المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حصريا = الفصل الأول من الكتاب الذي قرّظه الشيخ النجمي في الرد على مشهور حسن آل سلمان


كيف حالك ؟

أبو أسامه الشامي
05-02-2007, 05:04 PM
مشهور ومنزلة النبي

الفصل الأول من الكتاب الذي قرّظه الشيخ النجمي
في الرد على الشيخ مشهور حسن آل سلمان




إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
,يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ-[آل عـمران:102] .
,يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا-[النساء :1].
,يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً# يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً-[الأَحزاب : 70-71] .
أَمَّا بَعْدُ ؛
فَإِنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخير الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ r، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ .
قال تعالَى: ,إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ-[البقرة:159] .
قال تعالى: ,وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ-[آل عمران:187] .
وقد روى الشَّيخَانِ فِي ((صَحِيْحَيهِمَا)) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ))، فهذه الأدلَّـة وغيرها مما دفعتني, وألزمتني أن أسارع بالنَّصيحة للمدعو مشهور حسن سلمان، مما وقفت عليه من ضلالاتٍ وانحرافاتٍ ومخالفاتٍ له، قبل أن تلحق المنيَّة بأحدنا؛ لأنَّ الواجب الشَّرعـيَّ يحتِّم عليَّ إنكار مثل هذه الانحرافات والبدع والضَّلالات، وعلى مشهورٍ وغيره القَبول والرّجوع إلى الحقِّ والصّواب، ولكن دون جدوى بعد أن نصحناه، بل على العكس تماماً، فرفع عقيرته وشهّر بنفسه ها هنا، وها هنا، والله المستعان .
وقد أساء هذا الجويهل إلَى منزلة النَّـبيِّ مُحمَّدٍ  أيَّما إساءةٍ، ولا يمكن أن تصدر مثل هذه الكلمات، والعبارات السُّوقية من عامِّيٍّ، فكيف بمن يزعم أنَّه من تلاميذ العلامة المحدِّث الشَّيخ الألبانـي -رحمه الله تعالى-، وأنَّه على منهج السَّلف، ما أبعدك عن منهج السَّلف، أو أن نقول - إن أحسنَّا بـه الظَّنَّ-: إنَّه جاهلٌ جهل مركبٍ! وماذا يُرجى من شخصٍ -وهو مشهور- تربَّى فِي الجامعات المختلطة، وتحت أيدي أساتذة حزبيَّة، وعلمانيَّة، وعقلانيَّة، وماديَّة، و... إلخ، وإلاّ لا يصدر مثل هذا الكلام المشين والمهين إلاّ من مغرضٍ، على طريقة الفلاسفة والمستشرقين! والله إنَّ الشَّعر ليقف من سماعها، وإنَّ الجلود لتقشعرُّ منها، وإنَّ الأبدان لتهتزُّ منها، فلا حول ولا قوَّة إلاّ بالله، وإلى الله المشتكى!
أسوق لـه هذه العبارات وهي فِي الحقيقة لا تحتاج إلَى أية تعليقٍ؛ فهي واضحةٌ جليَّةٌ في التَّعرُّض لمنزلـة النَّـبيِّ  -بأبِّي وأمِّي هو-!!
قال مشهور حسن فِي شريط "فقه الجمع بين الصلاتين" (الجزء الثاني/نهاية الوجه الثاني/2002 م، بفصل الشتاء)، بعد أن قـال: ((أخيراً يقول أحد الأخوة منبهاً، كان دخوله  على صفية -رضي الله تعالى عنها- في ذي القعدة سنة سبعة للهجرة قبل الفتح بعام تقريباً، ولم تكن آخر زوجاته، بل تأخرت عنها ميمونة))، فتكلَّم حول تقديم وتأخير إحداهما عن الأخرى، ثم قـال: ((ما كان النبي  فِي أسفاره وغزواته يستغني عن النساء، والنبي كان يُكثر النساء، كان يكثر، يُكثر من التمتع بالنسـاء! يقولون حتى نحن عندنا فِي عقولنا لوثة نرددها مع المستشرقين ونحن لا نشعر، قالوا: النبي له زوجات كُثُر، والنبي  يعني ما يريد النساء! لا، النبيّ يريد الشهوة، والتمتع بالنساء! وحَبّب الله -كذا- إليه النساء! وكان له قوَّة مائة رجل، ويحب النساء فِي غزواته! ما الذي يضير؟! النبي  عفيف، فحل، رجل، عنده كمال الفحولة، وكمال الرجولة، ويحب النساء، ويحب التمتع بالنساء! ماذا تريدون؟! وتزوج كثيراً!! ماذا تريدون؟ هل هذا يقدح في النبي ، لا النبي ما بحب النساء -كذا-، والنبي تزوج!! لا ، بحبّ النساء النبي -كذا-!!! وليس هذا عيباً، وليس هذا عيباً! فنتأثر بكلام المستشرقين ونردد معهم مخافة اتهاماتهم نحوّر ونحول ونتحول عن الحقيقة هذا خطأ!! فإن قالوا.
قلنا: ليست هذه تهمة، حب النساء ليس تهمة، لكن ما هي التهمة؟! التهمة أنك تَشِيع -كذا- الفوضى في المتعة، فنرد عليهم كلاماً، أما إن قُنِنَت –كذا- وربنا الذي قننها -كذا-!! وربنا الذي حد الممنوع من المشروع، وتمتع الرجل بالنساء على وجهٍ ما فيه فوضى، وما فيه تداخل أنساب، فمن حق الرجل أن يتمتع بالنساء ومن حق المرأة أن تتمتع بالرجال، ومادام أن الله قد خص نبيه  بقوة فيها رجولة زائدة عن سائر الناس، ما المانع؟! صحّ أن النبي  كان يطوف على نسائه بعد العصر بغسل واحد، والنبي دخل بإحدى عشر -كذا- امرأة، إحدى عشر -كذا- مرة، وهذا ليس فيه عيب، ولا فيه شيء يشينه )). انتهى هُراؤه!
أقـول:
أوَّلاً: قوله: ((ما كان النبي  في أسفاره وغزواته يستغني عن النساء، والنبي كان يُكثر النساء، كان يكثر يُكثر من التمتع بالنساء!! ... النبيّ يريد الشهوة، والتمتع بالنساء! وكان له قوة مائة رجل، ويحب النساء فِي غزواته!! ما الذي يضير؟! ... ويحب النساء، ويحب التمتع بالنساء!!! ماذا تريدون؟! وتزوج كثيراً!! ماذا تريدون؟ ... بحبّ النساء النبي!!! وليس هذا عيباً، وليس هذا عيباً ... والنبي دخل بإحدى عشر امرأة، إحدى عشر مرة، وهذا ليس فيه عيب، ولا فيه شيء يشينه )).
بلى والله إنَّ هذا الكلام الَّذي ذكرته بهذه الطَّريقة المشينة، لفيه عيبٌ كثيرٌ، وأدبٌ مشين، وتنقص فـي حقِّ نبيِّنا الأمـين  أيّما تنقصٍ، فنشكو أمرك إلَى الله العليِّ الجبّار، فإنَّنا لا نملك إلاّ ذلك، ثم هذا الرَّدَّ، وهذا التَّذكير؛ حتى لا يقع فيه بعض الجهلة المغترِّين بأمثالك الجهال، والله المستعان. ثم قبل أن أعلِّق على هذه العبارات المنتنة، فأقـول:
إنَّ السَّائل لـم يطلب منك هذه الأمور، ولـم يسألْك عن هذه الطَّعنات، والتَّعرّض فِي حقِّ نبيِّنا المصطفى  حتى تخوض فيه أنت يا جويهل بجهلك المطبق، وفِي الحقيقة أنَّ مثل هذه الأمور لا يخوض فيها ولا يحوم حولها إلاّ المستشرقون والاشتراكيون (الشيوعيون)، ومرضى القلوب، بل والَّذي ينبغي فعله إذا ذُكرت، أو سُئل فيها المرء، فلْيذكر ما قاله علماؤنا، ولا ينبغي لكلِّ مَن هبَّ ودبَّ -كما يقال-، أو جاهلٍ من الجهال أن يخوض برأيه وعقله القاصر فيها؛ لأنَّه يقع فِي المحظور بجهله، والله المستعان . وكأنَّ النَّـبيَّ  -بأبِّي وأمَّي هو- لـم يكن له أمرٌ، ولا عملٌ ولا همّ إلاّ ما ذكرته يا مشهور، وهو التَّمتع بالنِّساء؛ لأنَّ الَّذي ذكرته وهو: أنَّ النبيَّ  ما كان يستغني لا فِي الحضر ولا فِي السَّفر ولا الغزوات ... إلخ، إلاّ التَّمتع بالنِّساء!
وإنَّك يا مشهور قد صوَّرت النَّـبيَّ  على شكل إنسانٍ شهوانـيٍّ -عياذاً بالله-، وهذا هو عين كلام المستشرقين، وهذا يدينك يا مشهور بأنَّ فيك لوثةً قويَّةً من لوثات المستشرقين، شئت أم أبيت!!
ولو قرأ أو سمع أحدٌ يا مشهور قولك: (( ما كان ... فِي أسفاره وغزواته يستغني عن النساء ))! يظن أنَّك يا مشهور تتحدث عن فرويـد اليهودي( )!! -عياذاً بالله-، ثم لو سمع الكلام كلَّه، فإذا بك تتحدث عن أشرف الخلق وأشجعه، وهو نبيُّنا المصطفى  -بأبِّـي وأُمِّـي هو- .
قـال الإمام البخاري -رحمه الله تعالـى- فِي ((صحيحه)) (2864) (كِتَابُ الجِهَادِ والسِّيَرِ، بَابُ: مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الحَرْبِ): (( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ  أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ  يَوْمَ حُنَيْنٍ؟! قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ  لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ  فَلَمْ يَفِرَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ  يَقُولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ")) .
هاتِ لنا من سبقك يا مشهور من علماء أهل السُّـنَّة والجماعة إلَى هذا الكلام المشـين المهـين فِي حقِّ نبيِّنا الكريم  ؟!
نعم لقد قـال القاضي عياض -رحمه الله تعالى- فِي ((الشفا)) (ج2/ص:188): ((اعلم -وفقنا الله وإياك- أنَّ جميع من سبَّ النَّبـيَّ ، أو عابه، أو ألحق به نقصًا فِي نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلةٍ من خصاله، أو عرض به، أو شبهه بشيءٍ على طريق السَّبِّ له، أو الإزراء عليه، أو التَّصغير لشأنه، أو الغض منه، والعيب له، فهو سابٌّ له، و الحكم فيه حكم السَّاب، يقتل، وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنَّى مضرّة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث فِي جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، و منكر من القول و زور، أو عيره بشيءٍ مما جرى من البلاء و المحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة و المعهودة لديه . وهذا كله إجماع من العلماء و أئمة الفتوى من لدن الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى هلم جرًّا .
وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سبَّ النَّبـيَّ  يقتل، و ممن قال ذلك: مالك بن أنس، و الليث، و أحمد، و إسحاق، وهو مذهب الشافعي . قال القاضي أبو الفضل: و هو مقتضى قول أبِي بكر الصَّدِّيق ، ولا تقبل توبته عند هؤلاء المذكورين، وبمثله قال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري وأهل الكوفة، والأوزاعي فِي المسلم، لكنَّهم قالوا: هي ردّةٌ . روى مثله الوليد بن مسلم عن مالك . وحكى الطبري مثله عن أبِي حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه ، أو برئ منه أو كذبه . وقال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة .
[قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-]: و لا نعلم خلافًا فِي استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحدٍ الإجماع على قتله وتكفيره، قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النَّبـيِّ  المتنقص له كافرٌ، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمَّة القتل، ومن شكَّ فِي كفره وعذابه كفر.
و قال أبو سليمان الخطابِي: لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف فِي وجوب قتله إذا كان مسلمًا . وقال ابن القاسم عن مالك فِي "كتاب ابن سحنون"، و"المبسوط"، و"العتبية"، وحكاه مطرف عن مالك فِي كتاب ابن حبيب: من سبّ النَّبـيَّ  من المسلمين قتل، ولَم يستتب .
قال ابن القاسم فِي "العتبية": من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنَّه يقتل، وحكمه عند الأمَّة القتل كالزنديق . وقد فرض الله تعالى توقيره وبره .
وروى ابن وهبٍ، عن مالكٍ: من قال: إنَّ رداء النَّبـيِّ  -ويُروى زر النَّبـيِّ - وسخ، أراد عيبه قتل ... وأفتى أبو محمد بن أبِي زيد بقتل رجل سمع قومًا يتذاكرون صفة النَّبـيِّ  إذ مرَّ بِهم رجلٌ قبيح الوجه واللّحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟! هي فِي صفة هذا المارِّ فِي خلقه و لحيته . قال: و لا تقبل توبته. وقد كذب لعنه الله، و ليس يخرج من قلب سليم الإيمان .
وقال القاضي أبو عبد الله بن المرابط: من قال: إنَّ النَّبـيَّ  هزم يستتاب، فإن تاب و إلاَّ قتل؛ لأنَّه تنقصٌ؛ إذ لا يجوز ذلك عليه فِي خاصته، إذ هو على بصيرةٍ من أمره، ويقين من عصمته . وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك و أصحابه أن من قال فيه : ما فيه نقص قتل دون استتابة .
و قال ابن عتاب: الكتاب و السُّـنَّة موجبان أنَّ من قصد النَّبـيَّ  بأذىً أو نقصٍ، معرضًا أو مصرحًا -و إن قلَّ- فقتله واجب، فهذا الباب كلُّه مما عدَّه العلماء سبًّا أو تنقصًا يجب قتل قائله، لَم يختلف فِي ذلك متقدمهم ولا متأخرهم .
[قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-]: وكذلك أقول: حكم من غمصه أو عيَّره برعاية الغنم أو السهو أو النسيان أو السحر، أو ما أصابه من جرح أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه ، أو شدة من زمنه، أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كلِّه لمن قصد به نقصه القتل)).انتهى .
ثم استدلالك بجزءٍ من الحديث هذا ما لا ينبغي، وإن كان الحديث ليس فيه أدنَى استدلالٍ، وهو: "حبب الله إليه النساء"( )، ثم الحديث ليس بهذا اللَّفظ، فتنبه يا هذا!!
قـال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: (( فقال : "حبب إلي من دنياكم" فدلَّ على أنَّ حبَّه  لما ذكر من النِّساء و الطِّيب اللَّذين هُما من أمور دنيا غيره، واستعماله لذلك ليس لدنياه، بل لآخرته، للفوائد الَّذي ذكرناها فِي التزويج، وللقاء الملائكة في الطيب؛ ولأنَّه أيضًا مما يحض على الجماع، ويعين عليه، ويحرك أسبابه، وكان حبُّه لهاتين الخصلتين لأجل غيره، وقمع شهوته، وكان حبُّه الحقيقي المختص بذاته فِي مشاهدته جبروت مولاه ومناجاته، ولذلك ميز بين الحبَّين، وفصل بين الحالين، فقال : "وجعلت قرة عيني فِي الصلاة"، فقد ساوى يحيى وعيسى فِي كفاية فتنتهن، وزاد فضيلة بالقيام بهن. وكان  ممن أقدر على القوة فِي هذا، وأعطي الكثير منه؛ ولهذا أبيح له من عدد الحرائر ما لَم يبح لغيره .
وقد روينا عن أنسٍ أنَّه  كان يدور على نسائه فِي السَّاعة من اللَّيل والنَّهار، وهُنَّ إحدى عشرة . وعن طاوس: أعطي -عليه السَّلام- قوة أربعين رجلاً فِي الجماع. ومثله عن صفوان بن سليم)) ( ).اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: (( والحكمة فِي كثرة أزواجه: أنَّ الأحكام الّتي ليستْ ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثَمَّ فضلها بعضهم على الباقيات))( ).اهـ.
وقـال المُناوي -رحمه الله تعالى-: (( "حُبب -بالبناء للمفعول- إليَّ من دنياكم"، هذا لفظ الوارد، ومن زاد -كالزمخشري والقاضي- لفظ ثلاث، فقد وهم؛ قـال الحافظ العراقيُّ فِي "أماليه": لفظ ثلاث ليست فِي شيءٍ من كتب الحديث، وهي تفسد المعنى . وقال الزركشي: لـم يرد فيه لفظ ثلاثة وزيادتها مخلة للمعنى؛ فإنَّ الصَّلاة ليست من الدُّنيا. وقال ابن حجر فِي "تخريج الكشاف": لـم يقع فِي شيءٍ من الإشارة؛ وهي تفسد المعنى إذ لـم يذكر بعدها إلاَّ الطِّيب والنِّساء، ثم إنه لَم يضفها لنفسه، فما قال: أحب؛ تحقيرًا لأمرها؛ لأنَّه أبغض النّاس فيها، لا لأنها ليست من دنياه، بل من آخرته كما ظنَّ إذ كلُّ مباحٍ دنيوي ينقلب طاعةً بالنِّيَّة، فلم يبقَ لتخصيصه حينئذٍ وجه، ولَم يقُل من هذه الدُّنيا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم ناظر إليها -وإن تفاوتوا فيه- وأمَّا هو فلم يلتفت إلاّ إلى ما ترتب عليه مهمٌ دينيٌّ؛ فحُبِّب إليه النِّساء والإكثار منهنَّ؛ لنقل ما بطن من الشَّريعة مما يُستحيا من ذكره من الرِّجال، ولأجل كثرة، يخلو المسلمين، ومباهاته بهم يوم القيامة، والطِّيب لأنَّه حظُّ الرُّوحانيين -وهم الملائكة- ولا غرض لهم في شيءٍ من الدُّنيا سواه، فكأنَّه يقول: حتى لهاتين الخصلتين إنما هو لأجل غيري، كما يوضحه قول الطيبي: جيء بالفعل مجهولاً دلالةً على أنَّ ذلك لـم يكن من جبلته وطبعه؛ وإنما هو مجبولٌ على هذا الحبِّ رحمةً للعباد، ورفقاً بهم، بخلاف الصَّلاة فإنها محبوبة له بذاتها، ومنه قوله: "أرحنا يابلال بالصلاة"( )، أي: اشغلنا عمّا سواها بها، فإنها تعبٌ وكدحٌ، وإنما الاسترواح فِي الصَّلاة فأرحنا بالنِّداء بها؛ فلذلك قـال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، ذات الرّكوع، والسّجود، وخصَّها لكونها محل المناجاة ومعدن المصافاة، وقيل: المراد صلاة الله عليه وملائكته! ومنع بأن السياق يأباه. وقدم النِّساء للاهتمام بنشر الأحكام وتكثير رواد الإسلام، وأردفه بالطيب؛ لأنه من أعظم الدواعي لجماعهن المؤدي إلى تكثير التناسل في الإسلام مع حسنه بالذات، وكونه كالقوت للملائكة الكرام، وأفرد الصلاة بما يميزها عنهما بحسب المعنى؛ إذ ليس فيها تقاضي شهوة نفسانية، كما فيهما، وإضافتها إلى الدنيا من حيث كونها ظرفاً للوقوع وقرة عينه فيها بمناجاته ربه، ومن ثم خصها دون بقية أركان الدنيا، هذا ما ذكره القاضي همام في بيان وجه الترتيب. وقال بعضهم: لما كان القصد بسياق الحديث بيان ما أضافه النَّبيُّ  من متاع الدنيا بدأ بالنساء كما قـال فِي الحديث الآخر: "ما أصبنا من دنياكم إلاّ النساء"( )، ولما كان الذي حُبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها النساء، بدليل خبر: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"( )، ناسب أن يضم إليه بيان أفضل الأمور الدينية، وهو الصلاة، فالحديث على أسلوب البلاغة من كم بين أفضل أمور الدنيا، وأفضل أمور الدين، وفيه ضم الشيء إلى نظيره، وعبر في أمر الدين بعبارة أبلغ مما عبر به اقتصر في أمر الدنيا على مجرد التحبب، وقـال فِي أمر الدين: "جعلت قرة عيني فِي الصلاة"، فإن فِي قرة العـين من التعظيم مـا لا يخفى))( ).اهـ.
ثانياً: قولـه عن ربِّ العالمين: ((أما إنه قُنِنَت وربنا الذي قننها وربنا الذي حد الممنوع من المشروع وتمتع الرجل بالنساء على وجهٍ ما فيه فوضى ... )) .
قلت: باب الأسماء والصِّفات لله -سبحانه وتعالى-، واقفةٌ على الأدلَّـة الثَّابتة من الكتاب والسُّـنَّة الصَّحيحة، ولا ينبغي أن يقال فِي حقِّ ربِّنَا -سبحانه وتعالى- هذا الكلام السّوقي، البعيد كلَّ البُعد عن الحقائق العلمية والأدلَّـة الشرعية، والعاري عن الأدب، بل يقال -يا جويهل-: هو الَّذي شرع الزَّواج ...إلخ! وما عليك إلاّ أن تجثو على الرّكب عند علماء أهل السُّـنَّة والجماعة، وطلبة العلم، حتى تطلب العلم وتتعلم الأدب مع ربِّ العالمين، وحتى تعرف منزلة النَّـبيِّ ، وتتأدَّب معه  -بأبِّي وأُمِّي هو-، وتعرف حدودك، وقدر نفسك، ورحم الله شخصاً عرف قدر نفسه!!
ثالثاً: قوله: ((صحّ أن النبي  كان يطوف على نسائه بعد العصر بغسل واحد، والنبي دخل بإحدى عشر -كذا- امرأة، إحدى عشر -كذا- مرة، وهذا ليس فيه عيب، ولا فيه شيء يشينه  )).
قلت: قـال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في ((صحيحه))، كتاب الغسل: ((باب: إذَا جَامَعَ ثُمَّ عادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسائِهِ فِي غُسْلٍ واحِدٍ، (268)- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ  يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ .
قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟! قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ تِسْعُ نِسْوَةٍ))( ).اهـ. وهو فِي ((صحيح الإمام مسلم)) (309) .
ويا تُرى يا مشهور لو قال لك قائلٌ: أنت تحب النساء، ولا تستغني عنهُنَّ لا فِي الحضر ولا فِي السفر ولا فِي الغزوات، وتريد الشهوة، وتحب التمتع بالنساء، وأنك تكثر التمتع بالنساء ... إلى آخر هذيانك وتُرَّهاتك وطعونك فِي حقِّ نبيِّنا المصطفى  -بأبِّي وأمِّي هو- أترضاها لنفسك؟!
ويقول فِي نبيِّنا الأكرم : نقل لنا الكفر -عياذاً بالله-، ولما أخذت النَّـبيَّ  غفوةٌ حال نزول جبريل  عليه بسورة الكوثر: قـال: ((هذا ضعف بشري))، نعوذ بالله من الخذلان، كما فِي شريط (270/شرح النووي على مسلم)، وقوله: ((نقل لنا الكفر))، فِي شريط (271/شرح مسلم)، وهو يستدلُّ للقاعدة المعروفة عند أهل السُّـنَّة: ناقل الكفر ليس بكافر، بحديث أنسٍ المتفق عليه، والَّذي فيه أن رجلاً ضلت عليه دابته وعليها أكله وشربه، فلما وجدها، فقال من شدة الفرح: اللَّهم أنت عبدي وأنا ربُّك .
فقال مشهور -هداه الله-: ((نقل النبي  لنا كفره)) -عياذاً بالله-، وهل النبيُّ  بلَّغ ذلك أم نقل؟!
قلت: قـال تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[آل عمران:20] .
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[المائدة:67]، وقـال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[المائدة:92]، وقـال: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ[المائدة:99]، وقـال سبحانه: وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ[الرعد:40]، وقال: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[النحل:35]، وقـال: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[النور:54]، وقال سبحانه: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ[الشورى: 48]، وقال سبحانه: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[التغابن:12] .
وأخيراً يا مشهور من سبقك من العلماء فِي هذا القول الَّذي قلته فِي نبيِّنا الأكرم  -بأبِّي وأمِّي هو-؟! وهل النَّـبيُّ  لـه المثل السوء -عياذاً بالله-؟!
وقولك عندما نزلت على النَّـبيِّ  سورة الكوثر: هذا ضعف بشري، ومثلته بالنّعاس الَّذي يصيب الإنسان، هذا ما لا يليق بمنزلة النَّـبيِّ ، ليتك أخذت بما شرحه النَّووي -رحمه الله تعالى- وتقيدت بـه؛ لأنَّ النَّووي قـال: ((أغفى إغفاءة، أي: نام))، كما فِي ((شرحه على صحيح مسلم)) (4/113)، بل نفس الحديث الَّذي علَّق عليه (مشهور)! وقـال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- كما فِي ((مقدمة الفتح)) (ص:163): ((قوله: "أغفى إغفاءة" نام نوماً خفيفاً)).اهـ.
قـال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- كما فِي ((تفسيره)) (4/403) -عند تفسير الآية (4) من سورة القلم-: ((إنَّه -عليه الصَّلاة والسلام- صار امتثال القرآن، أمرًا ونهيًا، سجيةً لـه، وخلقًا تطبعه، وترك طبعه الجِبلّيَّ، فمهما أمره القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه . هذا مع مـا جبله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم، والشَّجاعة، والصَّفح والحلم، وكلِّ خُلقٍ جميل)) .اهـ.
قـال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- فِي ((صحيحه)) (2) (كتاب بدء الوحي): ((حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ  سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ -وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ- فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ" .
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضى الله عنها-: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا)) .
قـال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- فِي ((الفتح)) (1/29 ط3-دار السلام والفيحاء): ((قوله: "ليتفصد" -بالفاء وتشديد المهملة- مأخوذ من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم، شبَّه جبينه بالعرق المفصود مبالغةً فِي كثرة العرَق. وفِي قولها: "فِي اليوم الشديد البرد" دلالة على كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي؛ لما فيه من مخالفة العادة، وهو كثرة العرق فِي شدّة البرد؛ فإنَّه يشعر بوجود أمرٍ طارئٍ زائدٍ على الطِّباع البشرية)).اهـ.
وقـال الإمام البخاري في ((صحيحه)) (4592) (كتب التَّفسير، باب: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[النساء:95]: ((حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  أَمْلَى عَلَيْهِ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ  وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ[النساء: 95] )) .
قـال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- فِي ((المسند)) (6/118): ((حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا))( ).
بل قـال ربُّنا : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً[المزمل:5] .
وأخيراً وليس آخرًا، يا مشهور هذه المقولات السيئة الَّتي تصدر منك فِي الحقيقة فيها سوء أدبٍ كبيرٍ، وجهلٌ عظيمٌ بمنزلة النَّـبيِّ ، -بأبِّي وأمِّي هو-؛ فتُب إلى الله -سبحانه وتعالى-، قبل الممات وقبل فوات الأوان، واحمد الله سبحانه على ما نُبهت قبل ذلك، ولو كنتَ أنت أتعبت نفسك قليلاً وراجعت المصادر لكان خيرًا لك، ولما وقعت فيه ما وقعت، والله ما أنا إلاَّ ناصحٌ لك، وأنت تعرف جيداً أنَّني ناصحتك فِي بعض الأمور، وأنكرتُ عليك أمورًا أخرى، ولكنَّك أبيتَ ولو قبلت واحدًا منها لما وجدت إلاّ الخير، وقد قيل: صديقك الَّذي يبكيك لا الَّذي يضحكك! والله المستعان. وأين أنت يا مشهور من تلك المكتبة الَّتي تتبجَّح بها كثيرًا، وتطعن فِي الإمـام العلامة المجدد مُحمَّد بن صالح العُثيمين -رحمه الله تعالى-، من أجل أنَّك صاحب مكتبة ضخمة وواسعة، وأنَّه -على ما تزعم بزعمك- ليس بصاحب مكتبة واسعة، لو حرَّكت كرسيَّك المتحرك قليلاً لِتَسحب مِن فوق رأسك بقليلٍ، أو كنت تطلب من الَّذين يؤلِّفون لك الكتب، ويحققونها، كالعادة، أن يحضروا لك شرح ما جاء فِي الحديث، لكنتَ تسلم مما أنت فيه الآن، وتواضعت لله تعالى قليلاً، لأرحتنا من هذا, وأرحت النَّاس، والله المستعان، نسأل الله تعالى العفو والمغفرة .
ويقول فِي نبيِّنا المصطفى ، فِي كتابه الخلفي ((كرة القدم)) (ص: 23): ((ولكن المربِّي العظيم رسول الله  ينتهز الفرصة ليعلمهم الروح الرِّياضية ويعطيهم درساً في أن الجلوس على القمة في الدنيا لا يدوم...))، أيها الجويهل هل النَّـبيُّ  جاء ليعلِّم الصَّحابة العقيدة، والأخلاق، والأخوَّة، والجهاد، والأحكام الشَّرعيَّة...إلخ، أم ينتهز الفرصة ليعلمهم الرُّوح الرِّياضيَّة؟!
والحديث الَّذي استدل به مشهورٌ على هذه المقولة الشَّنيعة في حقِّ نبيِّنا الأكرم ، لَم يستدل به أحدٌ من أهل العلم قديماً، ولا حديثاً في شؤون الرِّياضية بتاتاً، وإنما استدلوا به على وصف ناقة النَّـبيِّ  والسَّبق، كما بوَّب عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالَى- فِي ((صحيحه)) (كتاب الجهاد والسير/باب ناقة النَّبي /حديث: 2872،2871)، وفِي الزُّهد والرِّقاق والتَّواضع، كما بوَّب عليه الإمام البخاري فِي (الرِّقاق/باب التواضع/حديث:6501) .
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- فِي ((الفتح)) (6/91 ط3-دار السلام والفيحاء): ((وفِي الحديث: اتخاذ الإبل للركوب والمسابقة عليها، وفيه التزهيد فِي الدُّنيا للإشارة إلى أنَّ كلَّ شيءٍ منها لا يرتفع إلاّ اتضع، وفيه الحثُّ على التَّواضع، وفيه حسن خلق النبي  وتواضعه وعظمته فِي صدور أصحابه)) .
وقال (11/414 ط3-دار الفيحاء والسلام): ((وزعم بعضهم أنَّه لا مدخل له فِي هذه الترجمة، وغفل عما وقع فِي بعض الإشارة عند النَّسائي (3588) بلفظ: "حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه فِي الدنيا إلا وضعه"، فإنَّ فيه إشارةً إلى الحثِّ على عدم التَّرفع، والحثِّ على التَّواضع والإعلام بأنَّ أمور الدُّنيا كاملةٌ . قال ابن بطال: فيه هوان الدُّنيا على الله، والتَّنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة، وأنَّ كلَّ شيءٍ هان على الله، فهو فِي محل الضعة؛ فحقٌّ على كلِّ ذي عقلٍ أن يزهد فيه، ويقل منافسته في طلبه. وقـال الطبري: في التواضع مصلحة الدِّين والدُّنيا، فإنَّ النَّاس لو استعملوه فِي الدُّنيا لزالت بينهم الشَّحناء، ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة .
قلت –القائل: ابن حجر-: وفيه أيضاً حسن خلق النَّبيِّ  وتواضعه؛ لكونه رضي أنَّ أعرابيًّا يسابقه، وفيه جواز المسابقة)).اهـ.
ثم فِي آخر هذه الرسالة -وهي مأخوذة جُلّها من كتب الإخوان المفلسين-، يشكر هذا الجويهل مساعي هذه الأندية الرِّياضية الهابطة، ويذكر لها إنجـازات -زاعمًا-( )، فلا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله، فما أدري ما هذه الإنجازات؟! إن لـم تكن المخدرات، والحبوب، وسبَّ الدِّين، والرَّبِّ، والإسلام، والشَّتائم، واللَّعن، وضياع الصَّلوات، وضياع الوقت والمال، والفُرقة والاختلاف، بل تجد البيت الواحد ينقسم على أهله إلى فرق، كلٌّ منهم يشجع كذا وكذا من الفرق والأندية، بل والله قد حصل كثيرٌ من الانتحار في أوساط المشجعين؛ لأجل خسارة فريق كذا، أو فاز نادي كذا على نادي كذا، من وراء هذه الأندية الهابطة! وهذا معروف عنهم، والواقع خير شاهدٍ على هذه الأمور، ولربما مشهور حسن يقيس هذه العمليات الانتحارية لأجل هذه الأندية الهابطة على العمليات الانتحارية لأجل الوطن والقومية والأرض، كما قاس الأولى على التترس بالمسلمين!
بل هذه الأندية كانت من أحلام المحافل الماسونيَّة؛ وقد تحقَّق لهم ذلك بنشر هذه الأنديَّة في أوساط الشَّباب، بل أصبحت شغلهم الشَّاغل .
قـال الشَّيخ عبد الرحمن الدوسري -رحمه الله-: ((أوصى المحفل الثالث عشر الماسوني قائلاً: تجب تربية الأطفال وفق منهاج مقرر من قبلنا، إن السيطرة على الشبيبة من أولى غايات الماسونية وأهدافها، دع الكهول والشيوخ جانباً وتفرغوا للشباب، بل تفرغوا حتى للأطفال إذ الانطباعات الأولى لا تنسى، وعليه يجب أن تبنى هذه الانطباعات على أساس أفكارنا، ولابد من تربية للأطفال بعيدة عن الدين، إن الماسونية تستعين بالفرق والأندية الرياضية، والجمعيات الموسيقية؛ لإدامة نفوذها في أوساط الشبيبة))( ).اهـ.
وانظر كيف يمدح ويصف هذه اللُّعبة، فِي ((كرة القدم)) (ص: 21-22) حيث قال هذا الغشوم: ((وأمَّا الوجه الحقيقي لهذه اللعبة -[كرة القدم]- فإننا إذا فهمنا مقاصد الإسلام ومنهجه فِي بناء المجتمعات، نجد كرة القدم من الألعاب التي يزكيها الإسلام، وتزكيها تعاليمه، فهي مدرسة تعلم دروساً في التجمع لا في التشتيت، وفي الوحدة لا في التفرّق، وفي الود لا في التباغض والعداوة، اللعبة التي تؤكد أن الأهداف لا يمكن أن تحقق إلا بالروح الجماعية، وأن الفرد بنفسه كثير بإخوانه)).
بالله عليكم متى وصف مشهور العقيدة السَّلفيَّة بهذه الأوصاف الَّتي لـم نجدها حتى الآن يوصفها في كتبه وأشرطته؟! وما أظنُّ نجد ذلك منه إلاَّ بعد أن يتوب ويؤوب ويرجع إلَى حضيرة أهل السُّـنَّة والجماعة! ويجثو على ركبتيه عند العلماء ويتعلَّم!

للكاتب /
أبو عبد الرحمن بن حسن الزندي الكردي
17/ربيع الثاني/1426 هـ


تنبيه:
هذا فصل من كتاب ((صعقة المنصور لنسف بدع وضلالات مشهور)) بتقريظ الشيخ النجمي

أبو عبدالرحمن الأثري السلفي
05-02-2007, 06:03 PM
جزاك الله خيرا

سلفي
11-01-2007, 05:33 PM
بارك الله فيك

ننتظر البقية

12d8c7a34f47c2e9d3==