المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بحث ممتع عن شبهات حول السنة ومراتب وأحوال وأحكام الحكم بغير ما أنزل الله


كيف حالك ؟

البلوشي
10-22-2007, 09:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحكم بغير ما أنزل الله
العلامة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله
بحث ممتع عن شبهات حول السنة ومراتب وأحوال وأحكام الحكم بغير ما أنزل الله

يقول الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله {قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) .
أمر الله جل شأنه جميع الناس أن يرد كل منهم ما لديه من الأمانة إلي أهلها ، أياً كانت تلك الأمانة ، فعم سبحانه بأمره كل مكلف ، وكل أمانة ، سواء كان ما ورد في نزول الآية صحيحاً أم غير صحيح ، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- ثم أوصى سبحانه من وكل إليه الحكم في خصومه أو الفصل بين الناس في أمر ما ان يحكم بينهم بالعدل، سواء كان محكماً أو ولى أمر عام أو خاص ، ولا عدل إلا ما جاء في كتاب الله أو سنة أسداه إلي عباده من الموعظة إغراء لهم بالقيام بحقها والوقوف ةعند حدودها ، وختم الآية بالثناء على نفسه بما هو أهله من كمال السمع والبصر ترغيباً في امتثال أمره رجاء ثوابه ، وتحذيراً من مخالفة شرعه خوف عقابه ، ثم أمر تعالى المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله  مطلقاً ، لأن الوحى وكله حق ، وأمر بطاعة أولى الأمر فيما وضح أمره من المعروف لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما دلت عليه النصوص الثابتة الصريحة في ذلك ، فإن اشتبه الأمر ووقع النزاع وجب الرجوع في بيان الحق والفصل فيما اختلف فيه إلي الكتاب والسنة لقوله سبحانه : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ).
وقوله (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
وأمثال ذلك من نصوص الكتاب والسنة فإن الرجوع إليهما عند الحيرة أو النزاع خير عاقبة وأحسن مالاً ، وهذا إنما يكون فيما فيه مجال للنظر والاجتهاد ، فمن بذل جهده ونظر في أدلة الشرع وأخذ بأسباب الوصول إلي الحق ، فهو مأجور ، أجران إن أصاب حكم الله ، ومعذور مأجور أجراً واحداً إن أخطأه ، وله أن يعمل بذلك في نفسه وأن يحكم به بين الناس ، ويعمله الناس مع بيان وجهة نظره المستمدة من أدلة الشرع على كلتا الحالتين بناء على قاعدة التيسير ورفع الحرج وعملاً بقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).
وبقول النبي  " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ولقوله  " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد " رواه أحمد والبخارى ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذى وابن ماجه. ومن لم يبذل جهده في ذلك ولم يسأل أهل العلم وعبد الله على غير بصيره ، أو حكم بين الناس في خصومة فهو آثم ضال مستحق العذاب إن لم يتب ويتغمده الله برحمته قال تعالى : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً).
وكذا من علم الحق ورضي بحكم الله لكن غلبه هواه أحياناً فعمل في نفسه ، أو حكم بين الناس في بعض المسائل أو القضايا على خلاف ما علمه من الشرع لعصبية أو لرشوة مثلاً فهو آثم لكنه غير كافر كفراً يخرج من الإسلام ، إذا كان معترفاً بأنه أساء ولم ينتقص شرع الله ولم يسيء الظن به بل يجز في نفسه ما صدر منه ويرى أن الخير والصلاح في العمل بحكم الله تعالى ، روى الحاكم عن بريدة رضي الله عنه عن النبى  أنه قال : " قاضيان في النار وقاض في الجنة ، قاض عرف الحق فقضي به فهو في الجنة ، وقاض عرف الحق فجار متعمداً ، أو قضي بغير علم فهو في النار ... ".
إن من كان منتسباً للإسلام عالماً بأحكامه ، ثم وضع للناس أحكاماً وهيأ لهم نظماً ليعلموا بها ويتحاكموا إليها ، وهو يعلم أنها تخالف أحكام الإسلام ، فهو كافر خارج من ملة الإسلام ، وكذا الحكم فيمن أمر بتشكيل لجنة أو لجان لذلك.
ومن أمر الناس بالتحاكم إلي تلك النظم والقوانين أو حملهم على التحاكم إليها وهو يعلم أنها مخالفة لشريعة الإسلام ، وكذا من يتولى الحكم بها ويطبقها فيلا القضايا ، ومن أطاعهم في التحاكم إليها باختياره مع علمه بمخالفتها للإسلام فجميع هؤلاء في الإعراض عن حكم الله ، لكن بعضهم بوضع تشريع يضاهى به تشريع الإسلام ويناقضه على علم منه وبينة ، وبعضهم بالأمر بتطبيقة أو حمل الأمة على العمل به أو ولى الحكم به بين الناس أو تنفيذ الحكم بمقتضاه ، وبعضهم بطاعة الولاة والرضا بما شرعوا لهم بما لم يأذن به الله ولم ينزل به سلطاناً ، فكلهم قد اتبع هواه بغير هدى من الله ، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه وكانوا شركاء في الزيغ والألحاد والكفر والطغيان ، ولا ينفعهم علمهم بشرع الله واعتقادهم ما فيه من إعراضهم عنه وتجافيهم لأحكامه وإتيانهم بتشريع من عند أنفسهم وتطبيقه والتحاكم إليه ، كما لم ينفع إبليس علمه بالحق واعتقاده إياه مع إعراضه عنه وعدم الاستسلام والانقياد له.
وبهذا قد اتخذوا هواهم إلهاً فصدق فيهم قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)
وقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). الآيات إلي قوله سبحانه (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) إلي قوله تعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
وقوله سبحانه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً* وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً). إلي قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
إن هؤلاء قد صدوا عن تحكيم شرع الله انتقاصاً له وإساءة للظن بربهم الذي شرعه له ، وابتغاء الكمال فيما سولته لهم أنفسهم وأوحى به إليهم شياطينهم ، كأن لسان حالهم يقول : " إن شريعة الكتاب والسنة نزلت لزمان غير زماننا ليعالج مشاكل قوم تختلف أحوالهم عن أحوالنا وقد يجدى في إصلاحهم ما لا يناسب أهل زماننا ، فلكل عصر شأنه ، ولكل قوم حكم يتناسب مع ظروفهم ونوع حضارتهم وثقافتهم" فكانوا كمن أمر الله رسوله أن ينكر عليهم ويبكتهم بقوله : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) إلي قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وكانوا ممن حقت عليهم كلمة العذاب وحكم الله عليهم بأن لا خلاق لهم فى الآخرة بقوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .
لقد استهوى الشيطان هؤلاء المغرورين فزين لهم أن يسنوا قوانين من عند أنفسهم ليتحاكموا إليها ويفصلوا بها في خصوماتهم ، وسول لهم أن يضعوا قواعد بمدى تفكيرهم القاصر وهواهم الجائر لينظموا بها اقتصادهم وسائر معاملاتهم ، محادة لكتاب الله واعتقاداً منهم أنه لا يصلح للتطبيق والعمل به في عهدهم ، ولا يكفل لهم مصالحهم ، ولا يعالج ما جد من مشاكلهم ، حيث اختلفت الظروف والأحوال عما كانت عليه أيام نزول الوحى ، واتسع نطاق المعاملات وكثرت المشكلات ، فلا بد لتنظيم المعاملات ، الفصل في الخصومات من قوانين وقواعد جديدة يضعها المفكرون من أهل العصر ، والواقفون على أحوال أهله ، المطلعون على المشاكل ، العارفون بأسبابها وطرق حلها لتكون مستمدة من واقع الحياة فتتناسب مع أحوال الناس وظروفهم الحاضرة ومع مستوى ثقافتهم وحضارتهم.
فهؤلاء وقد طغى عليهم الغرور الفكرى ، فركبوا رؤوسهم ولم يقدروا عقولهم قدرها ولم ينزلونها منزلتها ، ولم يقدروا الله حق قدره ، ولم يعرفوا حقيقة شرعه ، ولا طريق تطبيق مناهجه وأحكامه ، ولم يعلموا أن الله قد أحاط بكل شيء علماً ، فعلم ما كان وما سيكون من اختلاف الأحوال ، وكثرة المشاكل ، وأنه أنزل شريعة عامة شاملة ، وقواعد كلية محكمة وقدرها بكامل علمه وبالغ حكمته فأحسن تقديرها ، وجعلها صالحة لكل وقدرها بكامل علمه وبالغ حكمته فأحسن تقديرها ، جعلها صالحة لكل زمان ومكان ، فمهما اختلفت الطبائع والحضارات ، وتباينت الظروف والأحوال ، فهى صالحة لتنظيم معاملات العباد وتبادل المنافع بينهم والفصل في خصوماتهم وحل مشاكلهم ، وصلاح جميع شؤونهم في عباداتهم ومعاملاتهم.

إن العقول التى منحها الله عباده ليعرفوه بها ، وليهتدوا بفهمها لتشريعه إلي ما فيه سعادتهم في العاجل والآجل ، قد اتخذوا منها خصماً لدوداً لله فأنكروا حكمته وحسن تدبيره وتقديره ، وضاقوا ذرعاً بتشريعه وأساءوا الظن به فانتقصوه وردوه ، وقد يصابون بذلك وهم لا يدرون لأنهم بغرورهم بفكرهم عميت عليهم معالم الحق والعدل فكانوا من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. وكانوا ممن بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار.
إن الله وسبحانه كثيراً ما يذكر الناس في القرآن بأحوال المعتدين الهالكين ، ويحثهم على أن يسيروا في الأرض لينظروا ما كانوا فيه من قوة ورغد عيش وحضارة وبسطة في العلم ، نظر عظة واعتبار ، ليتذكروا طريقهم ، إتقاء لسوء مصيرهم ، ولفت النظر في بعض الأمور إلي جريمة الغرور الفكرى ، لشدة خطره ، وبين أنه الفتنة الكبرى التى دفعوا بها في صدور الرسل ، وردوا بها دعوتهم ليعرفنا بقصور عقول البشر ، أنها لا تصلح لمقاومة دعوة الرسل ، وليحذرنا من خطر الغرور الفكرى الذي هلك به قاوم المرسلين.
قال تعالى (َفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ *فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ).

ابو عبد الرحمن الوغليسي
10-23-2007, 01:05 AM
الحمد لله الدي اظهر الحق بكلام العلماء و بارك الله فيك يا بلوشي لهده المشاركة الطيبة الرادة على الباطل

ابو عبد الرحمن الوغليسي
10-23-2007, 01:08 AM
و رحم الله الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمة واسعة وادخله فسيح جنانه

البلوشي
10-27-2007, 05:52 PM
شبهات حول السنة

اختلاف موقف المدافع عن السنة
باختلاف حال من يورد الشبهة
قال الشيخ العلامة عبدالرزاق العفيفي يرحمه الله {إن المسلم الداعية أو المناظر الذي يثبت حجية السنة ، والذي يدفع الشبه عنها يختلف موقفه باختلاف خصمه أو من يناظره :
فتارة يكون منكراً للسنة من أصلها ، وينكر جميع ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام من الأحاديث قولاً وعملاً أو خلقاً ، ينكره ويكتفى بما جاء في القرآن الكريم ، فموقفه الواجب مع هؤلاء أن يثبت لهم حاجة المسلمين في فهمهم للقرآن ، وعملهم بالقرآن ، حاجتهم في ذلك ، إلي السنة التى جاء بها النبى  قولاً وعملاً وصفة .


الشبهة الأولى
الأقتصار على القرآن وإنكار السنة

فإذا احتج علينا بالقرآن فقال : إن الله تعالى أغنانا بالقرآن لقوله فيه : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).النحل(89)
فالقرآن بين واضح ومبين لكل شيء فلا يحتاج معه إلي سنة ، فلماذا نتكلف البحث فيها والركون إليها أو الاحتجاج لها ، لماذا نتكلف هذا مع أن الله تكفل لنا ببيان كل ما نحتاج إليه في محكم كتابه لقوله ونزلنا عليك الكتاب " وهو القرآن " تبياناً لكل شيء وهدى ورحم وبشري للمسلمين فلا حاجة إلي أن نكلف أنفسنا عناء البحث في سنة رسول الله  لنعمل بما فيها لغنانا بالقرآن عنها ويقول سبحانه في آية أخرى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )الانعام(38). ويريدون بالكتاب القرآن ، فيكون المعنى ما فرطنا في القرآن من شيء ففى القرآن كل شيء فلا حاجة علي السنة ، وهذا إنكار للسنة بجملتها أو إنكار للحاجة إليها وإلي الاحتجاج بها بالجملة ، اكتفاء بما جاء في القرآن بهاتين الآيتين ، وقد أجاب العلماء عن الاستدلال بهاتين الآيتين بأجوبة منها :
أن المراد بقوله تعالى : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) المراد به اللوح المحفوظ ، والسورة مكية ولم يكن نزل من القرآن إلا قليل ، سورة البقرة مدنية ، براءة مدنية ، النساء مدنية ، آل عمران مدنية ، كثير من آيات الأحكام والفروع ، كثير منها مدنى ، وما يتصل بالصلاة إنما وضح وتبين وتكامل فى المدينة.
وأحكام المعاملات إنما نزلت في القرآن بالمدينة ، نزلت أصولها في القرآن ، بعد الهجرة ، وأحكام الجنايات من قصاص وديات نزلت في المدينة ، والسورة ، سورة الأنعام كلها مكية على الصحيح أنها جميعاً مكية ، قد يكون منها آيات مكية تشبه الآيات المدنية كآيات الذبح وذكر الله على الذبائح ، قد يكون مثل هذا نزل بالمدينة ، لكن الغالب عليها أنها مكية ، فكيف يكون في الكتاب الذي هو القرآن بيان كل شيء في الوقت الذي نزلت فيه هذه الآية ، مع أن تلكم الأحكام إنما نزلت أصولها المدينة لا في مكة. ثم عدد الصلوات وتحديد أوقاتها ، وعدد ركعاتها ن وسائر كيفياتها لم تعرف من القرآن ، إنما عرفت من السنة.
وأحكام الزكاة من جهة النصاب ومن جهة المستحقين لم تكن عرفت في مكة ، ل لم تكن فريضة الزكاة شرعت في مكة إنما الذي شرع الصدقات العامة ، وفرض الزكاة وجبايتها إنما كان في المدينة وبيان المستحقين للزكاة إنما نزل في المدينة في سورة التوبة (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) إلي آخر الآية التى فيها الأصناف الثمانية ثم النصاب ، نصاب الزكاة ليس محدداً في القرآن وكذا شرطها وهو حلول الحول ليس محدداً في القرآن ولا مبيناً فيه ، فالواقع يدل على أن القرآن اشتمل على الأصول العامة ، وأنه لم يكن فيه كل شيء فتفسير الكتاب بالقرآن في آية ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) تفسير غير صحيح ، إنما المراد به اللوح المحفوظ الذي أمر الله تعالى القلم أن يكتب فيه ما كان وما هو كائن إلي يوم القيامة.
أما الآية الأخرى وهى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) فيقال فيها مثل ما قيل في الأولى ، المراد بالكتاب القرآن ، ولكن سورة النحل التى نزلت فيها هذه الآية أو هذه الجملة سورة مكية ، النحل من السور المكية ، ولم يكن نزل التشريع كله في مكة ، إنما نزلت أصول التوحيد ، وما يتصل بمعجزات الرسول صلي الله عليه وسلم ، إنما نزلت أصول هذا وهذا في مكة وأما الفروع فقد نزلت في المدينة ، فكيف يقال ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ).
فالمراد الكتاب في هذه الآية من سورة النحل القرآن ، لكن ليس المراد ببيانه لكل شيء بيان لجميع أحكام الفروع ، إنما هو مثل الآية التى قال الله فيها : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) إخباراً عن الريح التى أرسلها الله جل شأنه على عاد قوم هود أرسل عليهم ريحاً وقال : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ). وهى إنما دمرت قوم هود ، دمرت عاد ، ودمرت ديارهم ، فالأمارات الحسية أو الأدلة الحسية ، وواقع الهالكين الذين هلكوا وتحدث الله عنهم في القرآن يدل على أن المراد بالآية الخصوص لا العموم.
كذلكم قوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ) إلي آخر الآية هي مما أريد بها الخصوص وإلا ففي أي أية من الآيات بيان عدد الصلوات ، أو بيان تفاصيل الزكوات ، أو بيان الحج إلى بيت الله الحرام ، بأصله وتفاصيله ، لم يكن ضرع في هذا الوقت ، إنما شرع فى المدينة في السنة التاسعة أو السنة العاشرة على الخلاف بين العلماء ، وما كان من حج قبل ذلك ، فهو على الطريقة الموروثة عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما بنى البيت هو وابنه إسماعيل وأمره الله أن يؤذن في الناس ، كان الحج مشروعاً وممتداً شرعه من أيام رسالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلي أيام العرب في زمن النبى  وبعد زمنه ، أما فرضه في شريعة محمد  فقد نزل من آيات سورة آل عمران ، وهذا لم ينزل في مكة إنما نزل في السنة التاسعة من الهجرة أو في السنة العاشرة التى حج فيها رسول الله  .
فكيف يقال تبياناً لكل شيء وهو لم يتبين فيه أصل فرضية الحج ولا تفاصيل الحج ولا تفاصيل الصيام ، والصيام أيضاً فرض في المدينة بعد الهجرة بسنة ، اين الجهاد وتفاصيله ، الجهاد بالسلام أين هو وتفاصيله ، البيوع أين هى وتفاصيلها وأين تحريم الربا وهو لم ينزل إلا في المدينة ، فالآية إما أن يقال فيها أنها من العام الذي أريد به الخصوص ، وإما أن يقال تبياناً لكل شيء أوجبه على المسلمين وهم في مكة لأن السورة مكية بيان لكل شيء مما أوجبه عليهم وشرعه لهم ، لا أنها بيان لكل حكم من أحكام الإسلام .
فهؤلاء الذين أنكروا السنة جملة أو قالوا : لا حاجة إليها جملة أكتفاء بالقرآن واستدلالاً بهاتين الآيتين قد أخطأوا الطريق ، ولم يعرفوا تاريخ التنزيل ، ولم يعرفوا واقع التشريع وأن بيان ما في القرآن من العبادات والمعاملات ، واقعة في السنة ، ثم أين تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، والمرآة وخالتها ، أين تحريم زواج الإنسان بامرأة أبيه ، إنما كان هذا في المدينة ، تفاصيل الأحوال الشخصية من وقف ومواريث وهبات ووصايا ونكاح وطلاق ، تفاصيل هذا كله إنما كان بالمدينة ، في الآيات التى نزلت في المدينة وبينها الرسول  في سنته.
فواقع التشريع وعمل المسلمين جميعاً ، برهان واضح يدل ضروة أو دلالة ضرورية على أن السنة جاءت بياناً للقرآن ، بين في مكة ما يحتاجون إليه بقدر ما نزل من أحكام أصول التشريع ، وبين في المدينة ما طرأت الحاجة إليه من بيوع وغيرها من المعاملات والجنايات والحدود ، كل هذا ما نزلت آياته إلا بالمدينة ، ولا بين الرسول  تفصيله قولاً وعملاً إلا بالمدينة عليه الصلاة والسلام . فالاستدلال بالآيتين استدلال مرود ولا يقال الدليل مردود .
قلت ابتداءاً إن موقف الداعية من المدعوين يختلف باختلاف حالهم ، فمن أنكر الاحتجاج بالسنة جملة اكتفاء بكتاب الله احتج بالآيتين والرد عليهم كما سبق ذكره.

الشبهة الثالثة
رد بعض الأحاديث لمخالفتها للعقل أو لمعارضتها المستقر في بعض الأذهان

بعض الناس من المسلمين ، يرد بعض الأحاديث ، إما بالنسبة لمعارضتها لفكرة فيما يزعم ، أو لمعارضتها لما يرونه أن الطب جاء به ، أن الطب قرر قراراً صحياً في أمور لا يليق أن يأتي على خلافها حدي عن الرسول  ، فأمثال هؤلاء يردون أحاديث إما لمعارضتها لعقولهم ، وإما لمعارضتها لقواعد صحية.
مثلاً. كحديث الذباب والأمر بغمسه إذا سقط في الطعام ، أو في الشراب ، الأمر بغمسه بالشراب.
أولاُ: يرده جماعة ممن اقتنعوا بالطب وبالنظريات الطبية ، وقدسوا النظريات الطبية ووثقوا بعقول الأطباء وبتجارب الأطباء أعظم وأقوى من ثقتهم بتشريع الله ، وبما صح عن رسول الله حسنوا ظنهم بالنظريات الطبية أكثر من تحسين ظنهم بما ثبت عن رسول الله

وفى هذا طعن فى أحد أمرين:
-إما طعن فى المشرع.
-أو فى المبلغ وهو الرسول  أو خفض لوظيفته ومهمته .
يقولون إن وظيفته تشريع صلاة وصيام وكذا ، وليس له دراية بالطب ، ما الذي يدخله في الطب ، هو له دائرة محدودة يجول فيها هى دائرة التشريع منس صلاة وصيام وبيع وشراء وأمثال ذلك ، فما الذي يدخله في هذا ، هذا ليس من اختصاصه فالعمل فيه إنما يكون على النظريات الطبية ، لا على ما جاء عن الرسول 
لأن الفن ليس فنا له ولا هو اختصاصه
ثانيا: وإما أن يكون ردهم لهذا الحديث من جهة أخرى هى طعنهم في الرواة رووا هذا الحديث .
الجواب على هذه الشبهة:
أما من الجهة الأولى فالرسول  بين لهم العلة . قال: إن في أحد جناحية داء وفي الأخر شفاء ، وتعليله هذا وهو أمى لم يدخل مدارس طب ولم يتفنن بتجارب قام بها ، دليل على أنه إنما تكلم بهذا عن طريق الوحى من الله جل شأنه ، والله سبحانه عليم بخواص مخلوقاته فهو عليم بجناح الذباب وما فيه من داء وما فيه من دواء، وأن هذا يكون علاجاً لهذا.( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) الملك .
ومعروف في الذباب وفي كل طائر أنه إذا هبط من أعلى إلي أسفل أنه يهبط بميل حتى الطائرات لا تنزل الطائرة رأسية ، لا بد أن تنزل مائلة إلا أن كانت طائرات خاصة إنما الطائرات العادية المعروفة تنزل هكذا ، ثم إذا أرادت أن تنزل للجنب الثاني لابد ان تميل هكذا ، هذا النظام الدولى. والطيور إذا نزلت بجناح كذا ، وإذا أرادت أن تصف وتقف شفي الجو تنصب الجناحين إلي الجانبين كذا.
فالقصد ان الذباب كسائر الطيور إذا نزل بالجناح ، فإذا غمسته كان جناحه الثاني وما فيه من شفاء علاجاً لما أصاب الشراب أو الطعام من الداء الذي نزل في الطعام من الجناح الآخر. فهذا التعليل دليل على أن تعليله بهذا ليس تخميناً من عند نفسه ودخولا فيما لا يخصه ، إنما هو بوحى من الله جل شأنه ، والله عليم بمخلوقاته وما فيها من خواص ، فالرسول  إليه البلاغ عن الله ، وقد بلغ هذا عن ربه.
ويجب على الإنسان أني يثق بوحى الله جل شأنه أعظم من ثقته بنظريات الأطباء ، ثم هم لم يتفقوا ، الأطباء لم يتفقوا على ما بنى عليه هؤلاء المعترضون على هذا الحديث ، هم مختلفون أيضاً فيما بينهم والمسألة مسالة نظرية اجتهادية للأطباء ، فكيف يرد بمسألة نظرية اجتهادية ما زالت تحت البحث ، يرد بها حديث رسول الله  .
وأما من جهة الثانية: جهة السند ، فالسند على طريقة المحدثين سند صحيح متوف للشروط التى اشترطها علماء الحديث ، والناس الذين اعترضوا على هذا الحديث من جهة رجاله ليس عندهم سند يستندون إليه في ذلك ، وهم في معاملتهم وقبولهم للأخبار التى تصل إليهم يعتقدون يقيناً أو يظنون ظناً غالباً بما وصلهم من الأخبار ، يعتقدون ما دلت عليه فيلزمهم أن يقبلوا ما جاء عن رواة هذا الحديث لأنهم أوثق وأضبط وأعدل من الرواة الذين يروون لهم أخباراً في سفر فلان وفى إدانة فلان ، وفي شهادة الشهود في قضية يقبلون ذلك من اقل من هؤلاء الذين رووا عن رسول الله  هذا الحديث.
قلت : إن طعنهم غما ان يكون في الرسول  من جهة أن هذا ليس من اختصاصه ، وانه أخبر بشيء يخطئ فيه ويصيب ، وبينت الجواب عنه بأن تعليله يشعر بأنه إنما جاء به من عند الله جل شأنه.
الناحية الثانية : الطعن من جهة الرواة ، والرواة قلت : إنهم أوثق وأعدل واضبط من أولئك الذين يقبلون أخبارهم العادية ويقبلون في البيع والشراء ، والسفر والحضر ، وفي الشهادات في القضايا. يقبلون أخباراً أقل من خبر هؤلاء الذين رووا هذا الحديث.
ثم الذين يردون بعض الأحاديث قد يردونها لأنها لا تتفق مع أفكارهم ومداركهم يسلكون فى ردها أحد ثلاثة مسالك:
الأولُ: فإما أن يردوها ويكذبوها ويقولون : خالفت صريح العقل إن لم يمكنهم أن يؤولوها .
الثانى: وإما أن يتأولوها على خلاف ما دلت عليه مع كثرتها .
الثالث: : وإما أن يردوها لأنها أخبار آحاد.
وهذا أيضاً وضع غير سليم واعتراض غير سليم ، فإن عقلهم يعتريه الخطأ والصواب ، والوحى الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وثبت عنهم جاء عن الصادق الأمين بوحى من ربه وهو لا ينطق ن الهوى

البلوشي
11-01-2007, 11:42 PM
الرد على أهل المسلك الأول
القائلين برد السنة لمخالفتها العقل

فيجب على الإنسان أن يتهم عقله وتفكيره بدلاً من أن يتهم رسوله أو الرواة العدول أو أن يتهم ربه في وحيه ، وليثق بربه وبرسوله  أكثر من ثقته بتفكيره ، فإن العقل قاصر وجرب عليه الخطأ كثيراً ومداه محدود وما يجهله أكثر مما يعلمه ، فعليه أن يعتقد في تفكيره القصور ، وأن يعتقد في وحى الله الكمال والصدق ، وأن يعتقد في الرواة الذين استوفوا شروط النقل المضبوط المعروفة عند المحدثين ، عليه أن يثق بهؤلاء أكثر من ثقته بتفكيره.
هذا جواب عمن ينكر الحديث لمعارضته لتفكيره ، فيقال اتهم عقلك بالقصور فإن ما يعلمه اقل مما يجهلة ، أتهم عقلك بالخطأ وبالجهل في تفكيره ، لأنك كثيراً ما أخطأت وجرب عليك هذا ، أما هؤلاء العدول الضباط الذين استوفوا النقل ، نقل الأحاديث فهؤلاء يندر فيهم أن يخطئ أحدهم ، خطوة إلي جانب صوابه قليل جداً ونادر .
الرد على أهل المسلك الثانى
القائلين برد السنة بتأويلها على ظاهرها

ويمكن لهؤلاء أن يحملوا ذلك النوع من الأحاديث و على غير ظاهره وهم يسلكون هذا المسلك في كتاب الله جل شانه أيضا فيتأولون كثيراً من
1- نصوص آيات الأسماء ووالصفات و نصوص الرؤية كقوله تعالى في القرآن : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ).س (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) . آيات الأسماء والصفات .
2- أحاديث عذاب القبر ونعيم القبر وسؤال القبر ، عذاب الأبدان ، تعذيب الأبدان ، ويحملون العذاب على عذاب الأرواح ، ويحملونه على ضعف الأرواح ،
3- ينكرون عروج الرسول  ببدنه إلى السماء وإسرائه من مكة إلي بين المقدس ببدنه ، ويقولون هذا إسراء بالروح ، وعروج بالروح ، تحكيماً للسنن الكونية ، والعادات المألوفة في الخلق ، فإن الإنسان لا يسر تلك المسافة في جزء ليلة ، ولا يعرج إلى السماء السابعة في جزء ليلة ولا ينظرون إلي أن الأنبياء جاءوا بخوارق العادات.
فخوارق العادات بالنظر للأنبياء والمعجزات للأنبياء والمعجزات الكونية التى خص الله بها الأنبياء هذه تعتبر عادية بالنظر لخصوص الأنبياء وإن كانت خارقة للعادة ، وغير مألوفة بالنظر لغير الأنبياء ، فلماذا نقيس الأنبياء فيما أوتوا من الله على الأفراد العاديين هذا قياس باطل ، على فرض أن القياس في نفسه صحيح وقامت عليه الأدلة وثبتت حجيته على فرض هذا فهذا قياس باطل ، لا يصح الاحتجاج به ، لأن الأنبياء يختلفون عن غيرهم في جريان خوارق العادات على أيديهم معجزة لهم ، ثم الإسراء قد ثبت في القرآن وجاء به ، فتأويلهم لا يكون تأويلاً لحديث الإسراء غنما هو تأويل أيضاً للقرآن ، القرآن جاء فيه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ). إن النصارى يعتقدون في عيسي أنه يحيى الموتى بإذن الله ، وأنه يبريء الأكمة الذي ولد أعمى بإذن الله ، وانه يصور طيراً فينفخ فيه فيكون طيراً يمر بإذن الله ، وأنه يبريء الأبرص بإذن الله وليس بطريقة علاج وما فتح مستشفي ، إنما هو خوارق عادات . وكذلكم اليهود يؤمنون بخوارقس العادات ، فما الذي جعل خوارق العادات بالنظر لموسى بانفلاق البحر ونجاة موسى ومن معه إلي الشاطئ الآخر وجعل الممر يبسا إثنا عشر طريقاً يمرون فيها في هذه الممرات دون أن يغرقوا والماء متماسك بدون حواجز ، ما وضعت صبات من الأسمنت ، ثم هذا سلب لخاصية الماء معجزة لموسى وإكراماً له ولمن معه ، حيث انجاهم بإذنه سبحانه وتعالى ثم ما جعله نجاة لموسى ومن معه ، جعله نفسه دماراً وهلاكاً لخصومه وأعدائه الكفار من اليهود والنصارى وهم يعترفون بخوارق العادات وبهذه المعجزات.
العرب يؤمنون بإبراهيم عليه السلام وبأن الله نجاه من النار ، القي في النار فنجاه الله نها فما الذي يجعلهم يؤمنون بسلب الله خاصة النار حتى تكون برداً وسلاماً على إبراهيم ولا يؤمنون بالإسراء بمحمد  من مكة إلي بيت المقدس ثم العروج به إلي السماء السابعة .
يذكرون شبهاً في هذا أيضاً في عروجه وفى إسرائه يقولون:
هذه السرعة إلي هذا الحد تحرق البدن ، يعنى الاحتكاك بين بدنه وبين الهواء الذي في الجو الطبقات المحيطة به ، هذا الاحتكاك يولد ناراً فيحترق ، كذلك الصعود بهذه السرعة يولد ناراً فيحترق ، شيء آخر إذا صعد هؤلاء إلي أعلى حتى إذا لم يكن هناك هواء ينفجر ويتمزق ، لأن الضغط الخارجى على جلده وعلى جسمه من جميع الجهات بالهواء ، فينفجر حيث يوجد ضغط في الخارج وضغط في الداخل فيخرج الدم. يقولون في الطبقات التى لا هواء فيها كيف يتنفس ؟
الذين يصعدون في هذه الأيام ويريدون القمر ، يأخذون لنفسهم هواء ، ويأخذون وقايات من هنا ومن هناك. العرب ما كان عندهم هذا الاختراع فكيف صعد هؤلاء إلي أعلى ، كذلك الرسول  كيف صعد وتغلب على الجاذبية الأرضية ، وكيف لم يسقط على الجاذبية التى فوق جاذبية الكواكب ( المجموعات الشمسية وأمثالها)
كيف خلص من الجاذبية الأرضية ولا أجنحة له ، ولا طائرة يركبها ، إنما هو " براق "؟!
وأولئك ما يعرفون البراق الذي ركبه وصعد به وعاكس الجاذبية الأرضية ، وكيف تماسك ولم يسقط على سطح الكواكب السماوية. حينما وقع في دائرة جاذبيتها .
هذه شبه يوردونها على الإسراء ويوردونها أيضاً على المعراج .
وقد ألف بعض أهل السنة في هذا تأليفاً يرد به على أولئك منهم الشيخ محمد عبد الحليم الرمالى له رسالة صغيرة في الإسراء والمعراج ذكر فيها جميع الشبه التى ترد على الإسراء والمعراج إن كانت في الحديث أو كانت منة جهة السنن الكونية ، والرد أمر واحد هو أن خوارق العادات بالنظر للأنبياء سنن عادية تشبه السنن العادية بالنظر لسائر الخلق ، فهم في معجزاتهم يسيرون في طريق كونى عادى بالنظر لهم ، كما أن الناس يسيرون على سطح الأرض سيراً عادياً ، وكما أن الطيور ترتفع إلي اعلي بأجنحتها ارتفاعاً وصعوداًَ عادياً ، فالرد كما ذكرت شيء واحد ، هو أن هذا من خوارق العادات والمعجزات التى أجراها الله جل شأنه على أ يدى رسله  .
والموضوع فى ذاته طويل إذا درس أصله:
1-من جهة إثبات وجود الله.
2-الى جانب اثبات حاجة العباد والمخلوقات الى موجد.
3-الى جانب وحدانية الله فى ربوبيته وفى اسمائه وصفاته،وفى تشريعه.
4-الى جانب إمكان حاجة البشر الى الرسالة.
5-وإمكان الرسالة
6-ثبوت الوحى
7-وثبوت الرسالة
فلأمر يحتاج الى إثباتهذا كله،وهو عبارة عن مقرر توحيد طويل يدرس فى سنوات، وأنا أتكلم فى دائرة محدودة فى (شبهات حول السنة )
الرد على أهل المسلك الثالث
القائلين برد السنة لأنها أخبار آحاد


و الذين يعترضون على الأحاديث أو على بعض الأحاديث ، يؤمنون بما تواتر من الأحاديث لفظاً ومعنى وهو عدد قليل من الأحاديث كحديث
( من كذب على متعمداً فليتوبوا مقعده من النار) أو الأحاديث المتواترة معنى كأحاديث رؤية الله تعالى وأحاديث المسح على الخفين ، وأحاديث عذاب القبر ونعيم القبر. يؤمنون بمثل هذا إما لمجيئه في القرآن ، وإما لتواتره في السنة ، وإما لوجوده في الاثنين جميعاً ، لكنهم لا يؤمنون بأحاديث الآحاد ، وذلك لأنهم يرون أنها لا تفيد إلا ظناً قد يكون ظناً غير غالب ، فيردون أمثال هذه الأحاديث ولا يحتجون بها أصلاً أو يحتجون بها في الفروع دون الأصول.
أما شبهتهم في رد (حديث الآحاد) فهم يقولون إن الراوى يخطئ ويصيب ، وإن الراوى قد يكون عدلاً فما يظهر وهو كذاب أو منافق في باطن أمره ، ويقولون إن عمر بن الخطاب رد على أبي موسى الأشعرى رضى الله عنهما حديثه فى الانصراف بعد الاستئذان ثلاثا، وأن الإنسان إذا استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف
وقد استئذان على عمر بن الخطاب رد على أبي موسى الأشعرى قوله في السلام فى الاستئذان وأن الإنسان إذا استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف وقد استئذان على عمر بن الخطاب وهو مشغول بشغله في بيته الله أعلم به ، سلم عند الباب سلام الاستئذان ، فلم يسمعه عمر فما أجابه ثم سلم فما أجابه أحد ولا آذن له أحد ثم سلم فما أذن له أحد انصرف بعد أن انتبه عمر بن الخطاب أو خلص من شغله الذي شغل باله ولم يمكنه من الإذن أو إجابة من سلم عليه. قال كأنى كذا يعنى أسمع منادياً يستأذن أو مسلماً يسلم فطلب من سلم فإذا به أبو موسى فقال له : ما الذي منعك أن تدخل ، ما الذي جعلك تنصرف فذكر له الحديث " : إذا استئذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف".
وهذا يؤيده القرآن في الجملة. وليس فيه تحديد للعدد ، لكن أصل الانصراف موجود في سورة النور ، وربنا قال في الانصراف (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) الانصراف أزكى لكم ، لم يحدد العدد فعمر بن الخطاب قال لأبي موسى غما أن تأتينى بشاهد يشهد معك بأن الرسول  قال هذا ، وإما أن أفعل بك وأفعل ، يعنى هدده ، قال موسى أنا كذا ، ولم ستجب له وقط في يده وتعب وقال ماذا أفعل ، ذهب إلى مجلس الأنصار وأخبرهم الخبر ، فصدقوه ، صدقوه في هذا الحديث فقال : ليذهب معك أحدكم فقالوا له : لا يذهب معك إلا أصغرنا فذهب أبو سعيد الخدرى وكان أصغر الجالسين وشهد معه عند عمر بن الخطاب بأن رسول الله  قال هذا الحديث فقبل منه الحديث وأعفاه مما نهدده به. فيقولون عن هذا عمر بن الخطاب اتهم صحابياً روى له حديثاً ، فهذا مما يدل على أن راوية الواحد لا تقبل وأنه مصار تهمة فلا تعمل به حتى يتأيد بغيره.
الجواب والرد على هذه الشبهة:
هذا وأمثاله مما ورد عن الصحابة يرد عليه بأمرين الأمر الأول : أن عمر بن الخطاب لم يكذبه إنما أراد
1- أن يثبت من جهة
2-وإلي جانب التثبت أمر آخر ، خاف أن يجترئ الناس على سنة رسول الله  فأظهر لهم القوة حتى يحتاطوا لأنفسهم عند البلاغ فلا يبلغ إلا وهو واثق مما تكلم به ، هذا جانب ، بدليل أنه قبل خبر الواحد في مواضع اخرى
: قيل خبر الواحد في إملاص المرأة.
ثم الرسول عليه الصلاة والسلام قد اعتمد خبر الواحد فكان يرسل رسولاً واحداً بكتابه ، وما أدرى أولئك بأن هذا صادق في أن هذا كتاب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهم ما عندهم بصمة ولا عندهم صورة لخاتمة ، ما الذي يدربهم بأن دحية الكلبي رسول رسول الله  وكيف لزمهم البلاغ ، وكيف أصيب كسرى بعذاب من عند الله حينما مزق الكتاب ، كيف لزمتهم الحجة فالرسول  لم يرسل الواحد إلا وهو يعتقد أن الحجة تقوم به هذا أمر معلوم بالضرورة من إرسال الرسول  أفراداً إلي جهات لنشر الدعوة وإقامة الحجة ن وقد أرسل معاذ بن جبل ليقضي ويكون أميراً في اليمن ، وأرسل علياً ، وأرسل أبا موسى الأشعري .
القصد أن الإرسال الواحد من الرسول  قد تكرر مرات ، وهو لا يرسله إلا إذا كان يعتقد أن الحجة تقوم به ، وأن خبره يجب أن يصدق ، والمهم فيه أن يتخبره عدلاً أميناً ضابطاً لما يبلغه من الخبر وأنه يقوى على البلاغ. عنده لسان يقوى به على البلاغ ، المهم أن يتخبره ، وليس من المهم أن يكون عدداً ، بدلل أنه أرسل فرداً فرداً إلي دول لا إلي أفراد ، في أصل الدين وهو العقيدة ليس في الفروع فقط إنما في أصل الدين ، فهذا بيان من النبي  يحتج به على قبول خبر الواحد ضد هؤلاء الذين يتهمون الراوى إذا كان واحداً عدلاً ضابطاً مع اتصال الإسناد ، ومع عدم مخالفة من هو أوثق منه ، ومع عدم الوقوف على علة قادحة يرد بها الحديث.
هذا العمل من الرسول  يرد عليهم وعمر بن الخطاب نفسه كان يقبل خبر الواحد قبله مرات فلماذا يتمسكون بهذه القصة ولا يتمسكون بغيرها وغيرها أكثر منها هذا رد عليهم .
الأمر الثانى: في عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمر بن الخطاب كان عنده قوة في التثبت وكان يجتهد ويستوثق أكثر لا لأنه متهم لمن استوثق في خبره ويدلكم على هذا أنه في حادث التحقيق مع سعد بن أبي وقاص لما كان أميراً جهة العراق أميراً قاضياً قائداً للسرية إماماً في الصلاة خطيباً في الجمعة اشتكاه رجل من أولئك الجماعة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكتب إليه وثيقة كتاباً يقول فيه إنه لا يخرج بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية ولا يحسن الصلاة لا يحسن يصلي ، فأرسل شخصاً يحقق في الموضوع مع وثوقه من سعد بن أبي وقاص لكنه ما يريد الفتن ولا القلاقل فأراد أن يستوثق أكثر فأرسل من يحقق .
وفعلاً حقق ودخل المساجد ومر على أناس هنا وهناك فكلهم يثنون خيراً على سعد بن ؟أبي وقاص إلا المكان الذي فيه بؤرة الفساد الرجل الذي بلغ سأله الرسول فانتظر له هذا الرجل فحكى نفس الكلمة وسعد يسمع فقال : اللهم إن كان كاذباً فأطل عمره وأدم فقره ، وأكثر عياله وعرضه للفتن . أربع دعوات نظير أربع تهم وجهها الرجل إلى سعد بن أبي وقاص فطال عمر هذا الرجل وكثر عياله ودام فقره وكبر في السن حتى صار وهو يمشي في الطريق ينظر للنساء بعين خائنة وقد سقط حاجبه فيقال له : ما لك وقد شبت فيقول مسكين أصابتني دعوة سعد .
أقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه( لما استخلف ستة) عندما طعن وأيس من أن يبقى وقالوا له : استخلف ؟ فقال : لا أحملكم حياً وميتاً ولما ألحوا عليه استخلف ستة ليختاروا من بينهم خليفة يعني استجاب لهم في الجملة ثم جعل من الستة سعداً ثم قال : اعملوا أني لم أعزله عن شك فيه ولا اتهام له يريد أن يطفئ فتنة وأن يسد أبواب فساد وليس سوء ظن بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول هذا سعد أنا لم أعزله لعدم ثقتي به وبرأيه فإن أصابته الخلافة فالحمد لله . وإن لم تصبه خلافة فليستشره من تكون الخلافة إليه . يعني رضي به خليفة وإن لم يعينه لكن باختيارهم إياه .
فهذا يدلكم على اتجاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . القصد إن هذا جواب في اعتمادهم على طلب عمر من أبي موسى الأشعري أن يأتيه بآخر يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث إذا ستأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف .
وأسأل الله أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه وأن يشرح صدورنا للعلم النافع وان يجعل لنا بصيرة في إصابة الحق ، وأن يوفقنا للعمل بما علمنا فإنه مجيب الدعاء .

12d8c7a34f47c2e9d3==