بن حمد الأثري
10-06-2007, 05:59 PM
6 - فصل في توحيد الأسماء والصفات
قال الشيخ ربيع: (توحيد الأسماء والصفات فطر الله الناس عليه فلا يكابرون فيه ولا يجادلون فيه {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25، الزمر: 38] اهـ ([57]).
قلت: لا أدري هل هذا سبق لسان منه؟ فإن كان كذلك -وهذا ظني بالشيخ- فيجب على الشيخ أن يصحح الشريط، فيقول: (توحيد الربوبية) بدلا من (توحيد الأسماء والصفات)، لأن الآية التي استدل بها الشيخ فيها دليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، فغريب منه أن يستدل بها على عدم مكابرة المشركين في توحيد الأسماء والصفات!
أما الدليل على أن الله تعالى فطر الناس على التوحيد فهو قوله سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، قال ابن كثير في تفسيرها: (فَطَرَ خَلْقَهُ على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره)([58]).
قلت: ولكن ذكر العلماء أنه على سبيل الإجمال لا التفصيل، لاسيما في توحيد الأسماء والصفات، فهذا النوع من التوحيد وإن كان منه ما هو فطري إلا أن أكثره سمعي، وأهل السنة يقولون: لا يوصف الله تبارك وتعالى إلا بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، نفيا وإثباتا، فالأصل فيه التوقيف، لا يتجاوز القرآن والحديث ([59]).
فما ذكره الشيخ أن الناس لا يكابرون في توحيد الأسماء والصفات ولا يجادلون فيه! غلط شنيع جداً ما كان ينبغي أن يصدر منه، واستدلاله بالآية في غير محله لأنها في توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون زمن النبي r، أما توحيد الأسماء والصفات فقد ألحدوا وأشركوا فيه، كما هو الشأن في توحيد الألوهية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يعني به المشركين، وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله وسموا بعضها العزى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)، ثم روى ما جاء في معناها عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله)، وعن مجاهد رحمه الله قال: (اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية، قال: (الإلحاد: التكذيب)، وعن قتادة رحمه الله: {يلحدون}، قال: (يشركون) ([60]).
وذكر أهل العلم أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته، منها:
1 - إلحاد المشركين بتسمية أصنامهم وأوثانهم بأسماء الله تعالى.
2 - إلحاد اليهود والنصارى وغيرهم، بوصفه بما يتعالى عنه ويتقدس، كقول أخبث يهود: إنه فقير، ويده مغلولة، ونسبة اليهود والنصارى الولد له، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.
3 - إلحاد الممثلة الذين يكيفون صفات الله عز وجل، ويمثلونها بصفات خلقه -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
4 - إلحاد النفاة المعطلة الذين يعطلون أسماءه الحسنى عن معانيها، وهم على فرق وأقسام.
5 - تحريف الأسماء والصفات عن معانيها الثابتة بالكتاب والسنة، والتكلف في تأويل معانيها على غير مراد الله تعالى ورسوله r، وهو مذهب أهل التأويل الفاسد من الكرامية والأشاعرة ومن وافقهم ([61]).
ولا أدري كيف خفي على الشيخ ضلال تلك الطوائف المنحرفة في توحيد الأسماء والصفات حتى قال إن الناس لا يجادلون ولا يكابرون فيه؟ والشيخ أستاذ دكتور ديدنه العقيدة والتوحيد! ومشغول بالواقع ومحاربة الشرك والبدع! فكيف يخفي عليه الشرك والضلال في هذا الباب، وقد وقعت فيه تلك الأمم والشعوب التي ملأت الآفاق من المشركين واليهود والنصارى والفلاسفة وفرق أهل البدع التي ظهرت في هذه الأمة وانحرفت في هذا الباب كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة الكُّلاَّبية والمفوضة وغيرهم؟
فإن قيل: لقد خفيت هذه المسألة على الشيخ، وأخطأ فيها، أو جازف! وظن أن الناس لا يكابرون ولا يجادلون في توحيد الأسماء والصفات، ولم يدرك الضلال العريض في هذا الباب، وهذا لا يؤثر في إمامته للدعوة السلفية في هذا العصر.
فالجواب: لا يجهل صغار طلبة العلم السلفيين فضلا عن كبارهم أن توحيد الأسماء والصفات هو أبرز ما تتميز به الدعوة السلفية عمن خالفها، ولا يجهلون المعارك الحامية الطويلة بينهم وبين أهل البدع في هذا الباب، هل يليق بمن يجهل هذه المسألة أو يجازف فيها أن يُعَدَّ في أئمة الدعوة السلفية في هذا العصر؟
الحواشي :
([57]) شريط: (أهمية التوحيد).
([58]) تفسير ابن كثير (الروم: 30) 6/313، ط: دار طيبة.
([59]) انظر (التحفة المهدية شرح التدمرية) للشيخ فالح بن مهدي رحمه الله ص 29-30.
([60]) انظر هذه الروايات في تفسير الطبري: (سورة الأعراف: 180).
([61]) انظر: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: باب: {ولله الأسماء الحسنى}، ومعارج القبول للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله 1/88-89، والتحفة المهدية شرح التدمرية للشيخ فالح بن مهدي رحمه الله ص 33.
قال الشيخ ربيع: (توحيد الأسماء والصفات فطر الله الناس عليه فلا يكابرون فيه ولا يجادلون فيه {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25، الزمر: 38] اهـ ([57]).
قلت: لا أدري هل هذا سبق لسان منه؟ فإن كان كذلك -وهذا ظني بالشيخ- فيجب على الشيخ أن يصحح الشريط، فيقول: (توحيد الربوبية) بدلا من (توحيد الأسماء والصفات)، لأن الآية التي استدل بها الشيخ فيها دليل على إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، فغريب منه أن يستدل بها على عدم مكابرة المشركين في توحيد الأسماء والصفات!
أما الدليل على أن الله تعالى فطر الناس على التوحيد فهو قوله سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، قال ابن كثير في تفسيرها: (فَطَرَ خَلْقَهُ على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره)([58]).
قلت: ولكن ذكر العلماء أنه على سبيل الإجمال لا التفصيل، لاسيما في توحيد الأسماء والصفات، فهذا النوع من التوحيد وإن كان منه ما هو فطري إلا أن أكثره سمعي، وأهل السنة يقولون: لا يوصف الله تبارك وتعالى إلا بما وصف به نفسه، وبما وصفته به رسله، نفيا وإثباتا، فالأصل فيه التوقيف، لا يتجاوز القرآن والحديث ([59]).
فما ذكره الشيخ أن الناس لا يكابرون في توحيد الأسماء والصفات ولا يجادلون فيه! غلط شنيع جداً ما كان ينبغي أن يصدر منه، واستدلاله بالآية في غير محله لأنها في توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون زمن النبي r، أما توحيد الأسماء والصفات فقد ألحدوا وأشركوا فيه، كما هو الشأن في توحيد الألوهية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يعني به المشركين، وكان إلحادهم في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله وسموا بعضها العزى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل)، ثم روى ما جاء في معناها عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله)، وعن مجاهد رحمه الله قال: (اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية، قال: (الإلحاد: التكذيب)، وعن قتادة رحمه الله: {يلحدون}، قال: (يشركون) ([60]).
وذكر أهل العلم أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى وصفاته، منها:
1 - إلحاد المشركين بتسمية أصنامهم وأوثانهم بأسماء الله تعالى.
2 - إلحاد اليهود والنصارى وغيرهم، بوصفه بما يتعالى عنه ويتقدس، كقول أخبث يهود: إنه فقير، ويده مغلولة، ونسبة اليهود والنصارى الولد له، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وتسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.
3 - إلحاد الممثلة الذين يكيفون صفات الله عز وجل، ويمثلونها بصفات خلقه -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
4 - إلحاد النفاة المعطلة الذين يعطلون أسماءه الحسنى عن معانيها، وهم على فرق وأقسام.
5 - تحريف الأسماء والصفات عن معانيها الثابتة بالكتاب والسنة، والتكلف في تأويل معانيها على غير مراد الله تعالى ورسوله r، وهو مذهب أهل التأويل الفاسد من الكرامية والأشاعرة ومن وافقهم ([61]).
ولا أدري كيف خفي على الشيخ ضلال تلك الطوائف المنحرفة في توحيد الأسماء والصفات حتى قال إن الناس لا يجادلون ولا يكابرون فيه؟ والشيخ أستاذ دكتور ديدنه العقيدة والتوحيد! ومشغول بالواقع ومحاربة الشرك والبدع! فكيف يخفي عليه الشرك والضلال في هذا الباب، وقد وقعت فيه تلك الأمم والشعوب التي ملأت الآفاق من المشركين واليهود والنصارى والفلاسفة وفرق أهل البدع التي ظهرت في هذه الأمة وانحرفت في هذا الباب كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة الكُّلاَّبية والمفوضة وغيرهم؟
فإن قيل: لقد خفيت هذه المسألة على الشيخ، وأخطأ فيها، أو جازف! وظن أن الناس لا يكابرون ولا يجادلون في توحيد الأسماء والصفات، ولم يدرك الضلال العريض في هذا الباب، وهذا لا يؤثر في إمامته للدعوة السلفية في هذا العصر.
فالجواب: لا يجهل صغار طلبة العلم السلفيين فضلا عن كبارهم أن توحيد الأسماء والصفات هو أبرز ما تتميز به الدعوة السلفية عمن خالفها، ولا يجهلون المعارك الحامية الطويلة بينهم وبين أهل البدع في هذا الباب، هل يليق بمن يجهل هذه المسألة أو يجازف فيها أن يُعَدَّ في أئمة الدعوة السلفية في هذا العصر؟
الحواشي :
([57]) شريط: (أهمية التوحيد).
([58]) تفسير ابن كثير (الروم: 30) 6/313، ط: دار طيبة.
([59]) انظر (التحفة المهدية شرح التدمرية) للشيخ فالح بن مهدي رحمه الله ص 29-30.
([60]) انظر هذه الروايات في تفسير الطبري: (سورة الأعراف: 180).
([61]) انظر: كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: باب: {ولله الأسماء الحسنى}، ومعارج القبول للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله 1/88-89، والتحفة المهدية شرح التدمرية للشيخ فالح بن مهدي رحمه الله ص 33.