم اكن اسلمت قبل ذلك اليوم‏)‏ (34)

وهذا درس عظيم للامة بانهم لا يتسرعون في الامور حتى يتثبتوا وحتى يتبين لهم الحق‏.‏

اثر التسرع ونتائجه بالنسبة للدماء والاعراض‏.‏ مثال ذلك قصة الافك ‏:‏

ما التسرع دائمًا فانه يؤدي الى الندم والى ما لا تحمد عقباه هذا بالنسبة للدماء وكذلك بالنسبة لاعراض المسلمين لا يجوز لنا ان نتسرع في قبول الشائعات وقبول الاخبار الكاذبة‏.‏ ولهذا يقول سبحانه وتعالى في حادث الافك الذي قَصّه الله سبحانه وتعالى علينا في كتابه لما اتَّهم المنافقون عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها مما براها الله سبحانه وتعالى منه، قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏لَوْلا اِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِاَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا اِفْكٌ مُّبِينٌ لَوْلا جَاؤُو عَلَيْهِ بِاَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاِذْ لَمْ يَاْتُوا بِالشُّهَدَاء فَاُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ‏}‏ ‏[‏النور/ 12‏.‏13‏]‏

الى قوله تعالى ‏{‏وَلَوْلا اِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا اَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ اَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ اَبَدًا اِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏النور/16‏,‏ 17‏]‏‏.‏

الاصل في المسلم العدالة‏,‏ والاصل في المسلم النزاهة فلا نتسرع اذا رماه احد بسوء او بارتكاب الفاحشة لا نتسرع بقبول ذلك نتثبت غاية التثبت‏.‏

وقصة الافك الكذب فيها ظاهرة جدًا لانه لا يمكن ان تكون زوجه نبي الله‏,‏ بهذا الوصف لان الله لا يختار لنبية الاّ الطيبات كما قال تعالى ‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ اُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور/26‏]‏

فالكذب في قصة الافك ظاهرة ولذلك يقول الله‏:‏ ‏{‏لَوْلا اِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِاَنفُسِهِمْ خَيْرًا‏}‏ ‏[‏النور/12‏]‏‏.‏

قيل معناها ان نفوس المؤمنين كالنفس الواحدة فاذا سمعت في اخيك شائعة فاعتبر هذا كانه فيك انت‏,‏ لان المسلمين امة واحدة وجسد واحد‏.‏ (35).‏

كما في قوله تعالى‏:‏‏{ولا تقتلون انفسكم}‏‏[‏النساء/29‏]‏

يعني لا يقتل بعضكم بعضًا‏.‏ وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَسَلِّمُوا عَلَى اَنفُسِكُمْ‏}‏ ‏[‏النور/61‏]‏

يعني يسلم بعضكم على بعض فاعتبر المؤمنين كالنفس الواحدة‏,‏ وقيل معناه والله اعلم‏:‏ اذا سمع المؤمن هذه الشائعة فليطبقها على نفسه هل يرضى لنفسه ان يقال فيها هذا وهل يرضى هذا لنفسك فكيف ترضاه لغيرك من اخوانك المسلمين‏.‏

هذا بالنسبة لاغراض المسلمين، يجب ان تصان وان تُصدّق فيها الشائعات والاخبار من غير تثبت حتى لو ثبت ان مسلمًا صدرت منه جريمة او وقع في جريمة فعلًا فانه يجب الستر عليه وعدم اشاعة ذلك بين الناس لان المسلمين كالجسد الواحد فكيف والخبر كله كذب ولكه بهتان‏.‏

السبب الثالث من اسباب التفرق‏:‏ تنقص المسلم وسوء الظن ‏:‏

ثالثًا‏:‏ تنقص المسلم الذي هو دون الافك لا يجوز‏.‏

ولا يجوز سوء الظن بالسلم قال الله تعالى ‏{‏يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى اَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى اَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا اَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالاَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ اِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ اِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا اَيُحِبُّ اَحَدُكُمْ اَن يَاْكُلَ لَحْمَ اَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ اِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏ ‏[‏الحجرات/11 ‏,‏12‏]‏‏.‏

هذا كله نهي عن تنقص المسلمين وعن استماع ما ينتقصهم بالغيبة او النميمة او غير ولهذا حرم الله جل وعلا الغيبة فقال سبحانه ‏{‏وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا‏}‏

تعريف الغيبة ‏:‏

الغيبة كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ‏(‏اتدرون ما الغيبة‏؟‏ قالوا الله ورسوله اعلم، قال‏:‏ ذكرك اخاك بما يكره قيل افرايت ان كان في اخي ما اقول‏؟‏ قال‏:‏ ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لك يكن فيه فقد بهته‏)‏ (36).‏

تعريف النميمة ‏:‏

والنميمة هي‏:‏ نقل الحديث بين الناس على وجه الافساد بينهم يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم/10 ‏,‏11‏]‏‏.‏

واشد ذلك كله الذي يسعى بين طلبة وبين الدعاة من اجل افساد ما بينهم ومن اجل تشتيت الجماعة المسلمة ومن اجل ان يحقد بعضهم على بعض، الذي يفعل هذا نمام، وقد نهي الله عن تصديقه وعن طاعته حتى ولو حلف بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم 10 ،11‏]‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏(لا يدخل الجنة نمام)‏ (37)

وفي الاثر ان النمام يفسد في ساعة ما يفسده الساحر في سنة‏.‏ والنميمة من السحر‏,‏ لان السحر يفسد بين الناس ويوقع العداوة بين الناس كما قال تعالى ‏{‏فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ‏}‏ ‏[‏سورة البقرة اية رقم 102‏]‏‏.‏

يعني السحر - فالسحر يفرق بين القلوب ويحدث البغضاء‏,‏ وكذلك النميمة هي اشد من السحر ربما تقوم حروب طاحنة بسبب نمام‏,‏ وربما يتفرق المسلمون ويتباغضون ويتفرقون بسبب نمَّام‏.‏

فعلينا ان نتقي الله عز وجل وان نحذر من النمامين‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم لما مر بقبرين قال‏:‏ ‏(انهما ليعذبان في كبير بلى انه كبير‏.‏ اما احدهما فكان يمشي بالنميمة واما الاخر فكان لا يستبرئ من بوله)‏ (38)

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ‏(‏لا يدخل الجنة نمام‏)‏ تقدم تخريجه - وفي رواية ‏(‏لا يدخل الجنة قتات‏)‏ (39)‏‏.‏والقتات هو النمام‏.‏

وقال تعالى ‏{‏وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا‏}‏ ‏[‏سورة الحجرات اية رقم 21‏]‏‏.‏

هذا كله من اجل بقاء صلاح الجماعة وصلاح المسلمين وعدم تفرقتهم‏.‏ السخرية‏,‏ الهمز‏,‏ اللمز‏,‏ التنابز بالالقاب‏,‏ سوء الظن بالمسلمين‏,‏ التجسس على عوراتهم بغير حق‏,‏ الغيبة كل هذه من الافات الاجتماعية التي تفرق جماعة المسلمين‏,‏ والله امرنا بالاجتماع والاعتصام بحبله عز وجل‏.‏

السبب الرابع ‏:‏

رابعًا‏:‏ التهاجر بين المسلمين‏,‏ والهجرة معناه‏:‏ الترك والابتعاد هو ابتعاد الشخص عن الاخر وعدم مكالمته مع مقاطعته‏.‏

‏ "‏ متي يجوز الهجر ومتى ما لا يجوز ‏"‏

حكم الهجر في حق الكافر والمشرك ‏:‏

اما الكافر والمشرك فيجهران هجرًا تاما‏,‏ كما قال الله سبحانه وتعالى ‏{‏وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً‏}‏ ‏[‏سورة المزمل اية رقم 10‏]‏‏.‏

وقال سبحانه وتعالى ‏{‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏سورة المدثر اية رقم 5‏]‏‏.‏

والرجز هو الاصنام واهلها ‏[‏قاله ابن عباس رضي الله عنه عنهما‏:‏ ومجاهد‏:‏ وعكرمة‏:‏ وقتادة‏,‏ وغيرهم‏.‏ انظر ‏"‏ تفسير ابن كثير ‏"‏ ‏(40).‏

فالله امر نبيه ان يهجر الاصنام واهلها وعبدتها بان يتركهم فالكافر والمشرك يهجر هجرًا تاما الى ان يسلم ويدخل في دين الله عز وجل‏.‏

حكم الهجر في حق المسلم العاصي ‏:‏

والمسلم اذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ولم تجد فيه النصيحة واستمر على المعصية وكان الهجر فيه علاج له وفيه رجاء لتوبته فانه يهجر لان النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض اصحابه فقد هجر الثلاثة الذين خلفوا هجرتهم خمسين ليلة وامر الناس بهجرهم حتى تاب الله عليهم‏,‏ كما قال تعالى ‏{‏وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى اِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ اَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ اَن لاَّ مَلْجَاَ مِنَ اللَّهِ اِلاَّ اِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ اِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏سورة التوبة اية رقم 118‏]‏‏.‏

فاذا كان هجر العاصي مصلحة راجحة بان يتوب ويخجل ويرجع عن ذنوبه فان الهجر مطلوب‏.‏

اما اذا كان هجرة لا يزيد الا شرًا ولا يزيده الا معصية فان الهجر حينئذ لا يجوز بل تواصل معه النصحية‏.‏ والمجالسة لعل الله ان يهديه او يخفف من شره على الاقل‏.‏

هجرة المؤمن المستقيم ‏:‏

وام هجر المؤمن المستقيم هذا حرام‏.‏ اذا لم تصدر منه معصية ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتقاطع فقال ‏(‏لا تحاسدوا‏,‏ ولا تقاطعوا‏,‏ ولا تدابروا‏,‏ وكونوا عباد الله اخوانًا‏,‏ ولا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاثٍ‏)‏ (41)

يعني ان كان لا بد ليكن الى ثلاثة ايام وما زاد عليها لا يجوز اذا كان الهجر من اجل امور الدنيا‏,‏ مثل انسان اخذ شيئًا من مالك‏,‏ او اعتدى عليك بشيء من امور الدنيا فغضبت عليه ان الذي ينبغي ان تدفع بالتي هي احسن‏,‏ وان كان ولابد فانك تهجره الى ثلاثة ايام ثم بعد ذلك يحرم عليك ان تهجر اكثر من ذلك لانه مسلم‏.‏

فالهجرة اذن منه‏:‏ هجر دائم وهو هجر المشرك‏.‏

وهجر بقدر الحاجة وهو هجر العاصي حتى يتوب وهجر لا يجوز وهو هجر المسلم من اجل امر من امور الدنيا لان المطلوب من المسلمين هو الاجتماع والتعاون على البر والتقوى والتالف على الخير‏.‏

والتهاجر انما يقع بسبب شياطين الجن والانس يوقعونه بين المسلمين لتشتيت جماعتهم وتفريق كلمتهم‏.‏

حوادث من السيرة فيما دروس وعبر

فائدة في الذب عن عرض المسلمين قصة كعب بن مالك وتخلفه في غزوة تبوك ‏:‏

حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ بعض الحوادث فيما عبرة وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في غزوة تبوك وتخلف كعب بن مالك رضي الله عنه سال عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغ تبوك فقال رجل‏:‏ يا رسول الله حبسه براده والنظر في عطفيه او غير ذلك من الكلمات التي فيها تجريح لهذا الصحابي فقام رجل من المسلمين وقال منكرًا على هذا‏:‏ بئس ما قلت‏.‏ والله يا رسول الله ما علمنا عليه الاّ َخيرًا - من قصة كعب بن مالك رضي الله عنه وتخلفه عن غزوة تبوك ‏,(42)‏

فهذا الرجل دفع عن عرض لاخيه وذب عنه فاقره النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ على ذلك وكهذا ينبغي للمسلم ان يدفع عن عرض اخيه وان يذب عنه‏.‏

وهذا من المواقف المشرفة‏,‏ ولو ان المسلمين اخذوا بهذا وصاروا يدفعون ويذبون عن اعراض اخوانهم لارتدع النمامون وارتدع الذين ينتهزون الفرض لزرع الشر والعداوة بين الناس‏.‏

ذب النبي صلى الله عليه وسلم عن عرض من قال لا اله الا الله يبتغي وجه الله‏:‏ -

وحادثة اخري وهي‏:‏ ان النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ خرج لزيارة بعض اصحابه ومعه جماعة من اكابر الصحابة فلما جلسوا عند المزور قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اين فلان ‏؟‏ فقال بعض الحاضرين‏:‏ انه منافق لا يحب اله ورسوله‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ان الله حرم على النار من قال لا اله الا الله يبتغي بذلك وجه الله‏)‏‏.‏

فالنبي صلى الله عليه وسلم دفع عن عرض صحابي لانه يشهد ان لا اله الا الله‏,‏ ويبتغي بذلك وجه الله لم يقلها نفاقًا‏.‏ وانما قالها عن صدق واخلاص فان الله حرمه على النار ولا يجوز لاحد ان يتكلم في حق من كان كذلك من المسلمين‏.‏

وقصة اخري ‏:‏

وهي‏:‏ انه جيء برجل يشرب الخمر فامر النبي صلى الله عليه وسلم بجلده واقامة الحد عليه وتكرر هذا منه حتى قال رجل من الحاضرين‏:‏ اللهم العنة‏,‏ ما اكثر ما يؤتي به‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم منكرًا عليه‏:‏ ‏(‏لا تلعنه‏,‏ فوالله ما علمت انه يحب الله ورسوله‏)‏‏.‏

يعني انه مؤمن، وان كان ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ولكن فيه الايمان. فالمؤمن له مكانته وله منزلته فلا يجوز لاحد ان ينال منه ولو كان عاصيًا. هذه كلها دروس تعطي المسلم ان يحترم اعراض اخوانه المسلمين.

اية من كتاب الله تحل على خطر الوقيعة في العلماء:

واتم تقرؤون هاتين الايتين وهي قوله تعالى : {وَلَئِن سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ اَبِاللَّهِ وَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ اِيمَانِكُمْ} [التوبة 65 -66]

اتدرون فيمن نزلتا؟ نزلتا في جماعة كانوا يضحكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسخرون منهم وينتقصونهم ويقولون : ما راينا مثل قرائنا هؤلاء ارغب بطونًا ولا اكذب السنًا، ولا اجبن عند اللقاء – يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه – فانزل الله هاتين الايتين وجاءوا يعتذرون للرسول صلى الله عليه وسلم، بانهم لم يقصدوا ما قالوا وانما ارادوا المزح وتقطيع السفر كما حكى الله عنهم في الاية في قوله : {وَلَئِن سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة/65].

فالله جل وعلا ردّ عليهم بقوله : {قُلْ اَبِاللَّهِ وَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ}[التوبة/ 65]. (43)

ويقول سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏اِنَّ الَّذِينَ اَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ امَنُوا يَضْحَكُونَ وَاِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَاِذَا انقَلَبُواْ اِلَى اَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ‏}‏‏.‏‏[‏ المطففين/29 - 31‏]‏‏.‏

ويقول سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ‏}‏‏.‏ ‏[‏ الهمزة /1‏]‏‏.‏

فالحاصل ان المسلم له حق على اخيه المسلم وله مكانة عند الله سبحانه وتعالى ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم ‏(‏ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا‏,‏ الا هل بلغت‏.‏ اللهم فاشهد ‏)‏‏.‏ (44).‏

الحاصل من هذا كله ان المسلمين يجب ان يكونوا جماعة واحدة وان يكون مصدرهم واحدًا وان تكون قيادتهم واحدة‏,‏ كما انهم يجتمعون على عقيدة واحدة وهي عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له‏.‏ هذه هي جماعة المسلمين‏.‏ واذا دب فيهم تباغض وهجر او وجد فيهم منافقون فان الامر خطير جدًا‏.‏

عظمة مكان العلماء وخطورة الكلام في اعراضهم او انتقاصهم‏:‏ لا سيما واننا نسمع في زماننا هذا من يتكلم في اعراض العلماء ويتهمهم بالغباوة والجهل وعد ادراك الامور وعدم فقه الواقع كما يقولون وهذا امر خطير‏.‏

فانه اذا فقدت الثقة في علماء المسلمين فمن يقود الامة الاسلامية ‏؟‏ ومن يرجع اليه الفتاوى والاحكام‏؟‏ واعتقد ان هذا دس من اعدائنا وانه انطلي على كثير من الذين لا يدركون الامور او الذين فيهم غيرة شديدة وحماس لكنه على جهل فاخذوه ماخذ الغيرة وماخذ الحرص على المسلمين لكن الامر لا يكون هكذا‏.‏ اعز شيء في الامة هم العلماء فلا يجوز ان ننتقصهم او نتهمهم بالجهل والغباوة وبالمداهنة او نسميهم علماء السلاطين او غير ذلك؛ هذا خطر عظيم يا عباد الله‏,‏ فلنتق الله من هذا الامر ولنحذر من ذلك‏,‏ كما يقول الشاعر ‏:‏

علماء الدين يا ملح البلد ** ما يصلح الزاد اذا الملح فسد

الطريقة الصحيحة للتعامل مع العلماء عند ظن خطاهم ‏:‏

نعم انا لا اقول ان العلماء معصومون وانهم لا يخطئون‏.‏ العصمة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏,‏ والعلماء يخطئون ولكن ليس العلاج اننا نشهر بهم واننا نتخذهم اغراضًا في المجالس‏,‏ او ربما على بعض المنابر او بعض الدروس لا يجوز هذا ابدًا‏.‏ حتى لو حصلت من عالم زلة او خطا فان العلاج يكون بغير هذه الطريقة‏.‏ قال تعالى ‏{‏اِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ امَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَاَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏‏[‏ النور/19‏]‏

نسال الله العافية والسلامة‏.‏ فالواجب ان نتنبه لهذا الامر وان يحترم بعضنا بعضا ولا سيما العلماء ورثة الانبياء ولو كان فيهم ما فيهم‏.‏

اثر فقد العلماء وما يترتب عليه ‏:‏

اتدرون ما اثر فقد العلماء وما الذي يترتب عليه‏؟‏

ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعًا وتسعين نفسًا‏,‏ فجاء يطلب من يفتيه هل له توبة ‏؟‏ وجواب هذا السؤال لا يقدر عليه الا عالم‏.‏ لكنهم دلوه على عابد مجتهد في العبادة والورع والزهد لكنه جاهل فتعاظم الامر وقال‏:‏ ليس لك توبة‏,‏ فقتله الرجل فكمل به المائة‏.‏ ثم سال عن عالم فدلوه على عالم فساله‏,‏ انه قتل مائة نفس فهل من توبة ‏؟‏‏!‏

قال له‏:‏ نعم ومن يحول بينك وبين التوبة ‏؟‏

ولكن ارضك ارض سوء فاذهب الى ارض كذا وكذا‏,‏ فان فيها اناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع الى ارضك‏.‏

تاب الرجل وخرج مهاجرًا الى الارض الطيبة وحضرته الوفاة وهو في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب‏.‏ فانزل الله ملكًا في صورة ادمي ليحكم بينهم فقال‏:‏ قيسوا ما بين البلدتين فوجوده الى البلدة الطيبة اقرب بشبر فقبضته ملائكة الرحمة ‏(45)‏

وفي رواية اخري انه لما حضرته الوفاة ناي بصدره الى الارض الطيبة لما عجز عن المشي برجليه صار ينوء بصدره وذلك بسبب الحرص وصدق التوبة‏.‏

هذا كان بسبب العالم وبسبب فتواه الصحيحة المبينة على العلم‏.‏ ارايتم لو بقي على فتوى ذلك العابد الجاهل لصار يقتل الناس ويستمر في القتل وربما مات من غير توبة بسبب الفتوى الخاطئة‏.‏

وكذلك قوم نوح لما صورت الصور ونصبت على المجالس وكان العلماء موجودين لم تعبد هذه الصور؛ لان العلماء ينهون عن عبادة غير الله فلما مات العلماء وفقد العلم جاء الشيطان وتسلط على الجهال وقال‏:‏ ان اباءكم ما نصبوا هذه الصور الا ليسقوا بها المطر وليعبدوها‏.‏ ‏(46)‏

فعبدوها وحينئذ وقع الشرك في الارض‏,‏ وذلك كله بسبب فقد العلم وموت العلماء‏.‏

حال الامة عند فقد علمائها

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ انه قال‏:‏ ‏(‏ان الله لا يقبض هذا العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس ولكن يقيض العلم بموت العلماء حتى اذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا‏)‏ (47).‏

ارايتم ان فقدت هذه الامة علماءها ماذا تكون الحال ‏!‏‏!‏‏؟‏

ان الذين يسخرون من العلماء يريدون ان يفقدوا الامة علماؤها‏,‏ حتى ولو كانوا موجودين على الارض ما دام انها قد نزعت الثقة منهم فقد فقدوا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولا حول ولا قوة الا بالله‏.‏

المثقفون والمتحمسون لا يعوضون عن العلماء

ان وجود المثقفين والخطباء المتحمسين لا يعوض الامة من علمائها وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏انه في اخر الزمان يكثر القراء ويقل الفقهاء‏)‏ (48)

وهؤلاء قراء وليسوا فقهاء‏.‏ فاطلاق لفظ العلماء على هؤلاء اطلاق في غير محله والعبرة بالحقائق لا بالالقاب فكثير من يجيد الكلام ويستميل العوام وهو غير فقيه‏.‏

والذي يكشف هؤلاء انه عندما تحصل نازلة يحتاج الى معرفة الحكم الشرعي فيها فان الخطباء والمتحمسين تتقاصر افهامهم وعند ذلك ياتي دور العلماء‏.‏ فلننتبه لذلك ونعطي علماءنا حقهم ونعرف قدرهم وفضلهم وننزل كلًا منزلته اللائقة به‏.‏

قال ابن رجب رحمه الله‏:‏ وقد ابتلينا بجهله من الناس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتاخرين انه اعلم ممن تقدم‏,‏ فمنهم من يظن في شخصه انه اعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ هو اعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين وهذا يزم منه ما قبله‏.‏ لان هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين اكثر قولًا ممن كان قبلهم فاذا كان من بعدهم اعلم منهم لاتساع قوله كان اعلم ممن اقل منهم قولًا بطريق الاولي كالثوري والاوزعي والليث وابن المبارك وطبقتهم وممن قبلهم من التابعين والصحابة ايضًا‏.‏ فان هؤلاء كلهم اقل كلامًا ممن جاء بعدهم‏.‏ وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح واساءة ظن بهم ونسبة لهم الى الجهل وقصور العلم‏.‏ ولا حول ولا قوة الا بالله‏,‏ وقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة‏:‏ انهم ابر الامة قلوبًا واعمقها علومًا واقلها تكلفًا وروي نحوه عن ابن عمر ايضًا وفي هذه اشارة الى من بعدهم اقل عمومًا واكثر تكلفًا‏,‏ وقال ابن مسعود ايضًا‏:‏ انكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه وسياتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه‏.‏ انتهي‏.‏

‏"‏ فائدة مهمة تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله ‏"‏

قال تعالى الله ‏{‏وَاِذَا جَاءهُمْ اَمْرٌ مِّنَ الاَمْنِ اَوِ الْخَوْفِ اَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ اِلَى الرَّسُولِ وَاِلَى اُوْلِي الاَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ اِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء /83‏]‏‏.‏

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الاية ‏"‏ هذا تاديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق‏,‏ وانه ينبغي لهم اذا جاءهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالامن سرور المؤمنين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا باشاعة ذلك الخبر‏.‏ بل يردونه الى الرسول والى اولي الامر منهم اهل الراي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون الامور ويعرفون المصالح وضدها‏,‏ فان راوا في اذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من اعدائهم فعلوا ذلك ‏,‏وان راوا ما فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه‏.‏ ولهذا قال تعالى ‏{‏لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}‏‏,‏ اي يستخرجونه بفكرهم وارائهم السديدة وعلومهم الرشيدة‏.‏ وفي هذا دليل لقاعدة ادبية وهي‏:‏ انه اذا حصل بحث في امر من الامور ينبغي ان يولي من هو اهل لذلك ويجعل الى اهله ولا يتقدم بين ايديهم فانه اقرب الى الصواب واحرى للسلامة من الخطا‏.‏ وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الامور من حين سماعها والامر بالتامل قبل الكلام والنظر فيه هل هو مصلحة فيقدم عليه الانسان ام لا فيحجم عنه‏.‏ ثم قال تعالى ‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}‏‏.‏ اي في توقيفكم وتاديبكم وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون‏.‏

‏{‏لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ اِلاَّ قَلِيلاً‏}‏‏,‏ لان الانسان بطبعه ظالم جاهل فلا تامره نفسه الا بالشر‏,‏ فاذا لجا الى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك لطف به ربه ووفقه لكل خير وعصمه من ‏"‏ الشيطان الرجيم ‏"‏ - انتهى

موقع الشيخ على الشبكة

12d8c7a34f47c2e9d3==