المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقــة دعوة الأخوان المسلمين ..... الحلقة الثانيـــــة


كيف حالك ؟

محب الأثري
12-21-2003, 07:14 PM
فصل
جاء في كتاب:
الوحـــدة الإسلامــية والتقريب بين أهل المذاهب
محاضرة ألقيت في : مركز البيان الثقافي
الشيخ : زهير الشاويش. والدكتور : سعود المولى
ويليها
السنة بين موازين الكتب الستة والأصول الأربعة ومجال التقارب
بقلم زهير الشاويش








بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير المرسلين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد ، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نرحب بكم جميعا في " مركز البيان الثقافي " .
هذا المركز الذي فتح أبوابه وقلبه ليكون ساحة للحوار والتلاقي بين ساحات كَثُرَ فيها الخصام والتباعد ، وما أحوجنا نحن اليوم إلى أن نكون متلاقين متآلفين في هذا الوقت العصيب ، لنواجه جميعاً خطراً لا يفرِّق بين أبيض وأسود وعمر وجعفر .
ويتوسد المركز لتحقيق ما يصبو إليه الوسائل التالية :
1) المحاضرات الشهرية التي تقام فيه .
2) الدورية التي يصدرها المركز واسمها : ( الإنسان المعاصر ) .
محاولين في هذا كله أن نسد ثغرة من الثغرات ، أو نقدم حلاًّ لبعض المشكلات ، أو وجهة نظر في بعض القضايا .
منطلقين أولا من واقعنا اللبناني الذي نعيش فيه ، ثم المحيط العربي والإسلامي .
هذا ، ولا ندعي أننا نملك الصواب كله في كل ما نذهب إليه من حلول ومعالجات ونظرات ، بل نعتقد أننا نملك جزءاً من الصواب ومع الآخرين الجزء الآخر لذا نحن نفتح الباب واسعاً لتلاقي الأفكار وتزاوجها كي يجتمع لدينا الجزء الذي نفقد مع الجزء الذي يفقده الآخرون ، فيتولد من لقاءاتنا هذه الحقيقة الأقرب للصواب ، وبهذا نصل للحق الذي ينشده الجميع .
وفي ساحة الحوار هذه نستضيف اليوم علمين بارزين :
العلم الأول : هو تاريخ متنقل يحمل بين جنباته تجارب الماضين ، وخبرة الأيام ، والعلم والفكر والحكمة .
إنه شيخ ولكن بروح الشباب وهمتهم ، وأراني عاجزاً عن تعريفه في هذه العجالة السريعة. محاضرنا هو : الشيخ زهير الشاويش حفظه الله .
وُلِد في دمشق سنة 1925 م ، من رجال العلم والجهاد والعمل العام ، شارك في مؤتمرات وندوات كثيرة ، وله حضور في القضايا العربية والإسلامية ، وهو عضو مجلس أمناء " مركز البيان الثقافي " ومؤسس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر . له العديد من المؤلفات والتحقيقات والمقالات .
أما العلم الثاني الذي نستضيف فهو : الدكتور سعود المولى ، ونحن نسميه فيما بيننا الرجل الزئبقي ، لأنك لا تستطيع أن تمسك به لكثرة مشاغله وتنقلاته ونشاطه الدائم .
وُلِدَ في بيروت سنة 1953 م ، أستاذ في الجامعة اللبنانية ، معهد العلوم الاجتماعية وعضو لجنـة الحوار الإسلامي المسيحي ،وممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وعضو الأمانة العامة الدائمة للقمة الإسلامية ، وعضو مجلس أمنـاء " مركز البيان الثقافي " .
أما موضوعنا اليوم فهو : " الوحدة الإسلامية والتقارب بين المذاهب " .
وقد تم اختيارنا لهذا الموضوع انطلاقا من أمر الله تعالى :
 واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا  {آل عمران : 103 } وقوله أيضاً :  ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم  {الأنفال : 46} ، والتزاماً بقــول النبي صلى الله عليه وسلم :
"ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد ، إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحُمّى " {رواه البخاري : 6011 }
ونبدأ موضوعنا مع الشيخ زهير الشاويش ، على أن لا يتجاوز في إلقائه هذا خمساً وأربعين دقيقة ، ثم يعقب على الموضوع الدكتور سعود المولى ، على أن لا يتجاوز تعقيبه ثلاثين دقيقة ، ثم نبقى ثلاثين دقيقة لاستلام أسئلتكم .
ونبقى الآن مع كلمة الشيخ زهير الشاويش ، فليتفضل .




على هامش مؤتمر الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب
الشيخ زهير الشاويش


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وجميع صحبه ، ومن تبعهم بإحسان أما بعد :
فإن مما توافقت عليه العقول أن يكون أبناء الدين الواحد أمة واحدة ، تجمع بينها الأسس ، والأهداف ، وتعمل صفاً واحداً في تأمين حاجاتها ، ودفع المضار عنها فيما يصيب أفراداً منها .
وهذا الشيء ذاته حال أبناء الأمة الواحدة ذات العرق والجنس الواحد . وقل مثل ذلك عن أبناء الوطن والبلد .
وهذه الصورة المُثلى حرمنا منها زمنا بعيداً،لعوامل مختلفة.وكانت الوحدة تقترب حيناً، وتبتعد أحياناً . إلى أن كان مطلع هذا القرن الميلادي ..الذي لعبت دول الاستعمار به تفرقة وتشتيتاً ، وذهبت دولة الخلافة – واأسفاه على الخلافة – فقد كانت المِظلَّةَ لأكبرِ تجمع إسلامي في دولة واحدة ، وأكبر هدف إيماني لتطلعات باقي الشعوب المسلمة .
لقد حُرمنا من تحقيق تجمع لنا باسم القومية العربية ..وما بقي لنا سوى أبيات الشعر :


من الشـــام لبغــــداني.... بــــلاد العرب أوطـــاني

إلى مصـرَ فتطــــــواني.... ومن نجــد إلى يــــمن



وما لي أحدثكم عن الوحدة الإسلامية, والوحدة العربية ..ولا أذكر لكم بأننا نشأنا في الثلاثينات من هذا القرن ، ونحن نتمنى وحدة الوطن الصغير سورية الجغرافية ..بعد أن قسمت إلى قطع صغيرة زادت على العشرة(1) .
لقد حرمنا وحدة الوطن ، ووحدة القوم ، ووحدة الدين .
ودار الزمن دورته ، وقامت للعرب وحدات استمر بعضها كوحدات شبه الجزيرة ، واتحادات الإمارات والعراق والأردن ، والجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية ، وكانت الأمل الكبير . ولكن لم يكتب لها البقاء ، فضلاً عن وحدة مصر والسودان ، وقيام وحدات المغرب العربية ، والوحدات الفورية عند بعضهم . واليوم توحدت اليمن كتب الله لوحدتها البقاء .
ولست هنا لأعدد دوافع قيام كل وحدة ، ولا أسباب انهيار ما سقط منها ، ولا مخاوفي على القائم منها ، ولا أنسى فشل وحدة باكستان بعد أن انفصلت عن الهند وانقسمت إلى شطرين !! .
وإنما بقي لي -ولمثلي- آمال تراودني ، وأفكار تعاودني ، قبل نومي حول وحدة الوطن ، والقوم ، والدين ..ولا أجد لها تحقيقاً ، ولا في المنام ، بل أجدُ لها من نفسي لنفسي تأريقاً ..
وكم حضرت من مؤتمرات واجتماعات ، وسمعت عن ذلك ممن سعى إليها غيري وبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس ، وبعضهم قدم الأرواح والمهج ، ولكن بقينا نسمع صوتاً ولا نرى طِحنا .
وإنني مع علمي بأن الوفاء للقسم الأول من العنوان الذي اختاره الإخوة الأكارم لهذا اللقاء " الوحدة الإسلامية " الموافق لعنوان مؤتمر طهران . يوجبُ عليَّ أن أعرض مقومات موضوع هذه الوحدة (2) .
ولكنني لن أتكلم فيه ، ليس لأنه صعب أو بعيد المنال ..لا ! إنما أردت الكلام عن جزئيات هي في حقيقتها مما يعوق دون وحدة المسلمين . وأهمها – مع الأسف – يرجع إلى فهمنا أو تطبيقنا لهذا الدين الذي جعله الله رحمة لنا وللعالمين ، والذي نريد أن نتوحد به وعليه اليوم . فإذا أزيلت تلك العقبات الجزئية ظاهراً ..والكؤود حقيقة ، نمهد الطريق إلى الوحدة .. وأهم هذه العقبات في نظري .
الخلاف بين : أهل السنة والجماعة من جهة .
وبين الشيعة الإثنى عشرية من جهة أخرى .
وإذا تركتُ الزيديين والعلويين والموحدين جانباً ، فلأنهم تبع للشيعة ، ولأن وجودهم كان في مؤتمر طهران محدوداً – اللهم سوى عالم زيدي واحد وما تكلم بكلمة .
وحتى هؤلاء يكون البحث معهم – إن شاء الله – فيما بعد ، وهم في النتيجة مع إخوانهم صف واحد في وجه الإلحاد والكفر ..
ونحن في بلاد الشام ما كنا في يوم ما متباعدين . بل كان التقارب بيننا قديماً .. ولعل وجود إخواننا من تلك المذاهب حتى اليوم ، الدليل الواضح على روح التسامح الذي كان سائداً ، وأما فترات التشنج ، فقد كانت قليلة ومحدودة ، وكان يجري علاجها من عقلاء أهل زمانها .
ومما أدركنا من التعاون الإسلامي العام – وخصوصاً أيام الجهاد – بين الشيخ صالح العلي ( العلوي ) ، وإبراهيم هنانو ، والشيخ نافع الشامي ، وسكان الساحل ، وجبل الزاوية في شمال وغرب سورية .
وكذا بين سكان جبل العرب من الدروز مع الأميرين : شكيب وعادل أرسلان ، والشيخ الهجري ، والقائد سلطان الأطرش ، ومع السنة مثل الزعيم عبد الرحمن الشهبندر ، والشيخ محمد الأشمر ، وأهل دمشق وحوران والغوطة ، وأهل الجولان ، وقرى وادي العجم ، وعربان الجبل .
وتفصيل هذه الأمور يحتاج إلى أوقات طويلة ومعرفة في التاريخ والجغرافية أكثر مما تعلم أبناؤنا في دروس التربية الوطنية وكتب التاريخ المدرسي ، التي فرض مناهجها وكتبها المستعمر ومن تابعه على ذلك من عبيد الأنظمة ..
وأعود إلى بحث التوافق بين السنة والشيعة على ضوء مؤتمر " الوحدة الإسلامية " فإن اتفاقهما وتوافقهما هو الأساس ..
وبعد ذلك فأجد أن عليَّ أن أطرح سؤالاً على نفسي وعلى من ينادي بالوحدة الإسلامية مثلي ، ويريدها بأقرب وقت . وهو :
كم هو الأمل عندك في حصول الوحدة ؟؟
فأقول : إن تفرقنا كان على مراحل ، وسوف نعود أيضاً على مراحل وخطوات .. ويوم أن تفككت وحدتنا أصابتها عوامل متعددة دينية ، وسياسية ، داخلية ، وخارجية .. واستمر الانشقاق ، وارتفعت الخصومات ، وأحياناً اشتعلت الحروب .
واليوم ورثنا هذا الركام من الخلافات المنوعة أيضاً .
كما ورثنا رغبات صادقة من الآباء وممن سبقنا للوحدة والتقارب بعد أن أحسوا جميعاً بالخسارة العامة ، وقد استجاب نفر كريم من علماء الأمة ومفكريها إلى هذا المؤتمر ، الذي انعقد في إيران . وكان قد سبقهم إلى الدعوة إلى تلك الوحدة بين المذهبين عدد كبير من المصلحين في السير على هذا الطريق ، ومنهم المسرع ومنهم المتئد .. مع اختلاف الوسائل وسبل عرض الموضوع(3) .
وأحب – الآن – أن أُغلِّب حسن الظن عندي على سواه ، حتى في الذين كتبوا ودعوا إلى التقارب بأسلوب نبش الماضي ، وإثارة الخلافات .. ظناً منهم أن ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن أقوالهم وكتبهم تجعل التقارب على قواعد سليمة مبنية – على ما فهموا – من الكتاب والسنة وأقوال العترة ..أو ما تقتضيه الحكمة والعقل والوحدة المتينة .
وقد كان في المؤتمر بعض هؤلاء .
بل قد توسع بعضهم – في المؤتمر وقبله – إلى الدعوة لجعل المسلمين كلهم مذهباً واحداً في الدولة ، والحكم ، والعقائد ، والفقه ، ومختلف الأمور . وكانت له حجته ، وهي حق في أصلها ، ولكنه ابتعد عن الواقع . فذهبت دعوته مع الريح .
ونحن اليوم ندعو إلى بقاء أصحاب كل مذهب على مذهبهم .
اللهم ! إلا ما يجدوه هم بأنفسهم غير مبني على دليل شرعي ، وليس فيه أي نفع حسي لهم في دينهم ودنياهم ، فيقلعوا عنه وهذا عائد لهم ، وفيه الخير لهم .
وعلى هذا مشى الذين عرفناهم في مجال التقريب ودعاته السابقون مع تعدد أقوالهم والاختلاف الجزئي فيها ، أمثال :
السيد محسن الأمين ، والسيد رشيد رضا ، والمجتهد الحكيم النجفي ، الشيخ كامل القصاب ، والشهيد نواب صفوي ، والمرشد حسن البنا ، والمشايخ : محمد التقي القمي ، وعبد المجيد سليم ، وعلي المؤيد ، وأمجد الزهاوي ، والبشير إبراهيم ، والسيد موسى الصدر ، والحاج أمين الحسيني – رحمهم الله -.
وذكر هؤلاء مني على سبيل المثال ، وإلا فهناك العشرات غيرهم . وكلنا يعلم بأن المسلمين اختلفوا وتقاتلوا ، منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم جميعاً ، ولكن كانت دولتهم واحدة، سوى فترات قصيرة ، والفتوى بينهم على طريقة واحدة ، وهذه كتب الحديث والفقه والتاريخ شاهدة على ذلك .
واليوم نحن ندعو ونكرر إلى عدم طلب : ذوبان فريق في الفريق الآخر ..لأن هذا مستحيل الآن ، وفي المستقبل المنظور .
ولكن الممكن : أن يترك كل فريق منا استفزاز الفريق الآخر ، وأن تكون دعوته بالحكمة وبالتي هي أحسن .. فلا نرى – بعد الآن – التحرش من أحدنا بالآخر ، ولا نسمح بالطعن بمن يعظمه بعضنا ، ولا نبش الماضي .
وللصوفية كلمة جميلة نافعة :
" ذكر الجفا ، وقت الصفا ، من الجفا " .
وسؤال آخر أطرحه على نفسي وهو :
كيف يمكن توحيد الأمة ، وتقريب المذاهب ، وهذه الكتب والمقالات ، والمواقف تملأ الساحة ، وفيها من عرض وجهات النظر المختلفة ما فيها .. وأكثرها – إن لم أقل كلها – مشبعة بالمنفر من القول ؟؟
فأقول : واللهِ ! ما طرقت هذه الموضوع ، إلا عندي منذ زمن بعيد مئات الكتب – أو الألوف – من كتب الفريقين ..وفيها المكفر ، والمضلل ، والمجهل ، والشاتم ، واللاعن ، لكل ما عند الطرف الآخر ، أو بعض ما عنده من : رجال ، وكتب ، وحديث ، ومواقف ..إلخ .
وما اطلعت عليه منها وجدت في بعضه الحق ، أو شبهة حق تمسك فيها من نقلها . بعد أن أضاف إليها مما عنده من موروثات ، وما دفعته إليه العصبية والهوى(4) .
ولكن هل تبقى المواقف البائدة تتحكم فينا ، فنكون أحياء يحكمهم الأموات والقبور .
لا والله !! ما هذا اللائق بالعقلاء ، وأهل الإيمان ، والغيرة على الإسلام والمسلمين .
ومما شجعني على الدخول في هذا المشروع الخطير ما عرفته من كلام ربنا جل شأنه ، وحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكلام علمائنا من الصحابة الكرام – ومنهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا .
وآخره ما سمعته من مرشد الجمهورية الإسلامية وقائدها الخامنئي عقب المؤتمر من خطبته الوداعية للوفود .
فقد تكلم بما ماثل وشابه ما قدم للمؤتمر ، من دعاة التقريب ، وما بحث وأقر في المؤتمر .
ولقوله أهمية كبرى عند أحد قسمي الأمة التي نريد توحيدها ، وتقريب مذاهبها .
وفي كلام رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ هاشمي رفسنجاني في افتتاح المؤتمر . فقد كان كلامه عن الوحدة والإشادة بكل دول العالم الإسلامي ، وإعذاره لهم عن مواقفهم – مع الاختلاف معهم – ودعوتهم للوحدة والاتحاد ، كان كلام رجل دولة ، يعرف ما يقول ، وكانت كلمته معبرة عما يجيش في صدر كل مؤمن بوجوب وحدة المسلمين .
وأقول : بأن كل كلام يمكن أن يؤول أو يحمل على خلاف ما يريد صاحبه .. أو يحرف من الناقلين ، أو يساء فهمه من السامعين !
ولكن مالنا ولهذا ، نحن نريد دفن الماضي .. والبناء من جديد على السليم من عقائدنا ، والمتفق عليه فيما بيننا .
والمؤتمر مع أنه مؤتمر شعبي فقد لقي التأييد الواضح من القائد الخامنئي ، ومن رئيس جمهورية إيران ، وبعض الرسميين .
وقد حمل مندوب سورية الدكتور الشيخ إبراهيم حسن النقشبندي تحيات سورية قيادة وحكومة وشعباً ، كما حضر حفل الافتتاح السفير السوري .
وحضر ممثلون عن كبريات الجماعات الإسلامية في العالم مثل الباكستان ، والهند ، والمملكة الأردنية الهاشمية ، والمملكة المغربية ، والجاليات في أوروبة وأمريكا .
ومثل الجماعة الإسلامية في لبنان سعادة الدكتور النائب فتحي يكن ، وكان لمذكرته ومداخلاته وكلمته باسم كل المشاركين في المؤتمر الأثر الطيب النافع الهادف . كما حضر من لبنان القاضي الدكتور مصطفى الرافعي ، وحال مرضه دون متابعة المناقشات بما هو مأمول منه لعلمه واطلاعه .
وفي المؤتمر جرت المداولات بحرية حول النقاط الكبرى ، ولم يُدخل في التفاصيل لضيق الوقت ، وللرغبة في اللقاء على الأهداف ما أمكن ..غير أن بعض الحضور أدخل في كلامه جزئيات أوجبت الرد عليها وتوضيح المواقف منها .
وهذه الجزئيات كانت - في حقيقتها - من التاريخ الماضي الذي كلنا شكونا منه ، ونراه سبب تفرقنا وتقطيع إخوَّتِنا الدهور الطويلة ! !
وكان في كلام ومداخلات الدكاترة فتحي يكن ، وفاروق النبهان ، وعدنان البخيت ، محمد القيسي ، والشيخين النقشبندي والمدني(5) ، وفي مشاركتي ردَّ الحق إلى نصابه ، ووضع الأمور في مجراها الطبيعي .
وكان الفضل في أكثر ذلك إلى القيادة الحكيمة التي تولاها الأمين العام لمجمع التقريب سماحة الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني ، وسماحة الشيخ التسخيري .
وقد لاحظنا غياباً سنياً رسمياً ، وانعدام علماء وفقهاء المذاهب ، المراد التقارب معها ! ! ، مما دعاني للبحث مع المسؤولين عن المؤتمر في ذلك الأمر ، فتقرر إقامة مؤتمر فرعي في منطقة أذربيجان الغربية في بلدة ( أورمية ) الحدودية . وضم هذا المؤتمر عدداً كبيراً من علماء الأكراد ( الشافعية ) والأتراك ، والبلوخستان ، والتتار ، والتركمان ( الحنفية ) والعجم ( الشيعة ) . ووجدت هناك بين المشاركين والزوار بعض السلفيين الأثريين من خريجي المعاهد في سورية ، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (6) .
وفي هذا المؤتمر الفرعي كانت الأبحاث أوضح وأصرح لمشاركة أهل البلاد فيها ، ومعرفتهم بأمور بعضهم بعضاً . وكان من نتيجة ذلك ، أن رافقنا إلى طهران عدد كبير من أهل السنة والجماعة ، وشاركونا في جلسات المؤتمر . وفي نهاية المؤتمر استقبلهم مرشد الجمهورية الإيرانية بحضور رئيس الجمهورية ورئاسة القضاة وعدد من القيادات ، وبحث معهم في شؤون مناطقهم ومذاهبهم (7).
وكانت الرحلة إلى أذربيجان موفقة بفضل الله ، ذهبت إليها مع مفتي الحسكة ، والشيخ آية الله معرفتي ، وهو من أعقل الناس ، ورغبته في تقريب المذاهب واضحة جلية صادقة ، والدكتور محمد حسن ( عميد كليات الإلهيات ) ، ومعنا الشيخ آية الله جنايتي وكانت الآراء التي طرحها – باللغة الفارسية وقصور في الترجمة ، مع أنه ورفاقه يحسنون العربية – محل ردات فعل عاجلة وسريعة من علماء تلك المناطق .
ثم كان في كلامي المتواضع تصويب المسار ، وتصحيح ما أثاره والتقريب بين وجهات النظر ، ولكلمة فضيلة الشيخ النقشبندي الصدى المستحسن ، والحمد لله .
وقد وجدنا من العلاَّمة الشيخ الموسوي مندوب القائد في المنطقة ، ومن سعادة المحافظ وباقي علماء الشيعة ، التجاوب الكبير .
وحضر معنا نواب المنطقة في البرلمان الإيراني ومجلس الشورى ، من الأكراد طوال الوقت ، وكان لهم المشاركة والرأي في كل القضايا التي جرى تداولها .
الأمر الذي دعاني لعقد الأمل على تجمعهم ووحدتهم في تلك المناطق التي أخرجت بطل الإسلام الفاتح صلاح الدين الأيوبي الكردي الذي حرر القدس وأكثر فلسطين ، ووحد الأمة . وأستاذه الممهد له الحاكم العادل التقي نور الدين محمود زنكي التركي ..لأقول لهم من كلام طويل :
أنتم يا سكان هذه المنطقة عليكم الأمل معقود لنكون معكم في تحرير فلسطين مجدداً ، كما حررت على أيديكم سابقاً .
ودعوتهم إلى التمسك بمذاهبهم ، والتعاون مع إخوانهم ، فإن الذوبان يضيع المقومات . ودعوتهم إلى العلم والتعلم في العقائد والفقه ، وجميع العلوم (8).
بقي أن أقول لكم : بأن مناطقهم ما زالت مناطق حربية ، فالطرقات مخربة ، والمطار منسوف ، والسلاح ظاهر مكشوف ! !
وانتقلنا من طهران إلى مطار حربي قرب مدينة تبريز بطائرة حربية من مطار حربي قريب من طهران ، ثم قطعنا مسافة 100 كيلومتر في سيارات وعبر طرقات شبه معبدة ، وركبنا بعد ذلك في عبَّارة بالبحيرة لمدة نصف ساعة ، وهي بحيرة كبيرة طولها ( 125 ) كيلو متراً ، وماءها ملح أجاج ولا حياة فيها ، تشبه البحر الميت . وبعدها مشينا في طرق ترابية (60) كيلو متراً .
ومن واجبي – الآن – أن أشكر الحكومة الإيرانية على ما أتاحته لنا في هذه الزيارة من الاجتماع بإخواننا أهل السنة والجماعة في مناطقهم الأصلية ، والحديث معهم بحرية وصراحة .
ثم كانت الجلسة الخاصة بالبوسنة الهرسك – في طهران – وكانت أكثر دلالة على الوحدة الإسلامية من كل الجلسات .
فقد كان اهتمام إخواننا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالبوسنة والهرسك محل تقدير وإعجاب وشكر منا جميعاً ، حيث علمنا بالمساعدات الكبيرة التي ترسل لتلك البلاد مع الصعوبة في النقل ..ووقع في أذني : إن من جملة المساعدات شباب تطوعوا لمشاركة إخوانهم هناك في الدفاع عن الأرض والعرض وبقاء الدين في تلك الديار .
وإذا علمتم أن ليس في البلقان أي شيعي ..فإن ذلك يصرف النظر عن الظن المذهبي .
وقد شارك في الحفل أطفال من البوسنة أحضروا من بلادهم بعد أن فقدوا الآباء والأمهات، كما وجدنا مجموعة من الشبان اضطرتهم الظروف للمغادرة للعلاج أو التدريب ، وكان لأناشيدهم الحماسية الأثر الكبير في الدموع التي انسكبت من كل العيون.
والأمل كبير – إن شاء الله – في القيام بالواجب الملقى على عاتقنا نحن العرب (9) نحو هذه الجبهة المتقدمة من الإسلام في أوربا .
كما رأينا هناك في إيران وجوداً للحركة الفدائية الفلسطينية حماس ، وللمقاومة الإسلامية في لبنان ، وبعض المنظمات الجهادية المظلومة في بلادها ، وهذا كله يساعد على قيام الوحدة الإسلامية .
وأقول لكم إن المقررات لا تشمل تماما كل ما جرى في المؤتمر ! فإن بعض الأبحاث لم نتوصل فيها إلى نتائج تصاغ في فقرات(10) ولكنها بُحثت ، وسمع كل فريق ما عند الآخر ، وما لم يقبله ويتفق عليه أخذ بعين الاعتبار .
ووجدت آراء كل فريق مؤيداً بل مؤيدين لها من الفريق الآخر – السني أو الشيعي – وهذه القضايا اجتمع لها ملا يقل عن خمسين عالماً إخصائياً بعلم ما من إخواننا الشيعة الكبار ، وكل واحد منهم بمنزلة ( مجتهد ) و ( حجة ) في العلوم الشرعية (11) .

--------------------------------------------------------------------------------

الحواشي:

--------------------------------------------------------------------------------

(1) بعضها تحت الاحتلال الفرنسي ، وباقيها تحت الاحتلال الانكليزي . وأدخل علينا فيها كيانان ماكان في سورية قبل ذلك . الأول : الكيان الصهيوني ، وقد عرفتم خطره ، وما وصلت حالنا معه الآن .
والثاني : الانتشار الآثوري ( الآشوري ) والأرمني ، وتمكنت الأمة مع الزمن من تطويق خطرهما الكبير ، والمطلع يعرف ما كان من آثاره في الجزيرة السورية وشمال العراق .
(2) وما ستحقق لنا يوم تحققها من سعة أرض ، وكثرة عدد ، وما ستتحكم به من طرق العالم واتصالاته براً وبحراً وجواً وهواءً ، وأهمية السوق التجاري لنا مع بعضنا ومع غيرنا ، ولا يخفى عليكم أننا أردنا إقامة سوق عربية قبل أوربا.‍ وقامت السوق الأوربية .. ومازالت السوق العربية حبراً على ورق ..والتجارة بين دول العرب . ودعونا من حديث النفط والمياه والمعادن ، ومالنا من مخزون ذلك .
(3) وأنا وإن ذكرت المعوقات فإن وحدتنا قادمة ولن يقف في وجهها التعصب القومي ، ولا الأنظمة الاقتصادية ، ولا الإيديولوجيات المستوردة . فإنها لن تكون المعوقات في المستقبل . وهذا الاتحاد السوفيتي انهار أمام أعيننا ، وما أن أزاله الله حتى رجع المسلم إلى مسجده ، وكل ذي دين إلى دينه .
(4) وفي بعضه تحميل كلام الخصم ما لا يحمل ! ! إن لم أقل غير ذلك .
(5) وهو عالم متمكن من بلوخستان ، وهو موظف كبير في الرئاسة الدينية في الجمهورية الإيرانية .
(6) فقلت لهم : يا مرحباً برائحة الأهل .
(7) وقد نشرت الصحف أخبار تلك المقابلة ، وعلمت أن فخامة رئيس الجمهورية زار منطقتهم بعد أسبوعين ، وافتتح في ( أورمية ) عدداً من المدارس الشرعية ، وتم إصلاح المطار ، واجتمع مع زعماء الأكراد ، لتوحيد الجهود ومنع الاقتتال ، وممن بحث معهم في (أورمية ) الزعيم البرزاني . وفي طهران الزعيم الطالباني
(8) كما بحثتُ معهم ومع الإدارة سبيل مدهم بكتب العلم من الحديث والفقه .
(9) أنا أعلم أن هناك مساعدات مالية تقدم من بعض البلاد العربية ، ولكنني أرجو أن ترفد بمقومات البقاء الإسلامي الصحيح والعقيدة السليمة في تلك البقعة التي لم يبق للإسلام وجود في سواها !
(10) ولعل أكبر سبب هو غياب فقهاء المذاهب السنية .
(11) ومنهم على سبيل المثال الباحث الصلب الحجة مرتضى العسكري ، صاحب المؤلفات الكثيرة ، وقد أنست بمجالسته ، مع التباعد والاختلاف في الرأي.
كتبه الشيخ ربيع بن هادي المدخلي

محب الأثري
01-11-2004, 08:25 PM
للرفع

12d8c7a34f47c2e9d3==