المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب (مسألة الإيمان دراسة تأصيلية) بتقريظ الشيخ صالح بن فوزان الفوزان


كيف حالك ؟

الناقل
07-02-2007, 07:36 PM
تقريظ بقلم
فضيلة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: فقد اطلعت على الكتاب الذي ألفه الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل في موضوع حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل واعتقاد كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للمرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، فسهَّلوا للناس طريق المعاصي والمخالفات، وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله، وما عليه أهل السنة والجماعة، ولهذه الفرقة الضالة من يروج مذهبها اليوم من المتعالمين. فكان لا بد من بيان ضلالتهم لئلا يغتر بهم من يخفى عليه أمرهم، ويحسن الظن بهم.
فوجدته فيما كتبه الشيخ علي وفقه الله، وافياً في الموضوع، فجزاه الله خيراً ونفع بما كتب وبين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كتبــه
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
في 22/2/1422هـ

الناقل
07-02-2007, 07:40 PM
أهمية مسألة الإيمان

مسألة الإيمان من مسائل العقيدة الجليلة التي وقع الاختلاف فيها، والافتراق عليها قديماً في المسلمين؛ بل لا يبتعد إذا قيل إنها أول مسائل الاختلاف في هذه الأمة التي وقع النزاع فيها بين طوائفها، فخالف فيها المبتدعة الأمة الإسلامية!
ومن ثم ترتب عليها اختلافات أُخر في مسائل وثيقة الصلة بمسألة الإيمان.
ومسائل الإيمان يُعبِّر عنها العلماء بمسألة ((الأسماء والأحكام ))، بمعنى: اسم العبد في الدنيا هو هل مؤمن أو كافر أو ناقص الإيمان..؟ وحكمه في الآخرة أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار، أم ممن يدخل النار ثم يخرج منها ويُخلد في الجنة؟
ولأهمية هذه المسائل ضمَّنها أهل السنة والجماعة في مباحث العقيدة الكبار( ) وقال الحافظ ابن رجب مبيناً أهمية هذه المسألة: ((وهذه المسائل، أعني مسائل الإسلام والإيمان، والكفر والنفاق مسائل عظيمة جداً )).
فإن الله عز وجل علَّق بهذه الأسماء السعادة والشقاوة، واستحقاق الجنة والنار.
والاختلاف في مسمياتها أول اختلاف وقع في هذه الأمة، وهو خلاف الخوارج للصحابة حيث أخرجوا عصاة الموحدين من الإسلام بالكُلية، وأدخلوهم في دائرة الكفر، وعاملوهم معاملة الكفار، واستحَّلوا بذلك دماء المسلمين وأموالهم، ثم حدث بعدهم خلاف المعتزلة وقولهم بالمنزلة بين المنزلتين.
ثم حدث خلاف المرجئة وقولهم: إن الفاسق مؤمن كامل الإيمان.
وقد صنَّف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسائل تصانيف متعددة، وممن صنَّف في الإيمان من أئمة السلف: الإمام أحمد، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وأبو بكر أبي شيبة، ومحمد بن أسلم الطوسي، - رحمهم الله تعالى- وكثرت فيه التصانيف بعدهم من جميع الطوائف)).اهـ.( ).
وهكذا شأن الابتداع في الدين، فما يبتدع أحد بدعة- ولاسيما في أصول الدين وباب السنة-، إلا اتسعت اتساعهً كبيراً شبراً فباعاً فميلاً.. وحسبك أن تعلم ما يقابل هذا الاتساع من خفاء السنن واندراسها.
ولا يبتدع مبتدع من أهل الأهواء بدعة في هذا الباب إلا ويأتي عقبه من يبتدع بدعة تضاد بدعته وتقابلها، حتى يكون الحق عند من يجده وسطاً بن البدعتين، وهذا تلاحظه في:
-بدعة الخوارج الوعيدية ومن تبعهم في مسائل الإيمان، ومقابلة المرجئة بطوائفها لهم ببدعتهم، والحق وسط بينهما !
-وفي باب الصفات ببدعة الممثلة المشبهة، ومقابلة المعطلة لهم.
-وفي باب القدر والإرادة بين بدعة القدرية نفاة القدر، وماقابلها من بدعة الجبرية الغلاة في إثباته.
-وفي باب الصحابة والإمامة بين بدعة الخوارج النواصب وما قابلهم من بدعة الروافض.
والحق في كل هو الوسط بين تلك البدع!
ومسائل الإيمان من ذلك، وقد اندرج تحتها عدة مسائل ومباحث بعضها يكون غرة عن بعض.
وأستعين الله بعرض بعض من مسائله المهمة، فبالله التوفيق، ومنه العون والتسديد، وهو حسبي ونعم الوكيل.

الناقل
07-02-2007, 07:43 PM
مسألة تعريف الإيمان ومسماه:

وهذه المسألة هي الأساس الذي ينبني عليه الخلاف وثمراته في مسائل الإيمان.
واختُلف فيما يقع عليه اسم الإيمان، وما يُراد به اختلافاً كثيراً( )، أعرض هاهنا لمجمل الأقوال في المسألة التي لها شهرة، وينبني عليها فهم أهلها واعتقادهم بالمراد بالإيمان.
1ـ قول عامة أهل السنة وأهل الحديث:
أن الإيمان إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
2ـ قول الوعيدية من الخوارج والمعتزلة:
أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، والعمل شرط في الإيمان يوجد بوجوده، ويعدم بعدمه. فهم وافقوا أهل السنة في مسمى الإيمان لفظاً، وخالفوهم في حقيقته ومعناه، فجعلوا الإيمان يزول بزوال العمل مطلقاً من غير تفصيل في نوع العمل؟!
3ـ قول المرجئة، وهم في هذه المسألة طوائف كثيرة أشهرهم:
أ ـ المرجئة المحضة وهم الجهمية ومن وافقهم من القدرية وغيرهم: والإيمان عندهم هو المعرفة بالله، والكفر الجهل به، وفساد هذا القول بيِّن ظاهر جداً.
ب ـ قول جمهور الأشاعرة:
بأن لإيمان هو تصديق القلب فقط.
وربما جنح متكلموهم فيه إلى قول الجهمية بأنه معرفة القلب.
ج- المرجئة الكرَّامية وهو قول ابن كلاب والرقاشي؛ بأن الإيمان تصديق القلب، أما الإقرار باللسان فحسب. ومن لوازمه الباطلة اعتبار المنافقين مؤمنين؟!
د- قول الماتريدية ورواية عن أبي حنيفة: بأن الإيمان تصديق القلب، أما الإقرار باللسان فركن زائد فيه ليس بأصلي، حيث يسقط بالإكراه ونحوه.
هـ-قول مرجئة الفقهاء، هو قول الشمرية والنجارية والغيلانية من طوائف المرجئة، بأن الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان

الناقل
07-02-2007, 07:48 PM
الأصل الجامع للنزاع في المسألة:
هذا وقد استقرأ الشيخ أبو العباس ابن تيمية هذا الأصل الجامع للنزاع في الإيمان من خلال سبره لأقوال الطوائف في الإيمان وتمحيصه لحقائقها، وهو المطلع على أقوال أهل المقالات اطلاعاً لم يُعرف له نظير.
وهذه الأصول هي في الواقع قواعد قعَّدها –رحمه الله- في مواقف تلك الطوائف من دلائل الوحي في مسألة الإيمان، وأجوبتهم عليها.
وهي:
* الأصل الأول:قال رحمه الله في الإيمان الأوسط: ((وأصل نزاع هذه الفرق في الإيمان من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم أنهم جعلوا الإيمان شيئاً واحداً، إذا زال بعضه زال جميعه، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه.
فلم يقولوا بذهاب بعض وبقاء بعض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان)).اهـ( 1).

* الأصل الثاني:
ما ضمَّنه شرحه للأصفهانية حيث قال:
((وأصل هؤلاء أنهم ظنوا أن الشخص الواحد لا يكون مُستحقاً للثواب والعقاب، والوعد والوعيد، والحمد والذم. بل إما لهذا وإما لهذا، فأحبطوا جميع حسناته بالكبيرة التي فعلها..))اهـ(2 ).
وهذا هو معنى أن يجتمع في العبد: إيمان وكفر، وإسلام ونفاق، وسنة وبدعة، وطاعة ومعصية.. وهو الحق الذي دلت عليه نصوص الإيمان من الكتاب والسنة.

* الأصل الثالث:
ما ذكره العلماء- رحمهم الله- من طريقة أهل البدع في تلقي النصوص والشريفة ((الوحي)) سواء كانوا من الوعيدية من الخوارج والمعتزلة، أو من المرجئة على تنوع مراتبهم وأصنافهم، فهم لا يجمعون بين نصوص الوعد والوعيد؛ بل إنهم – في استدلالهم، ينفردون فيهما بما يؤيد مذاهبهم.
أ-فالوعيدية يستدلون بنصوص الوعيد، ويهملون نصوص الوعد، أو لا يجمعونها مع نصوص الوعيد في التلقي والاستدلال.
ب-وكذلك المرجئة يعوّلون على نصوص الوعد، دون اعتبار للنصوص الواردة في الوعيد، وجمعها في التلقي والاستدلال مع نصوص الوعد. فكلاهما آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض.
أما أهل السنة والجماعة فآمنوا بالكتاب كله، وعولَّوا على النصوص جميعها، فنظروا إلى نصوص الوعيد مع نصوص الوعد، فلم يضطربوا ولم يفرقوا بين المتماثلات وإنما كانوا الأمة الوسط، وأسعد الفريقين بالمذهب الحق.

* الأصل الرابع:
أن الإيمان وكذا الكفر، كل منهما خصالٌ وشعبٌ عديدة، ومراتب متعددة، فمن الإيمان شعب إذا زالت زال الإيمان كله كالصدق في الحديث والحياء. وكذلك الكفر منه شعب إذا وقعت وقع الكفر الأكبر كالاستهزاء والسب لله ولدينه ولرسوله، ومنه شعب إذا وقعت لم يقع الكفر الأكبر المخرج عن الملة، كسب المسلم وقتاله والنياحة وغير ذلك، وإنما يكون مقترفها واقعاً في الكفر الأصغر، وهو الكفر العملي، وهو لا يخرج من الملة( ).
____________________________________

1/ انظره في المجموع (7/510)، وانظر ما بعده، وشرح حديث ((إنما الأعمال بالنيات)) في المجموع (18/270، 276)، والإيمان الكبير (209-211)، والفرقان بين الحق والباطل في المجموع 13/48-50، وشرح الأصفهانية (143-144)، والحديث مخرج في الصحيحين.
2/في شرح الأصفهانية (137-138)، وانظر الفرقان بين الحق والباطل (13-48).
3/ انظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/237)، وتعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/516-520)، وكتاب الصلاة لابن القيم (54-61)، والرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن (27/29)، وأعلام السنة المنشورة للحافظ الحكمي (73-75) وغيرها كثير!

الناقل
07-02-2007, 07:52 PM
بيان فساد أقوال الطوائف إجمالاً:
وهي الأقوال التي خالفت قول عامة أهل الحديث، أهل السنة والجماعة، إذ التفصيل ليس هذا مقامه، ولا لمثلي بيانه. لأنه يعتمد على عرض شبه كلٍ على حده، وتناولها بالبيان والجواب، وقد أفلح فيه الشيخ ابن تيمية في كتابيه الإيمان الكبير والأوسط، بما أظنه لو تأمله مريد الحق بعمدته لاكتفى به!
ونقد الأقوال إجمالاً يسلمني من مناهج المتكلمين في عرضهم المجرد لمقالات الطوائف دون تعقيب أو توضيح للصواب من ضده.
1- فأما قول الوعيدية: فقد خالف إجماع الصحابة، وخالف النصوص في الوحيين الشريفين؛ التي دلت على نفع الشفاعة لأصحاب الكبائر وإخراج الموحدين من النار، وعدم خلودهم فيها.
أ- من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن عن أنس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
ب- وقوله صلى الله عليه وسلم : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه))(1 ).
ج- كيف وقد وعد سبحانه أن يغفر لمن شاء ممن لم يشرك به شيئاً كما في آيتي النساء  إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ماَدُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُُ  [النساء:48].
د-وأيضا الهدي النبوي في أصحاب المعاصي والكبائر الذين اقترفوها في عهده صلى الله عليه وسلم حيث لم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بتجديد إيمانهم أو الدخول في الدين من جديد، لو كانوا فارقوه كما يقول هؤلاء؟
هـ-أن هؤلاء محجوجون بأنه ليس أحد إلا ويخطئ أو يترك أمراً واجباً عليه من أوامر الدين ونواهيه، فيلزم على قولهم أنه لم يبق على الإيمان أحد.
لأن الإيمان بهذا القيد عندهم، وهو كل لا يتجزأ ليس إلا الإيمان المطلق؟ ومن يدعيه؟!

2- وقول المرجئة المحضة بيِّنُ الفسادِ، لما يلزمه من اللوازم القبيحة الباطلة:
أ- فإن أبا لهب وأبا جهل يعرفان ربهما ويوحِّدانه في الربوبية ولا يجهلانه ومع هذا فهما من أهل النار ولا شك.
وكذا عامة من لم يؤمن بالرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب والمجوس ونحوهم.
ب- أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم شهد بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً وكان عارفاً بربه، غير جاهل به، وهو كافر من أهل النار. وكذا أبوه عبد المطلب!
ج- ومن لوازم قولهم الفاسد أن فرعون الجاحد لربوبية الله ظاهراً مؤمن كامل الإيمان لأنه عارف بالله في قلبه غير جاهل به، لقول أصدق القائلين سبحانه في آخر سورة الإسراء  قاَلََ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَؤُلاءِ إلاَّ رَبُّ السَمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَضَآئَّرَ وَإِنِّى لأَظَنُّكَ يَا فِرْعَوْنَ مَثْبُوراً  [الإسراء:102]، وقوله في أول سورة النمل  وَجَحَدُوا بِهاَ وَاسْتَيْقَنَتْها أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواًّ فَانظُرْ كَيْفَ كاَنَ عَقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  [النمل:14].
د- كما أن من أقبح لوازمه أن إبليس – أعاذنا الله منه- عند هؤلاء الجهمية مؤمن بالله، لأنه عارف له بقلبه غير جاهل به.
هـ- ومن لوازم قولهم أنه لا يكفر إلا الجاهل بربه، والحقيقة أنه لا أجهل من جهم وأضرابه بربهم حيث جعل لله الوجود المطلق، وعطَّله من جميع الصفات، ومن كان كذلك فلا يعرف إلا في الذهن فقط ولا وجود له في الخارج.
فمن أجهل بربه منه؟ سبحان الله وتعالى عما يصفون!

3- من لوازم بطلان مذهب الكرَّامية وأضرابهم بأن الإيمان هو النطق باللسان فقط!
أ- فإن المنافقين الذين كفَّرهم الله وكذَّبهم وجعلهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار. فقال تعالى في سورة النساء: إِنَّ المْناَفِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا ً [ النساء:145].
وفي أول سورة المنافقون:  إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ [المنافقون: 1-3].
وكذا كل من أبطن في قلبه كفراً أو ناقضاً من نواقض الدين يكون عندهم مؤمناً مادام مُقراً بلسانه( 1).
ب- بل من جمع بين الكفر الاعتقادي والعملي أو النفاق الاعتقادي والعملي أو كلها يكون مؤمناً ما بقي مقراً بالإيمان باللسان!
ج- كما يلزم من ذلك- عندهم- أن من لا يستطيع النطق بلسانه لخرس أو عجز من خوف أو نحوه لا يكون مؤمناً ولو كان قلبه وعمله مطمئناً بالإيمان.
د- مناقضة هذا القول لقوله تعالى في آخر النحل:  مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ ولَهُمْ عَذاَبٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُم اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْياَ عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهًُمْ فِى الأَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ النحل: 106-109].

4- قول جمهور الأشاعرة والماتريدين ونحوهم بأن الإيمان هو تصديق القلب) قول فاسد؛ لعدة اعتبارات منها:
أ-ما ورد تسميته إيمان من الأعمال والأقوال في النصوص الشرعية، كقوله تعالى في سورة السجدة: إِنَّماَ يُؤْمِنُ بِئَايَتِناَ الَّذِّينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15].
وفي سورة الحجرات: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدَوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفًسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّدِقُونَ} [ الحجرات:15].
وقوله عن المؤمنين والمنافقين في التوبة: لاَ يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [التوبة: 44-45].
ولما رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا ))( 2).
فنصَّ على أن الإتيان بهذه الأعمال من الإيمان، ويُعلم أن تركها نقص في الإيمان ونفيٌّ لكماله الواجب، وصاحبها مستحق للبراءة منه( 3). مع وجود التصديق عندهما في قلبيهما.

كما روى مسلم أيضاً في حديث أنواع المجاهدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). فسمَّى النبي صلى الله عليه وسلم عمل القلب واللسان والجوارح إيماناً.

ب-يلزم عليه أن كل من لم ينطق بالشهادتين وهو مَصَّدق بقلبه بصدق الرسول وصحة دينه فهو مؤمن: كأبي طالب وأهل الكتاب من اليهود والنصارى … مع الاتفاق على كفرهم، وأنهم من أهل النار خالدين فيها.
ج-كما يلزم عليه من الباطل أن من صدَّق بقلبه بالله ورسله.. ثم لم يصلِّ، ولم يصم، ولم يحج، أو لم يزكِّ سواءً جاحداً أو متعمداً من غير جحود.. أنه المؤمن الكامل؛ لبقاء التصديق بقلبه.
د-وكذلك يلزم عليه أن من صدق بقلبه ثم أتى ناقضاً من نواقض الإسلام من السحر أو الشرك أو الاستهزاء بالدين.. أنه مؤمن، لبقاء أصل التصديق بالله في قلبه وهذه من أفسد اللوازم على قولهم.


-----------------------------------------------------------
1/ فإن المرجئة سلَّموا أن المكذب في الباطن، المصدق في الظاهر مؤمن، لكنه مُعذب مخلد في النار، فنازعوا في اسمه لا في حكمه، ومن حكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة فهو غلط عليهم، ومع هذا فتسميتهم له مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفرد بها الكرامية دون سائر مقالاتهم. ذكره أبو العباس ابن تيمية في الإيمان الأوسط (7/475-476).
( 2) رواه مسلم في كتاب الإيمان- باب قوله صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا)) (101).
( 3) ولذا فإن أضبط حدٍّ للكبيرة: أنها كل ذنب تُوعِّد عليه بالحدِّ في الدنيا والغضب أو اللعنة أو النار، أو البراءة من صاحبه، أو نفي الإيمان عنه. كما اختاره المحققون.

الناقل
07-02-2007, 07:54 PM
- أما قول مرجئة الفقهاء وأمثالهم فيستدل عليهم بفساد قولهم:

أ-بالأدلة الدالة على دخول الأعمال في الإيمان وهي كثيرة جداً مضى طرف منها.

ب-يلزم عليه أيضاَ أن من ترك فرضاً أو واجباً في الدين من الأعمال أنه لا يخرج عن الإيمان، كمن امتنع عن الزكاة عمداً، وهو ما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتالهم، كما فعلوا مع المرتدين من العرب. وهم عند هؤلاء معهم التصديق والإقرار؟!

ج-كذلك من أقرَّ بلسانه وصدَّق بقلبه، لكن فعل ناقضاً كذبح لغير الله، أو سجود أو سحر، أنه مؤمن ليس بكافر؟
د-كذلك يُردُّ عليهم بالنصوص التي نفت الإيمان عمن ارتكب بعض الكبائر – وهي النصوص التي يستدل بها الوعيدية على خروج هؤلاء من الإيمان مثل:
قوله صلى الله عليه وسلم : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة ذات شرف فيرفع الناس إليه فيها بأبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)) الحديث متفق عليه عن أبي هريرة ( 1) رضي الله عنه.

وأمثاله من نصوص نفي الإيمان ((الكامل)) عن بعض الأعمال من الكبائر كالغلول، وامتهان الجار، وإهانة الكبير..
هـ-ثبوت التصديق للجوارح في قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدركٌ ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويَصَّدق ذلك الفرج ويكذبه)) متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذا لفظ مسلم (1 ).

_______________________________________________


1) رواه البخاري موصولاً في كتاب المظالم – باب النهي بغير إذن صاحبه (2475)، ومسلم في كتاب الإيمان(75).
رواه البخاري موصولاً في مواضع منها الاستئذان – باب زنا الجوارح دون الفرج (6343)، ومسلم في كتاب القدر – باب قُدِّر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (2675).

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
07-03-2007, 11:26 AM
تقريظ بقلم
فضيلة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: فقد اطلعت على الكتاب الذي ألفه الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل في موضوع حقيقة الإيمان، وأنه قول وعمل واعتقاد كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للمرجئة الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان، فسهَّلوا للناس طريق المعاصي والمخالفات، وخالفوا كتاب الله وسنة رسوله، وما عليه أهل السنة والجماعة، ولهذه الفرقة الضالة من يروج مذهبها اليوم من المتعالمين. فكان لا بد من بيان ضلالتهم لئلا يغتر بهم من يخفى عليه أمرهم، ويحسن الظن بهم.
فوجدته فيما كتبه الشيخ علي وفقه الله، وافياً في الموضوع، فجزاه الله خيراً ونفع بما كتب وبين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
كتبــه
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
في 22/2/1422هـ

بن حمد الأثري
05-24-2008, 01:58 PM
* نعم ، ما نصح به علماؤنا فأهلا ومرحبا ، لأنهم أهل معتقد صحيح لا تخشى منه *

12d8c7a34f47c2e9d3==