السلفيه
12-21-2003, 11:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
للشيخ - رحمه الله - كلام في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] والرد على أهل الضلال الذين قالوا: إن معنى الآية أنه لا وجود للأشياء من جهة نفسها وإنما وجودها من جهة الله فهي موجودة بوجه ربها، أي: بإيجاده لها، وربما يغلو بعضهم فيقول: إن معنى الآية لا موجود إلا الله كما هو قول ابن عربي وغيره من أهل وحدة الوجود
قال (3): والمقصود هنا أن يقال: أما كون وجود الخالق هو وجود المخلوق فهذا كفر صريح باتفاق أهل الإيمان، وهو من أبطل الباطل في بديهة عقل كل إنسان، وإن كان منتحلوه يزعمون أنه غاية التحقيق والعرفان. وأما كون المخلوق لا وجود له إلا من الخالق سبحانه فهذا حق، ثم جميع الكائنات هو خالقها وربها ومليكها لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وخلقه.
هو خالق كل شيء سبحانه وتعالى، لكن الكلام هنا في تفسير الآية بهذا؛ فإن المعاني تنقسم إلى حق وباطل، فالباطل لا يجوز أن يفسر به كلام الله، والحق إن كان هو الذي دل عليه القرآن فسر به، وإلا فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة إذ دلالة اللفظ على المعنى سمعية، فلا بد أن يكون اللفظ مستعملاً في ذلك المعنى بحيث قد دلَّ على المعنيّ به، ولا يكتفى في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى، إذ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصي عددها إلا الله. وهذا عند من يعتبر المناسبة بين اللفظ والمعنى كقول طائفة من أهل الكلام والبيان. وأما عند من لا يعتبر المناسبة فكل لفظ يصلح وضعه لكل معنى لا سيما إذا علم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك المعنى لمجرد المناسبة كذب على الله، ثم إن كان مخالفاً لما علم من الشريعة فهو دأب القرامطة، وإن لم يكن مخالفاً فهو حال كثير من الوعاظ والمتصوفة الذين يقولون بإشارة لا يدل اللفظ عليها نصاً ولا قياساً.
وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية، يعني قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]: كل وجود سوى وجوده فباطل، بل لا يجوز تفسير الآية بذلك التفسير المحدث، ثم ذكر - رحمه الله - وجوهاً لإبطال هذا التفسير المحدث ملخصها:
1 - أن الله سبحانه قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وهذا يقتضي أن ثم أشياء تهلك إلا وجهه، فإن أريد بوجهه وجوده اقتضى أن كل ما سوى وجوده هالك، فيقتضي أن تكون المخلوقات هالكة، وليس الأمر كذلك، وهو أيضاً؛ أي: هذا التفسير على قول الاتحادية فإنه عندهم ما ثم إلا وجود واحد، فلا يصح أن يقال: كل ما سوى وجوده هالك، إذ ما ثم شيء يخبر عنه بأنه سوى وجوده؛ إذ أصل مذهبهم نفي السِّوى والغير في نفس الأمر.
2 - إذا قيل: إن معنى الآية أن ما سوى الله فليس وجوده من نفسه وإنما وجوده من الله فيكون المعنى: كل شيء ليس وجوده من نفسه إلا هو؛ قيل: استعمال لفظ الهالك في الشيء الموجود المخلوق لأجل أن وجوده من ربه لا من نفسه؛ لا يعرف في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً، والآيات القرآنية تدل على أن الهلاك استحالة وفساد في الشيء الموجود. لا أنه يعني أنه ليس وجوده من نفسه.
3 - أنه إذا كان معنى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} كل شيء سوى الله فهو ممكن الوجود أما الله سبحانه فهو واجب الوجود؛ أي: كل شيء هالك بمعنى أنه من الممكن الوجود إلا وجهه، أي إلا الله فهو واجب الوجود، قيل: هذا من توضيح الواضح فإنه من المعلوم أن كل ما سوى واجب الوجود فهو ممكن الوجود.
4 - أن يقال: إن اسم الوجه في الكتاب والسنة إنما يذكر في سياق العبادة له، والعمل له والتوجه إليه، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان]، وقال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]، وإذا كان كذلك كان حمل اسم الوجه في هذه الآية على ما دل عليه في سائر الآيات؛ أولى من حمله على ما لا يدل عليه لفظ الوجه في شيء من الكتاب والسنة؛ لأن هذا استعمال للفظ فيما لم يرد به الكتاب.
5 - أن اسم الهلاك يراد به الفساد وخروجه عما يقصد به ويراد وهذا مناسب لما لا يكون لله فإنه فاسد لا ينتفع به في الحقيقة، بل هو خارج عما يجب قصده وإرادته، قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26]؛ أخبر أنهم يهلكون أنفسهم بنهيهم عن الرسول ونأيهم عنه. ومعلوم أن من نأى عن اتباع الرسول ونهى غيره عنه وهو الكافر؛ فإن هلاكه بكفره وهو حصول العذاب المكروه له دون النعيم المقصود.
اضواء من فتاوي ابن تيميه-المجلد الاول للشيخ صالح الفوزان
تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
للشيخ - رحمه الله - كلام في تفسير قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] والرد على أهل الضلال الذين قالوا: إن معنى الآية أنه لا وجود للأشياء من جهة نفسها وإنما وجودها من جهة الله فهي موجودة بوجه ربها، أي: بإيجاده لها، وربما يغلو بعضهم فيقول: إن معنى الآية لا موجود إلا الله كما هو قول ابن عربي وغيره من أهل وحدة الوجود
قال (3): والمقصود هنا أن يقال: أما كون وجود الخالق هو وجود المخلوق فهذا كفر صريح باتفاق أهل الإيمان، وهو من أبطل الباطل في بديهة عقل كل إنسان، وإن كان منتحلوه يزعمون أنه غاية التحقيق والعرفان. وأما كون المخلوق لا وجود له إلا من الخالق سبحانه فهذا حق، ثم جميع الكائنات هو خالقها وربها ومليكها لا يكون شيء إلا بقدرته ومشيئته وخلقه.
هو خالق كل شيء سبحانه وتعالى، لكن الكلام هنا في تفسير الآية بهذا؛ فإن المعاني تنقسم إلى حق وباطل، فالباطل لا يجوز أن يفسر به كلام الله، والحق إن كان هو الذي دل عليه القرآن فسر به، وإلا فليس كل معنى صحيح يفسر به اللفظ لمجرد مناسبة إذ دلالة اللفظ على المعنى سمعية، فلا بد أن يكون اللفظ مستعملاً في ذلك المعنى بحيث قد دلَّ على المعنيّ به، ولا يكتفى في ذلك بمجرد أن يصلح وضع اللفظ لذلك المعنى، إذ الألفاظ التي يصلح وضعها للمعاني ولم توضع لها لا يحصي عددها إلا الله. وهذا عند من يعتبر المناسبة بين اللفظ والمعنى كقول طائفة من أهل الكلام والبيان. وأما عند من لا يعتبر المناسبة فكل لفظ يصلح وضعه لكل معنى لا سيما إذا علم أن اللفظ موضوع لمعنى هو مستعمل فيه فحمله على غير ذلك المعنى لمجرد المناسبة كذب على الله، ثم إن كان مخالفاً لما علم من الشريعة فهو دأب القرامطة، وإن لم يكن مخالفاً فهو حال كثير من الوعاظ والمتصوفة الذين يقولون بإشارة لا يدل اللفظ عليها نصاً ولا قياساً.
وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية، يعني قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]: كل وجود سوى وجوده فباطل، بل لا يجوز تفسير الآية بذلك التفسير المحدث، ثم ذكر - رحمه الله - وجوهاً لإبطال هذا التفسير المحدث ملخصها:
1 - أن الله سبحانه قال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وهذا يقتضي أن ثم أشياء تهلك إلا وجهه، فإن أريد بوجهه وجوده اقتضى أن كل ما سوى وجوده هالك، فيقتضي أن تكون المخلوقات هالكة، وليس الأمر كذلك، وهو أيضاً؛ أي: هذا التفسير على قول الاتحادية فإنه عندهم ما ثم إلا وجود واحد، فلا يصح أن يقال: كل ما سوى وجوده هالك، إذ ما ثم شيء يخبر عنه بأنه سوى وجوده؛ إذ أصل مذهبهم نفي السِّوى والغير في نفس الأمر.
2 - إذا قيل: إن معنى الآية أن ما سوى الله فليس وجوده من نفسه وإنما وجوده من الله فيكون المعنى: كل شيء ليس وجوده من نفسه إلا هو؛ قيل: استعمال لفظ الهالك في الشيء الموجود المخلوق لأجل أن وجوده من ربه لا من نفسه؛ لا يعرف في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً، والآيات القرآنية تدل على أن الهلاك استحالة وفساد في الشيء الموجود. لا أنه يعني أنه ليس وجوده من نفسه.
3 - أنه إذا كان معنى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} كل شيء سوى الله فهو ممكن الوجود أما الله سبحانه فهو واجب الوجود؛ أي: كل شيء هالك بمعنى أنه من الممكن الوجود إلا وجهه، أي إلا الله فهو واجب الوجود، قيل: هذا من توضيح الواضح فإنه من المعلوم أن كل ما سوى واجب الوجود فهو ممكن الوجود.
4 - أن يقال: إن اسم الوجه في الكتاب والسنة إنما يذكر في سياق العبادة له، والعمل له والتوجه إليه، قال تعالى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل]، وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان]، وقال تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]، وإذا كان كذلك كان حمل اسم الوجه في هذه الآية على ما دل عليه في سائر الآيات؛ أولى من حمله على ما لا يدل عليه لفظ الوجه في شيء من الكتاب والسنة؛ لأن هذا استعمال للفظ فيما لم يرد به الكتاب.
5 - أن اسم الهلاك يراد به الفساد وخروجه عما يقصد به ويراد وهذا مناسب لما لا يكون لله فإنه فاسد لا ينتفع به في الحقيقة، بل هو خارج عما يجب قصده وإرادته، قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26]؛ أخبر أنهم يهلكون أنفسهم بنهيهم عن الرسول ونأيهم عنه. ومعلوم أن من نأى عن اتباع الرسول ونهى غيره عنه وهو الكافر؛ فإن هلاكه بكفره وهو حصول العذاب المكروه له دون النعيم المقصود.
اضواء من فتاوي ابن تيميه-المجلد الاول للشيخ صالح الفوزان